طلابنا عطشانون في – الهندية-

iragisomeriلعل اكثر مايسعد طلاب الابتدايءة ايام زمان هو عدد الشواغر في جدولهم المدرسي الاسبوعي.
ورغم انهم يلعبون ويهرجوت طول يومهم الا انهم يجدون في “الشاغر” الذي بين حصتين طعم خاص.
ولعل صغار الطلاب من العراقيين وكبارهم لايقبلون ًعلى ثبات الحال فقد ابتدعوا طريقة جديدة في حياتهم الدراسية بعد ان اصبحت كلمة شاغر في متحف التاريخ الحديث.
لم يكن التغيير الذي اجروه صعبا، فهم بالتعاون مع مدرسيهم استبدلوا كلمة شاغر بكلمة “ماء”.
وكان في طليعة هذا التغيير تلاميذ ومعلمي مدرسة الطبري الابتدائية للبنين ومدرسة خولة بنت الازور الابتدائية للبنات في قرية الصكبانية الواقعة في قضاء الهندية التابع لمحافظة كربلاء المقدسة.
وحين تبدءا حصة الماء بين حصتين دراستين ينقسمون الى مجاميع ليدوروا على البيوت المجاورة يطلبون من اصحابها الماء عند حاجتهم الى دورة المياه الصحي او مياه الشرب والتغسيل بسبب تلف الانابيب المياه والمرافق الصحية.
انه امر مضحك اليس كذلك؟.
تخيلوا طلابا يخرجون في جماعات من مدرستهم ويلفوا على البيوت وفي يد كل واحد منهم “سطل” يطلبون الماء تماماًكماًكان اباءهم واجدادهم يلفون على البيوت ولكن في “ايام الكركيعان”.ولم يتاكد بعد ان هولاء الطلبة يصيحون امام باب البيت:يا اهل السطوح تنطون ماي لو نروح”.
الذي يسعده الحظ ويرى هاتين المدرستين سيتاكد تماما انه انتقل الى عالم ليس موجودا مثيله حتى في اعمق اعماق الريف الارتيري او مناطق “بوك حرام”. فليس الماء وحده هو المفقود رغم ان استاذ التربية الاجتماعية يقول دوما ان الماء من اهم ضرورات الحياة وبدونه لايقدر الانسان ان يعيش.
المفقود ايضا الاثاث المدرسي وقد لايستغرب الزاير حين يرى مدير المدرسة يفترش حصيرة ليجلس عليها مع ً المدرسين يتسامرون ضاحكين على حالهم وما ال اليه.
سيجد الزاير ايضا ان حاوية “النفايات” لم تفرغ طيلة الدوام الدراسي لان المسوول البلدي رجل حازم ومدمن على المحافظة على البيءة ويقول بفخر ان سبب الامتناع عن تفريغ الحاوية هو عدم وضع النفايات بشكل قانوني.
نقطة نظام:العديد من اولاد الملحة قرروا ان يتظاهروا امام بلدية قضاء الهندية مطالبين مسوولها بتسليم نفسه الى قضاء عبعوب والحكم عليه برفع الصخرة من مكانها الحالي الى اي مكان اخر.
وحين يستقر المقام قليلا بهذا الزاير سيجد ان هولاء الطلاب سمعوا بشيء اسمه الكهرباء التي تشغل المراوح والاضوية وغيرها.
ويسمع هولاء الطلاب من الكبار في بعض الاحيان انهم حينما كانوا في مثل سنهم يتحججون لدى المدرس وهو في قمة شرحه للدرس: استاذ الله يخليك اكدر اروح اشرب ماي، او ، استاذ والله انا محصور واريد اروح للتواليت.
فبماذا يتحجج طلاب اليوم ، الماء غير موجود والتواليت ،اجلكم الله، بلوك من الاسمنت له حفرة في وسطه،ويمكن ان تتخيلوا كيف وضعها على مدار السنة.
وحين يكبر هولاء الطلاب سيقولون ان الزمن الذي عاشوا فيه قبل سنوات طويلة لم يكن من عمرهم لانهم كانوا يبحثون عن الماء والكبار حشوا حساباتهم المصرفية بملايين الدولارات.
اليس هذا من علامات الساعة؟ يمكن ان تكون كذلك ولكنهم لم يشيروا الى الشركة المصنعة فهل هي سويسرية ام بلغارية ام امريكية هندية.
فاصل استنكار:هل يمكن لنا بعد ذلك ان نحزر من اي صنف من البشر خلق هولاء المسوولون في تربية محافظة كربلاء؟.

About محمد الرديني

في العام 1949 ولدت في البصرة وكنت الابن الثاني الذي تلاه 9 اولاد وبنات. بعد خمسة عشر سنة كانت ابنة الجيران السبب الاول في اقترافي اول خاطرة انشائية نشرتها في جريدة "البريد". اختفت ابنة الجيران ولكني مازلت اقترف الكتابة لحد الان. في العام 1969 صدرت لي بتعضيد من وزارة الاعلام العراقية مجموعة قصص تحت اسم "الشتاء يأتي جذلا"وكان علي ان اتولى توزيعها. في العام 1975 التحقت بالعمل الصحفي في مجلة "الف باء" وطيلة 5 سنوات كتبت عن كل قرى العراق تقريبا ، شمالا من "كلي علي بيك" الى السيبة احدى نواحي الفاو. في ذلك الوقت اعتقدت اني نجحت صحافيا لاني كتبت عن ناسي المعدومين وفشلت كاتبا لاني لم اكتب لنفسي شيئا. في العام 1980 التحقت بجريدة" الخليج" الاماراتية لاعمل محررا في الاخبار المحلية ثم محررا لصفحة الاطفال ومشرفا على بريد القراء ثم محررا اول في قسم التحقيقات. وخلال 20 سنة من عملي في هذه الجريدة عرفت ميدانيا كم هو مسحوق العربي حتى في وطنه وكم تمتهن كرامته كل يوم، ولكني تعلمت ايضا حرفة الصحافة وتمكنت منها الا اني لم اجد وقتا اكتب لذاتي. هاجرت الى نيوزيلندا في العام 1995 ومازلت اعيش هناك. الهجرة اطلعتني على حقائق مرعبة اولها اننا نحتاج الى عشرات السنين لكي نعيد ترتيب شخصيتنا بحيث يقبلنا الاخرون. الثانية ان المثقفين وكتاباتهم في واد والناس كلهم في واد اخر. الثالثة ان الانسان عندنا هو فارزة يمكن للكاتب ان يضعها بين السطور او لا. في السنوات الاخيرة تفرغت للكتابة الشخصية بعيدا عن الهم الصحفي، واحتفظ الان برواية مخطوطة ومجموعة قصصية ويوميات اسميتها "يوميات صحفي سائق تاكسي" ومجموعة قصص اطفال بأنتظار غودو عربي صاحب دار نشر يتولى معي طبع ماكتبت دون ان يمد يده طالبا مني العربون قبل الطبع. احلم في سنواتي المقبلة ان اتخصص في الكتابة للاطفال فهم الوحيدون الذين يقرأون.
This entry was posted in الأدب والفن, كاريكاتور. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.