Zeitgeist Arabic زايتجايست العربية
صناعة الخوف …
“ان االمتحكمين بهذا العالم يتآمرون و “الاذكياء” يتفاخرون بانهم يعرفون ذلك”
اذا اراد لصا صغيرا سرقة محل للجواهر فانه بكل تاكيد سيضع مخطط و سيدرس المكان و يجد افضل السبل للقيام بعمله هذا. فما بالك اذا ارادت حفنة من اصحاب المصارف و الثروات ممن يتحكمون في العالم ان ينهبوا شعوبا باسرها. هل سيكون الامر غريبا بان يضعوا خطة و مؤامرة للقيام بذلك؟ كلا بالتاكيد بل لا ينبغي ان نتوقع بان شركات و مصارف مالية كبرى عريقة في اعمال النهب تتصرف دون تخطيط. لذلك فاننا نود ان نتحدث هنا ليس عن المؤامرة نفسها بل عن الايديولوجية التي تقف ورائها و الاهداف التي تريد الوصول اليها. ليس لاننا من هواة التحليل و لكن لان فهم العقلية التي تقف وراء ما يجري يعد ضروريا لمقاومتها و ابطال مفعولها.
الولايات المتحدة الامريكية مثلها مثل اي نظام سياسي اخر ليست عبارة عن كيان منسجم من السياسيين بل انها عبارة عن شركات و بنوك و مصالح تتفق او تتصارع فيما بينها. و لكن الكتلة الاكبر و الاكثر نفوذا منذ عقود طويلة هي الكتلة المعروفة بصقور البيت الابيض. اشتهرت هذه الطغمة في الماضي بكونها من اشد انصار الليبرالية الجديدة التي كانت تدين بالحرية المطلقة للاسواق و عدم تدخل الدولة في شؤون الناس. و لكن منذ دخول الراسمالية عصر انحطاطها و انكشاف ازماتها و مخاطر انهيار الدولار تحولت هذه الطغمة من صقور الى وحوش بدأت تنهش الشعوب بهدف حماية الدولار من السقوط.
هذه الطغمة المتنفذة في امريكا تعمل منذ فترة على اساس ايديولوجية مستمدة من نظرية كارل شميت أحد أهم مفكري النازية الألمان وأكثرهم إشكالية في القرن العشرين. صاحب المقولة المشهورة التي تقول:
لاجل ان يكون لديك مجتمعا متماسكا لا بد ان يكون هنالك عدو خارجي.
ومنذ انتهاء الحرب الباردة بالانتصار على “الخطر الشيوعي” 1989 كانت هذه الطغمة تهم في البحث عن اعداء خارجيين جدد تستخدمهم لتبرير سياسات النهب و لاخضاع المجتمع الامريكي و قبل كل هذا و ذاك حماية تماسكه امام الاخطار المحدقة التي سيتم افتعالها. فكانت احداث سبتمبر 11 هي بداية عصر جديد يواجه فيها الغرب خطرا جديدا مفترضا و هو خطر الارهاب. و بعد ان انتهت الولايات المتحدة من استهلاك هذا الخطر لما بدى و كان الغرب قد انتصر في حربه على الارهاب, فان استمرار التخبط الاقتصادي و عدم عودة الاسواق الى انتعاشها و موجة الاعتراضات التي بدات تضرب اوروبا و امريكا و غيرها من دول وضعت موضوع العدو و الخطر الخارجي على الطاولة من جديد.
و هكذا يقوم الصقور هذه الايام بالتهويل و الترويج عن المنظمات الارهابية و المتطرفة سواء كانت بغطاء ديني كما في العالم العربي او نازية جديدة كما في اوروبا لكي ينتشر شبح العدو المتوحش الهمجي على المجتمع. وسائل الاعلام الغربية و العالمية تروع هذه الايام جميع شعوب العالم عبر نشرها للافلام و الصور في عناوينها الرئيسية كل يوم تتحدث عن اعمال وحشية و رؤوس مقطوعة و عمليات اعدامات و افلام عن تهديدات منظمة ارهابية خطيرة.
و الذي يتتبع مزاج الناس في الشارع و على الاقل في صفحات الفيسبوك مثلا سيرى بوضوح كيف ان الخوف من هؤلاء الوحوش اصاب الجميع بالهلع و الياس و دفعهم الى التخندق في الجانب المقابل حول انظمتهم السياسية. و هذا هو المطلوب بالضبط. فقد عمل السحر مفعوله بسرعة. و سنرى في الايام القادمة و سنقرا عن اعمال وحشية شنيعة و تفجيرات ستتزايد كلما تزايد تخبط الراسمالية في ازمتها و هم سيضعونها لك في صدر نشراتهم.
و لكن دعني اقول لك شيئا … ان ما تراه حول اعمال ارهابية و حشية كانت هناك دائما. هذه الاعمال الشنيعة ارتكبتها الانظمة و المنظمات الارهابية دائما. الفرق هذه المرة هو انهم يضيفون الملح الى الطبخة و يتلاعبون بالاحداث هنا و هناك و من ثم يجعلونك تراها عبر اعلامهم و هم يتوعدونك كل يوم لان هذا ضروري لحمايتك من خطر المطالبة بحقوقك في الازمة القادمة …