فارس سقط عن صهوة جواده
كان فارساً لحصان رشيق يمخر به عباب الصحارى والبوادي والجبال , يقف يقبل نبع الماء ويروي حصانه الأشهب .
يطارد الحسان ويغني للجنان ويمتشق سيفه وينشر الشعر والنشيد والغزل . يقف عند الأطلال , الأهل , الأحبه , والحبيبه , ويرسل لها من قلبه الشحرور أغنية أسمها قصيده . يناجي كأس الخمر ليلاً ويغمز للنجوم عندما يكون مرتحلاً في غلق الليل ويناجي مضارب العنقود الذي ينوي قطفه .
رقص وغناء وشرب وغزل وحب وفروسيه , شعر وفن وقلب ذهبي مفتوح . إنه قاموس الحياة الورديه المبتسمه تلك هي فقط الحقيقه البشريه الفطريه ورب العزه.
لا يتوقف معه الزمن , يشم رائحة الزهور في اليمن ويتذوق التمر في العراق ويزور الجبال الخضراء في عمان ويرتشف قهوة اليمن ويعبد غبار الزمن بكل إتجاه وزمن .. حالم وعالم .
فجأة يتوقف الزمن ويسقط الفارس عن جواده مكبلاً بسلاسل من كلمات ويسجن في كتاب الزمن ويفقد صوته الذي ينشر الحب . حبيبته التي لا يستطيع رؤيتها وكأس الخمر التي أصبحت ممنوعه بفرمان من صاحب الزمن . قلبه قسى وشعره أسى وروحه بلاء . غادرت البسمة حياته وحصانه هاج وتمرد ويركض بدون حبيبه الفارس.
لأول مره يفكر الفارس بالموت فقد منع عنه أكسير الحياة , فهو مسجون في زنزانة كلمات في كتاب لا روح له , ورق وأحبار , كلماته شجار وكله أسفار , ألحانه إنتقام وغنائه أشجان ونهايته الموت بالألغام
الفارس يعيش في الظلام بإنتظار وصول الإمام الذي سوف يسير به في طريق الآلام حتى بوابة حضرة السلطان الذي سيأمر السجان بجز إحساس هذا الإنسان وإعطائه هدية السلطان : فقدان الأمان ومنعه من معصية الشعر والضحكة والحسان .. إنه زمن الخصيان
لقد سقط الفارس الضحوك عن حصانه الممشوق وكلمته الصدوق . قصيدته أصبحت خاويه بعد شفط السلطان حبيبته الهاويه وتكبيله بكلمات عاويه .. ما أحب الموت بدلاً عن الحياة .
غنى للموت نشيد الجهلاء ولطم على مؤخرة الإمام قصيدة اللئام ودفن معه السلام . هنا تنبه الفارس لحاله وغنى قصيدة : غلطة عمر , وحاول كسر قيد الكلمات , إلاأن السلطان زاده سعيراً ونيران وألبسه فستان الحسان وفي نهاية السهرة أرسله الى صالون الغلمان .
عندما يموت السيف يقتل الشعر وعندما تخطيء الكلمات البشر , تهيج مشاعر الشيطان ويقتل القمر , واذا قتل القمر حلَّ الظلام وبردت الأرض وعم الطوفان .
إننا بغبائنا وعبادة الوثن (( الوهم )) أصبحنا سجناء كلمات لا طعم فيها ولا غناء .. فتباً للغباء .