لقرأة القسم الأول: شيعة العراق بين الإحتلالين البريطاني والأمريكي 1914-2017
لقرأة القسم الثاني: شيعة العراق بين الإحتلالين البريطاني والأمريكي 1914-2017 (ج2)
لقرأة القسم الثالث: شيعة العراق بين الإحتلالين البريطاني والأمريكي 1914-2017
القسم الأول-الشيعة والإحتلال البريطاني (1914-1958)
مع بدء الحرب العالمية الأولى في أكتوبر / تشرين الأول عام 1914م، أنزلت حكومة الهند البريطانية الشرقية جيشا مؤلفا من عدد من فيالق من خليط من بريطانيين وهنود بما سمّوا بجيش الليفي، حيث وطئت أرض أول جندي هندي بريطاني منطقة رأس الخليج العربي بين الكويت والبصرة، وبعد حوالي شهرين تمكنت القوات البريطانية من سيطرتها على البصرة بإسناد من الشركات التجارية البريطانية – الهندية ومجموعة الجواسيس العاملين في القنصليات البريطانية، إلا أن القوات الغازية منيت بخسائر منكرة على يد القوات العثمانية في معركة الشعيبة في أبريل / نيسان 1915م. إلا أن ثقل أعباء الحرب في الجبهتين الشرقية في أذربيجان وشرق الأناضول والغربية في البلقان وانهيار بعض الجبهات الألمانية وانسحاب روسيا من الحرب في أعقاب الثورة البلشفية الشيوعية أدت إلى تقهقر القوات العثمانية مما شجع القوات البريطانية على دخول صعب لمشارف لبغداد في مارس / آذار عام 1917م، والوصول إلى مشارف كركوك في أغسطس/ آب 1918م، مما أدى إلى خسائر كبيرة في الفيلق السادس العثماني، إلا أنها توقفت إلى هذا الحد من التقدم.
– بريطانيا تصطدم بالجهاد الشيعي
أصطدمت بريطانيا في العراق بما لم يكن في الحسبان، بمشكلة خطيرة جداً عرقلت عليها خططها، ألا وهي مشكلة الجهاد.
فالجهاد ركن من أركان الإسلام، وبهذا فهو فريضة على كل مسلم. ويختلف السُنّة عن الشيعة بهذا الصدد في أن ليس لهم مرجع محدد يلجأون اليه لإستصدار فتوى الجهاد، ونظراً لكثرة السنة وتوزعهم على دول مختلفة، فقد وجدت لهم مراجع محلية عديدة يصعب جمعهم وإتفاقهم على رأي واحد. أما الشيعة ويمكن إعتبارهم أقلية إسلامية فإنهم يتركزون في العراق وإيران، ولكنهم يخضعون لمرجع واحد هو المرجع الشيعي الأعلى في النجف. و”في بدايات القرن التاسع عشر ظهرت مسألة التقليد حيث “أصبح نظام الاجتهاد الشيعي يحتم على كل فرد ان يقلد في احكامه الشرعية أحد المجتهدين.. وصار الناس في المجتمع الشيعي يرجعون الى المجتهدين في مختلف امورهم الدينية والدنيوية”.
ولما كان العراق جزءا من الدولة العثمانية التي قررت الدخول في الحرب الكونية، كما سميت آنذاك وقبل ظهور الحرب العالمية الثانية، ليبدأ تسلسل الحروب العالمية، دخلت تركيا الحرب الى جانب ألمانيا في تشرين الثاني 1914. ففي نهاية تشرين الأول/ أكتوبر عام 1914، أطلقت سفن حربية تركية النار على موانئ روسية، ما شكّل بداية مشاركة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى. ورغم أنها كانت ضعيفة من الناحية العسكرية، إلا أن السلطان محمد الخامس العثماني، باعتباره كان يحمل لقب خليفة المسلمين آنذاك، اعتمد على سلاح ديني، فقد ناشد جميع المسلمين الذين كانوا يعانون من السيطرة الفرنسية أو البريطانية أو الروسية أن يعلنوا الجهاد على محتليهم من الكفار. ولم يمض على دخول تركيا الحرب سوى أيام معدودة حتى أعلن فيها “الجهاد” لحرب الكفار. ففي 7 تشرين الثاني 1914 أصدر خيري أفندي شيخ الإسلام فتوى ذكر فيها أن الجهاد فرض عين على جميع المسلمين في البلاد العثمانية وخارجها. وكعادة المسلمين في نعت من يقف الى جانبهم بنعوت دينية إسلامية، ولهذا صار القيصر يُعرَف بين المسلمين ب “الحاج غليوم” تارة، و”محمد غليوم” تارة أخرى.
وقد أدرك الأتراك أهمية ذلك، فطلبوا من مراجع الشيعة إعلان الجهاد ضد البريطانيين عند نزولهم في البصرة بتاريخ 1/10/1914. وقد أسرع علماء الدين الشيعة إلى إعلان الجهاد فور تعرض العراق لهجوم القوات البريطانية.
بدأت حركة الجهاد الشيعي في العراق في 9 تشرين الثاني 1914 عندما كانت البصرة مهددة بخطر الغزو الإنكليزي… وأهم ما كان يخالج ذهن الحكومة يومذاك هو كيف يمكن تحريض الشيعة للانضمام الى حركة الجهاد… وفي 16 كانون الأول 1914 صعد كبير المجتهدين الشيعة السيد كاظم اليزدي المنبر في صحن النجف وخطب في الناس حاثاً لهم على الدفاع عن البلاد الإسلامية.
وإلتحقت بقية الحواضر الشيعية في العراق بحركة الجهاد. ففي الكاظمية أصدر الشيخ مهدي الخالصي رسالة بعنوان “الحسام البتار في جهاد الكفار” نشرتها جريدة صدى الإسلام على حلقات متتالية. وخطب السيد مهدي الحيدري في 19 تشرين الثاني 1914 في مجموعة من شباب الكاظمية يحثهم على الخروج للجهاد.
ورغم تقدم البريطانيين في جبهات القتال “لكنّ موقف علماء النجف لم يتغيّر، فقد واصلوا نهجهم في الدفاع عن بلاد المسلمين، ضد الغزو الاستعماري البريطاني، وكرّروا دعوتهم للجهاد ثانية في تشرين الثاني ١٩١٥م، محرّم ١٣٣٤هـ، وذلك استجابة لطلب الدولة العثمانية، وقد جعلت الحكومة العثمانية هذه الدعوة ذات طابع شيعي، بعدما اكتشفت قوّة التفاعل الشيعي في النشاط الجهادي المسلّح ضد الغزو البريطاني، فجعلت شعارها (العلم الحيدري الشريف) وأخذت تبثّ أخبارها في المدن الشيعية”.
لم ينجح إسلوب الفوضى الإسلامية في التجنيد إعتماداً على العاطفة الدينية أمام التخطيط العسكري البريطاني المعتمد على الدهاء السياسي، فإحتل البريطانيون القرنة وتقدموا شيئاً فشيئاً نحو البصرة فبغداد التي دخلتها القوات البريطانية بقيادة الجنرال ستانلي مود في 11 آذار 1917. وبالمقابل تقهقر العثمانيون شيئاً فشيئاً وصولاً الى الموصل.
لقد كان الوازع الديني هو الذي حرّك الشيعة المختلفين مع العثمانيين مذهبياً، والأكراد، الذين إنضموا لهم سريعاً. في حين كان السُنّة، الذين يفترض وقوفهم إلى جانب العثمانيين لإرتباطهم معهم مذهبياً، أكثر حكمةَ ودهاءاً وأقل إندفاعاً في محاربة البريطانيين الذين توسموا فيهم الواقعية السياسية.
– تفضيل بريطانيا لسُنّة العراق
وبعد إحتلال العراق سعى البريطانيون لإثارة الصراع المذهبي السني-الشيعي، بعد أن شعر البريطانيون بأن الثورة العراقية الكبرى لعام 1920، والمعروفة بثورة العشرين، قد كان شيعة العراق أول من أشعل شرارتها وتحملّ أعباءها. وهذا ما دفع البريطانيون الى تفضيل السُنّة لحكم البلاد. وبَعْدَ أَنْ عُقِدَ مُؤْتَمَرُ الْقَاهِرَةُ عَامَ 1920 م عَلَى أَثَرِ ثَوْرَةِ الْعِشْرِينَ فِي الْعِرَاقِ ضِدَّ الْاحْتِلَالِ الْبَرِيطَانِيِّ وَضِدَّ سِيَاسَةِ تَهْنِيدِ الْعِرَاقِ، أَصْدَرَ الْمَنْدُوبُ السَّامِيِّ الْبَرِيطَانِيِّ بيرسي كوكس أَوَامِرَهُ بِتَشْكِيلِ حُكُومَةٍ وَطَنِيَّةٍ عِرَاقِيَّةٍ انْتِقَالِيَّةٍ بِرِئَاسَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْكيلَانِيِّ النَّقِيبِ، (وهُو فِي السابعة والسَبعين مِنْ عُمره)، وَتَشْكِيلِ الْمَجْلِسِ التَّأْسِيسِيِّ الَّذِي تَوَلَّى مِنْ ضِمْنِ الْعَدِيدِ مِنَ الْمَهَامِ انْتِخَابَ مَلِكٍ عَلَى عَرْشِ الْعِرَاقِ، وَتَشْكِيلَ الْوِزَارَاتِ وَالْمُؤَسَّسَاتِ وَالدَّوَائِرِ الْعِرَاقِيَّةِ، وَاخْتِيَارَ السَّاسَةِ الْعِرَاقِيِّينَ لِتَوَلِّي الْمَهَامِّ الْحُكُومِيِّةِ.
وتكشف رسائل المس بيل سكرتيرة دار الاعتماد البريطاني في العراق للفترة من (1917-1926) نظرة البريطانيين الى المسألة الطائفية في العراق، ونبذهم لشيعة العراق، وأخيراً تشكيل حكومة مؤلفة من السُنّة، وتسليم السلطة في الدولة الفتية إليهم.
ويتضح من قراءة ما بين سطور هذه الرسائل التاريخية الهامّة، إن البريطانيين قد قرّروا تفضيل الطائفة السُنيّة على الطائفة الشيعية في عام 1920، عقاباً للشيعة وتأديباً لهم على ثورتهم ضد الاحتلال البريطاني للعراق، بالإضافة الى أمور أخرى وجدها البريطانيون والملك فيصل سيئة عندهم.
“وإثر ثورة عشائر الفرات في العراق عقد ونستن تشرشل مؤتمرا في القاهرة وكانت المس بيل الوحيدة بين الرجال وفي الاجتماع تقرر تعيين الأمير فيصل الهاشمي ملكاً على العراق بعد إخراجه من عرش سوريا وبتأييد من لورنس المعروف آنذاك.
لقد كانت المرأة الوحيدة بين 39 رجلا اختارهم وزير المستعمرات ونستون تشرشل للمشاركة في مؤتمر في القاهرة عام 1921 حول مستقبل بلاد ما بين النهرين. وعندما قامت ثورة الشيعة في جنوب العراق التي أودت بحياة ثمانية آلاف بريطاني اقتنعت السيدة خاتون أن الإدارة البريطانية المباشرة ستكون مكلفة ومن الأفضل السعي إلى إقامة سلطة عراقية تعتمد على عناصر من النخبة في البلاد. وهذا ما حصل، وتبين أن الشيعة الذين كانوا رأس حربة الثورة العراقية على الانتداب البريطاني لم يحصلوا على أي مكسب سياسي، فقد فضل البريطانيون الاعتماد على الموظفين الذين كانوا قائمين في العهد العثماني وهم بالطبع من السنة لإقامة الدولة الجديدة الناشئة. وتعتبر الآنسة بيل أن “السلطة يجب أن تكون بأيدي السنة رغم قلة عددهم لأن تسلم الشيعة يعني قيام سلطة دينية.”
ويبدو إن البريطانيين قد لعبوا على وتر الطائفية الحساس، وتمكّنوا من خلال المندوب السامي البريطاني الجديد بيرسي كوكس في إقناع عبد الرحمن الكيلاني نقيب أشراف بغداد من توليته رئاسة الحكومة المؤقتة بعد تهديده بتسليم الحكم الى الطائفة الشيعية في العراق حال إصراره على رفض تولّي المنصب وهو شيخ قارب الثمانين من عمره، وقد أمضى معظم حياته في ظِل الدولة العثمانية موالياً للخلافة العثمانية كمرجع ديني أعلى للطائفة السنّة في العراق. ومن المؤكد إنه كان ينظر للبريطانيين على إنهم “كفار” أسوة بغالبية العراقيين، إلا إنه وبعد مفاوضات شاقّة معه، بدأت منذ 20 حزيران ولغاية 24 تشرين الأول 1920، وافق على رئاسة الحكومة الوطنية المؤقتة في العراق. وتصف المس غيرترود بيل السكرتيرة الشرقية لدار الإعتماد البريطاني في العراق تلك الجهود عبر عدد من رسائلها، ففي رسالتها الى والدها المؤرخة بتاريخ 24 تشرين الأول 1920، تذكر المس بيل ظروف تشكيل الحكومة المؤقتة في العراق بعد إنسحاب العثمانيين، بقولها: ” قلت له أن من واجبه كفرد وكوطني أن يساعد على تأسيس أي شكل من أشكال المؤسسات العربية في العراق، وإنه إذا مضى هو والآخرون قدما بجرأة معتمدين على تأييدنا فإنهم سيسكتون كل نقد. ولا أدري هل صدقني أم لم يصدقني. إن جعفر هو أول عراقي يعود من سوريا، وعلى موقفه سيتوقف الشيء الكثير.
ثم جاء السيد حسين أفنان وما كدت أشرع في حديث قلب لقلب معه، بشأن بعض مقالات افتتاحية ينوي نشرها في صحيفته، حتى دخل المستر فلبي وآخرون ثم السر برسي ثم ما لبث الجميع ان خرجوا ماعدا المستر فلبي. فأقبلنا على السر برسي وقد انبهرت انفاسنا تشوقا وتطلعا، فقال – لقد وافق – وكان قد جاء رأسا من عند النقيب، الذي وافق على تشكيل حكومة مؤقتة.. إذن فقد حققنا نجاحنا الاول، وما كان غير برسي بقادر على تحقيقه. بل أن استطاعته حتى هو على حمل النقيب على المساهمة في الشؤون العامة لم تكن بأقل من معجزة. ولم يكن ابتهاج السر برسي وانشراحه ليعدله شيء إلا ابتهاجنا نحن وانشراحنا ولقد جلسنا نصف ساعة نكاد نتوثب طربا ونحن نمجد النقيب تارة والسر برسي تارة أخرى”. وهنا يثور التساؤل: كيف إستطاع برسي كوكس إقناع عبد الرحمن النقيب، وهو شيخ سبعيني، بتشكيل حكومة تحت الاحتلال البريطاني؟
– الحيلة البريطانية لإقناع السُنّة بالحكم
ففي رسالة لاحقة بتاريخ 1 تشرين الثاني 1920، تذكر المس بيل خبر إقناع عبد الرحمن الكيلاني نقيب أشراف بغداد عن السُنّة، فتقول: ” وفي صباح الأربعاء كان كل شيء فيما يبدو على ما يرام.. وفي العصر جاء الميجر يتس مع تود وزوجته وقد فاجأنا المستر تود بأنه قد زار ساسون أفندي لتهنئته بمنصب وزير المالية، فوجده مع حمدي باشا بابان – الذي كان عرض عليه منصب وزير بلا وزارة – ووجدهما معا على أهبة الرد بالرفض. عندئذ تركت كوب الشاي دون أن أشربه وهرعت الى الديوان لأخبر المستر فلبي بالأمر. فلم أجده هناك. ولكني وجدت ضوءا في غرفة السر برسي. فدخلت عليه واخبرته فكلفني بالذهاب حالا الى ساسون أفندي، وحمله على تغيير رأيه.
فخرجت وأنا أشعر كأن مستقبل العراق كله قد اجتمع في يدي. ولكن حين بلغت دار ساسون أفندي، تنفست الصعداء إذ وجدت المستر فلبي والكابتن كلايتن قد سبقاني اليه. وكان النقيب قد استلم رسالة ساسون، فأرسل المستر فلبي اليه بأقصى السرعة، على أني وصلت في اللحظة الحرجة، وفي الوقت المناسب وكان قلبي وكلايتن قد استنفذا كل ما عندهما من حجج وظل ساسون مع ذلك عند قراره. واعتقد ان قلقي العظيم قد ألهمني، إذ بعد ساعة من الالحاح المركز ظهر عليه بوضوح أنه قد تزعزع عن موقفه، فبالرغم من أن أخاه شاؤول – الذي أكن له الإعجاب والاحترام هو ايضا – قد بذل ما في وسعه ضد مسعانا – وأخيرا حملنا ساسون أفندي على أن يعيد النظر في موقفه وأن يرى السر برسي في اليوم التالي، وقد كان عندي اقتناع داخلي بأننا كسبنا الموقف. من أسباب ذلك ماكنت أنا شخصيا قد اقمته من علائق الثقة والاعتماد مع ساسون. على أن احدا منا ما كان واثقا بالنتيجة.
ولم أنم كثيرا في تلك الليلة.. لقد ذهبت أقلب في ذهني الحجج التي أدليت بها واتساءل عما إذا كان لم يكن في وسعي أن أدلي بخير منها.
وفي صباح اليوم التالي – وهو الثلاثاء – جاءني ساسون أفندي في الساعة العاشرة فذهبت به رأسا الى السر برسي وتركتهما معا. وبعد نصف ساعة عاد فأخبرني بأنه قد وافق. ثم سألني عما يستطيع فعله في سبيل مساعدتنا في مهمتنا، فأرسلته الى النقيب رأسا وكان نقيب بغداد هو أيضا قد رفض الاشتراك في الوزارة. وكان من الضروري حمله على قبول الاشتراك في الوزارة والشكوك التي تساوره. ثم تباحثنا في كيفية اكتساب المتطرفين وقد اكدت له أن اكتسابهم هو أهم ما يرغب فيه السر برسي. فسألني – وقد تشجع – عما إذا كان يستطيع ان يتحدث الى السر برسي فأخذته في الحال الى السر برسي وتركتهما معا وأنا مقتنعة بأن السر برسي هو خير من يشرح سياسته.
وفي صباح يوم السبت، ذهبت انا والمستر فلبي الى النقيب، وكان المستر فلبي هو الواسطة بينه وبين السر برسي وقد قام بهذه المهمة على أحسن ما يرام..”
وهنا تقول المس بيل أنهما وجدا النقيب طلق الوجه مشرق الأسارير ووجداه عازما كل العزم على أن يكون هو دون سواه على رأس الوزارة أو “مجلس الوزراء” وأنه بعث الى المعتمد البريطاني برسالة فحواها أ، تكون هي – أي المس بيل – الواسطة بينهما في أي وقت يتعذر فيه على المستر فلبي القيام بذلك.
ثم تقول إنها أقامت في المساء مأدبة عشاء لجعفر العسكري وساسون أفندي وعبد المجيد الشاوي رئيس البلدية ودعت اليها المستر فلبي والكابتن كلايتن والميجر مري وكان غرضها من المأدبة تحقيق الإتصال بين الثلاثة الأولين. وتقول إن جعفر العسكري طالب – بلغة مؤثرة – تسوية التحقيق مع العشائر الثائرة.. وقد ارتأى ساسون أفندي ان يشرك النقيب معه في مجلس الوزراء، أحد زعماء كربلاء أو النجف.
إن المس بيل ساخطة على الشيعة وزعمائهم بسبب واحد هو ثورة العشائر ورفض أغلب علماء الشيعة – في ذلك الوقت – “التفاهم” مع الانكليز كما سنرى بعد هذا بقليل.
وبعد العشاء تكلم المجتمعون عما كان يسمى – بالجيش العربي – فتساءل جعفر العسكري عن الطريقة التي يستطيع بها جمع المتطوعين لأن شروط الانتداب تمنع من التجنيد الاجباري. ثم تحدث عن زيارته للكاظمين واجتماعه بعلماء الدين فيها وعن رفضهم التعاون مع حكومة النقيب واصرارهم على ان تكون الحكومة ينتخبها الشعب وأن لا فائدة ترجى من أي وضع آخر”.
وتقول المس بيل بعد ذلك انها ذهبت مع الكابتن كلايتن الى دار السيد شكري الآلوسي لتناول الشاي وان مما يدعو الى عظيم فخرها ان بابه مفتوح لها في كل وقت. وتختم رسالتها بقولها ان مجلس الدولة – او مجلس الوزراء – سيجتمع غدا.