دينيس روس
يستند معارضو منح أوباما موافقة الكونجرس لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا على مجموعة أسباب تسترعي اهتمامهم. فهم يعتقدون أن العمل العسكري يتطلب تكاليف باهظة وغير مضمون النتائج، وأن ما يحدث في سوريا لا يعدو أن يكون حرباً أهلية يشترك فيها بعض المعارضين من ذوي التوجهات الحسنة والكثير من ذوي الميول الشريرة. وهم يعترفون بأن استخدام الأسلحة الكيميائية هو عمل شنيع، إلا أن ما حدث في سوريا لا يمثل مشكلة بالنسبة لنا إلا إذا تدخلنا هناك عسكرياً. ويرون أنه يمكن لهذا التدخل أن يؤدي إلى الانزلاق في منحدر خطير سيتعذر معه تجنّب استخدام القوة العسكرية على نطاق أوسع، بحيث نجد أنفسنا وقد أُقحمنا في صراع طويل الأمد لا يمكننا الانتصار فيه. وهذا يذكرنا بحربي العراق وأفغانستان وحيث كلّفنا خوضهما الكثير من الدماء والأموال حتى أصبح الشعب الأميركي، وفقاً لما تؤكده استطلاعات الرأي، يرفض بشكل قاطع التورط في صراعات الشرق الأوسط ويحْذرها.
وقد يكون بوسعنا أن نتفهّم مبررات الحذر والخوف عند هؤلاء، إلا أن ذلك لن يخفّض من تكاليف عدم التدخّل على الإطلاق. وينظر معارضو الضربة العسكرية من كلا الحزبين الممثلين في الكونجرس إلى الأمر ببساطة شديدة مؤداها أننا إذا قررنا الامتناع عن التدخل في النزاع فسوف لن نتحمل أية تكاليف. وقد أشار أوباما ووزير خارجيته كيري إلى أن مثل هذا الموقف سيؤدي إلى تداعيات خطيرة تتعلق بصلب المبادئ والمعايير الدولية التي تحظر استخدام الأسلحة الكيميائية. ويبدو من المؤكد أنهما نطقا بالحقيقة عندما أشارا إلى أننا لو رأينا الأسد يقتل شعبه بالغازات السامة ولم نواجهه إلا بالعبارات القاسية ومن دون أن نعاقبه، فسوف يستخدم هذا السلاح مرة أخرى. ولا نشك أبداً في أن الثمن سيكون في هذه الحالة باهظاً بالنسبة لسوريا وبلدان العالم الأخرى. ولعل ما هو أدهى من ذلك وأمرّ، هو أن بعض الأشرار الآخرين سوف يفهمون أن استخدام الأسلحة الكيميائية ليس مسموحاً به فحسب بل إنه لم يعد كافياً لاستثارة ردود الأفعال المناسبة من العالم المتحضر في ظلّ الظروف الجديدة المتولدة من الكفّ عن معاقبة الجناة.
وهناك ما هو أكثر من ذلك، فالآراء التي يعتمدها المعارضون لمنح أوباما الموافقة على الضربة العسكرية تحمل الصفة التجريدية المطلقة. فهي تعني أن التهديدات الحقيقية والمفاجئة والمباشرة هي وحدها التي تستدعي من الولايات المتحدة الرد عليها بالضربات العسكرية. وإذا صرفنا النظر عن الدعوة لعدم اللجوء إلى الرد العسكري إلا في الحالات الأكثر خطورة، فسوف يكون هناك أمر آخر يستحق منا أخذه بعين الاعتبار، فإذا عمد المعارضون في الكونجرس إلى رفض الموافقة على الضربة وما سيترتب على هذا الموقف من شعور لدى أوباما بأنه لم يعد يستطيع قيادة قواته لمعاقبة النظام السوري، فسوف يؤدي ذلك بالضرورة إلى التأكد من عدم جدوى مواقفنا السياسية من الصراع مع إيران حول قضية امتلاكها للأسلحة النووية.
وأنا أقول ذلك لسببين. أولا، لأن روحاني الذي واصل الغمز بإشارات توحي بأنه جاهز لعقد صفقة حول البرنامج النووي الإيراني، سوف يضعف موقفه بشكل كبير عندما يتأكد بأن الولايات المتحدة لا يمكنها استخدام القوة العسكرية ضد سوريا. وفي هذه الحال، سوف يتأكد المتشددون في الحرس الثوري الإيراني والمقربون من المرشد الأعلى من أن الحصول على السلاح النووي يحتاج إلى تكاليف اقتصادية فحسب ولا ينطوي على أية أخطار عسكرية. وسوف يتوصلون إلى استنتاج يفيد بأنه عندما تمتلك إيران الأسلحة النووية، فسوف تثبّت نفوذها في المنطقة وستتعزّز قوتها العسكرية الرادعة وسيتأكد العالم من أن العقوبات التي تم فرضها عليها قد آلت إلى الفشل. وفي هذا الوقت بالذات سوف يحلّ عصر التحدي الحقيقي مع إيران.
أما اليوم، فإن خامنئي ما زال يشعر بالخطر من وضع الولايات المتحدة كافة الخيارات على الطاولة وأن أوباما لن يسمح لإيران بامتلاك الأسلحة النووية. فإذا تم منعه من استخدام القوة ضد سوريا، فسوف يكون من الواضح أن كل الخيارات قد اختفت من فوق الطاولة وبأنه بات علينا التعايش مع واقع جديد تمتلك فيه إيران الأسلحة النووية.
ويضاف إلى ذلك أن إسرائيل لا يمكنها أن تتقبل هذا الواقع إلى ما لانهاية. وهذا يمثل السبب الثاني الذي يؤكد على أن عدم استخدام القوة ضد سوريا سيؤدي إلى استخدامها ضد إيران، وسوف تشعر إسرائيل بغياب دواعي ومبررات الانتظار، وبأنه لم يعد هناك أي ضرورة لمنح الحلول الدبلوماسية فرصة جديدة، ولن يبقَ ثمّة ما يبرر الاعتقاد بأن الولايات المتحدة سوف تهتم بهذه المشكلة. وينظر نتنياهو إلى إيران النووية على أنها تمثل الخطر الدائم الذي قد يؤدي إلى «محرقة يهودية جديدة»، وبأن عليه أن يقف بحزم ضد هذا الخطر الذي يتهدد الشعب اليهودي. وطالما أنه يشعر بأن أوباما مصمم على مواجهة الخطر الإيراني فإن بوسعه تأجيل العمل. إلا أن هذا الوضع سوف يشهد نهايته لو تمكّن المعارضون في الكونجرس من منع الضربة العسكرية ضد سوريا.
ولو نجح هؤلاء المعارضون، فإنهم سيحولون دون تحقيق الضربة التي أرادها أوباما أن تكون محدودة. وحتى بعد أن استخدمت إسرائيل القوة العسكرية لفرض التقيد بالخط الأحمر ومنع سوريا من نقل الأسلحة المتطورة إلى «حزب الله»، فإن كلاً من الأسد وإيران و«حزب الله» امتنعوا عن الردّ. فلقد كانوا قليلي الاهتمام بالرد على الهجمات الإسرائيلية التي يقتصر أثرها على إضعاف القوات الحكومية السورية وجعلها تحت رحمة قوات المعارضة. وهذا يعني أيضاً أن اهتمام سوريا وإيران بالتصعيد ضد الولايات المتحدة عند تنفيذ الضربة العسكرية سيكون محدوداً.
نقلاً عن “الاتحاد” الإماراتية