حدثني صديق كاتب وأعلامي عن الراتب الضخم الذي يحصل عليه, مقابل عمله في مركز إعلامي تابع لأحد الأحزاب, فسألته “هل يمكنك أن تعبر عن فكرك ورأيك”, فقال لي وهو منكسر: ” لقد تحولت الى مجرد آلة تأخذ النقود لتنفخ في عجل الحزب, وهو كعجل ألسامري, إننا نعمل في مركز أعلامي هدفه جعل رمز الحزب احد معجزات العصر, وان نجمل كل ما يقول, وان نصوب كل قرار يقرره حتى لو كنا لا نؤمن به ولا نعتقد بصحة القرار, فنحن كتاب لا رأي لنا, ومن مهامنا الكبرى هو ان نهاجم كل من ينتقد أو يتجاوز على عِجلنا, فتعجبت من انتكاسته العظمى كمثقف وصاحب فكر؟! وسألته عن تاريخه كيف يقبل ان يساوم عليه, فقال لي: “لقد أذلتنا الأحزاب مقابل دنانير بائسة, ضاع الفكر والثقافة ولم يتبقى الا ركام من كان رجلا فيما مضى”.
الإعلام بعد ان كان تحت اسر الطاغية صدام, تحول بعد عام 2003 لأسر جديد وهو اسر الأحزاب, حتى وصل الى نتيجة مأساوية وهو موت شبه كامل للإعلام العراقي, كان الشعب العراقي يعول كثيرا على الإعلام كسلطة تدافع عن الشعب, فإذا بالأعلام يموت سريريا,وتصاب الأمة بخيبة أمل كبيرة.
الأحزاب شكلت مراكز إعلامية هدفها الأول تضخيم صوت الزعيم, ورفعه لرتبة العباقرة في كل العلوم, فهو الأكثر تقوى وتدين بين رجال البلد! وهو الأشجع بين رجال العراق! وهو الأذكى بين العراقيين! وهو الأكثر طيبة بين كل أهل المعمورة ! هكذا تعمل الأقلام والكتاب والإعلاميين في عملية نفخ مستمرة في صورت زعيمهم, حتى تكبر وتتوسع مع استمرار التركيز في
الضخ الإعلامي, والهدف ان يستميلوا البسطاء وفقراء الفكر والرأي لجانب زعيمهم – فلتت العصر ودرته اليتيمة-.
والتساؤل هنا أين يذهب صاحب الفكر المخالف للأحزاب؟ فلا مكان له في صحفهم ومراكزهم ومؤسساتهم, فالمصيبة ان سلطة الإعلام بيد أحزاب السلطة فقط, فالكاتب المستقل الشريف عليه ان يفكر بعمل أخر؟ أو ان يهاجر خارج أسوار الوطن حيث هناك سيجد مكانا لحلمه, الا ان ينزع جلده ويتحول لمنافق أو صعلوك! يستجدي الدنانير من موجودات هي الأكثر عفونة في الوسط الإعلامي, تدعى جزافا إعلاميين وكتاب وهم مجرد كهنة لمعبد الزعيم, أشاهدهم فأتذكر -اليخماهو- الكاهن الماكر في مسلسل النبي يوسف (ع).
وعندما يقبل الكاتب المفكر النزيه المثقف دنانير الأحزاب, يكون أي شيء الا ان تقول عنه مفكر أو مثقف, نتذكر بعض الأصدقاء ممن كنا نشيد بفكرهم, فإذا بهم يتحولون الى مطية لكهنة الأحزاب, فقط مقابل دنانير الأحزاب, يا لرخصهم وسوء اختيارهم! وقد خسرنا الكثيرون ممن تحولوا الى عبادة الأوثان ومريدين للكهنة وإتباع للدينار.
أمنية حبيسة وهي: ان تتشكل كيانات إعلامية معارضة للأحزاب, تكون سلطة ضاغطة على العملية السياسية بكاملها, تحتضن الشرفاء من مفكرين وكتاب وأدباء, وتتيح لهم الفرصة للإبداع, وتحفظ كرامتهم من ان تذل بسوط الأحزاب, عسى ان تتبلور أفكار وتنتج خير للنخبة المثقفة النزيه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتب اسعد عبدالله عبدعلي