التفسير السياسي لمصطلح” صليبي” هو (الشخص المشترك في الحملات الصليبية، التي قام بها الأوروبيون بمباركة البابا في أواخر القرن الحادي عشر حتى الثلث الأخير من القرن الثالث عشر /1096 – 1291/ على المشرق حيث ينتشر المسلمون ). لكن هذا المصطلح لم يقتصر اطلاقه على الأوربيين الذين اشتركوا بتلك الحروب الدينية، وإنما جُعل منه تهمة سياسية/دينية جاهزة، تلصق بمسحيي المشرق عند اللزوم ، إثناء الحروب والأزمات بين العالم الغربي والعالم الاسلامي. أكثر من يستخدم ويستغل مصطلح “صليبي” هي تيارات الاسلام السياسي التي تعادي الغرب لأسباب عقائدية وايديولوجية ، خاصة الجهادية والسلفية المتشددة والمتطرفة منها، لأهداف وغايات مكشوفة.
فجميع الحروب في المشرق، حتى المعاصرة والراهنة منها، التي تشترك فيها دول غربية أوربية وأمريكية بشكل مباشر أو غير مباشر، مثل الغزو الأمريكي الغربي للعراق 2003 وحروب افغانستان وحتى الحروب (الإسرائيلية – العربية) ، هي من وجهة نظر التيارات الاسلامية “حروب صليبية”. تصفها بـ” الحروب الصليبية” بهدف استغلال المشاعر الدينية لدى المسلمين وتعبئتهم في هجماتها الارهابية على مصالح “الغرب الصليبي” في المنطقة والعالم. كذلك بهدف التحريض الطائفي على مسيحيي المشرق والنيل من مكانتهم الوطنية ودفعهم لترك أوطانهم الأم. أنهم(مسيحيو المشرق) من وجهة نظر التيارات الاسلامية المتشددة “بقايا الغرب الصليبي الكافر” ومتواطئون مع هذا الغرب وأذنابا له. هكذا، وقع مسيحيو المشرق ضحية حروب ليس لهم فيها لا ناقة ولا جمل، علماً أنهم السكان الأوائل لهذا المشرق، قبل أن يظهر الاسلام فيه وقبل أن تطأه أقدام الغزاة الأوربيين.
المقلق والأخطر أكثر في هذه القضية الحساسة والبالغة الأهمية، أن معارضات سورية لا تختلف كثيراً، بنظرتها الطائفية والعنصرية عن نظرة الأصوليات الاسلامية والتنظيمات الجهادية السلفية، لمسيحيي سوريا والمشرق. في هذا السياق، كشف معارض سوري شارك في لقاءات موسكو الأخيرة بين معارضين ووفد النظام، كشف عن أن أحد المشاركين(معارض مقيم بدمشق) وصف المسيحيين السوريين بأنهم” بقايا الصلبيين” رداً على مداخلة المعارضة المسيحية (رندة قسيس) وحديثها عن التاريخ السرياني المسيحي لسوريا وقولها” أن الغزو العربي الاسلامي أحدث تغيراً في سوريا وطمس هويتها الحقيقية”. أنه أمر في بالغ الخطورة، بدلالاته السياسية والفكرية والأخلاقية، أن يصف سياسي، المسيحيين السوريين بـ”الصليبيين”. لأن مثل هذا الكلام او الوصف الطائفي فيه تحريض على قتل المسيحيين ويبرر الجرائم الانسانية التي نفذها وينفذها تنظيم الدولة الاسلامية(داعش) بحق أتباع الديانة المسيحية في المناطق التي يسيطر عليها في كل من سوريا و العراق وليبيا وفي غير هذه البلدان المشرقية.
مسيحيو سوريا والعراق والمشرق عموماً، ليسوا بحاجة الى شهادة حسن سلوك بالوطنية من أحد. فهم أهل وأصل هذا المشرق وهم تاريخه وعنوان حضارته، صنائعهم تشهد عليهم.فرغم أن غالبية الآشوريين المنتشرين على ضفتي نهر الخابور في الجزيرة السورية ،الذين اجتاحت قراهم وبلداتهم وخطفت المئات منهم قطعان عصابات تنظيم الدولة الاسلامية(داعش)، هم ممن نجوا من مذبحة بلدة “سيميل” الآشورية التي ارتكبها الجيش العراقي في آب 1933، شكل هؤلاء الاشوريون النازحون كتيبة من المتطوعين ضمت70 مقاتل آشوري ذهبوا الى الجبهة السورية وشاركوا في القتال الى جانب الجيش السوري في حرب 1948 ضد المحتل الاسرائيلي وقد استشهد منهم 13 مقاتل.
أخيراً: نقول ، نعم وبكل فخر ” نحن صليبيون”. نقول هذا ليس حباً بالغرب الصليبي ولا رغبة بتجدد حروبه الصليبية على شركائنا المسلمين في هذا المشرق، وإنما نقولها رداً على “تنظيم الدولة الاسلامية- داعش” وعلى كل من يناصره ويدعمه في حروبه الدينية على مسيحيي المشرق، تحت شعار” القضاء على بقايا الصليبين”.
باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات
shuosin@gmail.com
المصدر ايلاف
خير الكلام … بعد التحية والسلام ؟
١: الحملات الصليبية كانت رد فعل لكثرة جرائم الغزاة المسلمين بحق المسيحين في المنطقة وخاصة ضد الحجيج من الأوربيين وليس أخرها سلب ونهب وقتل العشرات من رجال الدين والأمراء الأوربيين فكانت القشة التي قصمت ظهر بعير الغزاة المسلمين ؟
٢: ما لا يعلمه الكثيرون أن لولا تلك الحروب التأديبية القاسية جدا لما بقى مسيحي في مشرقنا ، والتاريخ سيعيد نفسه إن عاجلا أو أجلا وعلى نفسها تكون قد جنت براقش، سلام ؟