شهادة ناج من إعدام جماعي بسوريا

محمد غلام-إصلاحية (جنوب تركيا): الجزيرة نت mds

وقف أربعتهم مقيدي الأيدي ووجوههم إلى حائط أحد المنازل المهجورة قرب أحد مساجد تفتناز بريف إدلب، ظهر الثالث من أبريل/نيسان 2012، ليتلقوا الرصاص من الخلف في إعدامات جماعية راح ضحيتها 95 شخصا منهم 65 من عائلة غزال.

الأول إلى اليمين كان عوض عبد القادر (65 عاما) وهو شيخ أمّي لكن أولاده كانوا من ضمن الثوار. جاءه الصوت من الخلف: أين أولادك الإرهابيون؟ فرد الشيخ: لا أعرف. فجاءه إطلاق النار ليخترق جمجمته ويسقط على الأرض.

الثاني كان أحمد إسماعيل جعفر (63 عاما) وهو مؤذن سجن عشرين عاما بعد أحداث حماة 1982 وكان من أبرز منظمي الثورة الحالية بتفتناز. جاءه السؤال بما معناه “ألا يعجبك بشار؟” تتبعه رصاصات بالرأس أنزلته أرضا. ثم -وبدون أي سؤال- رصاصات متتابعة للثالث، وهو إياد غنيم، ليموت فورا.

وبحركة لا إرادية -كما يبدو- التفت الرابع، وهو محمد أيمن عز، لليسار قليلا، فجاءته رصاصات اخترقت فكه وخرجت واحدة منها أسفل عينه، فسقط على الأرض.

محمد أيمن عز يلقبه أهل تفتناز بالشهيد الحي (الجزيرة)

كان عز إذ ذاك يلبس جاكيتا ألمانيا فاخرا اشتراه من بيروت بقيمة ثلاثمائة دولار، يبدو أن أحد منفذي الإعدام بحقه رأى أخذه فلم يجد لذلك حيلة إلا فك يديه.

كانت الوساوس السوداء قد ذهبت بالزوجة، هيفاء أحمد عز، كل مذهب، منذ الصباح، حين دخل رجال الجيش منزلهم وفتشوه بطريقة همجية واقتادوا الزوج لوجهة مجهولة.

عملية الاعتقالات والإعدامات الجماعية جاءت بعد اقتحام قوات النظام تفتناز بأكثر من مائة دبابة وثماني مروحيات صبيحة ذلك اليوم، في هجوم لم يستطع الثوار مقاومته بأسلحتهم الخفيفة.

رجع رجال الجيش عصرا للبيت كما روت لنا هيفاء، وفي إحدى غرفه سمعت دعوة لقتلها وأولادها الثلاثة، لكن رد المسؤول جاء بأن “خلوهم يتعذبوا بعد أن خلصنا على زوجها” (قتلناه).

رش الجنود مادة بيضاء على أثاث البيت وأمروا بإخلائه بعد أن أخذوا نقودا سورية بقيمة 120 دولارا وأجهزة موبايل وحاسوبين وتلفزيونين وأدوات كهربائية. وعلى بعد أمتار شاهدت الزوجة الحامل بيتها تلتهمه النيران.

أظلمت الدنيا بوجه الزوجة. تركت أولادها ببيت إحدى الجارات، وهامت على وجهها تحت القصف تبحث عن جثة زوجها.

جثة مغطاة
أخبرتها إحدى العائلات بأنهم شاهدوا جثة بجانب المسجد مغطاة بملاءة بيضاء. أسرعت الزوجة إليه، وهناك وجدت جثة هادمة لرجل في سن زوجها مغطى وجهه بالدماء، وفكاه الأيسران مهشمان بطريقة مريعة.

هيفاء أحمد عز أنقذت زوجها من موت محتم (الجزيرة)

أرادت العودة لكنها سمعت شخيرا، عرفت أنه لا يزال حيا. نادت على الجيران دون مجيب. أدارته فوق الملاءة وسحبته وحيدة مسافة ثلاثمائة متر لبيتها. وعلى عتبته سقطت من جيب قميصه بطاقة هوية مكسورة من طرفها مكتوبا عليها “محمد أيمن عز”. تفرست مرة أخرى وجه الجثة فعرفت أنه زوجها.

اتصلت هيفاء بالإسعاف والمشافي، وكان الكل يقول إنه ليس بإمكانه فعل أي شيء طالما أن “العملية جارية”.

قررت الزوجة -التي كانت قد تلقت دورة إسعافات أولية- أن تأخذ المبادرة. انطلقت لبيت طبيب أسنان مجاور فأعطاها -بعد تلكؤ- علبة يود وقطنا وإبرة وخيطا ومقصا صغيرا، لكنه رفض المساعدة، مكتفيا بنصيحتها “ابدئي من الأسفل للأعلى ومن اليمين لليسار”.

وضعت اليود وحشت الحفرة العميقة بالقطن وخاطت، ثم أعطته حقنة “دكلوفين”. أخذتها من جيران آخرين.

وفي بيته بإصلاحية جنوب تركيا -حيث ينتظر إجراء عملية جراحية لتركيب فكين اصطناعيين- روى لنا عز كيف كسر القائد العسكري صباحا قبل الإعدام -بعد “محاكمة” خاطفة- طرف بطاقة هويته في قرار أكيد بإعدامه “وفق تقاليد نظام الأسد”، وكيف أنقذه الجاكيت الألماني كما يبدو إذ لو لم يسرق لما فك قيده ولمات في مكان الإعدام، وكيف غاب عنه الوعي تماما بعد إطلاق النار عليه، وأن ناسا شاهدوه وهو يترنح تحت القصف ليسلم روحه بجانب المسجد فأرسلوا أحدا لتغطيته، وحمايته من الذباب.

 
This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.