منذ اشتداد الأزمة السورية، ساد اقتناع بين المتحاربين بأن من يسيطر على حلب يربح الحرب. وفي السنة السادسة لهذه الحرب لا تزال العاصمة الاقتصادية لسوريا أو ما تبقى منها، عصية على الفريقين اللذين أخفق كلاهما في بسط سيطرته على كل مساحتها.
لكنّ النظام المكتسب زخماً، قرر على ما يبدو حسم المعركة هناك لمصلحته طمعاً بإعلان النصر الكامل الذي لا يزال مقتنعاً بامكان حصوله، وتمهيداً لفرض خطته للانتقال السياسي في جنيف. وهو يحاول زج موسكو في معركته، انطلاقاً من أن الحملة العسكرية في سوريا حققت مكاسب لروسيا، وأن الرئيس بوتين لن يجازف بإضاعة جهوده والامتناع عن دعم قوات الأسد في حلب.
من هذا المنطلق، بدا رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي واثقاً من نفسه عندما قال أمام وفد من مجلس دوما الدولة الروسي إن الجيش السوري يستعد مع “شركائنا” الروس لتحرير حلب.
لكنّ موسكو تعرف جيداً أن عملية كهذه تقضي على ما تبقى من أمل في استمرار الهدنة المترنحة في سوريا، وتضعف موقعها في محادثات جنيف. لذا لم تتأخر في الرد على الحلقي ومن يقف وراءه، مؤكدة أن لا خطط لاقتحام المدينة. وعلى رغم تصريح قائد قيادة العمليات الرئيسية في هيئة الأركان العامة الروسية سيرغي رودسكوي بأن نحو 9500 من مقاتلي “جبهة النصرة” احتشدوا جنوب غرب حلب وشمالها، وأنهم يخططون لهجوم واسع النطاق لقطع الطريق بين حلب والعاصمة دمشق، أكد أن كل تحركات الجيش السوري والقوات الجوية الروسية تهدف الى افشال خطط “جبهة النصرة”، ولا خطط لاقتحام مدينة حلب.
مرة جديدة يظهر التباين بين موسكو ودمشق في شأن آليات الحل في سوريا. فمع إعلان انسحابها الجزئي من سوريا في آذار الماضي، حاولت موسكو الضغط على الأسد من أجل التعامل بجدية أكبر مع مسار الحل السلمي. في حينه، كان مسؤولون سوريون، بينهم وزير الخارجية وليد المعلم ، يحاولون تجاوز الخطوط العريضة للحل التي أقرها مجلس الأمن في كانون الأول الماضي، بدعم روسي. لذا جاء الانسحاب الروسي المفاجئ بمثابة رسالة واضحة الى الاسد، بأن قرار الحل السياسي قد اتخذ، وأنه لن يستطيع استغلال موسكو لتحقيق مكاسب عسكرية، وإن لم تقرر التخلي عنه بعد.
وبدل أن يذهب النظام الى جنيف للتفاوض على مصير سوريا، يتطلع حالياً إلى تكريس معادلة جديدة على الارض بفوز عسكري في حلب وانتخابات نيابية يستبق بها أي ضغوط من المجتمع الدولي. عندها تصير طريقه سالكة لفرض حل سياسي على مقاسه تشرف بموجبه حكومته على صوغ دستور جديد واجراء انتخابات نيابية جديدة، واحتمال إجراء انتخابات رئاسية يستطيع الأسد الترشح فيها. فهل تراه يفلح؟
* نقلا عن “النهار”