عندما قدمت إلى فرنسا , سكنت فى أحد ضواحي باريس ذات الكثافة العربية والافريقية , تلك الضواحي التي شاع تسميتها بعشوائيات باريس !!
و على عكس المتوقع , انبهرت في البداية بالسكن الجديد الهادئ فرغم صغر مساحته إلا ان الحديقة التابعة له شديدة الاتساع كثيفة الاشجار وزجاج النوافذ عازل للازعاج فلا يصلك أي نوع من انواع الضجيج , كما ان المبنى جميل والشوارع نظيفة لاتوجد بها بلاعات ولا مجاري والكهرباء والمياه لا تنقطع ابدا ولو لدقيقة بجوارنا سينما ومسرح ومستشفى وملعب و صالة جيم والعديد من الخدمات الترفيهية !
استغربت لتسمية تلك المناطق التي تضاهي ارقى الاحياء فى القاهرة نظافة وجمالاً وتخطيط عمراني وخدمات بالعشوائية !
ولكن سعادتي لم تدم طويلاً فسرعان ما تحولت لكابوس بشع دفعني للبحث المتواصل عن سكن جديد مهما كان الثمن …
فقد استيقظت بعد عدة أيام من وصولي على طرقات الباب , ففتحت ووجدت امرأة شرقية الملامح ترتدي الثوب المغربي الجميل و تعرفني بنفسها و بأنها جارتنا التي تسكن فى الدورالعلوي , رحبت بي ودعتني لشرب الشاي المغربي الشهير , لم ارفض عرضها السخي وصعدت معها الى شقتها الصغيرة المفروشة بالاساس المغربي الساحر وصبت كوبان من الشاي وسألتني هل انا مسلمة فقلت نعم , فبدى عليها الاستعجاب وواصلت بإستياء كيف تكوني مسلمة وتعيشين مع كلب فى نفس المكان ؟ كيف تصلين ؟ الا تعلمين يا اختي ان الكلاب نجسه وتطرد الملائكة من المنزل ولا يجوز الصلاة فى صحبتها ؟ انصحك بالتخلص من هذا الكلب فى اقرب فرصة ممكنة لانه لن ينجس فقط شقتك ويطرد منها البركة والملائكة ولكنها سينجس العمارة بأكملها !
وقعت كلماتها علي كالصاعقة وحاولت دون جدوى ان اجعلها تصفح عن الكلب المسكين وزادت صدمتي عندما عرفت ان تلك العقلية المنغلقه رغم مظهرها المتحرر تعمل فى احد المدارس الإبتدائية بالمنطقة !
ثم توالت المفاجات لاكتشف بعد ذلك ان جارنا المصري يؤجر سكنة الاجتماعي المدعم الذي تدفع الحكومة الجزء الاكبر من ايجاره لانه بلا عمل لخمس شباب بلا اوراق اقامة شرعية !! مقابل 250 يورو للفرد بينما تجلس العديد من الاسر بلا مأوى فى انتظار سكن مدعم ! وعندما نبهته يوما بأن ما يقوم به مخالف للقانون قال لي بشكل صريح انه لا يأبه بقوانين الكفار وان سرقة الكفار غنيمة !
وبين ساكنة الحي الجزائرية الحسناء التي ترتدي ملابس مثيرة دفعت شباب المنطقة الغيور ان يتحرش بها ويعتدي عليها لترتدع وتلتزم بالزي الشرعي مهددينها بأنها ان استمرت ستلقى مصير شهرزاد وعندما سألت من هي شهرزاد وما هو مصيرها اكتشفت انها فتاة شابة لا تتجاوز ال 18 ربيعاً كانت تسكن فى منطقة مشابهه و قد سكب عليها صديقها المسلم الغيور الجاز واحرقها حية لانها تريد ان تنهي علاقتها به !
وبين جارتنا التونسية التي انجبت عشرة ابناء والحادي عشر, قادم فى الطريق لتحصل على مبلغ الضمان الاجتماعي المخصص لكل طفل وتسكن فى سكن واسع لان مساحة السكن المدعم تتناسب طرديا مع عدد الاطفال وتشتري سيارة على نفقة الدولة وتحصل على كوبونات غذائية مجانية , ثم تسرحهم يتبولون ويتبرزون فى الحديقة الجميلة ويشوهون جمالها ورائحة زهورها العطرة ويحطمون بكرة القدم زجاج نافذتي العازل !
وكان الاكتشاف الصادم بالنسبة لي هو نموذج الشاب ذو الاصل الجزائري الذي يبيع المخدرات فى الحي ولكنه يبيعها فقط للفرنسيين ويرفض بيعها للمسلمين لان الحاق الضرر بأخيه المسلم حرام أما اذية الكفار فحلال بل تعد جهادا في سبيل الله لهذا كان أول من يذهب ليصلي فى الجامع ! , وربما هذا يفسر اتجار اغلب المتورطين فى العمليات الارهابية في المخدرات !
وبعد ان وصل الحال من الجيران إلي تكرار محاولة تسميم كلبي وتبادل محاضر الشرطة بل وتهديدي بالقتل انا وزوجي في داخل منزلنا بعد اقتحامة من البلكونة من قبل جارنا الجزائري المتدين! مفتول العضلات الذي يعمل فى حارسة احد الكازينوهات الليلية ! إن لم نتخلص من صديقي الوفي الذى كل ذنبه ان احد الكلاب من فصيلته كان مكروها من ابو هريرة منذ اكثر من الف عام !
و اخيرا قررنا الرحيل من الحي العشوائي فالعشوائية الاخطر محلها العقول ! , بعد أن اشترينا بصعوبة وبعد بحث سنوات بيت اخر يبعد 80 كيلو متر عن العاصمة في قرية فرنسية خالصة وهناك وبعد تلك التجربة المريرة وضعت يدي لأول مرة على عصب المشكلة التي تدفع المهاجرين لرفض الاندماج وتجعل اجسادهم قنابل موت موقوته تحصد أرواح الابرياء !
فالارض هي الارض والسماء هي السماء والبلد هو البلد والحكومة هي الحكومة بل ان الخدمات المتوفرة و المقدمة فى سكني القديم أفضل الف مرة من السكن الجديد ولكن الإنسان ليس هو الإنسان !
فقط 80 كيلو متر كانوا الحد الفاصل بين زمنين , بين نوعين من البشر ,بين عقليتين ….
الحد الفاصل بين انسان العصر الحديث وانسان العصور الوسطى , 80 كيلومتر بحجم ثلاثة أو اربعة قرون بأكمها !
لا تصدقوا موضوع الاضطهاد وصعوبة الاندماج والعنصرية والتهمييش فالجالية الاسيوية تعادل فى عددها الجالية العربية وتعيش فى نفس الظروف بل اسوء لصعوبة تعلم اللغة الفرنسية بالمقارنة بالجالية المغاربية التي تجيد الفرنسية ومع ذلك لم نراهم يشكون العنصرية و التهميش او يفجرون انفسهم فى المارة !
لا تصدقوا المبررات التي تقول كل شئ لتبريء الذات و تلقى باللوم على الاخر ولكنها تبتعد تماما عن الشيء الوحيد الواضح وضوح الشمس وعن جوهر واساس المشكلة بل الكارثة الحقيقة الا وهي اننا لازلنا نعيش بعقلية العصور الوسطى مهما ارتدينا قشور الحضارة ومظاهرها ! كل ما عدا ذلك مجرد اعراض وتوابع لتلك الحقيقة المرة .
**لازلنا سجناء العقلية المكبلة الضعيفة الغارقة فى الخرافة و الغيبيات البعيدة عن العقل والمنطق التي تمجد الموت وتكره كل مظاهر الحياة , التي ترى الحاضر والمستقبل بعيون ونصوص ومرجعية الماضي السحيق …
**العقلية التي تضطهد مخلوق لطيف وتحاربه لان هناك نص منذ اكثر من الف عام قد اقر بأن هذا المخلوق مضطهد ! و تحابي مخلوق اخر لان هناك نص مقدس كرمه !
**العقلية التي لا تعترف بأن هناك انسان واحد له حقوق وحريات مقدسة بغض النظر عن دينه ولونه وعرقه وفكره ولكنها تقسم البشر والعالم على اساس ديني مذهبي طائفي , وطائفتي هى الارقى وما عدا ذلك مباح دمه لانه لا يرقى لدرجة انسان !
**العقلية التي ترتعد وتخشى من النقد و الفكر والكلمة وتقيم محاكم التفتيش وتبحث فى النوايا وتقصف الاقلام وتصادر الكتب وتطحن الانسان وتقدمه قرباناً لاصنام المقدسات !
**العقلية التي يمكنها ان تتحول الى اشلاء متطايره تحصد ارواح الابرياء فقط لانها ترى ان هناك نص ديني مقدس دعاها لكراهية واحتقار الاخر المختلف عنها !
**العقلية المنغلقة على ذاتها الغارقة فى التراث التى تنتفض وتثور وتسير المظاهرات وترفع السلاح لا لتنتصر لواقعها وانسانيتها ولكن لتثأر لشخصيات تاريخية ماتت منذ اكثر من الف عام !
**العقلية التي تشن الحروب بكل بشاعتها فى القرن الواحد والعشرين من اجل تصفية الحسابات التاريخية بين السنة والشيعة !
تجاوزت اوروبا المسيحية مرحلة القرون الوسطي التي كانت تشبهنا فيها وعبرت الى الشط الاخر بسلام بعد ان مرت بالنهضة ثم بالتنوير ثم العلمانية والحداثة , اما نحن فلازلنا غارقين فى وحل تلك العصور بكامل همجيتها وقصورها العقلي خاصة بعد ان كشفت ثورات الربيع العربي الغطاء عن العفن الموجود تحتها لتظهر لنا داعش والاخوان والسنة والشيعة وكافة الحروب المذهبية و الطائفية المشتعلة فى المنطقة ..
ولازلنا نصوغ المبررات لنمد اجل العصور الوسطى وندعي ان كل ذلك العفن التراثي المتراكم هو مؤامرات غربية علينا هرباً من مواجهة الحقيقة المرة !
ولازلنا نخشى الحداثة و ترتعد فرائصنا خوفاً من التفكير و التنوير , حيث لا مقدس فوق النقد ولا سلطان على العقل إلا العقل .
إذا اتفقت معي عزيزي القارئ على هذا فيمكنك حينها استيعاب سوء التفاهم الدائم الذي لمسته شخصيا في نقاشاتي مع المثقفين الفرنسيين بين الغرب والشرق ..
فمن الصعب على انسان العصر الاوروبي الحديث الذي ولد وتربى على مبادئ العلمانية والعقلانية وحقوق الانسان وحرية العقيدة والمساواة, ان يعود الى الوراء ويعبر اربعة قرون من الزمان ليستطيع ان يفهم عقلية اجداده فى العصور الوسطى ويتوقع ردود افعالهم .. لان هناك فترة زمنية طويلة فاصلة بينه وبينها فلم يعد يربط الانسان الاوربي اي صلة ان كانت بتلك العصور السحيقة وبالتالي من الصعب عليه فهم تفكير الانسان الشرقي الذي لازال يعيش فيها ..
ولكي اقرب لك الصورة تخيل انني اطلب منك ان تستعيد مشاعر واسلوب تفكير انسان العصر الحجري وتتوقع ردود افعاله وتتفهم عقليته وتتعامل معه على اساسها …
الامر غاية فى الصعوبة وليس سهل كما نتصور جميعا, فإذا قابلت انسان قادم من العصر الحجري فأنك ستتعامل معه بأدوات وتفكير عصرك انت لا عصره هو .. لهذا نرى الفجوة والتخبط وسوء التقدير الدائم بين الغرب الحديث والشرق القروسطي ولهذا استيقظ الغرب على كارثة المهاجرين العرب والمسلمين ولن تنتهى المفاجات والكوارث ..
والى الان لا يستطيع الانسان الغربي استيعاب الدافع الذي يجعل شاب يفجر نفسه فى الابرياء ويفقد حياته ويحصد ارواحهم سوى الجنون ..
لايستطيعون استيعات فكرة ان يلغي الانسان عقله ويسير خلف نصوص تراثية قديمة توجهه نحو الهلاك..
وسيواصل اخطاءه وفتح ابوابه لجموع قادمة من الماضي السحيق , ستعيش وسطه وتحمل فى عقولها قنابل موقوته تدمر كل مظاهر حداثته وتحضره .
فلم تعد أزمة الوعي والعقل العربي والإسلامي مع الحداثة مقتصره على ذاته فقط ولكنها اتسعت لتهدد العالم بأسره ..
وفى ختام شهادتي على الاحداث لم استغرب ان يكون احد المتورطين فى احداث باريس وبروكسل هو رضا كركيت جارنا الشاب , فى الحي الذي كنت اسكنه , كان حريصاً على ذهابه للمسجد القريب ليستمع لخطيب الجمعة الذى كان يداوم على ختام خطبته بأن يردد على مسامع الحاضرين بصوته المؤثر الباكي الحديث التراثي القائل , توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت..
حديث اعتدنا سماعه على منابر مساجدنا كغيره وحفظناه جميعاً فى اللاوعي دون نقد أورفض أو تفكير .. بل نسجن ونكفر كل من يحاول نقده والتفكير فيه كما حدث مع اسلام البحيري وغيره !
كلنا رضا كركيت ولكن الفارق الوحيد انه لم يقتصر على الحفظ والتلقين ولكنه تشجع وكره الحياة وأحب الموت و قرر ….. التطبيق .
مقال مقبول. لكن اين اﻻضاءة على دور التربيه التي حصلنا عليها ونشئنا في ضلها ضمن أنظمة استبداد ﻻتعرف الرحمة فتقتل وتغتال اي وجهة نظر مختلفة. وهاهي اﻻنظمة في سوريا وفي مصر والجزائر وغيرها تمارس استبداد من خمسينيات القرن الماضي وترعرع في ظل هؤﻻء المستبدين تطرف من كل اﻻنواع. في مصر كان امل في تحول الثورة الى مسار حكم مدني ديمقراطي. لمن العسكر اختارو استبداد وتم تصفيه القطاع الخاص اﻻقتصادي ومععا تم تصفية اﻻحزاب الخاصة بااطبقة اﻻجتماعية الوسطى لتنشأ طبقة جديدة محلها ومستبدة بقوى المجتمع اﻻقتصادية وتحتكر القوة العسكرية و تستعملها ضد شعوبها او تمارس ارهاب الجولة على المحتمعات التي تحكمها. فنصبح نحن محكونين من قبل انظمة امنية ﻻتملك وﻻترغب وﻻ تحتاج الى اي منظومة فكرية غير الكذب من اجل اﻻستمرار في التسلط والنهب والفساد والخراب.
السيدة او الانسة صاحبة المقال:ان العنوان المثير لمقالتك هو ما شدني لقرائتها ولكن للاسف زالت الاثارة وبهتت عند قرائتهاان المذهبية الكريهة التي تفوح بين السطور وانتقاد فئه معينه او طائفه اومجموعه بحد ذاتهاما هو الا تعصب بغيض حاولتي ان تنتقديه فوقعتي فيه.ان تجاهلك لكثير من العوامل وتركيزك على الناحية الدينية دون ذكر عوامل اخرى هو محض افتراءفنسيانك للظلم التاريخي الذي وقعت فيه منطقتنا العربيه من استعمار واستيلاء على مقدرات الشعوب العربيه وثرواتها في مرحله لاحقه اضافة للواقع السياسي المتهتك بدءا من احزاب يساريه حاولت تقليد الغير تقليد اعمى دون البحث عن خصوصيه لها الى احزاب دينيه ظلت مرتبطه بطريقه او باخري باصحاب النفوذ وريثي الاستعمار لتجد مكان لها بعيدة عن تعليمات الدين الحنيف متخذة من الدين ستار لها لتصل الئ غاياتها الى احزاب قوميه تاجرت بالشعارات القوميه لتصل الى مبتغاها كل ذلك بالاضافه الى عدم قيام الطبقه المثقفه او المتعلمه في مجتمعنا بواجبها في توعية المجتمع فكانت بوقا للسلطه واداة لتنفيذ مخطاتها اضافة لعوامل اخري كثيرة كالفقر والتسلط والتخلف ان ايرادك للامثله مع تحفظي على هذه الامثله من جارتك المغربيه والجار المصري والجزائري هو محض افتراءعلى شعبنا العربي في مصر والجزائر والمغرب وايحاء واضح وبغيض لتعميم الفكرة على اهلنا في مصر والجزائر والمغرب .ان التفكير الموضوعي والحر يقتضي ان نبحث عن العوامل التي اوصلت مجتمعاتنا لهذه الدرجه من العنف اللا مبرر واللا مقبول لازان نزيد الشرخ فيما بيننا وللعلم فقط فالثورة الفرنسيه التي تقيمين انت في كنفهاعندما قامت كانت تنصب المقاصل للذين يخالفونها انا لا ادعو بهذا لاي نوع من انواع العنف ولكن يجب قراءة التاريخ بشكل جيد وعقلاني والاستفادة مما وصل له الاخرون دون الاساءة للغير ومحاولة ايجاد قواسم مشتركة بيننا لا النبش في عوامل الفرقه والاختلاف