الحياة: لندن – ابراهيم حميدي
علقّت طهران تزويد دمشق بمشتقات نفطية وسط أنباء عن تأخير إرسال سفيرها الجديد بسبب انزعاج من بطء الحكومة السورية في تنفيذ اتفاقات استراتيجية بسبب تحفظات داخل الحلقة الضيقة في النظام السوري وتحفظات قدمها الجانب الروسي، وفق ديبلوماسيين زاروا دمشق.
وكان رئيس الوزراء السوري عماد خميس زار طهران في بداية العام الجاري ووقع أربعة اتفاقات استراتيجية تتعلق بتشغيل شركة إيرانية يدعمها «الحرس الثوري» مشغلاً ثالثاً للهاتف النقال واستثمار الفوسفات السوري لمدة 99 سنة والاستحواذ على أراض لأغراض زراعية وصناعية وإقامة «ميناء نفطي» على البحر المتوسط، إضافة إلى توقيع خط ائتمان جديد من إيران بقيمة بليون دولار أميركي يُستخدم نصفه لتمويل تصدير نفط خام ومشتقات نفطية إلى سورية.
ولوحظ أن توقيع هذه الاتفاقات، التي ترددت دمشق سابقاً في توقيعها، تزامنت مع موافقة دمشق على تحويل ميناء طرطوس إلى قاعدة عسكرية روسية مشابهة لقاعدة حميميم في اللاذقية الموجودة إلى أجل غير مسمى ومع تنسيق بين موسكو وأنقرة لإنجاز وقف نار في سورية وإطلاق عملية آستانة، الأمر الذي قوبل بتحفظ إيراني. وفسّر مراقبون ذلك بأنه محاولة من دمشق لـ «التوازن» بين موسكو وطهران والإفادة من اختلاف أولويات حليفي النظام السوري.
الاتفاق الأول، تناول استثمار إيران حقول الفوسفات في منطقة الشرقية الواقعة على بعد 50 كيلومتراً جنوب غربي مدينة تدمر التاريخية. وأفاد «سيريا ريبروت» الاقتصادي بإدارة الباحث جهاد يازجي بأن سورية تملك أحد أكبر احتياطي من الفوسفات في العالم بـ1.8 بليون طن يقع معظمه في الشرقية، لكن الإنتاج منخفض عن الإمكانية إذ إنه لم يتجاوز 3.5 مليون طن في 2011، إضافة إلى تصدير 400 ألف طن إلى إيران في 2013.
وكانت منطقة الشرقية موقع معارك بين القوات النظامية و «حزب الله» من جهة، وتنظيم «داعش» من جهة أخرى، أسفرت عن استعادة الطرف الأول تدمر وريفها للمرة الثانية بفضل دعم جوي وبري من الجيش الروسي.
وأوضحت مصادر مطلعة لـ «الحياة» أن موسكو لم تكن مرتاحة لاتفاق الفوسفات في منطقة تعتبرها ضمن نفوذها، وسط أسئلة عن أسباب تبادل القوات النظامية و «داعش» السيطرة على تدمر التي تقع بين العراق ولبنان، والتي يُعتقد أنها يمكن أن تكون في المستقبل ممراً لأنابيب غاز تفكّر إيران في مدها إلى سواحل المتوسط.
تنصت إيراني
ويتعلق الاتفاق الثاني برخصة ثالثة للهاتف النقال إلى جانب «سيرياتل» و «أم تي ان». ووفق مصادر، فإن الشركة الجديدة تُقسم إلى ثلاث حصص: 40 في المئة لشركة ورجال أعمال من إيران، و40 في المئة لرجال أعمال و «صندوق دعم الشهداء» (أي قتلى المعارك)، و20 في المئة لـ «المؤسسة العامة للاتصالات الحكومية». وأفاد «تقرير سورية» بأن الجانب الإيراني سيمثل عبر شركة «ام سي أي» وهي جزء من مؤسسة تحتكر الاتصالات في إيران. وفي 2009 باتت «»ام سي أي» خاصة مرتبطة بـ «الحرس الثوري الإيراني»، وسعت في 2010 إلى نيل رخصة تشغيل في سورية، لكن دمشق رفضت ذلك وقتذاك.
ووفق المصادر، فإن الخلاف ظهر بين دمشق وطهران على التنفيذ، ويتعلق بـ «خدمة التجوال بين شبكات الهاتف النقال داخل سورية وخارجها وإقامة البنية التحتية والعائدات التي تريدها طهران لسداد ديونها على دمشق»، إضافة إلى اعتراض متنفذين في دمشق على تقاسم حصص العائدات. ونقلت «رويترز» عن كريم سجادبور الباحث الأول في برنامج الشرق الأوسط في «معهد كارنيغي للسلام» الدولي: «الاتصالات قطاع حساس للغاية. سيسمح لإيران بمراقبة وثيقة للاتصالات السورية»، الأمر الذي أثار تحفظات في دمشق وموسكو.
وستعطي دمشق إيران، بموجب الاتفاق الثالث، خمسة آلاف هكتار من الأراضي للزراعة وإقامة مشاريع صناعية وتربية الابقار، لكن الخلاف كان حول مكان هذه الأراضي، إذ إن الحكومة السورية اقترحت أن تكون هذه المناطق في الرقة معقل «داعش» شرق سورية، مقابل تمسك طهران باستحواذ أراض بين مدينة داريا التي كانت استعادتها القوات النظامية نهاية العام الماضي من جهة ومنطقة السيدة زينب معقل تنظيمات شيعية تابعة لإيران من جهة أخرى. وتردد أن موسكو تدخلت لإجراء تغييرات في شركة مشرفة على تنفيذ مشروع سكني بين كفرسوسة وداريا للحيلولة دون إجراء تغيير ديموغرافي، إضافة إلى انتشار قوات روسية بينها شرطة عسكرية في منطقة وادي بردى قرب مناطق انتشار «حزب الله» بعد التوصل إلى هدنة.
وتناول الاتفاق الرابع إعطاء دمشق طهران ألف هكتار لإنشاء مرافئ للنفط والغاز على البحر المتوسط. وقيل إن إحدى المناطق المقترحة للميناء هي بانياس بين طرطوس واللاذقية، المعقلين العسكريين للجيش الروسي. وكانت طهران سعت إلى توسيع ميناء طرطوس إلى قاعدة عسكرية، لكن موسكو اعترضت ثم تدخلت عسكرياً في شكل مباشر نهاية 2015 ونشرت قاعدة صواريخ «اس-400» في اللاذقية ثم قررت توسيع ميناء طرطوس. وقال مسؤول غربي: «للمرة الأولى منذ مئات السنوات، حققت روسيا حلمها وقاعدة عسكرية دائمة على البحر المتوسط».
خط ائتمان
وتناول الاتفاق الخامس موافقة إيران على خط ائتمان جديد بقيمة بليون دولار أميركي. وأوضح يازجي لـ «الحياة» أن إيران قدمت منذ 2013 خطوط ائتمان إلى دمشق بقيمة 6.6 بليون دولار، بينها بليون دولار في بداية العام الجاري خصص نصفها لتمويل تصدير النفط الخام ومشتقاته إلى سورية. ووفق بيانات وكالة الطاقة الدولية، صدّرت إيران 70 ألف برميل من النفط يومياً إلى سورية، فيما قال رئيس الوزراء السوري في طهران إن كلفة فاتورة النفط بلغت بين بليونين وثلاثة بلايين دولار وإن خط الائتمان الجديد يوفر بين 20 و30 في المئة من حاجة البلاد. وكانت الحكومة السورية فقدت السيطرة على آبار النفط والغاز وانخفض إنتاجها الذي كان حوالى 380 ألف برميل يومياً قبل 2011 إلى حوالى 30 ألف برميل. وقالت مصادر إن «وحدات حماية الشعب» الكردية تنتج حوالى 50 ألف برميل يومياً وتبيع البرميل بثمانية دولارات في السوق السوداء، إضافة إلى سيطرة «داعش» على آبار أخرى، وسط أنباء عن عقود غير معلنة لتوريد مشتقات النفط إلى مناطق سيطرة القوات النظامية.
وقال لـ «الحياة» ديبلوماسيون يزورون دمشق إن طهران، التي كانت طالبت الحكومة السورية بـ «ضمانات سيادية» لقروضها المالية ومساهمتها العسكرية في سورية، وبسبب عدم رضاها عن تنفيذ الاتفاقات الموقعة جمّدت تصدير عائدات نفطية إلى دمشق، ما أدى إلى ارتفاع غير مسبوق في أسعارها، ملاحظين أن موالين لدمشق بدأوا توجيه انتقادات علنية لـ «عدم وفاء الحلفاء تعهداتهم بتوريد مشتقات النفط». كما لوحظ تأخر وصول السفير الإيراني الجديد جواد ترك آبادي إلى دمشق بعد «تباين» على تعيين حسين شيخ الإسلام مرة أخرى، علماً أنه كان سفيراً في دمشق قبل عشر سنوات ويعتبر من المقربين من «الحرس الثوري». ونُقل عن مسؤول في دمشق قوله إن سبب تأخر وصول مشتقات النفط هو عدم تقديم شركات التأمين غطاء لسفن الشحن، لافتاً إلى أن دمشق بحثت مع الجزائر تزويدها بمشتقات لتعويض النقص في الأسواق السورية.
وتراهن طهران على دور كبير في إعادة إعمار سورية بسبب دور «الحرس الثوري» وميليشيات تساعدها في دعم القوات النظامية في السنوات الست الماضية، لكن في الوقت نفسه يثير مسؤولون إيرانيون في شكل دائم مع مسؤولين أوروبين وجوب مساهمتهم في إعادة إعمار سورية من دون شروط سياسية. ودعا خميس في لقائه علي أكبر ولايتي مستشار الزعيم الأعلى الإيراني علي خامنئي إلى الاستثمار في مشاريع إعادة الإعمار في سورية «حيث تدمرت البنية التحتية بسبب الحرب». وأبدت طهران بالفعل اهتماماً بمساعدة سورية في إعادة بناء الطرق والمطارات ومحطات الكهرباء والموانئ – وهو ما قد يصب في مصلحة «الحرس الثوري» الذي يمتلك أكبر شركات قطاع التشييد في إيران. ونقلت «رويترز» عن مسؤول إيراني قوله إن طهران مستعدة لتوقيع اتفاقية طويلة الأجل مع دمشق في قطاع الطاقة. وتعمل شركات إيرانية بالفعل في عدد من مشروعات توليد الكهرباء البالغة قيمتها 660 مليون دولار.