الإنسان أولاً لا للكراهية ولا للطائفية
أتصل بي أحدهم على الخاص طالباً استشارة قانونية في موضوع المعتقلين، وبعد أن لبيت طلبه، شكرني وختم شكره بعبارة” ألله يحمي المسلمين ويعزهم.” فقلت له: وماذا عن غير المسلمين ؟ أجاب الدين عند الله الإسلام ، فقلتُ وبحسب منطقك كان يجب عليّ أن لا أخدمك. فرد قائلاً : لا، لست أقصدك أنت.. وحاولت متابعة الحوار معه إلا أنه أغلق الخط.
ذكرني هذا الحوار بحادثة جرت معي في محكمة أمن الدولة العليا الملغاة العام 2007، حيث توكلت مع الاستاذ خليل معتوق المعتقل منذ 2/10/2012 عن شخص أسمه الأول محمد عمره 19 عاما، متهم بالانتماء للجهاديين، وقد طلب الاستاذ خليل معتوق قبيل بدء الجلسة أن أزوره في نظارة المحكمة، وفعلاً قمت بزيارته وعندما علم أن أسمي “ميشال شماس” عبس في وجهي وقال ألله وأكبر مسيحي.!؟ وأضاف :أنا وكلتُ الاستاذ خليل معتوق وليس أنت، فقلت له أنا والاستاذ خليل بمكتب واحد، وهو مسيحي أيضاً، فبدت علائم الاستغراب والاستنكار على محيّاه، فقلت له يا محمد أطمئن لا تخف نحن ندافع عنك بصفتك إنسان وليس بصفتك مسلماً، فنحن أخوة في الانسانية ولهذا السبب ندافع عنك إضافة إلى كونك مظلوم وقد غَرَّر بك من أرسلك إلى العراق… وطلبت منه أن يحدثني عما جرى معه، وفعلا انفرجت أساريره وبدأ يحدثني عما جرى معه.. فقلت له أطمئن سندافع عنك قدر استطاعتنا وقبل أن أن أرتكه ، أعطيته مبلغ خمسة آلاف ليرة، وهنا صاح ألله وأكبر وكمان مصاري ومسيحي … ضحكت فقلت له كلنا بشر وسوريين وأنا واجبي أن أدافع عنك بصرف النظر عن دينك وبعدين هذا المبلغ من والدك والذي سيزورك بعد قليل.
نعم الإنسان أولاً، والدين جاء ثانياً ليكون في خدمة الإنسان، فلولا وجود هذا الإنسان على هذه الأرض، هل كان سيكون دين على هذه الأرض بدون ذلك الإنسان؟ فالدين لم يأت حتى يُكره الإنسان على فعل أمر معين والالتزام به، بل ترك له الحرية في أن يختار” لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن “(سورة البقرة 256). والدين لم يأت ليكًفر الإنسان ويجبره على الإيمان بالله، بل ترك له حرية الاختيار بين الكفر والإيمان” فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر” سورة الكهف29 “ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” ( يونس 99). ولم يأت الدين ليفرض لوناً واحداً على الناس ، بل جاء ليقول ” يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ، وإن أكرمكم عند الله أتقاكم”.(سورة الحجرات31 ).
ولم يأت الدين ليحطّ من قدر الإنسان، بل جاء ليرفع من قدره ومكانته، ولم يأت ليجعل من المرأة عبدة وجارية للرجل، ولم يأت ليشرّع اغتصاب الطفلات الصغيرات، أو ليسمح لفئة بسبي نساء فئة أخرى ولم يأت لنشر الكراهية والقتل .. بل جاء ليدعو إلى الأخلاق والفضيلة.. جاء ليدعو إلى الرحمة والمحبة والسلام والتقوى بين بني البشر..ونبذ الفرقة والبغضاء والرذيلة…الخ