كانت غريتا غاربو أجمل عينين في هوليوود أيام السينما الصامتة، وقبل أن تدهم الشيخوخة جمال الأحداق اعتزلت واختفت بلا عودة. وكانت بريجيت باردو إثارة الشاشة الفرنسية، فلما وصل عتي الكبر إلى شاطئ سان تروبيز، دخلت إلى المنزل لتقضي بقية العمر مع الحيوانات، لكي لا يشمت بها البشر. وفي السينما العربية خرجت ليلى مراد من الشاشة تاركة في ذاكرة المشاهد العربي صورة حسناء تغني بصوت جميل.
لم تعرف صباح كيف تبتعد عن الأضواء التي أخذت تحرق رموشها، وراحت حرارتها تذيب مساحيقها، لم تقرأ قول المتنبي في جمال الوجوه وكيف يحول، لم تصدق أن الجماهير المصفقة لن يبقى لها ما تعطيه سوى الشفقة، كان قلبها طيبا، الصبوحة، وطباعها كريمة.
شاهدها لبنان (والعرب) في ستينها الأخيرة امرأة فقيرة، معوزة، شبه مقعدة تشكو وحدتها وآلامها وانفضاض الخلان، كما في الأفلام والأغاني وحكايات الجمال الذي يبدده العمر ويحوّله إلى تجاعيد ومخاوف وهموم.
فجأة، شعر لبنان بأهمية فقدانها، آلاف الرسائل وصلت إلى «النهار» تنعى تلك الحنجرة الفرحة التي تؤدي مواويل الضيعة وتزغرد في أفراحها وحقولها وترقص الدبكة على نايات رعيانها.
احتفلت فيروز بإكمال التاسعة والسبعين يوم غابت صباح عن 87 عاما بعد قليل من غياب وديع الصافي، ثلاثي مجد لبنان الفني وقلادته الذهبية في القرن الماضي. غضبت مني الشحرورة قبل أعوام لأنني قارنتها بهيفاء وهبي في الأغاني الخفيفة، وعبثا حاولت الاعتذار، وقالت للوسيط الزميل عبد الغني طليس، إنها لا تقبل مثل هذا الخطأ مني، وبالتالي، لن تقبل الاعتذار أيضا، عرضتُ على زميلة في «الجديد» اتصلت بها الصبوحة، أن أظهر في برنامج خاص من أجل أن أعتذر إليها، لكن الصبوحة أرادت أن تلقنني درسا.
لذلك، أنا حزين لغيابها أكثر، وسوف أفتقد جمالها وجمال روحها وجمال بساطتها التي كانت بلا حدود. تلك هي ثروة لبنان: الماء، والخضراء، والشكل الحسن، حناجر ضاعفت حجمه الصغير. وشعراء وكتّاب، و«هالكم أرزة العاجقين الكون» كما تواضع يونس الابن.
نقلا عن الشرق الاوسط