لديّ إيمان ما بداخلي أن الأشياء تظل حبيسة بداخلنا إلى أن نحكيها أو نكتبها، علاقتي بجسدي هي علاقة معقدة جداً كما أعتقد، ظللت لوقت طويل يصل إلى 25 سنة من عمري لا أجيد بل لا أعرف أصلا كيفية التعامل مع جسدي بل وظللت لوقت كبير من الـ 25 سنة لا أعرف هذا الجسد.
وبين رحلتي من القاهرة إلى البلد ومن البلد إلى القاهرة بدأت مسيرتي في التعرف على جسدي، بدأت تلك الرحلة عندما تعرضت للتحرش للمرة الأولى في شوارع القاهرة وكانت أول حادثة تحرش لها وقع وتأثير قاسي جداً، في البداية لم أعرف ما الذي حدث، هذا الجسد النحيف الذي لا يظهر منه أية أثار للأنوثة وتلك الملابس الواسعة التي تخفي كل شيء قد ينظر إليها رجل، تلك الفتاة التي تمشي بداخل الحيط لا يلمحها أحد وهي تقطع الطريق ذهابا وإيابا إلى الجامعة يوميا، لم قد تتعرض لمثل هذا الفعل؟ فما كان مني إلا أن يتوقف عقلي عن العمل وتتوقف جميع حواسي عن أي رد فعل، وبعد مرور الحادثة بفترة،،،، تمنيت أن أتعرض للموقف مرة أخرى لكي أستطيع أن أثبت لنفسي أني قادرة على أخذ رد فعل عنيف يوقف هذا الشخص المعتدي عند حده، وبكل غرابة تتحقق أمنيتي وأتعرض بعدها بأسبوع لنفس حادث التحرش مع تغيير في بعض التفاصيل الصغيرة ولا يكون مني إلا نفس رد الفعل مع تغيير صغير وهو أني حينما وصلت “السكن” الخاص بالطالبات الذي كنت أسكن به تعرضت لانهيار عصبي، صرت أبكي وأصرخ إلى أن انهرت تماما! ظللت بالمنزل لعدة أيام خائفة من النزول إلى الشارع، ثم بعد ذلك مارست حياتي بشكل “طبيعي” كما كنت. أقطع الطريق إلى الجامعة ذهابا وإيابا وأنا أمشي بداخل الحيط وليس بجواره!!!
ومرت السنة الأولى والثانية وجاءت حادثة التحرش التي قُتلت على إثرها أول شهيدة للتحرش بأسيوط “إيمان مصطفى”. إيمان بنت صعيدية يمكن تكون كانت شبهي متعرفش أصلا يعني إيه تحرش بس فكرت إن حد بيعتدي على حقها وقررت ما تسكتش ولما ردت ع المتحرش قتلها!! قتلها بكل بساطة “كده علشان ردت عليه وهو بيتحرش بيها”!، منذ ذلك الوقت بدأ وعيي يتشكل بدأت علاقتي المبهمه بجسدي تصبح أكثر وضوحاً ،،،،،
بعد كل هذه السنين أكتب الآن عن تلك العلاقة المعقدة وأريد الحديث عن أشياء لا أستطيع ذكرها في مقال واحد:
أريد الحديث عن حادثة “الختان”، تشويه الأعضاء التناسلية التي تعرضت لها وأنا في الحادية عشر من عمري.
أريد الحديث عن أول مرة استطعت أن أقف بها أمام المرآة وأرى جسدي وأتصالح معه.
أريد الحديث عن كل حوادث التحرش التي مررت بها.
أريد الحديث عن إحساسي بأنني لا أمتلك هذا الجسد الذي يريد الجميع التحكم به بداية من جميع أفراد أسرتي وصولا لجميع أفراد مجتمعي.
أريد الحديث عن حرية هذا الجسد وحقه في حرية الحركة والتنقل.
ومع توارد كل هذه الأفكار لذهني يظل أقصى شعور بالألم وتظل أكبر مساحة تفكير تسيطر علي وتظل أقوى ذكريات هي تلك المتعلقة بعملية “ختاني”.
عمري الأن 27 عاما، ظلت تلك الحادثة تؤلمني لمدة تزيد عن 15 عاما ومازالت تؤلمني إلى الآن. لازلت أذكر الواقعة بتفاصيلها، اختفى الألم الجسدي الذي ظل لمدة لا تقل عن 10 أعوام بعد الحادثة ولكن مازال الألم النفسي باقي وسيظل إلى أن أشعر أنني اقتصصت من هذا “الطبيب” الذي قام بتلك الجريمة والذي إلى الأن يقوم بها لضحايا أخريات، لا أعلم عنهن شيئا إلا أننا نتشارك آلامنا في صمت رهيب!
كنت في الحادية عشر من عمري، لا أعلم ماهو هذا الشيء المدعو ” الختان” لا أعلم إلا أنه شيء يتم الإحتفاء به في العائلة وعلى إثره تجمع الفتاة أشياء محببه لقلبها مثل الاهتمام – الحب – الحنية والمال أيضاً.
موقفي وقتها لم يكن واضح تماما من الموضوع أتذكر أن أبي لم يتدخل، وعندما جائتني الدورة الشهرية ظننت أنني قد أفلتت من هذا الشيء الذي لم أكن أعرف هل أريده أن يحدث لي أو لا. ولكن كانت هناك فرحة مكتومة بداخلي أني أفلتت من ذلك الشيء، ولكن فوجئت في إحدى الأجازات الصيفية (غالبا كانت أجازة سنة أولى إعدادي) أن والدتي تريد أن أقوم بالعملية مثلي مثل باقي بنات العائلة.
ذهبنا لذلك الطبيب الذي مازلت أتذكر اسمه وعنوانه، دكتور النساء والتوليد الشهير بمركزنا، ذهبنا في الصباح الباكر أنا واثنتان من بنات العائلة و أرادت والدتي أن أكون أنا الأولى في الدخول للعملية، كما لم ترد أن تدخل معي غرفة العمليات وظلت تبكي بالخارج، أردت الذهاب لدورة المياه قبل الدخول لغرفة العمليات فوجدت دورتي الشهرية لم تنته بعد، وهناك (خرافة قديمة ” المشاهرة” تقول إن مثل تلك العمليات لابد أن تتم بآخر الشهر لأنه لو تمت بأول الشهر لابد أن تنتظر الفتاه محبوسة بالبيت إلا أن ينتهي الشهر وإلا يمكن أن تتعرض لشئ ما يمنعها من أن تنجب أطفال في المستقبل)، وجدت دورتي الشهرية لم تنته بعد ولكن بالرغم من ذلك دخلت لغرفة العمليات، دخلت لتلك الغرفة الباردة ومعي اثنتين من نساء العائلة، استلقيت على ذلك السرير البارد جدا مجردة من ملابسي أشعر بمنتهى الإهانة فهناك رجل غريب ينظر إلى أكثر منطقة بجسدي يجب تغطيتها، كل ما شعرت به حينها هو حقنة التخدير، وقطرة دم من دورتي الشهرية عندما رأتها قريبتي سألت الدكتور ما هذا وهي خائفة قال لها لا شيء لا تقلقي.
تمت العملية وتم وضع الشاش والبلاسترعلى الجرح وكأن شيئا لم يحدث، لا أشعر بأي ألم، لا أتذكر الدقائق التي جاءت بعد العملية فقط أتذكر درجات السلم المظلمة والشمس التي لم تنير العالم بعد ذلك!!!!
بعد مرور عدة أيام على العملية كان الاهتمام والحنية والحب وزيارات من جميع نساء العائلة للسؤال عني وإعطائي مبالغ من المال “نقطه”، في تلك الأيام ظللت أحاول منع نفسي من الذهاب إلى دورة المياه بسبب خوفي الرهيب من الألم الذي قد أتعرض له إذا قمت بذلك!!
ومع أول مره أذهب فيها لقضاء حاجتي انفجر بركان من الدماء كاد أن يتوقف معه قلبي في صمت وصدمه!!
لم نذهب للطبيب مره أخرى ولكن ظللت حبيسة الفراش لمدة تقارب الشهر وجرحي لا يشفى، على عكس كلا من الفتاتان اللاتي أجريتا معي بالعملية!
مرت الأيام والسنين ولم أستطع أن اخبر أحد بالألم الذي أشعر به شهريا في مكان القطع ولا أستطيع حتى أن أتحسسه!!
ظللت لوقت طويل أعتقد أن هناك مكان لغرز تم أخذها في مكان القطع إلى الآن لا أعلم هل تم ذلك أو لا ولكن ظل يؤلمني مكان القطع لوقت طويل لسنين عدة!
اختفى الألم الجسدي وظل يزورني كل وقت طويل بضعة شهور وأحيانا سنين!
ولكن بدأت الأسئلة، هل سأستطيع الزواج؟!، هل سيرضى بي أحد الرجال؟!، هل أنا مشوهه الأن؟!، هل سأشعر بما تشعرن به باقي الفتيات اللاتي لم يٌرتكب في حقهن تلك الجريمة؟!، هل سيتهمني زوجي بالبرود؟!
ظلت تلك الأسئلة بداخلي سنين طويلة جعلتني أخاف الارتباط ولا أفكر في موضوع الزواج إلى أن قرأت كتاب ” المرأة والجنس لنوال السعداوي” وعرفت حينها أن الشهوة ليست مرتبطة بتلك المنطقة وأن مركز الشهوة هو المخ ولكن مركز الارتواء هي تلك المنطقة التي تم قطعها!
الأن أنا أعلم جيداً ماحدث أعلم الجريمة التي تم ارتكابها بحقي أعلم أن جسدي تم تشويهه وأني لا أمتلك هذا الجسد، أعلم أن هذا المجتمع بكل هذه القوة والجبروت يخاف هذا الجسد الضعيف يخاف من حريته يخاف من فرحه يخاف من انطلاقه، يريد أن يقتل بداخله كل مايجعله جسد حر، الآن أدرك أن حرية جسدي وحقه في الحياة جزء من حرية روحي وحقها في الحياة!
الآن أعلم أن أجساد النساء يتم انتهاكها ومحاولة السيطرة عليها بدايةً من كونهن فتيات، يبدأ الانتهاك بجريمة “الختان” تشويهه الأعضاء التناسلية
الجسدية للفتيات ويظل مصاحب لهن طوال حياتهن في مراحل مختلفة من التحرش والاعتداء في الشارع أو العمل أو المنزل ………….
ومع تلك المعرفة، مع ذلك الوعي أُترك حبيسة مكتوفة الأيدي لا أستطيع أن أحرر جسدي أو روحي، ولن أستطيع، أعلم جيدا أن ذاك الجزء المفقود والذي لا أعلم أين هو، سيظل مفقودًا، وكل ما أريد فعله هو ألا يزيد عدد النساء اللاتي يشعرن بمثل شعوري، كل ما أحاول فعله هو ألا تظل تلك الجريمة مستمرة، كل ما أريده أن يحدث هو أن تقل الأجزاء الميتة من أرواح النساء والفتيات.