أحمد صبحى منصور: الحوار المتمدن
أولا : قبل الدولة العباسية
1 ــ في الفتوحات العربية كان انتشار القبائل العربية بمصر وشمال أفريقيا متساويا بين القبائل القحطانية والقبائل العدنانية من مضر وربيعة، وكانت قبائل قيس أهم القبائل المضرية العدنانية وكانت تتصارع علي النفوذ مع قبائل كلب اليمنية القحطانية خصوصا في الشام إبان الدولة الأموية .
2 ــ وعمل الأمويون علي نقل بعض القبائل القيسية إلي مصر في شرق الدلتا أو ما كان يعرف بالحوف الشرقي وهو المنطقة بين الأرض الزراعية في الدلتا وشبه جزيرة سيناء وتحتلها الآن محافظات الشرقية والدقهلية والقليوبية والسويس والإسماعيلية وبورسعيد .
3 ـ وقبل خلافة هشام بن عبد الملك لم يكن من قبائل قيس بمصر إلا بعض البيوت من قبيلتي فهم وعدوان ، ثم وفد ابن الحبحاب علي الخليفة هشام بن عبد الملك وسأله أن ينقل إلي مصر بعض قبائل أخري من قيس ، وكان ذلك في ولاية الوليد بن رفاعة علي مصر ، فأذن هشام في أن يهاجر إلي مصر ثلاثة آلاف من قبائل قيس وأن يحول ديوانهم إلي مصر بشرط ألا ينزلوا الفسطاط عاصمة الحكم وقتها .. فأنزلهم الحبحاب في الحوف الشرقي. وهناك رواية أخري تقول إن ابن الحبحاب في ولايته علي مصر كتب إلي هشام بن عبد الملك يعرض عليه أن ينقل بعض قبائل قيس إلي الحوف الشرقي حول بلبيس بالذات حيث لا يضر ذلك بأحد وحيث تخلو المنطقة من الوجود العربي ، فوافق هشام.
4 ــ ونزلت قيس بالمنطقة ، جاءوا من البادية العربية إلي بلبيس وما حولها وكان منهم مائة بيت من بني نضر ومائة بيت من بني سليم ، واستوطنوا المنطقة الزراعية القريبة من صحراء بلبيس وباشروا زراعتها ، وقاموا بتحصيل الصدقات والزكاة لصالح الدولة الأموية ، وكانوا يحملونها علي الإبل إلي الدلتا إلي ما يعرف بميناء السويس الآن ، وكان الرجل منهم يتكسب في نقل المحاصيل هذه أكثر من عشرة دنانير في الشهر .
5 ــ ثم سمحت لهم السلطات بشراء الخيول والاتجار فيها فأثروا من تربية الخيول بسبب جودة المرعي واتساع الصحراء لنشاطها ، وكان أحدهم يشتري المهر فلا يلبث المهر عنده شهرا حتى يصلح للركوب . وازداد ثراؤهم ووصلت الأخبار إلي أقاربهم من قيس في الجزيرة العربية فنزح إليهم خمسمائة بيت ، وبعدها بعام واحد جاء خمسمائة بيت آخر فصار في بلبيس وحدها ألف وخمسمائة بيت من قبائل قيس .
6 ــ وفي خلافة مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية كان واليه علي مصر الحوثرة بن سهيل الباهلي ، وقد مالت إليه قبائل قيس فتوافد علي مصر في عهده عناصر كثيرة ، حتى أصبح عددهم حينئذ أكثر من ثلاثة آلاف بيت . وحينئذ أصبح تركز القيسيين في شرق الدلتا ظاهرة تاريخية وسياسية لأنهم أثاروا القلاقل للدولة العباسية .
الصراع بين القيسيين والعباسيين
1 ــ جاءت الدولة العباسية بسياسة جديدة احتل فيها الفرس موقع الصدارة ، ولم يرض العرب في بغداد وغيرها عن ذلك ، وحدث نوع من التوتر بين أعراب قيس الذين استوطنوا الحوف الشرقي وبين السلطات العباسية في مصر ، تلك السلطات التي تركت الفسطاط وأقامت عاصمة جديدة هي العسكر ، وفرضت زيادة جديدة في الضرائب سنة 178 وهي زيادة أجحفت بالمزارعين ، وكان ذلك في ولاية إسحاق بن سليمان بن علي العباسي .
2 ــ وثار أعراب قيس علي تلك الزيادة وجمعوا فرسانهم وأقاموا لهم عسكرا منع تحصيل الضرائب ، فبعث إليهم الوالي العباسي جيشا لم يستطع إخماد ثورتهم ، فأرسل إلي هارون الرشيد يطلب المدد فأرسل له بجيش هائل يقوده هرثمة بن أعين ، ونزل ذلك الجيش الحوف الشرقي فأخاف القيسيين وأذعنوا ودفعوا الخراج كله .
هزيمة القيسيين
1 ــ ثم أسل الوالي العباسي رجالا يقيسون الأرض الزراعية ويمسحونها ولم يعجب عملهم عرب قيس في الحوف الشرقي واتهموهم بعدم الأمانة في القياس ، واشتكوا إلي الوالي وهو الليث ابن الفضل البيودي فلم يهتم بهم . فجمعوا فرسانهم وساروا إلي الفسطاط والعسكر حيث يقيم الوالي ، فخرج إليهم الوالي في شعبان سنة 186 في أربعة آلاف جندي ، فالتقي معهم في معركة طاحنة في رمضان ومع أن جنوده انهزموا وتركوه في 12 رمضان إلا أنه ثبت مع نحو المائتين من جنوده حتى هزم القيسيين وطاردوهم إلي غيتة ، وهي قرية بجوار بلبيس . وبعد هذا الانتصار بعث الوالي إلي بغداد بثمانين من رؤوس أكابر القيسيين ، ورجع إلي عاصمته .
2 ــ إلا أن تلك الهزيمة المنكرة لم تخضع القيسيين بل أثارت فيهم نزعة الثأر والانتقام فعادوا إلي منع الخراج ، وخشي الوالي أن يخسر أمامهم الجولة التالية ، فسافر بنفسه إلي بغداد في محرم سنة 187 ، وطلب من هارون الرشيد أن يزوده بجيش قوي لأنه لا يستطيع تحصيل الخراج من الحوف الشرقي إلا بقوة الجيش . وكان حاضرا محفوظ بن سليم ذلك المجلس ، فضمن للرشيد خراج مصر عن آخره بلا سوط ولا عصا ، فولاه الخراج وعزل الوالي ليث بن الفضل ..
الثورة الكبرى فى عهد الخليفة المأمون
1 ــ ولكن ظلت الفتن والمعارك دائرة بين العباسيين والقبائل العربية في مصر التي انحازت إلي قبائل قيس ورفضت الزيادات في الضرائب العباسية حتى تولي الخلافة المأمون ، وواجهه القيسيون بعد أن تحالفوا مع أهل مصر من الأقباط ، وأعلن الجميع الثورة العامة في الدلتا كلها وفي صعيد مصر وطردوا الموظفين العباسيين.
2 ــ استمرت المعارك سجالا منذ بداية الثورة في حمادي الأولي عام 216 إلي 10 محرم عام 217 حتى جاء الخليفة العباسي المأمون بنفسه وأخمد الثورة وأرسي قواعد الإصلاح في منهج الحكم وهو ما طالب به الثائرون وأصلح نظام الضرائب وأرجعه إلي المقدار الأصلي وألغي الزيادات الضريبية .
أخيرا
يقول المثل الأمريكى
( Everything for money )
🙁 كل شىء فى سبيل المال )، ينطبق هذا على ( الفتوحات ) و ( الفتنة الكبرى ) وكل الثورات والانقلابات والحروب والديانات الأرضية ، والدولة السعودية والوهابية و السلفية والاخوان وداعش ..والغبراء ..!.