صديقتي مؤمنة , والمؤمن مٌبتلى بحدودٍ وبأسوار فُرِضت عليه دون ان يمتلك شجاعة التفكير والخروج منها , كذلك الموانع والقيود التي تحيط به من كل الجهات , قيود فُرِضت على تفكيره وعلى عقله من خلال منع وتحريم السؤال دون أن يسأل هو عن الأسباب التي بها حُرّم السؤال , والطامة الكبرى بعد كل ما جاء ذكره هو الخوف , خوفه من الموت وخوفه من الرقيب ومن العقاب الذي هو بانتظاره ومن ثم الخوف من كلام الناس ليصل الحال به إلى الخوف من الناس انفسهم , هو يخاف من أفعال وأمور لا طائل لها لكنها بالحقيقة لا تستوجب ألخوف فلا نفع من مخاوفهم بل الضر وكل الضرر يأتي منها ويكون بذلك قد خسر حياته دون أن يدري كيف فهو عاش بوهم كبير فصار رغم صغرِه مغروراً بنفسه متصوراً بأنه كاملاً حيث كلما صغُر الإنسان كلما شعر بأنه كبيرا فهو مؤمن بحياته وبما ورثه وبما عرفه فاستكان ووقف عند نقطة معينة أبى أن يفارقها , ففي الوقت الذي به يكون الزمن متحركا يقبع هو على ايمانه المطلق وعلى مفاهيم تعود لما قبل قرون فيؤول حاله الى رجوع مستمر ويمكث على وهم الغرور متصورا نفسه بأنه قد أحتكر الحقيقة المطلقة لنفسه وامتلك كل ما هو جميل ببضعة كلمات ردّدها عن ظهر غيب ومكث راضيا مرضيا .
فبالرغم من ان حقيقة الحياة هي التغيير المستمر ولا سكون فيها مطلقاً لكنه سكن بالمطلق على ما تعلّمه من ابويه دون دراسة تذكر, وبالرغم من عدم وجود اليقين المطلق حيث كل ما في الحياة هو نسبي لكنه تصوّر بأنه قد توّصل لليقين المطلق فاستراح من التفكير وكسب ضميراً مرتاحاً ,وكمثال عندما يتصدق للفقير يتصدق ويمشي دون ان يقف للحظة ويتأمل بهذا الواقع المرير ودون أن يتألم لآلام هذا الفقير فالحس والشعور لديه قد خلدا للراحة وكذلك الضمير قد ارتاح كونه ينفّذ التعاليم المفروضة عليه حرفيا فلِما يتعب فكره ولِما يتأمل واقع مرير لا ينال منه سوى الألم ولِما التفكير طالما هو مقتنع بحياته ويبيح لنفسه أفعالا لا يبيحها غيره كونه يجد الف تبريرا وتبريرا والمجال مفتوح أمامه للغفران , لكن الألم يشعر به الحر الذي لا يقف عند حد معين فهو لا يؤمن بالمطلق ولا بالغيبيات وبذلك تكون آلامه تختلف عن الآلام المحصورة والخاصة حيث تنبع من ضمير متوقد بالمعرفة ومن احساس عام وحي .
هذه الفئة لُقنت منذ طفولتها على اساس إنها خُلِقت عبدة وليست حرّة , فخلقت لنفسها بهذه الفكرة سلاسل وأغلالا لا حصر لها علقتها في عنقها وأحاطت بها تلك الوجوه الحائرة بملامح جامدة وبروح ميتة تسكن أجساد سجينة لشهوتها ,هكذا التمس وبوضوح مرارة أعماقهم فهم مخلوقات جاءوا ليتعبدوا فقط ويمكثوا على القديم لا ان يخلقوا الجديد ومن ثم خسروا اغلى ما يملكون وصاروا لا يرغبون بدنياهم ولا يحاضرهم الحي بل هم صاروا سجينين الماضي الميت مع انعدام المستقبل لديهم والذي حصروه بالآخرة والموت حتماً سيكون في انتظارهم فلِم عليهم ان يُبدعوا ويعطوا الجديد , فحوصرت نظرتهم للحياة بالموت فقط , أما السعادة فهي كلمة دخيلة عليهم, فماذا تعني السعادة بنظر هذه الفئة ؟ اليست هي امتلاء بطون ورضا المحيط عليهم في الوقت الذي به يكون العالم بلا نهاية ولا حدود له , عالم ينتظر كل منّا ليعطيه الجديد حيث الكثير من الأفعال متاحة للجميع لكنها مبتورة وموءودة لهذه الفئة المعينة من البشر .
أما الذين لا يؤمنون بفكرة مطلقة نجدهم كلما كبروا كلما شعروا بأنهم صغاراً كونهم قد توغلوا بالمعرفة وغاصوا في بحورها وتوصّلوا لحقيقة قائلة بلا نهاية للمعلومات بهذا الكون الكبير فقدّروا بهذا قلّة معلوماتهم قياسا بما هو موجود من معلومات وعلوم ,وإن حجمهم الصغير لا يأتي بشيء قياساً بحجم الكون ,فمن المعلومات قد عرفوا الكثير لكنهم كلما عرفوا وجدوا أنفسهم وقد طلبوا المزيد فيزداد شعورهم بأنهم لا يزالون في بداية الطريق فيصبح طموح المعرفة لديهم مستمر ولا يقف عند حدود معينة ,عندها يأتي ابداعهم الموءود لدى الطرف المغيب .
أرجع لصديقتي المؤمنة تلك بعد أن أخذتني الأفكار بعيدا عنها حين حملت نفسي وما جادت به يدي وزرتها بعد أن رقدت بالسرير نتيجة اصابة بركبتها , أو هو السوفان الذي جاءها كنتاج طبيعي لجهلها بالعديد من الأمور ألحياتية , جهلها ليس بأمور عامة فلا اطمع منها أن ترتقي للعامة ولكنها امور تخص شخصها وحالة السمنة التي تعاني منها والتي سببت لها هذا السوفان, زيادة وزنها كونها منقادة لغريزتها حيث الطعام الشهي الذي لا تستطيع مقاومته , ليست انواع معينة من الطعام بل هي جميع انواعه طالما يحقق لها امتلاء معين في نفسها الخاوية من كل معاني الحياة والتي من المفترض إنها خُلقت لأجل معاني حياتية اسمى بكثير من مجرد غرائز وملذات , هذه الفئة المعيّنة من الناس تستفهم وتسأل’’عندما يدور الحديث عن معاني الحياة ’’ عن ماهية الشيء الذي خُلقوا من اجله بعد أن خلصوا بفكرة إن الحياة تنحصر بدائرة معينة فقط وهي الزواج والتناسل والعمل اياً كان شكله لأجل توفير لقمة العيش والشاطر منهم يبني بيتاً جميلا يتفاخر به أمام اقرانه ويعمل جهده ويبالغ في رتوشه ومن ثم يتخوف من عيونهم الحاسدة له وهذه دائرة من دوائر كثيرة مفرغة تدور بهذه الفئة الغالبة اليوم .
ارجع ثانية لمثالي عن هذه الصديقة التي لم تكن متفردة بصفاتها بل هي صفات مشتركة بين غالبية النساء والرجال كتعويض عن الخواء الذي يعانون منه , وهي كمثال مبسط لكثير من العقول التي خُتنت بفعل الوقوف وتكرار الماضي , بعض من هذه الشهوات ماتت والبعض منها لا يزال يراوح ويعاند حتى ألممات والغريب في امر هذه الفئة هو ذلك السكون القاتل وذلك المنوال الذي يكرر نفسه دون اي استئذان حيث نجدهم رغم مرور السنوات ومهما ابتعدنا عنهم نجدهم بذات الوجوه العديمة الملامح وبنفس النهج الحياتي وطريقة التفكير ذاتها دون اضافة تذكر ولا تعديل يظهر سوى تغيير شكلي كأن يكون تغيير صبغة الشعر أو الأثاث وما شابه ذلك , أقول لا بأس في اكلة معينة نشتهيها بين حين وآخر ولا بأس في أن نعتني بشكلنا ونغير من لون صبغة الشعر , ولكن بأس وبؤس حياة تكون محصورة بغرائز وشكليات تشكل لهم ألف ياء الحياة , ولكن لا غرابة من نهجهم هذا كونهم يكررون ويكررون منذ طفولتهم نفس الكلمات ونفس التعليمات .
سألتها أن تستغل فترة رقادها وتستفيد منها من خلال قراءة بعض الكتب فأجابت بأنها تقرأ .
ابتهجت لجوابها وقلت في نفسي سأزودها ببعض الكتب علّها تستفيد منها وتنمّي عقلها وتطوره بعد ان اصابه العطب ولكن سرعان ما أكملت جوابها قبل ان تكتمل بهجتي بأنها تقرأ القرآن كل يوم !!!!
قلت لها هناك ملايين الكتب وبلايين الكلمات تنتظر منّا قراءتها فلِم انتِ تكررين قراءة نفس الكتاب ونفس الكلمات وفي كل يوم ؟
فتحت عينيها مستغربة وقرأت فيها خوف مبطن لا يكشف عن نفسه واستفسرت عن كنه الفائدة من قراءة الكتب التي لا قيمة لها امام كتاب مطلق يحتوي بداخله على جميع الحلول وكذلك هو مرجع لحل جميع المشاكل علاوة على ضياع الوقت بالقراءة أمام احتياجاتنا اليومية من مأكل وملبس , اليست قراءة الكتب تُعتبر ترفاً وضياعاً للوقت ؟!!
قلت لها بأنه كتاب يخلو من العلم وحتما إنه يخلو من الجديد
أجابت بأنه كتاب الله وعليها واجب قراءته وتكراره وكلما كررت يزداد الاجر وقراءته اسمى وانفع لها ولأمواتها وعليها ان تختمه مرات ومرات لتزيل بعض من ذنوبها ومن ذنوب امواتها !!!!!
أغاظني غبائها وسذاجة تفكيرها ولكن لا فائدة من إثارة خصومة بيني وبينها وليس لي سوى أن أضع علامات التعجب والتفكير بالعديد من السنوات التي نحتاجها للوقوف عند هذه النقطة ونقاط عديدة كانت سببا رئيسيا لوقوف امتنا في مؤخرة ذيل الأمم .
كان هذا كل ما تطمح له وما تبتغيه أو هو ما توصلت له في مسيرة حياتها, لا أهداف ولا ابتغاء شيء سوى الآخرة التي قتلت كل طموح لديها وكل مسعى لحياة افضل فلا افضل من هذا السكون المريح فان تختم القرآن عدة مرات هو كل طموحها .
خرجتُ من عندها وأنا اجرجر خيبة الأمل وأسألُ نفسي كيف لي أن انتظر من هذا الكيان الميت الذي لم يكتشف بعد حتى نفسه في ان يكتشف ويضيف للعالم شي نافع .
دمتم بوعيكم سالمين