أعظم من قدم الكوميديا في طول التاريخ وعرضه، هو أريستفانيس، الكاتب المسرحي الإغريقي (القرن الخامس قبل الميلاد)، هو أول من قدم ثنائية الجنس والسياسة في عمل فني جعل منه قاعدة لإطلاق صواريخه الفكاهية، وأيضا كأساس متين لفكرته الأساسية، وهي رفض الحرب وتحريض الناس على المضي صوب السلام. الحرب الدائرة بين إسبرطة وأثينا لأكثر من أربعين عاما، ألهمته فكرة مسرحيته «ليزيستراتا» وهو اسم المسرحية واسم بطلتها.
تحت ضغط الحرب التي يبدو أن لا نهاية لها، قررت هذه السيدة عمل تنظيم سياسي نسائي يتخذ من الجنس، بمعنى أدق عدم ممارسته، وسيلة للضغط على المتحاربين من الفريقين لكي يتوقفوا عن القتال. لن تنام سيدة في الفراش مع زوجها إلا بعد الوصول إلى السلام. شرحت الفكرة لكل زميلاتها من الزوجات في أثينا فاقتنعن بها وانضممن إليها، واعتصمن في معبد الآلهة أثينا واتخذن قرارا بالامتناع عن معاشرة أزواجهن بعد عودتهم من ساحة القتال، مهما كانت الإغراءات أو الضغوطات أو التوسلات أو التهديدات، إلا بعد الوصول إلى السلام. هذه هي الفكرة الأساسية (الثيمة) للمسرحية. من يريد أفكارا، سيجد أمامه وليمة من الأفكار يتناول منها ما يريد، أما المتفرجون الذين جاءوا طلبا للضحك والاستمتاع بالفرجة، فيا له من منجم للفكاهة! يا له من مهرجان للضحك الإنساني الجميل!
وضوح الفكرة وصلابتها، أشبه بالقاعدة الخرسانية، كل مشهد وكل موقف وكل جملة حوار تقيمها عليها، لا بد أن تفجر ضحكا صافيا يخلو من أي افتعال، وذلك عندما يجد المتفرج نفسه وجها لوجه أمام الضعف الإنساني بكل ما يحدثه من تداعيات مضحكة. وبعد الكثير من المحاولات اليائسة الفاشلة من الأزواج لإثنائهن عن عزمهن، يكتشفون أن الحكاية جد لا هزل فيه؛ الطريق إلى الفراش لا بد أن يمر بالسلام. وتبدأ جلسات التفاوض، وتنفجر الخلافات الحادة بينهم، وتتناثر العبارات الخشنة، ولكنك لا تعرف بالضبط هل هم يتكلمون عن أجزاء من الأرض المتنازع عليها، أم على أجزاء من الجسم الأنثوي، وكل قضية تبدو جادة ظاهريا، سيرى المتفرج أن الهدف من ورائها، هو الرغبة في الذهاب سريعا إلى الفراش.
وهناك في معسكر السيدات للسلام، سيتفجر الضحك أيضا من الضعف الإنساني، فهناك مثلا الزوجة التي تضعف، وتبيع القضية، وتحاول التسلل تحت جنح الظلام لتقابل زوجها، فينكشف أمرها ويقبض عليها، وتتهم بالخيانة. لك أن تتصور الشابة المسكينة، وقد أحاط بها عدد من السيدات الشرسات، وهي تصيح: ما حصلش والله… أنا كنت خارجة أشتري حاجة وراجعة تاني….
– اخرسي يا مجرمة… ليكي عين تتكلمي… إحنا عارفينك ومراقبينك… وشفناكي وانت لازقة فيه تحت تمثال الإله باخوس… دا احنا لو كنا سبناكي خمس دقايق، كان حصل اللي حصل، وضيعتي لنا حركة السلام.
– أبدا والله… أنا كنت باسلم عليه، وبأقول له حاجة… أصله كان طلب مني أبعت السيف بتاعه عند السنان… كنت عاوزه أديله الوصل بتاعه عشان يروح يستلمه.
– أني سيف فيهم يا خاينة يا مجرمة؟ أمال كان بيحارب بإيه، بالاستبن؟ مش عارفة تصمدي شوية عشان السلام… وحياة أبويا، السلام خسارة فيكي وفي أهلك…
منقول عن الشرق الاوسط