شهادات عراقية:
السكرتير السابق للحزب الشيوعي العراقي عزيز محمد يتحدث:
ليس المهم أن نستذكر انقلاب شباط، بل المهم تجنب تكرار وقوعه مستقبلاً
أربيل – حوار: توفيق التميمي
المقابلة الصعبة
فكرة مقابلة عزيز محمد واجراء حوار معه فكرة اقرب للمغامرة والمجازفة لرفضه المعروف وممانعته لاجراء مثل هذه المقابلات الصحفية، وحجته في ذلك بانه لا يعوّل كثيرا على دقة ما ينشره المحاورون عادة. استطيع ان اقول دون مغالاة بان الساعات الاولى من مقابلة عزيز محمد، بددت كثيراً من صورة التشويش التي رسمت انطباعات ملتبسة عنه في ذاكرتي مصدرها كما اسلفت ما قرأته عنه في مذكرات رفاقه وما رواه لي اصدقاء عايشوه في مراحل مختلفة، ولم اتاكد من صدقية هذه القصص وقربها من الواقع من مصادر حيادية حتى لحظة لقائي الاول به في منزله بأربيل. وهذا يحكي باختصار عن طبيعة الشرخ الحاصل بين انطباعي الاول القديم وصورة الرجل البسيط المتواضع الذي قابلني في منزله بزيه الكردي القومي الذي وجدته عليه قبل ثلاثة اعوام في مهرجان المدى وافصح عن نفسه وتاريخه بكل سلاسة دون ان يضطر الى الاساءة للاخرين او يبادلهم الاتهامات وهذا ما اعجبني به. فكانت اروع الانطباعات في تلك الجلسة والتي ارجو ان لا تدخل في سياق الثناء الذي يخشى منه عزيز، بانه لم يذكر شخصا او حركة سياسية بسوء مهما كان موقفها منه، اعترف بكامل المسؤولية للاحداث التي جرت زمن مسؤوليته لمنصبه الحزبي سواء التي جرت بعلمه او من دون علمه، واعطى العذر لجميع من ذكره بسوء في مذكرات مطبوعة او شهادات شفهية بجلسات محدودة، هذا ما بدد اول اكداس التشويش القديم عن صورة عزيز في ذاكرتي.
اتمنى ان تحظى هذه المقابلة برضا صاحب الشهادة عزيز محمد وتنال رضا الجمهور الكبير الذي ينتظر هذه المقابلة منذ الاعلان عنها قبل اكثر من ثلاثة شهور، ولا احسب ان المقابلة ستشبع نهم وفضول المترقبين لها ولكنها قطعا ستكون مقدمة لفتح افاق جديدة ومحفزا قويا لعزيز بان يخطو خطوة اكثر جدية في فتح مغالق ذاكرة اصبحت هي الآن ملكا للتاريخ والاجيال خاصة فيما يتعلق بتجاوز الاخفاقات والانتكاسات التي فتحت نهرا ثالثا من الدماء بجوار نهرينا الخالدين فيما لو سمح العمر وعوادي الدهر بذلك.
الحلقة الاولى
في الماضي تفاوتت تقديرات أبي وأمي في تقدير سنوات عمري وقتها كانوا يحسبونها بحسب بيادر زرع ذلك العام أو حسب ظاهرة تقع في تلك السنة ليدونوا بها تاريخ الولادة وهو كان متعارفاً كثيراً في تلك المرحلة لانعدام تدوين المواليد في القرى والأرياف.
يتبين اني كنت قد ولدت عام 1 /7/ 1924م، ولمجهولية تأريخ ميلاد اكثر العراقيين،فقد عدّ اول من تموز يوم لتاريخ ولادتي.
فهو من عائلة فلاحية معدمة كان والده محمد أحمد عبدالله يعمل فلاحا بأجرة يومية،. والذي ينحدر من المناطق الكردية المحاذية لمدينة اربيل والتي تعرف بقرية بيركوت. والدته سوسن محمود التي نزحت من مناطق وان وباش قلعة، أي كانت من كوردستان الشمالية من تركيا، فوصلت قاطعة مساحات شاسعة لوحدها في اواخر الحرب العالمية الاولى (1914-1918م)،لظروف خاصة بعائلة والدتي مما اضطرها للنزوح فوصلت الى اطراف اربيل. وفي قرية بيركوت اقترنت بأبي، وقتها لم يكن لها احد في الجانب العراقي.
ان قرية بيركوت القريبة من مدينة اربيل آنذاك والتي اصبحت الآن جزء من المدينة، كانت نفسها محل ولادتي،ولكنه يجهل سنوات الطفولة التي عاشها في تلك القرية،وفرضت عليه ظروف معيشة والده الانتقال من قرية الى أخرى بحثاً عن العمل،ولا يمكن نسيان كيف كانوا يضعوني وأنا صغير في احدى جهتي الخرج عند النقل.
وبالرغم من شظف العيش الذي عشناه كانت لدى أمي رغبة كبيرة في التعلم وأرسلتني بدورها الى الدراسة مبكراً،ربما كان هذا بسبب كون ابيها (ملا) فأحببت ان اكون معلماً، كنت صغيراً حينما أخذتني امي الى مدينة اربيل، تاركة بيت أبي والى الأبد حيث ان ابي كان قد تزوج من امرأة اخرى والذي سبب لها صدمة أخرى في حياتها.
فأصبحت أعيش مع امي لوحدنا ،على الرغم ان اهل ابي وأهل زوجته الجديدة كانوا يحترمونها كثيراً،الا ان هذا لم يهدئ من روع أمي، ولم يقلل من احمالها الثقيلة بكونها كانت وحيدة، أنا ايضاً لازمتني غربة أمي و وحدتها، إذ أثرت بيّ تلك الخلافات التي لا أرى ضرورة لذكرها هنا،وبالرغم من ذلك فإنا ارتبطت بأمي كثيراً بالرغم من وجود أبي فأنا أبن أمي قبل أن أكون أبن أبي.
وبعد ترك والدته لبيت زوجها بدأت تعمل في مدينة اربيل، وأنا كنت أتعلم القرآن في مسجد أبو بكر الصديق، بمدة قصيرة درست الفقه في قرى بيرزين وشاويس وبحركه، آخر مرحلة لدراستي الفقه كانت في قرية بحركه.
وفي الظروف التي ترتبت علينا من شظف العيش تركت دراسة الفقه عائداً الى مدينة اربيل، وقبل أن يصل الى درجة دينية معينه فقراءته اقتصرت ثلاث او اربع كتب فقط،وعندما عاد الى مدينة اربيل من اجل العمل يذكر ذلك بأنه كان يذهب لمكان تجمع العمال”لكنهم ولصغر سني لم يكونوا يأخذونني للعمل”،كان عمره آنذاك يناهز الرابعة عشر،أي في عام 1937-1938م.
وبالرغم من تلك الظروف التي مر بها برفقة والدته حث بعض الناس والدته على أرسالة الى المدرسة،وكانت والدته حين ذاك تعمل في البيوت من أجل الحصول على لقمة العيش،وبواسطة هؤلاء الناس سجل عزيز محمد في المدرسة، ولكونه تعلم القراءة والكتابة كما يشير هو بذلك قد تعلمت”ضرب زيد عمراً وضعوني في الصف الثالث الابتدائي مباشرة”، بعد اكمال الابتدائية بدأ يدور في فكره بدراسة الصناعة أو دار المعلمين الريفية، لكنه لم يوفق في ذلك،بسبب كبر سنه ويصف محاولته تلك”اذ كان عليَّ ان أصغر عمري عامين ولم اتمكن من ذلك على الرغم من سهولة الأمر”.
بعد تخرجه من الدراسة الابتدائية بقى لفترة معينة دون عمل، وتمكن من ايجاد وظيفة في دائرة التموين والداخلية بمؤازرة بعض الأصدقاء،حيث بقى يعمل في تلك الدائرة ثلاث سنوات.
الحلقة الثانية
بداية الوعي السياسي في فكر عزيز محمد
كانت عام1940-1941م البدايات الأولى لنشاطه السياسي في نفس المدة تلك كانت هناك مجموعة من الشبيبة المتحمسة تشجعه وتدفعه نحو معترك الحياة السياسية لاسيما ما يعانيه الكرد من ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية سيئة والتي ولدت ردود فعل لك الشباب الكردي الذي بدأ يحول الانتفاض على واقعه المرير، ومن بين من تأثر بهم عزيز محمد هو المعلم والأديب الصحفي(عز الدين فيضي)، فهو يشير الى دور استاذه المؤثر في نقل صورة عن الأدب والسياسة بنفس الوقت لكون الكتابات باللغة الكردية كانت في سنوات شبابنا قليلة جداً. فهو يشير الى انه في عام 1940م، اخذونا نحن في الصفوف (4-5-6) كجولة في سفرة مدرسية خارج مدينة أربيل، كان الوقت يومها ربيعاً،والعشب يصل حد الساق، يبدو ان المناسبة كانت (نوروز)، إذ قام الاستاذ عز الدين فيضي بإلقاء كلمة قصيرة، حرضنا فيها وألهب حماسنا وقتها فشعرنا بأننا كبرنا أكثر وغمر قلوبنا حب الوطن والشعب،كان لذلك اليوم طعمه الخاص في حياته إذ اصبح بالنسبة له الخطوة الاولى التي وضعته تدريجياً على طريق النضال في مراحله المختلفة، والتي لكل منها ذوق وطعم خاص. وفي بواكير حياته السياسية انتمى الى صفوف جمعية (هيوا)والتي تعني (الأمل) في آيار 1941 وأصبح عضواً فيها ،وكانت مراسيم نيل العضوية في(هيوا)كان لها طعم خاص في حياته لكونها تثير في النفس الارتياح والاعتزاز كنا وقتها جسورين متحدين، على الرغم من ان معارفنا آنذاك محدودة.
وفي هيوا بدأ يتغلغل بالأفكار التقدمية التي طرحها حزب (هيوا) ثم أنضم لصفوف حزب شورش(الثورة)والتي بدأت تطرح المفاهيم الماركسية كرد فعل على تردي الأوضاع العامة في المنطقة ككل.
وفي ظروف الحرب العالمية الثانية وتحديداً عندما شنت ألمانيا في عام 1941م، هجومها على الاتحاد السوفيتي، الا ان الهجوم الالماني على الاتحاد السوفيتي كان قد غير مجرى الحرب وأعطاها محتوى آخر، لاسيما بعد معارك ستالينغراد والانتصارات الاخرى التي حققها السوفيت فتغيرت الأجواء العامة في العراق، فمرت نسائم الحرية والديمقراطية النسبية كون الاتحاد السوفيتي اصبح مع جبهة الحلفاء (والتي تضم في صفوفها بريطانيا وفرنسا والاتحاد السوفيتي ومن ثم دخول الولايات المتحدة الأمريكية) هذه الاحداث ألهبت حماس المئات بل الآلاف من الشبيبة اليافعة، وانتشرت الافكار الحرة تحت تأثير هذا الوضع العالمي الجديد.
وفي السياق نفسه لم يقتصر نشاط عزيز محمد على انتمائه لجمعية(هيوا) اذ في عام 1942م أصبح عضواً في جمعية الشعب التي كانت تصدر صحيفة لها باسم بليسة(الشرارة) وتعد نفسها ماركسية.
بعد ذلك مررت بمرحلتين أخرتين أولهما أنعقاد المؤتمر الأول للحزب الشيوعي العراقي في اوائل 1945م وصلت الى المرحلة التي كانت يجب ان اصلها،بعد أقرار برنامج الحزب الشيوعي الذي بدوره يؤمن حقوق الشعب العراقي بالحرية والإخاء والمساواة والتي كانا نفتقر لتلك البرامج التي تضمن حقوق الفئات الدنيا من المجتمع العراقي.
انتماؤه لصفوف الحزب الشيوعي العراقي
وفي ربيع عام 1948م وبعد وثبة كانون الثاني 1948، التي حدثت نقلة نوعية في حياته السياسية حيث يشير لذلك “بدأت أفكاري بحكم عملي تتقرب من الحزب الشيوعي وهو ما دفعني لاحتراف العمل الحزبي في صفوف ذلك الحزب الذي يدافع عن حقوق العمال والفلاحين والطبقات الكادحة”. وبالرغم من بدايته وانتمائه لصفوف الحزب الشيوعي فانه كان لا يجيد غير اللغة الكردية ،أما بالنسبة للعربية فقد تعلمها عن طريق الدراسة في صفوف الحزب الشيوعي فهو يصف طريقة تعلمه للقراءة والكتابة كان السجن “مدرستي الأولى في تعلمها” وبان الحزب الشيوعي قضى على”أميتة”كما يصف ذلك،هذا وقد تعلم أيضاً القليل من الروسية. فبعد ترشيحه لعضوية الحزب الشيوعي العراقي أصبح مسؤولاً لفرع أربيل عوضاً عن مسؤولها نافع يونس بعد أن أصبح مسؤولاً للألوية الشمالية وانتقل بدوره الى كركوك وبدأ عزيز محمد كسلفه من المسؤولين ببث مبادئ حزبه الشيوعي مستغلاً المناسبات الوطنية كعيد نورزو وغيرها من المناسبات حيث يبدؤون بحشد العمال واستقدام الفلاحين من القرى كشحد جماهيري واسع. وبالرغم من مسؤوليته كمسؤول لفرع اربيل حيث يشير بذلك بعد انتمائي لصفوف الحزب الشيوعي العراقي سرعان ما وجه له دعوة من بغداد مركز الحزب يدعوه للحضور فوراً بسبب الأوضاع التي مر بها الحزب الشيوعي العراقي من انتكاسة بعد اعتقال قادته(فهد-حازم-صارم)،وتبوء اللجان الحزبية غير المفوضة من قبل مؤتمر حزبي وكان هدف اللجان حسب وصفه غايتها تسيير دفة الحزب في ظروفه الحرجة فبعد وفاة الشيوعي مجيد ملا خليفة أحد الكوادر الحزبية في بغداد الذي اسكن في احد الدور الحزبية للتمويه عن أعين السلطات الأمنية أصبح من الضروري مجيء عائلة للمطبعة،مما حدا بمالك سيف مسؤول اللجنة المركزية الأولى من السفر الى كركوك ومن ثم الطلب من عزيز محمد مسؤول اربيل ان يذهب مع والدته الى بغداد لهذا الغرض،فبدوره أصطحب عزيز محمد معه والدته الى بغداد وسكن الدار الأولى الواقعة في محلة القاطرخانة حيث توجد مطبعة الحزب الشيوعي في تلك الدار،فيشير عزيز محمد ان والدته كثيراً ما كانت تبكي وتندب حظنا وعن المجهول الذي ينتظرنا.
وبالرغم من خوف والدة عزيز محمد على مصيرهم المجهول فكانت بدورها تستلم النشرات الحزبية وما يرد الى المركز من رسائل كما اشارات لذلك الكادر الشيوعي زكية الملا خليفة في أفادتها أمام التحقيقات الجنائية بقولها”كنت أطرق الباب وأسلم البيان الى امرأة كردية لا اعرف اسمها ولكني أستطيع تشخيصها وكان يحضر أبنها وأسمه(عبدالله).
ولكن نشاطه الحزبي يبدو انه لم يستمر طويلاً في ظل الملاحقات الأمنية والسقوط المدوي لبعض قادة الحزب في ايدي رجال الأمن ليبدوا بالأسترسال عن مكامن وخفايا تنظيمات الحزب الشيوعي والتي سببت بدورها نكسة للحزب بعد اعتقال قادة الثلاث في عام 1947 فاعتقل عزيز محمد كغيره من الشيوعيين في احد كمائن الأمن وذلك في 12 /10 /1948مع اعضاء اللجنة المركزية الأولى جماعة مالك سيف-يهودا صديق في احد الدور الحزبية التي تقع في منطقة الهيتاويين ومع والدته والتي قبض عليها ومصادرة مبلغ من المال من صندوق امتعتها ويشير عزيز محمد ان والدته جمعت هذا الملبغ من بيع بعض امتعة البيت ومواشي كانت لها في القرية ومن ادخار راتبه في السابق عندما كان مستخدماً. وبعدها انتقل دار عزيز محمد بمعية والدته الى دار تقع في محلة الهيتاويين بعد نقل المطبعة اليه وسكن معه يهودا صديق وجاسم حمودي و أضأفة لدوره في في العمل الطباعي كان يقوم بالأتصال مع باقي اعضاء المنظمات الحزبية كونه وجه غير معروف لدى السلطات الأمنية في بغداد.
وبعد اعتقاله أحيل الى المجلس العرفي العسكري الأول والذي تشكل في 12/ 2 /1949 من الرئيس عبدالله رفعت النعساني وعضوية الحاكمين خليل زكي مردان وعبدالكافي المتولي والمقدم محمد عبدالقادر والرئيس الأول أحمد داود وأحيل وفق المادة الأولى من ذيل قانون العقوبات البغدادي رقم(51)لسنة 1938 بعد ثبوت التهمة التي وجهها اليه المجلس العرفي العسكري الأول بأنه من منظمي الخلايا بعد أعترافات الشهود ومن بينهم مالك سيف ويهودا صديق ، وان اعمله ينطبق على نص الفقرة (5/ب)بدلالة الفقرة الثانية م المادة الأولى من قانون العقوبات البغدادي رقم (51)لسنة 1938.
وحكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة لمدة خمسة عشر سنه وفقاً وقرر وضعه تحت مراقبة الشرطة لمدة خمس سنوات بعد انقضاء مدة سجنه وفقاً للمادة (78)من قانون العقوبات البغدادي.
لتبدأ صفحة جديدة من حياته ولكن هذه المرة في سجن نقرة السلمان الصحراوي بعد أنتقال أغلب السجناء الشيوعيين والتي تسميهم الحكومة بالخطرين للسجن االصحراوي ليكون بعيداً عن أي أتصال مع التنظيم في الخارج كما حدث لجماعة يوسف سلمان يوسف(فهد) واعادة صلة التنظيم مع الخارج.
حيث يشير لفترة السجن بانها كانت من مراحل حياة الشيوعيين التي قضوا اغلب حياتهم في السجون او مطاردين من قبل الأمن سبب افكارهم التي يحملونها فبدأنا كشيوعيين من اعادة تنظيم انفسنا في داخل السجن وفق النهج الذي سار عليه اغلب الشيوعيين من تكوين الخلايا الحزبية وحلقات الدرس وشرح مفاهيم الماركسية-اللينينة بشكل اوسع لوجود اغلب الكوادر المثقفة في السجن،إضافة الى تقسيم العمل داخل السجن بين الفرن وتنظيف القواويش فكما ذكرت كانت مرحلة السجن فترة تعلم بشكل اوسع وفيما يخص مطالعاتي،ومثلما ذكرت ،اني تعلمت العربية عن طريق القراءة في السجن. قرأت كل ما وقع بين يدي،لاسيما الروايات والقصص ومواضيع أبية أخرى. فضلاً عن مجموعة من الكتب السياسية المتنوعة،ولكوني قد تعلمت السياسة بالعربية لذلك لا تجدني ميالاً لقراءة الكتب السياسية باللغة الكردية ما يعقد المسألة اكثر عندما تكون هذه النتاجات قد ترجمت الى اللغة الكردية من لغات أخرى.
الانقلاب المشؤوم
*بعد كل هذه السنوات الطويلة كيف تقيّم ما حدث في شباط 63 والذي افتتح بأكبر مجزرة بحق الشيوعيين ومن المسؤول عن هذه المجزرة؟ كيف ظهرت الخيانات لدى القيادات الشيوعية كخيانة عضو المكتب السياسي للحزب هادي هاشم الاعظمي وحمدي ايوب وغيرهما؟
– باعتقادي ان ما تحدثنا عنه في المقدمة فيه بعض الجواب عن ما آل اليه الوضع في شباط، انقلاب شباط يوم اسود ليس في تاريخ الشيوعيين فقط بل هو يوم اسود في تاريخ العراق السياسي، وانا اقول هذا الكلام ليس بسبب أن الانقلابين دعوا لاقامة مذابح ضد الرفاق الشيوعيين، بل في الحقيقة ان هذا اليوم كان اسود بالنسبة للعراقيين جميعا، كان وبالا على الكرد ووبالا على اوساط واسعة من العرب، كان كارثة بمعنى الكلمة، وليس الدرس المهم في هذا الموضوع هو ان نستذكر هذا الانقلاب المشؤوم ونستعيد ذكرياته الحزينة بل الدرس المهم هو ان نقوم بكل ما نستطيع لمنع تكرار مثل هذا الانقلاب في التاريخ ثانية مستقبلا.
الانقلابيون الذين قاموا بانقلاب شباط لم يستسلموا كليا، وقاموا بانقلاب آخر فيما بعد، اعادوا فيه دورة العنف والدماء نفسها، صحيح ان الانقلابات اصبحت صعبة في وقتنا ولكن ما زال بمقدور ما تبقى من هؤلاء الانقلابيين عمل اشياء كبيرة ومؤثرة على تاريخ العراق، لذا يجب ان نحتاط لهذا الامر
.
كان انقلابا اسود بكل المعاني، وبداية دامية لربما كان البعض يبررها بانها جزء من تاريخ دموي للعراق منذ تاريخ الخلفاء الراشدين ولكن يجب ان لا نستسلم لمثل هذا التفكير، من الضروري ان ننظر الى الامام، بالنسبة لحزبنا سبق له ان قام بمثل هذه المراجعة، لكننا نحتاج الى اكثر واكثر.
استمر سواد شباط وبقي حتى مجيئهم ثانية في تموز 68، وفي السبعينيات تظاهروا بانهم استفادوا من درس انقلاب شباط ، لكن بالحقيقة هم لم يستفيدوا من هذا الدرس بل كانوا غارقين في هذا الوحل، فحاولوا ان يتكتكوا الى أن يثبتوا اقدامهم على الأرض ويستقروا ليعيدوا انتاج العنف نفسه الذي ارتكبوه في شباط 63.
وحتى علاقتهم بالحركة الكردية كانت مبنية على الغدر ونكث العهود والمواثيق، فالكرد هنأوا البعثيين بعد انقلاب شباط 63 وقام البعثيون باستمالتهم في البداية ومن ثم بدأوا بالحرب عليهم من جديد، ولما فشل البعثيون في تحقيق انجاز عسكري مهم ضد الحركة الكردية أجبروا على المفاوضات معهم، وحتى في هذه المفاوضات لم يكونوا صادقين معهم، حيث انهم اعطوا ووعدوا وانتظروا في الوقت نفسه اليوم الذي يتراجعون فيه عن تلك الوعود التي اعطوها للكرد تحت قوة النضال الكردي في فترة معينة.
خيانة الرفاق
بالنسبة لمسألة الخيانة، فمعروف انه يمكن ان تحصل الخيانات في كل الحركات السياسية بالعالم خصوصا في البلدان التي تحكمها الانظمة الاستبدادية الفاشية، هناك اناس ضعفاء بالاصل، وهناك اناس بحكم الاستمرارية بالعمل النضالي تضعف همتهم ، او ما ان تعرقل مهمتهم عرقلة معينة حتى يضعفوا، الخيانة لا تحصل ايام الخير والهدوء بل في الظروف الصعبة فمثلا ظهرت الخيانات في الحزب الشيوعي قبل شباط 63 وبعد شباط وفي كل مرحلة من مراحل التاريخ النضالي، حيث سلّمنا عبدالوهاب عبدالرزاق ثم مالك سيف الى الشرطة الملكية في عرفات عيد الاضحى من عام 48 ، وبعده عمل هادي هاشم الاعظمي على تسليم قيادات وقواعد الشيوعيين الى الحرس القومي.
المشكلة اين تكمن؟ ،تكمن في انه في بلادنا لا يتوفر فيها أي هامش من الديمقراطية، فلو انك تستعرض قادة الأحزاب الشيوعية في عدد من بلدان المنطقة لوجدتهم هم انفسهم منذ البداية حتى الموت، طبعا انا هنا لا ادافع عن بقاء القائد أو الزعيم السياسي في منصبه من المهد الى اللحد، ولكن ما أريد قوله بهذه الاشارة انه لم تحدث تصفيات جسدية بحق قادة هذه الأحزاب، في هذه البلدان مثلاً في لبنان اوسوريا أو المغرب او الأردن رغم أنظمتها الرجعية بأستثناء الشهيد فرج الله الحلو أيام الوحدة مع سوريا ، بينما في العراق كان المطلوب مسخ انسانية الانسان، فعندما يعتقل الشخص السياسي في العراق وبوجه خاص أيام البعث يضعونه امام خيارين لا ثالث لهما اما ان يصمد و يموت تحت التعذيب واما ينهار، وحتى عندما ينهار فهم لا يتركونه ابدا.
رفيقي مسؤول الحزب الشيوعي التركي، لا أدري اين هو الآن، عندما كنا في مؤتمر من المؤتمرات وانتهى المؤتمر صعد معه في الطائرة وهو عائد الى بلاده عدد من برلماني اوروبا وعدد من الصحفيين ليشهدوا كيف سيستقبل، اي كيف يعتقل؟ ونحن قلنا لو رجعنا الى بغداد فلا يمكن أن نطمح بمثل هذه المرافقة ولكن حتى لو حصلت لا ينفع في وقوع ما يقع، نحن في بغداد لا نعلم متى نعتقل ولا احد يعرف متى نحاكم؟ وغير مسموح لك باقامة العزاء في حالة الموت ويطالبونك بسعر الطلقات التي تقتل بها او سعر حبل المشنقة الذي يخنقونك به، هنا تمسخ انسانية الانسان.
احد رفاقنا في البصرة طلب منه البعثيون ايام الجبهة التعاون معهم كعميل فرفض وقال لهم: ان حزبي يتعاون معكم فما جدوى ان اتعاون معكم أنا، قالوا نعم ولكننا نريدك انت تتعاون معنا فالتعاون مع الحزب لقضية معينة قد لا يستمر ولكنهم يريدون عملاء من داخل الحزب.
حدث ان اعتقلوا عدة رفاق بارزين ووقفوا مواقف ممتازة كالرفيق كاظم حبيب وغيره ولكن الأمر مختلف مع أحتجاز ماجد عبدالرضا الذي لم نسامحه في الحزب لانه نشر شيئاً بعد خروجه وبطلب من البعث أرخهُ بالتأريخ الذي كان فيه في المعتقل ليعطي اشارة على انه غير معتقل ويكذب الحملة التي قمنا بها من اجل اطلاق سراحه.
انهيار معنوي
أعود لخيانة هادي هاشم الاعظمي كانت خيانته خيانة من النوع المعنوي اي خارج مسألة التحمل، وكنت فيما بعد قد التقيت زوجته واخبرتني بذلك وقالت بان هاشم انهار معنويا وفوراً كنا نستطيع معاقبتهِ ولكننا صرفنا النظر عن مثل هذه الأمور لاننا ما كنا نريد ان ننغمر بالقضايا الصغيرة على حساب قضايا كبرى في تلك المرحلة لاسيما في مرحلة السبعينيات.
خلاصة الامر ان الصلابة في المواقف تأتي من مدى قناعة الانسان بالفكر الذي يؤمن به فاذا ضعف الايمان بهذه الفكرة ضعفت صلابته فيقول لنفسه لماذا اقاوم بعد ذلك التعذيب واقدم غيرها من التضحيات؟ هذا الى جانب التقاليد الشعبية في الرجولة والاباء، كثير من الناس يصمد لأنه من العار أن ينهار ومن الرجولة والشهامة أن يصمد وأن يبقى رأسهُ مرفوعاً أمام الناس.
عزيز الحاج مثلا، استقبل في الفترة الملكية حكمه بعشرين عاما بكل صلابة وشجاعة ودافع عن الرفيق فهد وتحدث عنه بشكل ايجابي في التحقيقات وامام المحكمة، ولو حكم الحاج بالاعدام في حينها لاستقبله ببسالة كما اتصور، لكن لم يبق الحاج على ماكان عليه لان الانسان يتغير مع مرور الوقت، تبعاَ لتباين الظروف والقناعات.
في فترة اعتقالنا (بنكرة السلمان) عمل محمد سعيد على جمع بعضنا، كل 3 رفاق في سلسلة واحدة اي عندما كان احدنا يذهب الى دورة المياه كان لابد ان يصحب معه الرفيقين الاخرين وكان معنا ابن عبد القادر العاني وقد عانى كثيرا من التعذيب حيث كانت تبدو عليه اثار التعذيب البشع، نتف شعر العانة والحاجب ومع هذا تحمل كل ذلك وصمد ، وما ان وصلنا الى سجن بعقوبة وكانت الظروف اقل وطأة من السابق وحالما تعرض هذا الرفيق الى ضرب بسيط فلم يكن هذا الرفيق هو نفسه، لم يبق بيننا لانه قد اعترف ومضى لحال سبيله.
مرة دخل وزير بعثي في زمن الحرس القومي أظنه طالب شبيب على المناضل الشهيد حسن عوينة واعتقد انه كان يعرفه من قبل وكان عوينة رغم نعومته وضعفه الجسدي يتحمل صنوف التعذيب، فقال له شبيب اعترف افضل يقتلونك فقال له: هو شباقي بيّ هل بقي شيء لم يعملونه دعهم يقتلوني أنا صاحب مبدأ.
وكذلك الحال مع المناضل عدنان البراك الذي كان قطعة من الكفاءة الفكرية والصحفية ، فكانوا حين يعرضونه للتعذيب لكي يعترف، يقول بماذا اعترف؟ انا رجل فكر، وكذلك بالنسبة لأبراهيم حكاك وغيرهم ومَثَلَهم الأعلى في كل ذلك الشهيد سلام عادل.
هكذا، هناك اناس صلبون ويقاومون كما هناك اناس يضعفون وينهارون في كل الحركات السياسية.
كفاح مسلح في الاهوار
*ما هو موقفكم من الانشقاق الذي حصل عام 67 بين اللجنة المركزية، وما سمي بالقيادة المركزية (جماعة عزيز الحاج)، الذي قاد حركة الكفاح المسلح في الاهوار، ما هي قصة هذه الانتفاضة؟ وما هو موقفكم كلجنة مركزية منها، وفي التقييم النهائي هل كان الحاج وجماعته اكثر بصيرة منكم في استشراف المستقبل وقدرة الكفاح المسلح كاسلوب وحيد للتعامل مع البعث؟
ـ انا لااتفق مع الاستنتاج الاخير في السؤال واليك السبب في ذلك:
انا باعتقادي بان أي عمل ثوري وخصوصا أقصاه واشده هي الثورة، تحتاج الى مستلزمات. نحن باعتقادنا في ذلك الوقت لم تكن هذه حركة كفاح مسلح بل هي افتعال الكفاح المسلح كان يجب عدم الاقدام عليها لانها ليست بشيء بسيط وليست لعبا ولهوا.
واليك المثل البسيط: حرب الانصار في اية منطقة تحتاج الى اهالي المنطقة بالاساس والى معرفة خصوصية المنطقة واسلوبها ولغة سكانها، لان الانصار دائما هم الاقل عددا من سكان المنطقة التي يعملون على ارضها، وعليهم ان يعتمدوا على هذه المواصفات لكي يتصدوا للنظام بجبروته وعسكرته، كالنظام العارفي مثلا في وقتها، فإذا انت لا تمتلك كل هذه المسائل كيف ستتصدى للنظام وجيوشه النظامية.
خذ المثل الآتي هم ذهبوا الى الاهوار وركبوا المشاحيف وهم لم يشاهدوا الاهوار من قبل او اغلبهم ، لربما واحد منهم او اثنين يعرفون الاهوار لكي لا اظلمهم، ولكن هل يمكن لاحد ان يشك في نبلهم وصدقهم الثوري؟ لا يمكن ذلك.
اشعر انهم كانوا خياليين ورومانسيين في موضوعة الكفاح المسلح بين الاهوار. الشهيد خالد احمد زكي جاء للاهوار وكانت له علاقة مع الفيلسوف البريطاني المشهور برانتد رسل في لندن، هم لم يكونوا يعرفون سكان المنطقة ولا لهجتهم كيف يحصلون على رغيف الخبز مثلا ،احياناً هم حاولوا أن يقلدوا غيفارا، ولكن حتى غيفارا عندما قلد غيفارا فشل، عندما حاول أن يكرر ما حصل في كوبا في مكان آخر فشل فيه، فليس كل غيم يأتي بالمطر. عموما اضر الانشقاق بالحزب وبالمنشقين أنفسهم في أدق فترة من حياة الحزب.
بعض الرفاق ما زالوا احياء، قالوا اتصلت بنا جماعة عزيز الحاج وقالوا من يعلن الثورة نحن نعترف به كحزب، ونحن بدورنا قلنا لن ندخل في هذه اللعبة الخطيرة.
وبينما كنا نجمع التواقيع دفاعا عن الحاج ورفاقه، في ذلك الوقت كانت للحزب فسحة من المجال بعد انقلاب شباط، قالوا لي في بيت من بيوتنا اجلس وسوف يظهر عزيز الحاج في التلفزيون يدلي باعترافاته هذا ما كان ولما تراجع عزيز اراحني في كتاباته التي كانت تظهر في بعض الصحف ويمكن قد جمعها في كتاب بعد ذلك.
مجموعة الاهوار حركتهم ونواياهم وطنية وثورية، وهذا لا يكفي لعمل ثوري وانا اتصور في التقييم الاخير، انهم اخطأوا عندما قلدوا غيفارا، وغيفار، ثوري ونبيل، فهو اخطأ في التقدير كما اخطأت جماعة خالد احمد زكي.
مرة كنت مع الملا مصطفى البرزاني وكنا في طريق من الطرق الجبلية، قال لي لنتمش قليلا، كان في ذلك الوقت عائداً من زيارة الشيخ احمد قبل وفاته، فقال لي: أن عبد السلام عارف طالب بمفاوضات معنا، وقد ذهبت استشير الشيخ احمد. و كان البارزاني يحترم راي الشيخ بكثير من التقدير والاحترام ليس فقط كأخ كبير وانما كوالد، علما انه هو الذي كان القائد السياسي، لكن تقاليدهم كانت تقتضي ان يرفع من منزلته، وقال لي انت ماذا تقول؟
ويبدو لي اني قد طالبته بقضايا مبالغ فيها من الناحية الواقعية، اي طالبته بالاكثر فقال لي: كاكا هل تتصور انني اثق بهؤلاء؟ انا لا اثق بهم لكن لا يستطيع احد ان يعرف كيف يفكر المزارع الكردي البسيط، فهو لا يستطيع ان يزرع او يحصد أو هو ينتظر أن يفحص تبغه والطيران فوق رأسهُ، يبعث الخوف والرعب في الناس، فلهذا لا استطيع ان احملهم فوق طاقاتهم في هذه الظروف وحين ينتعشون ويدبرون امورهم الحياتية يكون باستطاعتهم حمل السلاح وان يكونوا مستعدين لحملة في ظرف اخر فيمكن عند ذلك ان نرفض المفاوضات ونحن مطمئنين.
وهذه هي مقولتنا ايضا في عملية الكفاح المسلح في الاهوار، يعني من الضروري ان تتوفر بعض العوامل لنجاح الحركة الثورية على الاقل، والدليل على ما اقول هي النتائج الماسوية التي تمخضت عنها صراعاتنا مع الاتحاد الوطني الكردستاني في بشتآشان، وقتها لم اكن انا في منطقة كردستان، البعض قالوا لو كنت موجودا لما حصلت تلك المجزرة لا أستطيع أن أبت بهذا الامر لكنني أستطيع القول انه لم يكن قدراً محتوماً . سألت بعض الرفاق كم كان العدد من اهل المنطقة الذين كانوا مع الاتحاد، قيل كانوا في حدود
(250-200)، وكم من اهل المنطقة كانوا معنا، قالوا عددا قليلا جداً. ما ريد ذكره ان هذا العدد الضئيل كان نقطة ضعف كبيرة للشيوعيين ، فهؤلاء يعرفون كل الدرابين وخصوصية المنطقة، الامر الذي يرجح كفتهم الى جانب امور كثيرة اخرى.
هكذا الوضع بالنسبة لحركة الانصار فهي ليست جيشا نظاميا، مع حركة الانصار يجب ان تعرف انت على اي ارضية تقف وباي جانب تكون، انا كنت دائما اقول قوتنا الأساسية ليست بالسلاح، قوتنا في وضوح فكرنا ورؤيتنا المستقبلية ..بخطابنا السياسي وبالجمهرة التي معنا. صحيح ان كثيرا من شخصيات الحزب الشيوعي وكثيرا من المنظمات ذهبت مع عزيز الحاج بسبب شعارات الكفاح المسلح التي رفعها ثم عادت تدريجيا بعد ذلك، ولكن ذلك لا يعني حصول انشقاق كبير داخل تنظيمات الحزب الرئيسة،
الخلاصة عند الاقدام على اية حركة مسلحة يجب دراسة عوامل نجاحها بما يخدم القضية الكبرى للحزب الثوري ويحقق نتائجها المرجوة.
الحلقة الثالثة
انشقاق راية الشغيلة 1953
بالرغم من سنوات الاعتقال في السجن إلا ان صلة التنظيم مع الخارج أصبحت متيسرة بعض الشيء مع عوائل السجناء وتنقل لنا اخبار الحزب وما يدور في داخله من افكار و اراء لاسيما بعد ان اصبح بهاء الدين نوري سكرتيراً للحزب الشيوعي وطفت على السطح بعض الاراء وتقريباً عدد غير قليل من السجناء بعد انتفاضة 1952 وطرح قيادة بهاء الدين نوري فكرة اسقاط النظام وحق الكرد في الانفصال وهو امر لك يكن موجود في ميثاق 1945، وهو ما دفعنا لإرسال رسالة الى بهاء الدين نوري من داخل سجن بغداد المركزي معنونة باسم(م-مخلص)أي مخلص وهو الاسم الحزبي لعزيز محمد مضمونها بان الحزب يتياسر كثيراً وهو حق من حقوق الملاحظة من قبل كوادر الحزب وكان رأينا هو الدعوة للنضال من أجل تطوير النظام الملكي الى نظام ديمقراطي ولكن فوجئنا بقرار طردنا من صفوف الحزب وحوربنا من خلال التشهير بنا في صفحات القاعدة بشكل غير منضبط وبأسلوب انتقائي فكان هدفنا التقارب،وهو امر يعترف به بهاء الدين نوري بأنه لجاء الى سكين البتر دون ابداء أي فرصة للنقاش،فبعد قرار الطرد شكلنا تنظيم ومن داخل السجن بعد ان شعرنا بأننا مغبونين من قبل قيادة الحزب في الخارج واخترنا لتنظيمنا أسم “راية الشغيلة” أي نحن المدافعين عن حقوق العمال والفلاحين وأصدرنا صحيفة باسم الشغيلة ،وكان هذا التنظيم وقد يطلق عليه البعض بالانشقاق الذي سبب تصدع في صفوف الحزب الشيوعي وتنظيماته لكون الكثير من اعضاء الحزب الشيوعي كما يشير عزيز محمد انهم كانوا متعاطفين مع آراءنا لاسيما المنظمات الحزبية التي اعلنت بدورها انضمامها للتنظيم راية الشغيلة لكونه يمثل المسار الصحيح للحزب الشيوعي واعتبرنا قيادة بهاء الدين نوري منحرفة عن التعاليم الشيوعية .
ومن الطبيعي ان يحتدم النقاش بين الكتلتين الشيوعيتين ويتحول النقاش الى سباب واتهامات وان كانت كل كتلة تحمل على صفحات جريدتها أسم الحزب الشيوعي العراقي وتدعي أنها تمثل الحزب الشيوعي العراقي فنشرت القاعدة بعددها الأول من السنة الحادية عشرة الصادرة في أواخر شباط 1953 مقالاً تحت عنوان”حزبنا الشيوعي يطهر صفوفه من العناصر الانتهازية والمخربة”،فوصف عزيز محمد ذلك ان تلك السجالات اخذت بعداً اكبر وبدايته من قرار طردنا من الحزب فهو سرعان ما أطلق علينا بأننا نمثل “راية البلاط”،لكوننا طرحنا ضرورة اصلاح النظام لا اسقاطه في تلك الظروف الحرجة من تاريخ العراق بشكل عام والحزب الشيوعي العراقي على وجه الخصوص.
فكانت تنظيمات “راية الشغيلة”أوسع كونها ضمت في صفوفها الكوادر الحزبية المعروفة ومن بينها جمال الحيدري ونافع يونس وعامر عبدالله وحمزة سلمان الجبوري وكان اقوى فروع التنظيم هو فرع النجف والذي يديره حسين سلطان صبي ومعه حزام عيال وناظم محمد وصالح بحر العلوم وفي الكوت كان المعلم عبدالخالق ثروت يمثل جماعة راية الشغيلة ويعمل معه كل من محس عليوي وسمان زاهي وكاظم بشير،وكانت مطبعة راية الشغيلة في دار الكادر الشيوعي رضية رضا الصفار في محلة الزوية في كرادة داخل ثم انتقلوا الى دار اخرى في ساحة الحرية ومن ثم الى دار في تل محمد في بغداد الجديدة.
وبالرغم من اعتقال بهاء الدين نوري في عام 1953 إلا ان ذلك لم ينهي الخلاف لاسيما بعد وصول حميد عثمان لقيادة الحزب والذي بدوره سار على نهج سلفه في القذف براية الشغيلة بالرغم من تذبذبه الفكري ومن ثم انتقاله الى صفوف الحزب الديمقراطي الكردستاني بعد ذلك والتقيت به وقلت له اليوم اجدك هنا يوم غد اين ستكون فكان رده ان هذا هو حال الدنيا.
ولكن وصول حسين احمد الرضي(سلام عادل)لقيادة الحزب تمكن من شن حملة تثقيفة واسعة بين أعضاء الحزب وأخذ يصدر الكراريس الداخلية وينشر مقتطفات من مؤلفات شيوعية مثل كراس”كيف تصبح شيوعياً”،وبدأ بالإشارة الى الخطأ الذي رافق قيادة بهاء الدين نوري فأشار الى ذلك في نشرة الحزب”مناضل الحزب في اواخر كانون الأول 1954 “لقد قادت الإيديولوجية الخاطئة القائلة بأن السياسة خاضعة للتنظيم الى محو الصراع المبدأي الداخلي والى تحريف مبدأ القيادة الجماعية في التطبيق فكان يقمع كل صراع داخلي خوفاً من أن يؤدي الى الانشقاق فأدى هذا الى انعدام النقد الذاتي وانتشرت بسبب هذا الوضع البيروقراطي اللبرالية وعدم الشعور بالمسؤولية وفقدان الالتزامات الحزبية”،فأشار عزيز محمد بان ذلك النقد للقيادة السابقة وأخطائها قد ولد بدوره ردود فعل طيبة في قادة راية الشغيلة لكونها أشارت الى الاخطاء التي ارتكبتها بحق الحزب الشيوعي العراقي وهذا ما زاد في التخفيف من موجة الانتقاد ومن ثم الاندماج في صفوف الحزب وتوحيده في عام 1956 فالشيء المثير اننا كنا نشارك في المؤتمرات والمهرجانات بوفدين وفد يمثل راية الشغيلة ووفد يمثل جماعة القاعدة ،وبعد ان اتصل سلام عادل بقادة راية الشغيلة المتمثل بجمال الحيدري بعد هروبه من السجن وبين له على ضرورة وضع حد للاتجاه الانشقاقي وبهذا توقف السجال بين الطرفين فكان لخالد بكداش سكرتير الحزب الشيوعي السوري دور في تقريب وجهات النظر لتوحيد الكتليتين.
حادثة سجن الكوت 1954
نقل عزيز محمد بعد الحكم عليه الى سجن بغداد المركزي ومن ثم الى سجن نقرة السلمان الصحراوي وبعد مناشدات الأهالي بضرورة بضرورة نقل ابنائهم الى أماكن قريبة بسبب صعوبة الوصل الى سجن نقرة السلمان نقل عزيز محمد الى سجن الكوت المركزي في 1953 في الوقت الذي تفجرت فيه الحوادث في حزيران 1953 بين السجناء الشيوعيين وإدارة السجن حول رداءة الأحوال داخل السجن والتي ادت الى سقوط عدد من الجرحى فان الوضع في سجن الكوت لا يختلف كثيراً عن سجن بغداد وهو المعاملة السيئة التي عومل بها السجناء الشيوعيين كونهم سجناء سياسيين فقدم مجموعة من السجناء الى ادارة السجن عريضة تطالب بتحسين معاملتهم وعلى اثرها وصلت محكمة خاصة من بغداد في 27 تموز 1953 والتي بدورها وجهت تهماً للشيوعيين بقراءة الأناشيد الثورية الممنوعة بدلاً من السماع لشكواهم وكان من ضمنهم عزيز محمد التي قرأ أسمه باسم مسعود محمد في تلك الدعوة.
لم تكتفي ادارة السجن كما يذكر عزيز محمد بالتهديد بحق السجناء بل بدأت بقطع ماء الشرب والطعام والكهرباء في صيف تموز اللاهب مما دفعنا الى حفر بئر للماء الذي عمل السجناء جميعاً على شقه ولكن محاولاتنا باءت بالفشل لملوحة مياه البئر وفي ظل تلك المواجهة فان ادارة السجن حاولت التخفيف من مواجهتها معنا بسبب موجة الاستنكار التي عمت بعد احداث سجن بغداد ولكن السجناء اصروا على اضرابهم وعدم التعاون مع ادارة السجن ولكنها سرعان ما تغيرت من موقفها بالرغم من مطالبة الشيوعيين فك الحصار بعد الاعياء الشديد الذي اصاب الشيوعيين من قلة الطعام والماء واستمر الأمر حتى الثاني من ايلول 1953 عندما قامت ادارة السجن بتفتيش السجن بحجة البحث عن اسلحة وبعد عملية التفتيش طلبت ادارة السجن اسماء عدد من الشيوعيين لنقلهم الى سجن اخر وكان عزيز محمد من ضمن تلك القائمة ونتيجة رفض ذلك القرار بدأت قوات الشرطة بالهجوم على السجناء الشيوعيين وهم عزل عن الدفاع عن انفسهم ونتج عن ذلك مقتل عدد من الشيوعيين وإصابة العديد منهم جرحى ومن ثم نقلنا الى سجن بعقوبة المركزي .
الحلقة الرابعة
ثورة 14 تموز 1958
مثلت ثورة 14 تموز نقلة نوعية بالنسبة للقوى الوطنية ومن بينها الحزب الشيوعي العراقي الذي بدأ يشهد بدوره مرحلة انتقالية من الكبت السياسي الى النشاط العلني شهدته المرحلة فالموقع الجديد الذي تبوءه الحزب الشيوعي من تأييد للثورة وأصبح مدافعاً عن أهدافها وثوابتها.
فيشير عزيز محمد انهم كانوا في سجن بعقوبة عند قيام الثورة ولك يكن لدينا علم بموعدها الحقيقي وعرفت فيما بعد ان قادة الحزب في الخارج كانوا على علم بموعدها المحدد وفي صبيحة 14 تموز 1958 وعند سماع اطلاق النيران بمحيط السجن اغلقوا علينا الأبواب بعد ان كنا متجمعين في قاعة السجن وفي منتصف النهار وصلتنا اخبار الثورة وأخبار قادة الثورة وصور لقادة الثورة عبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف من خلال حراس السجن مما جعل مدير السجن يرضخ للأمر الواقع بعد تخوفه من حدوث اضطرابات داخل السجن فطلب منا مدير السجن عدم خرق أنظمة السجن حتى استجلاء الموقف.
وكإجراء حسن نية من قادة الثورة تم اطلاق سراح العديد من الشيوعيين الذي قبعوا في المعتقلات لسنوات عديدة بتهمة الشيوعية ومن بين من اطلق سراحه عزيز محمد وذلك في آب 1958،لتبدأ مرحلة جديدة من حياته السياسية كونه كان أحد أقطاب الحزب القدامى وفي اجتماع موسع عقد المكتب السياسي للحزب الشيوعي اجتماع في ايلول 1958 تم انتخاب اللجنة المركزية التي توسعت بإضافة العديد من الكوادر القيادية ومعظمهم من الذين اطلقت الثورة سراحهم فأصبح عزيز محمد عضواً في تلك اللجنة وعضو لجنة الفرع الكردي.
وفي عام 1960 أصبح مسؤولاً لفرع كردستان للحزب الشيوعي العراقي وكان الفرع يضم(اربيل-السليمانية-كركوك)فعند الاستفسار عن مسؤوليته لفرع كردستان نابع من كرديته عد الأمر بالغريب لكون الحزب الشيوعي العراقي يصهر تلك القوميات ولكنه اصبح مسؤولاً بحكم معرفته بطبيعة تلك المنطقة وطباع ساكنيها.
وعن اهداف حزبه التي أمن بها بعد التحولات الجديدة وعن ضرورة تطبيق الأشتراكية بالإشارة الى ذلك ان تطبيق الاشتراكية لا يعني تنفيذها في وقت محدد وتعاملنا مع عبدالكريم قاسم هو تقرب وطني ونظره قومية ولم ندعو الى بناء الاشتراكية وكنا القوة الرئيسية لعبدالكريم قاسم وحتى مع افتراقنا معه بقينا نحن المدافعين عن الجمهورية.
أحداث الموصل
بدأ الحزب الشيوعي العراقي في ظل نشوة نشاطه العلني في أقامة المهرجانات والفعاليات الحزبية في المدن العراقية تحت مسمى (مهرجان السلم) وبتأييد من عبدالكريم قاسم كونهم أصبحوا القوة التي أستند عليها بعد تنافر القوميين منه،فكانت الموصل من ضمن فعالياتهم لإقامة مؤتمر السلم فبدأ الشيوعيون يعدون العدة لإقامة ذلك الاحتفال بالرغم من طابع مدينة الموصل الديني القومي المحافظ وانحسار نفوذ الحزب في تلك المدينة ولكن يبدو أنها محاولة لإظهار مكامن قوة الحزب المؤيد من قبل قاسم ويشير عزيز محمد الى ذلك الأمر بأن أعداد حزبه لذلك الاحتفال أرى أنه ليس بالضرورة أن نقدم على هذا ونحن في حل منه وخصوصاً ما تشهده المنطقة من وضع متوتر والتي أدت فيما بعد الى انفجار الوضع وساهمت الحكومة في تفجير الوضع من خلال فسح المجال لوصول المشاركين في الاحتفال من توفير وسائل النقل وتوفير القطار لوصولهم على الرغم من درايتها بتفجر الوضع في أي لحظة وهو ما تحقق بقيام عبدالوهاب الشواف بحركته الانقلابية في آذار 1959 حيث وجد في وجود الشيوعيين حجه للقيام بانقلابه بحجة ان الشيوعيين يسيطرون على مفاصل الدولة وانه من الضروري استخدام القوة للتخلص منهم وحدث ما حدث بعد ذلك من افراغ كل طرف جل غضبه على الطرف الأخر من خلال القتال والسحل والتي أنتقدها الحزب بشدة فيما بعد لكونها منافية لمبادئه.
الحلقة الخامسة
مظاهرات الأول من آيار 1959 والمطالبة بالمشاركة في الحكم
في الأول من أيار نظم الحزب الشيوعي العراقي احتفالا جماهيرياً لم يشهد تاريخه مثل ذلك الحشد الجماهيري والتي قدر عدد المشاركين في المسيرة بالمليون وكان ذلك تعبيراً كونه ممثل الطبقة الطبقة العاملة العراقية وفي الوقت ذاته يعد استعراض مدني لقوة ذلك الحزب الذي مد أذرعه في جميع مفاصل التنظيمات المهنية فكانت المناسبة جامعة للطبقة العاملة والفلاحين ككل كونه يعد نفسه حزب الطبقة العاملة وكان على رأس المنظمين للاحتفال قادة الحزب الشيوعي العراقي ثم ليتردد هتاف من المتظاهرين “عاش زعيمي عبدالكريمي الحزب الشيوعي في الحكم مطلب عظيمي” دون ان يكون قد عد مسبقاً فيشير عزيز محمد بدوره الذي نظم مظاهرة للحزب الشيوعي العراقي في كركوك الشعار طرح في الشارع ولك يكن مدروساً من قبل قيادة الحزب وهي لم تمنع ترديد هذا الشعار الذي اطلق في بغداد وبالرغم من وجود اغلب قادة الحزب في الاحتفال ووجود سلام عادل بالقرب من مكان التظاهر ففي كركوك لم يكن الشعار مطروحاً ولم نطالب من القيادة برفع ذلك الشعار.
وبالرغم من مطالبة الشيوعيين الاشتراك في الحكم ومطالبتهم تعود لقوتهم على الساحة العراقية وبعد انسحاب القوى القومية من الحكومة وجد الحزب ان الوقت مناسب للمطالبة بذلك وأخذت صفحات”اتحاد الشعب” بدورها تناقش هذا المطلب والذي عدته بانه من بنات افكار الجماهير وهو ما اكده عزيز محمد بالإشارة ان مطالبتنا المشاركة في الحكم غايته تطوير النظام ومن ثم التمكن من تطبيق هدفنا الذي رددناه وهو الاشتراكية حتى وان جاءت الخطوة من قاسم بإستيزار نزيهة الدليمي لم يكن بالشيء الكثير بالنسبة للحزب بالرغم من كونها اول امرأة تتبوأ المنصب في الوطن العربي ولكنه لم يكن بمستوى طموح الحزب في اشغال منصب واحد لوزارة البلديات والأشغال.
احداث كركوك ونقطة الافتراق مع قاسم
لم تكد تنتهي أحداث الموصل حتى طفت على السطح أحداث كركوك والتي كانت نقطة النهاية لنشاط الشيوعيين في جميع الأصعدة بدأ الحزب الشيوعي يحشد جماهيره للاستعداد للاحتفالات بالذكرى الأولى لثورة 14 تموز 1958 وكانت للحزب الشيوعي العراقي مركز قوى في كركوك بالرغم من كون المدينة لم تقتصر على الشيوعيين فكان للحزب الديمقراطي الكردستاني مركز قوة وللتركمان وجود فعال وكركوك لا يمكن مقارنتها بالموصل المعروفة بميولها الدينية والقومية فكركوك تتضمن اديان وقوميات متعددة بين العرب والكرد والتركمان وهذا الخليط الغير متجانس بعد المشاحنات التي رافقت نشاط القوى الحزبية في تلك المنطقة لإظهار كل طرف بأنه يملك صنع القرار السياسي على ارض والواقع فبدأ الانقسام يدب في ذلك الخليط وهو ما اكده عزيز محمد عندما كان في كركوك ابان الأحداث بان اتصالات جرت مع القوى الاخرى لتوحيد المظاهرات والخروج بشعارات موحدة ولكن تم رفض المقترح من الكرد والتركمان فخرجت مظاهرات في صبيحة 14 تموز تمثل القوى الثلاث الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي الكردستاني والتركمان وعندما انطلقت مسيرتنا لم يكن في بالنا ان يحصل ما يحصل وكان المقرر ان تسير المظاهرة الى ساحة المدينة وشارك في المظاهرة العديد من النساء والأطفال وعندما كانت المسيرة تشق طريقها في شوارع المدينة وتحديداً عند دار السينما في كركوك سمعنا اطلاق للنيران على المظاهرة لا يعرف مصدر اطلاقه وكنت دائما في احمل معي مسدسي الشخصي فبالصدفة لم يكن معي لكوننا لم نقدم على تفجير الوضع وتأزمه بالرغم من معرفتنا بحساسية الوضع في كركوك خصوصاً بين الكرد والتركمان ودور شركات النفط التي أصبح وضعها في خطر بعد مطالبة الشيوعيين بضرورة تأميم الشركات النفطية فعملت جاهدة بدورها على تجنيد بعض الأشخاص لتفجير الوضع وتكون الوحيدة هيه المستفيدة وبالرغم من حدوث حالة من الفوضى في صفوف المتظاهرين لم اتمكن من السيطرة على الموقف بعد حالة الفوضى التي عمت ووجود النساء والأطفال في وسط المتظاهرين والذي قاد فيما بعد الى موجه هستيرية من العداء بين القوى المتناحرة وخصوصا الكرد والتركمان وكان ووقع عدد من الضحايا وخاصة من التركمان وألصقت بالحزب الشيوعي العراقي وبالحزب الديمقراطي الكردستاني حوادث القتل وسقط من الشيوعيين العديد من الضحايا ومن بينهم رئيس البلدية وأخوه حسين البرزنجي وهم ابرياء .
بالرغم من نفي الشيوعيين لدورهم في احداث كركوك فقدموا مذكرة الى عبدالكريم قاسم 15 تموز 1959 مؤكدين على ضرورة عدم تكرار مثل هذه الأعمال الاجرامية نرجو من سيادتكم الوقوف بحزم ضد العناصر المتآمرة وإجراء التحقيق الشامل للكشف عن كل الرؤوس وإحالة المعتدين للقضاء لينالوا عقابهم العادل .
وقادت احداث كركوك الى انفراط التأييد من قبل قاسم لينفض من حول الشيوعيين بعد خطابه الشهير في كنيسة مار يوسف مندداً بالحوادث ويشير من طرف خفي الى ان الشيوعيين هم الذين قاموا بها دون ان يسميهم بقوله لو لم اشجب هذه الأعمال في كلمتي في مار يوسف فان كرامتنا كانت ستهدر في الخارج وكانت ستثار ضجة حولنا على الصعيد الدولي.
ولم يكتفي بالتنديد بل بدأت موجة الاعتقالات تطال الشيوعيين واعتقال العديد منهم وحكم البعض منهم بالإعدام وبقوا في السجون حتى سقوط انقلاب الثامن من شباط 1963 ليعدموا على يد قادة البعث،ولكن يبدو ان قاسم وجد في احداث كركوك فرصة للتخلص من قوة الشيوعيين التي طغت قوتهم على الشارع العراقي بعد ان تمكن من اقصاء التيار القومي بعد اقصاء عبدالسلام محمد عارف في تشرين الأول 1958 ومن ثم محاكمة رشيد عالي الكيلاني الذي يلتف حوله القوميون وكانت نهايتهم بإحداث الشواف بإقصاء القادة من ذوي الميول القومية ولتكون هذه المرة موجهه للشيوعيين بعد الأقاويل التي بدأت تتردد بمحاولة الشيوعيين للانقضاض على السلطة وخصوصاً في الخامس من تموز 1959.
الحلقة السادسة
الصراع داخل الحزب الشيوعي وكتلة الأربعة
دخل الحزب الشيوعي العراقي في نقاش حول ضرورة تسلم السلطة من قاسم بعد توفر الوسائل اللازمة لذلك من هيمنة الشيوعيين على المنظمات الشعبية والجيش والشرطة والقوة العددية لأعضائه فطفى على السطح داخل المكتب السياسي واللجنة المركزية نقاش حول ذلك الأول الذي يتزعمه سلام عادل ويسانده جمال الحيدري والذي يدعو لإزاحة قاسم كونه يمثل الطبقة البرجوازية ولا يمكن الأمان منه في المستقبل ورأي اخر مثله عامر عبدالله وزكي خيري وبهاء الدين نوري ومحمد حسين ابو العيس وعرفوا بكتلة الأربعة التي حملت على سلام عادل واتهمته بالتطرف محاولين لعزل سلام عادل من سكرتارية الحزب الشيوعي العراقي فيرى عزيز محمد ذلك التوتر والتكتل داخل الحزب الشيوعي العراقي انه يعود الى تناقضات الوضع الدولي وبروز التيار الصيني المتشدد فكانت الآراء تدعو لعزل سلام عادل فكنت ضد هذا الرأي بالرغم من بعض الملاحظات حول سلام عادل ويساريته المتطرفة في بعض الأحيان،وكان من ضمن القضايا المختلف عليها داخل اللجنة المركزية مسألة التنظيم الحزبي في صفوف الجيش فكان الرأي يدعو الى حل التنظيمات لكونها تثير مخاوف قاسم من الحزب الشيوعي العراقي فكان سلام عادل مع الرأي بإبقاء التنظيمات العسكرية،وكنت المسؤول عن تلك التنظيمات وبعد اتفاق اغلب أراء اعضاء اللجنة المركزية حلت تلك التنظيمات لكوننا نملك المنظمات الجماهيرية الاكثر تواجداً في الشارع العراقي،ولكن لا أتصور أن هناك أهل لهذا المركز وبعد سفر سلام عادل وجمال الحيدري الى موسكو ومن ثم عودتهم نوقش الأمر من جديد لاسيما بعد احداث كركوك وموقف قاسم من الحزب الشيوعي والذي بدوره غير ميزان القوى لصالح سلام عادل فتم مناقشة الأمر في اجتماع 1962 والذي تقرر فيه تنحية كل من عامر عبدالله وبهاء الدين نوري من مراكزهم الحزبية وتجميد عضويتهما في اللجنة المركزية وتجريد زكي خيري من منصبه في المكتب السياسي ونقله للعمل الى ارياف الفرات الأوسط وتنحية محمد حسين ابو العيس من اللجنة المركزية كونه مؤيد للكتلة،وجاء إقصاء تلك الكتلة بعد تغير الكثير من قناعتهم لصالح رأي سلام عادل وجهة نظره.
ثورة ايلول 1961
بعد سياسة التقارب التي شهدها العراق بعد ثورة 14 تموز 1958 ومحاولة لاحتواء القوى بمختلف اتجاهاتها وميولها الى جانب الثورة كانت من ضمن الأولويات وكان للكرد نصيب من سياسة الانفتاح بعد الثورة فصدر قرار بالعفو عن الملا مصطفى البارزاني بعد الحكم بالإعدام عليه بعد انهيار حكومة مهاباد في كردستان ايران والتجاءه للاتحاد السوفيتي وبعد عودته لقي حفاوة من قبل الحومة العراقية وتخصيص راتب شهري له وإسكانه في دار نوري السعيد ومن ثم اقرا الدستور العراقي المؤقت بحقوق الشعب الكردي وجعلهم القومية الثانية في العراق بعد العرب.
وفي ظل سياسة التقارب بين الجانبين الحكومي والحزب الديمقراطي الكردستاني فان ذلك لم يدم طويلاً بسبب مطالب الكرد بالحكم الذاتي الذي لم يكن مطروح في ذلك الوقت في اولويات الحكومة مما دفع الحزب الديمقراطي الكردستاني اعلان ثورته في ايلول 1961 ضد الحكومة العراقية بصدد ذلك يشير عزيز محمد نحن كحزب شيوعي لم نكن ميالين للمواجهات بل بعض الحزب الديمقراطي الكردستاني بدورهم لم يؤيدوا قرار المواجهة فناقشنا انا وسلام عادل مع وفد يمثل الحزب الديمقراطي الكردستاني وابدوا رفضهم للقرار ولكن الرأي كان يعود بالدرجة الأساس للملا مصطفى البارزاني، ووزعنا بيان مضمونه السلم لكردستان وبدأنا بتثقيف الجماهير على رفع ذلك الشعار من اجل نزع فتيل الحرب ولكن ذلك يم يكن بفائدة على اصرار الطرفين لحمل السلاح.
وعبدالكريم قاسم بدوره يتحمل جزء من الأزمة فهو لم يحاول رأب الصدع بين الجانبين وإرسال التطمينات للكرد بدلاً من زج الجيش في كردستان فهو بهذا فرط بالتحالف الكردي فكان موقفنا في البداية السكوت لمعرفتنا ان الكثير من رجال الإقطاع نادي بالحرب ضد الحكومة وموقفهم معروف كونه مناهض للحكومة بعد اقرارها قانون الإصلاح الزراعي فطرح سلام عادل موقفه من تلك القضية بان موقف الحزب الشيوعي يكون كالتالي اننا مع الشعب الكردي والبارزاني في مطالبهم بحقوق اشعب الكردي ومع الحكومة ضد رجال الإقطاع كنا نعتقد ان الثورة الكردية لم تدم طويلاً ولكنها استمرت لسنوات وأدت الى اهدر خزينة الدولة وتكبد الطرفين خسائر فادحة كان يمكن حلها بالحوار وفي ظل استمرار المواجهات بدأنا كحزب نفكر بضرورة حل المسألة الكردية على اساس الحكم الذاتي في ظل الدولة العراقية ولكن موقفنا تغير بعد ذلك في ظل الافتراق مع عبدالكريم قاسم فأيدنا الثورة الكردية وعملنا في صفوفها بعد ذلك.
الموقف من سياسية عبدالكريم قاسم.
لم يكن الأعداد لأنقلاب الثامن من شباط بالحدث الجديد فكانت هناك محاولات للقيام بانقلاب من قبل القوى القومية وبدأ هذا بحركة عبدالسلام عارف مروراً بحركة الشواف ومحاولة اغتياله في تشرين الثاني 1959 فكانت القوى القومية تخطط للإجهاز عليه بعد ان تحقق لهم نهاية شهر العسل بين قاسم والشيوعيين بعد مار يوسف ومن ثم اجراء تغييرات في مواقع جميع الضباط ذوي الميول اليسارية او احالتهم على التقاعد.
وهو ما يؤكده عزيز محمد ان نقطة الافتراق مع قاسم ومن ثم بدأت الشكوكية في ذهنه حول الحزب الشيوعي العراقي فبدأ بالتخبط في سياسته الذين ارتكبوا الأخطاء يجليهم من السجون ويقربهم الى جانبه بالرغم من معرفته بنواياهم والأصدقاء خسرهم كحزبنا الذي اغلق صحيفته وطورد أغلب كوادره واعتقل العديد منهم وبعد محاولة اغتياله زرناه في المستشفى وعلنا ولائنا له والدفاع عنه ولكنه ربما كان له قرار قطعي وهو اللاعودة لتلك القوة للشيوعيين،ومن ثم دخل في صراع مع القوى الكردية في عام 1961 وتوجيه قوة الجيش الى شمالي العراق لحرب الكرد ومن ثم اصبح الوقت مناسبا للانقضاض على نظام حكمه لوجود اكثر من جبهة ضده القوى القومية الكرد المحيط العربي لاسيما بعد مطالبته بضم الكويت أضف الى ذلك القوة المحركة للانقلاب شركات النفط بعد التأميم الجزئي لها.
وبالرغم من محاولاتنا لرأب الصدع مع قاسم فأنها لم تفت في عضده بعد ان رفض منح الأجازة للحزب الشيوعي العراقي في حين منحها لداود الصائغ كحزب كارتوني يدور في فلكه غايته اضعاف الحزب وهو على يقين ان داود الصائغ ليس لديه قوى شعبية مؤيده لحزبه ومن ثم حاولنا اختراق داود الصائغ من خلال دخول العديد من كوادرنا لصفوف حزبه كي نتمكن من تحريكه وكل مقالات داود الصائغ كانت تكتب من قبلنا ما عدا المقال الافتتاحي كان يكتبه هو وكانت غاية قاسم على ما يبدو هو تجريد الحزب من قيادته المعروفة وهو على يقين من الخلاف بيننا وبين الصائغ.
وفي السياق نفسه أشار نحن لا نتكلم عن نزاهته ولكن من سياسته ونحن لسنا ابرياء من الأخطاء فنحن لم نقرأ عبدالكريم قاسم كما يجب ولم نشخصه جيداً لتوفير العلاج له ربما كان قاسم بدوافعه تلك يريد ان يظهر للعالم ان العراق ليس محسوب على الاتحاد السوفيتي،ونحن كحزب لنا اخطاء وجميع الأحزاب والقوى الأخرى لها أخطاء لهذا السبب تمكن الانقلابيين من تحقيق هدفهم بعد ان كان الحزب الشيوعي العراقي يمثل حجر عثرة في طريقهم وتحقق لهم ذلك بإزاحتنا بعد موقف قاسم منا كحزب جماهيري.
كانت فترة 14 تموز تمثل اجمل ايام لحزبنا ولكن بعد ذلك عشنا حياة الاختفاء والمطاردة حتى اضطررنا تسليم اثنين من كوادرنا المعروفة وهم مهدي حميد وحمزة سلمان الجبوري لعبد الكريم قاسم من اجل ارضائه وكان مهدي حميد من المساهمين في مقاومة حركة الشواف الى ان عذبوهم بعد انقلاب الثامن من شباط 1963.
الحلقة السابعة
انقلاب الثامن من شباط 1963 واستعدادات الحزب الشيوعي
لم يكن انقلاب الثامن من شباط بالحدث المفاجئ بل كان سلسلة لمحاولات انقلابية من قبل القوى المناوئة لحكم قاسم متمثلاً بحزب البعث العربي الاشتراكي والقوى القومية الأخرى التي وجدت في حكمها انحرافاً عن اهداف الثورة .
كان للحزب الشيوعي العراقي على معرفة بالمحاولات الانقلابية وكان يعلن عنها ولكن أذان عبدالكريم قاسم لم تعد تستمع لهم بالرغم من معرفتهم حقيقة لما قد سيكون فكان للحزب الشيوعي العراقي خطة طوارئ ووصف عزيز محمد خطة الطوارئ موجودة في مقر قيادة الحزب في بغداد وهي محصورة بجهات معينة لكون ان أي محاولة للانقلاب ستكون في بغداد وكنا نفكر اننا سنكون مهيئين للتصدي لأي محاولة انقلابية فكان قاسم يتصور ان هدفنا من فضح تلك المحاولات من اجل دوافع سياسية وكعسكري كان يعتقد ان القوة تكمن بالجيش دون الحاجة الى القوى الأخرى.
في صبيحة الانقلاب الثامن من شباط 1963 كنت في كركوك ولما سمعنا خبر الانقلاب قمنا بتحشيد عدد من المظاهرات ضد الانقلاب ووجهنا نداء الى الضباط الشيوعيين من اجل الدخول الى المقرات العسكرية للمقاومة ومنع سيطرة قادة الانقلاب على الوضع ولكن الضباط منعوا من الدخول الى معسكراتهم بعد سيطرة ضباط قادة الانقلاب على الوضع أضف الى ذلك ان منطقة كركوك لم تكن منطقة مؤيدة بشكل كبير للشيوعيين بعد احداث تموز 1959 وبالرغم من ذلك نظمنا جيوب للمقاومة وأقمنا ببناء الربايا لتنظيم المقاومة واستمرت مقاومتنا لثمان ايام وبعد انتهاء المقاومة في بغداد والمدن العراقية الأخرى وجدنا انه من الضروري الانسحاب بعد حسم الموقف لصالحهم وبعد ذلك توجهنا الى منطقة كردستان واستقبلنا مصطفى البارزاني بالرغم من موقفه المؤيد لانقلاب شباط ولكنه جهز لنا بيتاً حزبياً وقال البارزاني ليس لدي ثقة بهؤلاء وموقفهم موقف ودي مؤقت.
وبدأنا بتسليح قواتنا من الأنصار ولكن البارزاني رفض تزويدنا بالأسلحة ومن ثم بعد اعلان قادة البعث حربهم على كردستان فأصبحنا جزء من البيشمركة الكردية لتوحيد قواتنا تجاه الانقلاب بالرغم من ان قراراتنا كانت منفردة ومراكز تدريباتنا كانت مستقلة في الوقت ذاته وكنا نختار الجبهات لقتال القوات الحكومية.
فيصف موجة الإعدامات والقتل بحق الشيوعيين ان الشيوعيين يضع امامهم اختياران اما الموت وأما الاعتراف ويستخدم في احيان كثيرة محاولين الانتقام من الشيوعيين ومحاولة معرفة المزيد عن تنظيمات الحزب الشيوعي فيشير الى حادثة اخبرها له احد المعتقلين مع عضو اللجنة المركزية حسن عوينه انه تعرض للتعذيب المميت فطلبت منه الاعتراف لينجو من الموت فرد عليه وما الباقي من التعذيب ليمارس ضدي وانأ بين الموت سوى لحظات.
فبعد انقلاب الثامن من شباط 1963 كانت له مقارنة بين النظام الملكي والنظام الجمهوري وسيما بعد انقلاب شباط 1963 فيشير هناك فرق كبير بين النظام الملكي والجمهوري مثال على ذلك فهد بعد اعتقاله لم يهان او يضرب ولم يعذبوهم غضبان السعد معتقل بتهمة الشيوعية وهو ضابط عسكري عريف المعتقل ينادي عليه بكلمة سيدي وهذه القيم لم تكن موجودة بعد انقلاب البعث على وجه الخصوص.
وكانت مساًلة انهيار الوضع التنظيمي هو الشغل الشاغل لكوادرنا لإعادة صلة منظمات الحزب ببعضها بالرغم من قسوة البعث ضد الشيوعيين فتمكنا من طبع طريق الشعب لعددين ومنشورات تطبع من كردستان العراق للتعبير عن بقاء تنظيمنا رغم موجة العنف التي مورست ضد الحزب وما خدم حزبنا فيما بعد هو اعلان قادة البعث الحرب على كردستان العراق مما عزز موقفنا بعد اقتصار نشاطنا في السابق على اعادة ترتيب فصائلنا فتوحد عملنا العسكري مع الحركة الكردية.
وقد تحالفنا ونسقنا مع الحزب الديقراطي الكردستاني فهي لم تكن المرة الأولى ،مثلاً عند تشكيل جبهة الاتحاد الوطني عام 1957، كنا الحزب الوحيد، الذي شكل همزة الوصل بين الجبهة والحركة الكردية، اقصد مع الحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي كان يمثل آنذاك مجموعات وفئات كردية كثيرة،في حين ان جبهات اخرى لم تكن مستعدة للعمل معها، ومن جهة اخرى فأن لنا تأثير كبير وعبر تنظيماتنا في كردستان وعن طريق علاقتنا مع التنظيمات الكردستانية،هناك فرق كبير بين ان يكون لك (شيء) في منطقة ما لأجل ان تعهد الطريق في التعاون مع هذه الجهة او تلك وبين ان لا يكون لك شيئاً.
الحلقة الثامنة
انقلاب عبدالسلام عارف والاتحاد الاشتراكي
في حقيقة الوضع العام الذي مر به انقلاب الثامن من شباط 1963 فإنه لم يستمر طويلاً وهذا يعود الى انقسام قادة الانقلاب انفسهم من بعثيين وعسكريين ثم الى انقسم في صفوف حزب البعث نفسه بين الجناح المدني والجناح العسكري إضافة الى تأزم الوضع العام فمن موقف متشدد من القوى الحزبية وعلى رأسهم الشيوعيين الى حرب قادها الجيش ضد الكرد بهذا وجد عبدالسلام عارف أحد أقطاب انقلاب الثامن من شباط 1963 بأن الفرصة أصبحت مواتية له للانقضاض على السلطة في ظل تصارع الانقلابيين فوجد ان الوقت المناسب لذلك في 18 تشرين الثاني 1963 وبهذا تبدأ مرحلة جديدة ولكنها أقل وطأها من سابقاتها.
والشيوعيين من جانبهم وصفوا الانقلاب بأنه في حقيقته “اندفاع بعض القادة العسكريين ممن ساهموا في الانقلاب الرجعي الفاشي للقيام بحركة انقلابية في 18 تشرين الثاني وأسرعوا في تنفيذها بعد ان شعروا بكابوس فقدان كراسيهم”.
ويصف عزيز محمد بدوره الانقلاب استبدال عسكر بعسكر وهو جزء من الصراع على السلطة ضمن المؤسسة العسكرية التي أقحمت نفسها في الصراع السياسي،ولكنه في اعتقادنا اهون الشرين بسبب المجازر التي ارتكبها البعثيون بحقنا،واذكر انه بعد الانقلاب بفترة ليست بالقصيرة كتبت رسالة الى مركز الحزب في الخارج لكي استطلع الموقف ازاء الانقلاب وكان الرد ان نخفف من ظروف العمل حيث كنا نقود الكفاح المسلح في المناطق الكردية ومن جانب اخر ان لا نزكي هذا النظام لكونه بدأ ينأى بنفسه عن جرائم البعثيين وبدأ يشنع بالنظام السابق،ولكن في الحقيقة التي لا يمكن نكرانها انها كانت فترة تنفيس بالنسبة للقوى السياسية على الخصوص بالنسبة للشيوعيين بالدرجة الاساس حيث بدأ النشاط يدب في صفوف المنظمات الحزبية وعاد الارتباط بين الشيوعيين ومنظماتهم بشكل واسع وهو لم ينقطع حتى وان اشتد أوار الهجمة على تنظيمات الحزب بقى صلة الوصل بعد ذلك باقر ابراهيم في الجنوب وعمر علي الشيخ في المناطق الكردية،ولكن احد اسباب غض النظام النظر عن نشاط الشيوعيين هدفه التمييز عن النظام السابق قليلاً أو أكثر عما سبق والا عارف كان معهم ومن المؤيدين لإبادة الشيوعيين.
وهناك نقطة في غاية الأهمية وهي ان عارف بدأ بمغازلة الاتحاد السوفيتي للحصول على الدعم العسكري والفني وهو لا يمكن ان يحدث في ظل موجة الاعتقالات والإعدامات بحق الشيوعيين الذي ثاروا بدورهم عن موقف البعث من موقفهم تجاهنا.
فبدأ النظام اضافة لأطلاق سراح الشيوعيين من السجون المعتقلات وحل الحرس القومي ونشره وثائق تدين الحرس القومي ونشاطه واعتقال بعض القائمين عليه انذاك لا حبٌ بالشيوعيين بل الخوف من ان يتصدى الحرس القومي لحكم عارف.
وبسياسة التقارب بين عارف والاتحاد السوفيتي والتي توجت بعدد من الاصلاحات الداخلية بحجة التوجه نحو الاشتراكية التي توجت بالاتحاد الاشتراكي بحجة نهجه للاشتراكي وهي محاولة للتشبه بالنظام الذي سلكه جمال عبدالناصر في مصر،والاتحاد الاشتراكي بدوره قد احدث ضباب فكري حوله فبين معارض ومؤيد للقرارات الاشتراكية التي توجت بخط آب 1964 والتي جاءت بعد اجتماع اللجنة المركزية والتي أيدت الاتحاد الاشتراكي.
عزيز محمد سكرتيراً للحزب الشيوعي العراقي 1964
في ظل الظروف التي مر بها الحزب الشيوعي العراقي ومنذ اعدام قادته بعد انقلاب الثامن من شباط 1963 ومنهم من بقي رهن الاعتقال ومنهم من التجاء للمناطق الكردية والقسم الآخر بدأ يقود نشاط الحزب من الخارج لاسيما في براغ وموسكو لكي يبقوا بعيدين عن ضربات الامن ولكن كانت هناك قنوات للأتصال مع الداخل وكانت صحيفة الحزب”طريق الشعب”السرية ومطبعاته تصل الى قراءة بين آونة وأخرى حسب الظروف التي يمر بها الحزب والتي يمكن تسميتها بين(مد وجزر).
بهذا العرض كان الحزب الشيوعي العراقي يوجه من قبل المكتب السياسي وخصوصاً من قبل عبدالسلام الناصري وأصبح من الضروري انعقاد اللجنة المركزية لحسم موضوع سكرتارية الحزب التي بقت شاغله بعد اعدام سكرتير الحزب حسين احمد الرضي(سلام عادل)،فبدأ أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي يجتمعون في الخارج لانتخاب سكرتيراً للحزب الشيوعي العراقي فبدأت تطرح العديد من الأسماء ليكون السكرتير فكان من بينهم زكي خيري وعبدالسلام الناصري وغيرهم وأنا وكنت انا في الحقيقة ضد ترشيح نفسي لكوني اعتقد انني غير مؤهل لقيادة حزب بمكانة الحزب الشيوعي العراقي كوني لم امتلك من الثقافة الماركسية كما يجب ليؤهلني لذلك اضافة الى ما ذكرته في السابق ان الحزب الشيوعي العراقي ه من قضى على أميتي التي كنت اعاني منها وإثناء التصويت لاختيار السكرتير انني لم اصوت لنفسي لكوني حسبما ذكرت انني غير مؤهل لذلك ولكن الأصوات جاءت لصالحي لأكون سكرتيراً للحزب،ويمكن تسمية الاختيار بالتوفيقي يعود بالدرجة الأساس الى صراعات داخل الحزب الشيوعي العراقي،والتي وصف اختياره بالتوفيقي انه ربما يكون ذلك السبب.
الحلقة التاسعة
اجتماع نيسان 1965 والعمل الحاسم
بالرغم من ذلك بدأ الحزب يعمل بوتيرة اسرع لإعادة تنظيمات الحزب من جان والجانب الآخر ان الحزب بدأ بإعادة تقييمه لحكم عارف فقرر الحزب في نيسان 1965 التخلي عن خط آب 1964 كونه خط عد مهادن لعبدالسلام عارف الذي لم يتقدم نظام حكمه خطوة واحدة للإمام واتفقت اراء الجميع على اتخاذ نهج العمل الحاسم للقيام بحركة انقلاب على حكم عارف وبقى الأمر قيد المناقشة عن كيفية القيام بالعمل الحاسم عن طريق الجيش وهو مغلق للقوى المؤيدة حول عارف او عن طريق الجماهير التي خسرت الكثير من ابناءها بعد الثامن من شباط 1963 فبدأ الحزب بحملة تثقيفية حول ذلك النهج وكانت الفكرة هو اعادة صلة الوصل للتنظيمات الشيوعية في الجيش لكي يكون الاعتماد بالدرجة الاساس على صغار الضباط والجنود وهذه القناعة تعود بالدرجة الأساس ان أي عمل حاسم لا يمكن ان يحدث دون تدخل الجيش لحسم الامر وهو ما حدث في مراحل ليست بالبعيدة منها حركة 1936و1941 وصولاً الى 14 تموز 1958 والانقلابات التي قادها العسكر في الثامن من شباط 1963 بالرغم ما يملكه الشيوعيون من ارضية جماهيرية واسعة مؤيدة لنظام قاسم هو ما حدث فعلاً في مقاومة الشيوعيين للانقلاب في مناطق العراق المختلفة وبالخصوص في بغداد حيث تركزت في منطقة باب الشيخ حي الاكراد وغيرها من المناطق لكن صلنا لقناعة ان العمل الحاسم يمكن في اروقة الجيش.
وكانت الحملات الثقيفية تشمل تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي بالدرجة الأساس لخلق قاعدة يمكن ان تعي الغرض للقيام بانقلاب بعد حالة اليأس التي أصابت الجماهير وهو ان الشيوعيين في قوتهم الجماهيرية لاسيما بعد 14 تموز 1958 لماذا لم يقوموا بمحاولة للوصول للسلطة وبعد تراجع قاسم عن تحالفه الغير معلن مع الشيوعيين والتي أدخلت الحزب وقيادته قي دوامة من النقاش التي اجبرت الشيوعيين فيما بعد لخسارة العديد من المؤيدين له بعد مدة انحسار المد الشيوعي وإقصائه عن منظماته الجماهيرية،وبهذه الخطوة التثقيفية يمكن من خلالها تكوين ارض صلبة يمكن من خلالها دعم الجماهير لأي محاولة يقوم بها الشيوعيين في المستقبل.
انشقاق عزيز الحاج 1967
لم تمضِ مدة زمنية الا وتعرض الحزب الشيوعي العراقي بدوره الى هزة عنيفة تقود بتنظيماته الى الانشقاق تارة والى كبس تنظيماته وإعدام قادته تارة أخرى والتي بدورها تترك اثراً لا يمكن التغاضي عنه الا بعد مدة يتمكن من عودة اللحمة الى التنظيمات المنشقة او الى اعادة ترتيب اوراق الشيوعيين من جديد للنهوض بواقعهم الذي واكبوه عبر مراحل تاريخهم الطويلة التي قضوها بين العمل السري والاعتقالات في سجون الانظمة الملكية والجمهورية وعلى اختلاف مشارب القادة السياسيين.
ولكن انشقاق 1967 لم يكن بالانشقاق العادي الذي يمكن غض الطرف عنه لكونه جاء هذه المرة من مسؤول تنظيمات بغداد للحزب الشيوعي العراقي واحد قادته المعروفين وهو عزيز الحاج الذي بدأ على ما يبدو أكثر طموحاً لقيادة الحزب فهو حسب وصف كثيرين من معاصريه يعتقد انه الأكفاء لقيادة الحزب وان محاولته الانشقاقية في 17 ايلول 1967 كانت يعدها حركة تصحيحية لتخليص الحزب من قيادته اليمينية التي لا تؤمن بالعمل الثوري.
عزيز محمد الذي كان على مقربة من عزيز الحاج لا كونهما عضوين في حزب واحد بل قضى كلاً منهما فترة عقد من الزمن في السجن كانا يلتقيان في احيان كثيرة في زنزانة واحدة يشير عزيز محمد ان عزيز الحاج برأيي لم يكن ه الداعي الرئيسي لهذا الانشقاق وهو كان عضواً في المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي وإنما كانت هناك عناصر في منظمة بغداد التي يقودها الحاج هي من دفعته لذلك الانشقاق ولربما ان كان مستاء من الأوضاع التي يمر بها الحزب وهو الدعوة للعمل الحاسم في ظروف لم تنضج بعد لذلك.
وبهذا العمل وفي ظروف الحزب الصعبة التي مر بها عبر مراحله المتعرجة أنشق الحاج ومجموعة من تنظيمات بغداد من بنينهم احمد محمود الحلاق وعبدالحميد الصافي ومتي هندو وغيرهم وبهذا العمل الفاصل يتبين الإنسان شيوعي ولا شيوعي،التداعيات الأخرى أن جماعة الحاج حركوا القضية الأخرى(الكفاح المسلح)في الأهوار ومن بينهم المناضل خالد احمد زكي وهناك امر ضروري انه لا يمكن أحد ن يشك بنزاهتهم ونضالهم حتى وان اختلفوا معنا،عم توجهوا الى الأهوار وهم لا يعرفون دروب المنطقة وحركة الأنصار تعتمد على جغرافية المنطقة والمواضع الطبيعية والتكتيك في المواجهة مع السلطة بقواتها العسكرية المتكاملة،وبهذا فهم طوقوا من قبل القوات الحكومية ومنهم من استشهد واعتقل فالرغبة في الثورة المسلحة تحتاج الى ظرف ناضجة.
الشيء الثاني الذي يجب ذكره ان الكفاح المسلح بحاجة الى مستلزمات تكتيكية ونقاط اتصال بين مركز نقاط المسلحين وبين المركز من اجل مواصلة الاتصالات ومواصلة تدفق المؤن والأسلحة وهو الامر الغير متوفر في مناطق الأهوار،فيمكن تشبيه الحاج بمحاولات جيفارا الذي اراد ان يقلد نفسه فشل في تحقيق النصر الذي تحقق في مراحله الأولى،والحاج كذلك فهو تصور وانه لا يزال بحيوية الأربعينيات وبثوريته التي شاهدتها عن قرب كوننا كنا في قفص واحد وكان لا يبالي الموت بدفاعه عن المبادئ التي امن بها،فهو اصطدم بجدار الوضع العام للمنطقة اضافة الى اهالي المنطقة الذين لم يكن لهم صلة وصل مع تنظيمات الحاج.
الحلقة العاشرة
اصطدام التنظيمين الشيوعيين
في ظل الوضع الجديد الذي رافق انشقاق عزيز الحاج تحول الانشقاق هذه المرة الى انشقاقات في تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي الى كتلتين الاولى جماعة اللجنة المركزية وسكرتيرها عزيز محمد وجماعة القيادة المركزية وسكرتيرها عزيز الحاج.
ومهما يكن من أمر فان الخطين الجديدين المتصارعين بدأ كل منهما يسلك نهجاً خاصاً بهما فجماعة اللجنة المركزية تتبع تعاليم الاتحاد السوفيتي في تعليماته وقراراته ويسترشد بالنظرية الماركسية-اللينينية والحاج بدوره بدأ يسلك النهج الصيني لـ(ماوتسي تونغ)وهو المعروف بالخط الصيني الذي يقف ضد نهج الاتحاد السوفيتي.
فهم بدأوا بنقدنا من منطلق يساري واتهامنا باليمينية وقد ينتقل هو الى الموقف اليميني وربما يكون اكثر يمينية من الآخرين وموقفنا الذي يسمى باليمينية قد يعود للظروف التي مر بها الحزب في تلك الفترة فمثال على ذلك بالنسبة لمظاهرات الأول من أيار 1959 والتي عرفت بالمليونية واستعرض فيها الحزب قوته وهو لم يحسب ردود الفعل على الطرف الاخر والتي توجت بالتراجع بين قاسم والشيوعيين والتي توجت بالريبة الشك تجاههم خوفاً من انهم سيقومون باستلام السلطة.
هذا الأمر بدأنا أصبح من جملة حساباتنا وهو ان نكون على دراية مستفيضة بدراسة الواقع السياسي العام لا ان نندفع بثورية دون ان تكون النتائج محسوبة وقد نخسر الكثير ونحن خسرنا الكثير من خيرة كوادرنا المجربة ولاسيما بعد الثامن من شباط 1963 والتي دفعتنا ان نحسب الخطوة بالف مرة.
إضافة الى التراشق في البيانات بين الجانبين بين اليميني واليساري فأن الموقف بدأ يتغير عندما بدأ عزيز الحاج باعتقال عدد من اعضاء اللجنة المركزية ومنهم زكي خيري وبهاء الدين نوري ولم يكتفي بذلك بل بدأ بمحالات للسطو على مالية الحزب وسيارة تابعة للحزب بحجة انه الجناح الذي يمثل الحزب الشيوعي العراقي وهو سلوك خاطئ .
ومن جانب آخر أن العديد من التنظيمات بدورها انشقت على نفسها بين مؤيد للجنة المركزية وأخر مؤيد لعزيز الحاج وهذا يعود بالدرجة الاساس للروح الثورية التي مر بها الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يكن بمعزل عن الاحداث العربية والعالمية لاسيما حرب الخامس من حزيران 1967 ودور الأنظمة العربية المتخاذلة في صد العدوان الاسرائيلي وهو ما صعد من روح المزاج الثوري لدى الوطنيين وهو ما استغله الحاج لصالحه ويصعد المواجهة مع الحكومة ومن التنظيمات التي بدأت تنظر الى نشاطنا على انه يميني وهم لا يدركون الامكانات الضئيلة التي يمتلكها الحزب الشيوعي العراقي في ظل الضربات المتلاحقة التي اصابته.
وهناك أمر لابد من ذكره ان جماعة الحاج بدأت بالسطو على الدوائر الحكومية من اجل الحصول على الدعم المادي وهو امر لم نألفه في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي كنا نقف ضد الأنظمة المستبدة لا ان نقوم بالسطو على الثروات والممتلكات العامة.
الحاج واتصاله بالبارزاني
فبدأ الحاج بالاتصال بالملا مصطفى البارزاني محاولاً فتح جبهة جديدة في المناطق الكردية التي نملك في العديد من القواعد الأنصارية وكان هذا الاتصال عن طريق حبيب محمد كريم عضو المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي الكردستاني(البارتي) وهو ابن خالة عزيز الحاج وكان من ضمن مطالبهم الحصول على الأسلحة ولكن طلبه قوبل بالرفض من قبل البارزاني لكونه على قناعة اننا من نمثل الحزب الشيوعي العراقي وطرح البارزاني بدوره وساطته لإعادة الوحدة لصفوف الحزب الشيوعي العراقي وقد ابدينا عدم ممانعتنا من ذلك ولكن لم يحدث أي تقدم في المبادرة ربما لرفض الحاج وعدم الاتصال بالبارزاني ثانية.
هناك حقيقة معروفة اننا بعد انقلاب الثامن من شباط 1963 سرعان ما انسحبنا نحو المناطق الكردية والتي بحكم موقعها الجغرافية اضافة الى العلاقات المشتركة مع البارتي بالرغم من النظام انتهج سياسة التقرب من الحركة الكردية لكن غايتها على ما يبد هدنة مؤقتة لحرب شاملة فيما بعد وهو ما ما افرزته الظروف فيما بعد لاسيما التوافق بين نظام البعث والبارتي وإشراك وزراء من الكرد في حكومة الانقلاب وكان موقف البارزاني الريب والشك ولكن عبدالرحمن عارف الذي خلف عبدالسلام عارف كان موقفه اقل حدة مع الجميع فهو انتهج سياسة التقرب من جميع القوى من بينها الحركة الكردية،فموضوعنا هو عن تنظيماتنا في المنطقة الكردية فهي اكثر تواجداً لكوننا عملنا بالكفاح المسلح ضد الأنظمة الدكتاتورية مع البارتي وهذا يعود لعلاقات إستراتيجية بين الطرفين لا يمكن للحاج زحزحتها،بالرغم ما قيل ان للبارزاني دور في انشقاق الحاج وهذا الرأي غير صحيح.
الحلقة الحادية عشرة
الحوار الشيوعي-البعثي وانقلاب 17 تموز 1968
أصبحت للانقلابات على ما يبدو صفة ملازمة للأنظمة العسكرية فما بين طموح السلطة وطموح الإقصاء للقوى الحزبية وبالدرجة الأساس القومية التي بدأت رحى المواجهة تدب فيما بينها وكل كتلة تحاول استقطاب حولها القوى التي تعتقد انها تمكنها للوصول للإذاعة من اجل اذاعة بيان ما اسموه بـ”الثورة” فأصبح الناس يترقبون بين آونة وأخرى حدث التغيير بالولاءات السياسية او العسكرية ولكنها تدور في قطب واحد وهو داخل المؤسسة العسكرية.
من جانب أخر فبعد إقصاء جناح البعث ومن بينهم احمد حسن البكر الذي بدا يجمع حولها القوى القومية والبعثية بالدرجة الأساس لإقصاء عبدالرحمن عارف وهو معروف بسياسته المرنة تجاه الخصوم وبعد وصول خبر القيام بمحاولة للانقلاب من قبل ابراهيم عبدالرحمن الداود وعبدالرزاق النايف الذي جمعهما وحلفا له اغلظ الأيمان عن وفاءه لهما ولكن يبدو ان الوعد بالوفاء لم يكن إلا محاولة لتمرير انقلابهما مع البكر وجناح البعث.
لم يكن الشيوعيون بعيدون عن محاولات البكر للقيام بانقلابه ويشير عزيز محمد ان البكر أرسل الينا عن طريق عزت مصطفى من خلال مكرم الطباني القيادي في الحزب الشيوعي العراقي لأنه الشخصية الشيوعية العلنية المعروفة كونه كان مدير عام مصلحة انحسار التبغ،وطلب منه ان ينقل رغبة البعث وقال نحن جاهزون لاستلام السلطة وان تكونوا معنا واستنكر سياسة الماضي وانهم سيفتحون افاقاً جديدة للتعاون بين الجانبين هذا جوهر الفكرة ،ولكن السبب الحقيقي انهم كانوا يريدون استمالة الشيوعيين لان همهم كان ان لا يفسد الحزب الشيوعي العراقي عودتهم ومقاومتهم كما حدث ابان انقلاب الثامن من شباط 1963 ،وكان ردنا كيف نكون معكم ودمائنا لم تجف بعد واكتفينا بالسكوت وعدم الرد وجرى اتصل ثاني وكرر الطلب نفسه وكان ردنا بان امضوا في انقلابكم ونحن سنكون على الحياد،وبالفعل اقدموا على انقلابهم في السابع عشر من تموز 1968 وقد زار مكرم الطالباني البكر وهنئه بحركتهم وقال له البكر كم تمنيت ان يكون البعثي علي يميني والشيوعي على يساري،وأصدرنا في التاسع العشرين من تموز 1968 اشرنا به الى ظروف الانقلاب حذرنا القادة الجدد من مغبة الاستمرار على النهج السابق ضرورة اشاعة الديمقراطية واعتراضنا على مسك العسكر زمام القيادة كما في السابق.
وبالرغم من موقفنا المتردد فطلب منا المساهمة في التشكيلة الوزارية الجديدة والبدء بالحوار فكان ردنا كيف نحاوركم هل من وراء الأسوار لأن رفاقنا في السجون ومنها بعد ذلك استجابوا لرغباتنا بغلق سجن نقرة السلمان واطلاق مجموعة من الشيوعيين من السجون وكانوا يسلكون ذلك النهج بالتقرب الى القوى المختلفة لان ارجلهم لم تلتصق بعد على الأرض والكثير يعرف نهجهم وسياستهم السابقة.
الحزب الشيوعي العراقي واستلام السلطة
ذكرنا فيما مضى الحزب واستلام السلطة كان النقاش حول تلك المسألة تدور في نقاشات الحزب الشيوعي العراقي منذ عام 1959 بعد سياسة التراجع بين الحزب الشيوعي العراقي وبين عبدالكريم قاسم وقاد ذلك الرأي سلام عادل وجمال الحيدري فيما عارضه الكثير من اعضاء المكتب السياسي اللجنة المركزية اضافة الى ايحاءات من موسكو ان حكم قاسم حكم وطني يجب مؤازرته وهذا النقاش قد احتدم داخل الحزب الشيوعي العراقي قاد فيما بعد والتي كانت نتيجته وصول البعث في الثامن من شباط 1963 وخسر الحزب الشيوعي العراقي الفرصة التي كانت متاحة له.
ومن ثم دخل الحزب الشيوعي العراقي في مرحلة الاتحاد الاشتراكي وتأييد حكم عارف من خلال خط اب 1964 وتخلي الحزب الشيوعي عن ذلك الخط اختيار نهج العمل الحاسم وبدأ الحزب بحملة تثقيفية كما ذكرنا،ولكن نحن اصطدمنا بعقبة كبيرة وهي من الذي يقود التغيير والقيام بالانقلاب ورأيناها محصورة في المؤسسة العسكرية وكنا نتهيأ لذلك ولكن بعد حسابات الامكانيات المتوفرة جدنا انها غير كافية لأن الذين سلموا السلطة اعتمدوا على القصر الجمهوري منهم الداود-النايف سعدون غيدان هم الذين سلموا القصر الجمهوري دون مقاومة من قبل انصار عارف وهذه الإمكانيات لم نكن نملكها،ونحن خرجنا من انتكاسة تلو الانتكاسة وتمكن البعثيون من خلال استمالة هولاء من استلام السلطة،وسرعان ما نفض البعثيون ايديهم عن جناح الداود-النايف لكونهما كانا على شكوك بولائهم، من جانب اخر وهو الذي لا يمكن نكرانه تأثير انشقاق الحاج على تنظيمات الحزب والتي قادت الى تشرذم تنظيمات وقوة الحزب الشيوعي العراقي والتي تحولات الى مساجلات بين الجانبين التي اخذت صحف الطرفين بكيل التهم والشتائم لكلا الكتلتين وهو ما أضعف من قوة الحزب الشيوعي العراقي تجاه توحد القوى القومية في تلك المرحلة.
الحلقة الثانية عشرة
انهيار عزبز الحاج
في 22 شباط 1969 كنت في منطقة الكرادة داخل في منزل مهدي عبدالكريم عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وسمعنا نبأ اعتقال عزيز الحاج وكان أمراً متوقعاً في ظل التحولات الجديدة التي رافقت وصول البعث من خلال النهج الذي سلكه عزيز الحاج برفع شعار اسقاط السلطة وهو امر لا يمكن السكوت عليه من قبل البعثيون الذين يحاولن لصق انفسهم بشتى الطرق ولكن بالترهيب تارة والترغيب تارة أخرى فهم شرعوا بطريقة يمكنهم أسكات صوت المعارضة لهم من خلال اشاعة مسألة شبكات التجسس والتي أتهم فيها الكثير من الوزراء والضباط السابقين والمعروفين من بينهم عبدالرحمن البزاز وفؤاد الركابي فهم تمكنوا بهذه التي يمكن تسميتها بالفبركة من اسكات صوت المعارضة خوفاً من التهمة.
ولكن مسألة عزيز الحاج تختلف عن ذلك فهو رفع شعار اسقاط السلطة ولكنهم أرادوا انهاء الموضوع بكل الطرق لكونها بدأت تشكل عليهم وبالاً في ظل نهجهم الجديد هو العمل على مغازلة القوى الحزبية والسياسية المعارضة.
في الحقيقة بعد اعتقال الحاج كانت لنا مناشدات من خلال قنوات اتصالاتنا مع البعث بضرورة الحفاظ على حياة عزيز الحاج وان اختلفنا معه في الرأي أو النهج فهو مناضل شيوعي معروف وهو جزء من أخلاقياتنا الشيوعية ولكن يبدو ان الحاج قدم لهم اكثر مما يوجب فخرج على شاشة التلفاز وبدأ يخطئ تجربته السابقة ووصف نفسه كالثور الذي يصطدم بكتله كونكريتية وأصبح فيما بعد يكتب في صحف البعث ويستخدم للتشهير بالحزب الشيوعي العراقي ومن ثم أصبح ممثل العراق في منظمة اليونسيف ثمن لولائه للبعث من جهة ولإبعاده من الداخل بعد التقارب بينا وبين البعث.
بالرغم من ذلك وبعد التباعد بيننا وبينه ولمسافات بعيدة فهو بعد مدة من الزمن وابتعاده من البعث بدأ يخطئ نهجه السابق وهجومه الا مبرر تجاهنا كحزب شيوعي العراقي وانني قبل مدة وكواجب الرفقه الطويلة اتصلت به بفرنسا للاطمئنان على صحته واعتقد انه من الضروري اسدال الستار عن سياسة الماضي والبحث عن الجديد.
الحزب الشيوعي العراقي وبيان 11 آذار 1970
شغلت القضية بدورها الأنظمة على اختلاف مشاربها والتي توجت بثورة ايلول 1961 والتي مثلت استنزاف لمالية الدولة اضافة الى الأرواح بين الجانبين الحكومي الكردي اضافة الى مرابطة ثلث قوات الجيش في المناطق الكردية دون ان يكون هناك نصر لجانب معين ودون ان يكون الحوار هدف حقيقي لكلا الطرفين لاستئثار كل طرف بمدى احقية هدفه فبين الجانب الحكومي الذي يحال فرض سلطته على العراق بأكمله وبين الكرد الذي يأملون بالحكم الذاتي دون ان تكون هناك سيطرة مباشرة من الحكومة عليهم.
سلك البعثيون بدورهم نهج الحوار مع القوى المختلفة بما فيهم الكرد لكونهم كما ذكرت غير ملتصقين بالأرض وكانوا بحاجة الى كسب الوقت وكان التعامل مع الكرد في غاية الدقة والضرورة لمجموعة معطيات من بينها ان الكرد ليدهم اسلحة يمكن ان تكون موازية للقوات الحكومية باستثناء الطيران،اضافة الى تدخل العديد من الدول الخارجية في تحريك ملف الكرد ومن بينهم الإيرانيين والأمريكان اللذان كانا يساندون الكرد من اجل املاء رغباتهم من خلال الكرد من اجل الضغط على الحكومة وتقديم العديد من التنازلات من قبل الحكومة العراقية في أي صفقات سياسية وتجارية فكان هدف القوى في تحريك الملف الكردي هو لا محبة بالكرد بل من اجل تمرير مخططاتهم،وبدأ حزب البعث في البداية محاولاً شق صفوف الحركة الكردية وذلك من خلال استمالة الجناح المنشق عن البارتي والمتمثل بجناح ابراهيم احمد-جلال الطالباني وبعد عجزهم عن تحقيق هدفهم توجهوا نحو البارزاني كونهم ادركوا انه يمثل الحركة الكردية المسلحة وسرعان ما اداروا ظهرهم لإبراهيم احمد-جلال الطالباني،وبعد وساطات سوفيتية بين الجانبين الحكومي والكردي توجت بتوقيع اتفاقية الحادي عشر من آذار 1970 ،على اساس الحكم الذاتي هو في الحقيقة شعارنا المركزي لحل القضية الكردية فبعد توقيع الاتفاق صافح المفاوض الحكومي عزيز شريف عامر عبدالله عض اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي وقال له اهنئكم بنجاح تحقيق هدفكم في حل القضية الكردية.
وأمر لابد من الإشارة اليه ان القيادة الكردية بدورها بالرغم من ذلك كانت تستشيرنا في سير المفاوضات وكان رأيهم في البداية كيف نتفاوض مع قتلة سلام عادل ولكن بعد تقديم التنازلات لهم رحبوا بالاتفاق،بالرغم من البارزاني كان يتخوف من البعثيين فهو طيلة الحوار حتى بعد توقيع الاتفاق لم يزور بغداد نهائياً لمعلومات متتالية عن محاولات لاغتياله من قبل النظام.
ولكن يبدو ان سياسة البعث لم تختلف عن السابق هي ادارة الظهر للشيوعيين بعد التقرب من الكرد وهذا ما حدث ففي احتفالات 21 آذار 1970 بمناسبة اعياد نوروز عندما خرجت مسيرات تضم القوى المختلفة ومن بينها الحزب الشيوعي العراقي حيث بدأ أنصار حزب البعث بالهجوم على حشدنا في شارع الرشيد وهو امر لا يمكن تبريره من قبلهم وعدوا ذلك بتصرف شخصي من قبل المتظاهرين البعثيين.
ولكن هناك حقيقة يجب الأشارة اليها وهي لم يكن لنا دور مباشر في حل الأزمة مع الكرد فقد كان البعث يرفض أي وساطة مباشرة من قبلنا فكنا نتابع سير المفاوضات عن قرب وعن طريق مكرم الطالباني نوصل ملاحظاتنا للقيادة الكردية وكثير ما كانوا يستجيبون لمشورتنا التي تصب في مصلحتهم.
محاولة انقلاب عبدالغني الراوي
من المعلوم ان عبدالغني الراوي معروف انه احد اقطاب القوى العسكرية والقومية والمعروفة بتوجهاته المعادية للحزب الشيوعي العراقي فهو من قادة انقلاب الثامن من شباط 1963 والمعروف بعدائه للشيوعيين وترأس المحكمة التي أعدمت عبدالكريم قاسم وطه الشيخ احمد والمهداوي وهو من الذين أيدوا سحق الشيوعيين.
ولكن يبدو ان المثل السائد والمعروف ان الثورة تأكل أبنائها وينطبق عليهم المفروض ان الانقلابين بدأوا يأكلون أنفسهم،من خلال التكتلات فيما بينهم،فهو كان يشغل قبل 17 تموز منصب نائب رئيس الجمهورية،ولكن بعد تنازل عبدالرحمن عارف عن الحكم كان يعتقد انه ستكون له الحظوة كما في السابق ولكن بعد محاولات لاعتقاله هرب الى ايران حيث استخدمه الشاه هذه المرة ورقة ضغط على حزب البعث بعد ان خسرت ورقة الكرد فجمع البعث بجانبهم المعارضين لحكم الشاه ومن بينهم رئيس السافاك السابق تيمور بختياري بهذه الموازنة كان كل طرف يعد محاولة لقلب نظام حكم الآخر،فبدأ عبدالغني الراوي يتصل بمجموعة من الضباط المناوئين للبعث ومع القيادة الكردية المتمثلة بالبارزاني الذي رفض التعاون معهم،ومن خلال اتصالاته التقط السوفيت محاولة الراوي لاقتحام القصر الجمهوري بدورهم اخبرونا بتلك المحاولة وسلمنا خطة الانقلابيين للبعث عن طريق مكرم الطالباني للبكر شخصياً وهو ما اثار غبطته.
يبدو ان السوفيت من توصيلهم نبأ محاولة الانقلاب من خلالنا غايتها ترطيب الأجواء بيننا وان نبين لهم حسن نيتنا تجاههم،في الوقت ذاته ان الراوي لم يتصل بنا لا من قريب ولا من بعيد وان طرح علينا الفكرة لرفضناها لمعرفة ميوله العدائية تجاهنا.
الحلقة الثالثة عشر
لقاء البكر -صدام قبل المؤتمر الثاني
ذكرت ان لقاءاتنا كانت مستمرة مع نظام البعث وذلك عن طريق مكرم الطالباني وعن طريق عامر عبدالله لكن كان مكرم الطالباني اكثر اتصالاً بالبعث بحكم وجودة في منصبه وسهولة الاتصال به على الرغم من سهولة حركتنا كشيوعيين على الساحة،وكنا كطرفين نتواصل من خلال مكرم ونوصل رغباتنا كطرفين يمهدان للتحالف الذي بدؤوا يبحثون عنه.
لم تكن لي اتصالات مباشرة مع البكر ولا أي من مسؤولي البعث الا قبل المؤتمر الثاني للحزب الشيوعي في آب 1970 أي قبل انعقاد المؤتمر وكان موضوع النقاش هو ضرورة التحالف بين الجانبين وأرادوا معرفة رأي الحزب فكان الوسيط الذي رتب لنا اللقاء والذي أكد لنا على الحفاظ على سلامتي وهل امانع من وجود صدام حسين مع البكر في الاجتماع ام يقتصر الاجتماع علينا فقط فأبديت له انه من حقه ان يختار من يرافقه وأبديت عدم ممانعتي لذلك الأمر وفي الوقت ذاته ان اغلب قيادات الحزب الشيوعي العراقي كانت في منطقة كردستان للتحضير للمؤتمر الثاني.
جرى الاجتماع في أحد المنازل القريبة من القصر الجمهوري وكان البكر يرافقه صدام أبدى البكر بالترحاب بنا ومن ثم ابدى رغبة بالتحالف بيننا فأبديت له استغرابي وفي كل يوم يعتقل مجموعة من الشيوعيين او يغتال قيادي في الحزب الشيوعي بصورة غريبة،فتدخل صدام في هذه اللحظة وقال ان الجماعة الأخوان يقصد(الشيوعيين) مصورين العراق للعالم على انه معتقل.
فتدخلت لأبدي برأيي قلت له سأعطيك أسماء اثنين من كوادر الحزب الشيوعي العراقي اعتقلوا قبل مدة ولا نعرف مصيرهم فقال من قلت له كاظم الجاسم وعزيز حميد ففي أّثناء ذلك أتصل صدام بشخص يدعى “أبو حرب” وسأله عن الاثنين وبعد برهة من السكوت قال أعطنا أسماء غيرهم فأستنتج أنهما صفيا،وأنقطع اللقاء الذي أستمر لأكثر من ساعتين وعرفت من خلال مداخلات صدام حسين انه الشخص الثاني بعد البكر،وبعد ذلك نقلت ما دار في الاجتماع الى المؤتمر الثاني و كان رأي الجميع ه بضرورة الانتظار وعدم الاستعجال بأي تحالف يكون في غير صالحنا في الوقت ذاته.
التقارب السوفيتي ومفاوضات النفظ
كان حزب البعث يبحث عن تقارب تقارب سوفيتي لأسباب تكون موضوعية وهي ان الغرب وبسياستهم الداعمة لإسرائيل لاسيما بعد حرب الخامس من حزيران 1967 قد احدث ردود فعل كبيرة لدى الشارع العربي وسخط على الدول الغربية لمساندتها إسرائيل وهو ضمن الأولويات التي فكر بها نظام البعث في العراق،فهو من جانب له تجربة لا يمكن نسيانه من خلالها وما قيل انهم جاءوا بقطار أمريكي حسبما يقال انه نسبت لعلي صالح السعدي،فمن الصعب أقامة أي تحالفات مع الغرب في الوقت الحالي.
فبدأ البعث يدغدغون مشاعر السوفيت بإتباع نهج يوحي بالاشتراكية والتقارب و وأد سياسة الماضي لاسيما مع القوى الوطنية من بينها الحزب الشيوعي العراقي فأصبح الطريق ممهداً لمثل ذلك التقارب،ولكن هل كان هدف البعث من التقارب مع السوفيت من اجل استدراج الغرب لإقامة علاقات بين الجانبين ام ان المصلحة تقتضي تقارب سوفيتي كونه احد القطبين الرئيسيين في العام بعد الولايات المتحدة الأمريكية،فثمنا ذلك التقارب بين العراق والاتحاد السوفيتي و وصفناه في بيان لنا انه خطوة بالاتجاه الصحيح وهو ما كنا نطمح اليه فالسوفيت معروفين بمواقفهم تجاه قضايانا الوطنية وعلى رأسها الموقف الداعم للقضية الفلسطينية وتحديهم للدول الغربية بعدوانها على مصر في عام 1967.
والشيء الثاني ان نظام البعث من جانبه بدأ البحث عن حليف قوي يمكن ان يسانده من اجل البدء بمفاوضات النفط وتأميمها لأنها أصبحت من ضمن اولوياته التي أعلن عنها عند وصوله للسلطة،فإن النفط في حقيقته أصبح مثل البندقية بيد من يطلق النار ولكنه في الحقيقة أصبح وبالً علينا وعلى الشعب الكردي بالدرجة الأساس فعن طريقهم بدأت الدول الغربية تتدخل بقوة وبدعم بالسلاح والمال ممن اجل الضغط على الحكومة لتقديم تنازلات للدول الغربية وهو ما سيتحقق لهم فيما بعد والتخلي عن دعمهم للكرد.
فبعد التأميم وقفنا الى جانب قرار الحكومة وان اختلفنا معها لأنه قرار يصب في مصلحة الشعب العراقي ككل بالرغم من البعث استخدمه وسيلة لزيادة رصيده الشعبي او زيادة الماكنة العسكرية ليوجهه فيما بعد تجاه الكرد في حرب لم يحصد الجانبان منها إلا الخسارة البشرية والمادية.
الحلقة الرابعة عشر
مساهمة الحزب الشيوعي في الوزارة
في ظل سياسة التقارب بين الطرفين الشيوعي-البعثي وطرح العديد من المبادرات من أجل التحالف ولكنها كانت تصطدم بالكثير من المعوقات يأتي في مقدمتها التوجس من نية البعث الصادقة ازاء التحالف مع الحزب الشيوعي العراقي فهو في كل حوار سرعان ما يدر ظهره للجانب الأخر الذي يلتمس فيه صعوبة التعامل وهذا بدأ يطفو على السطح بعد توقيع بيان 11 آذار حيث بدأت الخلافات بين الجانبين تبدو شاخصة للعيان.
ومن جانب آخر ان حزب البعث من جانبه طرح ميثاق العمل الوطني في نهاية عام 1971 ولكننا اعترضنا على الكثير من فقرات الميثاق لكونه يؤكد دور حزب البعث في قيادة العراق وبهذا فان مشروع التقارب لم يكن يجدي نفعاً.
فارتأينا أن نراقب عمل البعث وجديته في نهجه فوقع بيان اذار مع القيادة الكردية ووقع ميثاق تعاون من الاتحاد السوفيتي يعد العدة لتأميم النفط العراقي،فحاولوا شاركنا في الوزارة بكل الطرق ورفضنا المبدأ لأن الاشتراك في الوزارة لا يعني لنا شيء بما هو اهم منها وهو التحالف المتساوي الذي يضمن لنا استقلاليتنا السياسية والفكرية،وفي محاولة منهم لذلك تم استيزار عزيز شريف لوزارة العدل وهو ما رفضناه بقة في ظل اعدامات متواصلة ضد خصوم البعث بحجة شبكات التجسس والتي راح ضحيتها العديد من الوطنيين المعروفين بنزاهتهم السياسية والفكرية،وطلبنا من عزيز شريف الرفض ولكنه لم يستمع لنصيحتنا فأصدرنا بيان للنأي بالنفس بأنه لا يمثل الحزب الشيوعي العراقي وانه مستقل بالرغم من ان عزيز شريف عضو في الحزب الشيوعي العراقي.
وفي ضوء التطورات أصبحت خطى التقارب اقرب من خلال تفهم ثقلنا السياسي فطلب منا اختيار شخصين من حزبنا ليكونا ممثلين في الحكومة وهو على ما يبدو انهم استفادوا من التجربة السورية وإشراك الحزب الشيوعي السوري في الوزارة وان يكن احد الوزارة وزير دولة والثاني لوزارة أخرى،فوقع الاختيار في المكتب السياسي واللجنة المركزية على كل من عامر عبدالله ومكرم الطالباني لكونهما شخصيتنا معروفتان من الجميع من البعث بدرجة أساس فهما فاوضا البعث خلال تلك المرحلة فكان مكرم موظف حكومي وعامر عبدالله له من المؤهلات العديدة ليقع عليه الاختيار وتم دون علمهما بذلك فأخبرت كلاهما ان الاختيار وقع عليهم في اجماع قيادة الحزب وتم استيزارهما في نيسان 1972 مكرم لوزارة الري عامر عبدالله وزيراً للدولة.
دور السوفيت في التقارب الشيوعي-البعثي
حاول الكثير ان يبدي موقفه عن تأثير السوفيت واملأهم رغباتهم علينا وهو امر يمكن دحضه في مواقف كثيرة منها ان ايحاءات من السوفيت بضرورة التحالف مع القوى البرجوازية الوطنية والتي تنتهج الاشتراكية نهج لنظامها ومن بين تلك الأنظمة نظام حزب البعث العربي الاشتراكي ومن هو على شاكلته ولكننا بقينا نساير البعث ونراقب سياستهم هل يسيرون في التطور نحو الاشتراكية.
في حقيقة الأمر ان السوفيت عملوا جاهدين في حل الكثير من الملفات العالقة من بينها ملف القضية الكردية حيث كان يغني بريماكوف مبعوث من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي يتابع تطور المفاوضات بين الحكومة والكرد وكان يناقش سير المفاوضات مع مكرم الطالباني وتمكنوا من ايجاد صيغة تحاوريه بين الجانبين.
أضف الى ذلك ان السوفيت عملوا على مؤازرة العراق داخلياً لاسيما اثناء مفاوضات النفط مع الشركات الاحتكارية والتي عملت من جانبها على تقليل اسعار النفط تارة والتهديد تارة اخرى فكان للسوفيت دور مؤازر للعراق اضافة لدفاعهم عن العراق خارجياً.
بالنسبة لدور السوفيت في تقرير سياستنا نحن نقرأ مواقفهم وليس بأيعازاتهم،وأكد القول اننا لم نتأثر بتلك الإيحاءات لكون نحن من يحدد الموقف في ظل الوضع العام الذي يعشه حزبنا لا السوفيت،نعم نسترشد بنظرياتهم وطروحاتهم وفق محددات من بينها هم اصحاب تجربة طويلة،فهم كانوا دوماً يؤكدون على ضرورة التقارب وفق ما نراه نحن يخدم حزبنا ولا انكر دور مصالحهم المتبادلة لها دور في ايجاد تفاهم مع النظام.
الحلقة الخامسة عشر
الجبهة الوطنية والقومية التقدمية
بعد مفاوضات طويلة اصبح من الضروري وضع اللمسات الأخيرة للجبهة لاسيما وان العلاقة مع القيادة الكردية اصبحت في وضع لا يحسد عليه من التباعد،ووصلت الصيغة النهائية للجبهة على ذكر الدور القيادي لحزب البعث بعد ان كانوا يؤكدون على ضرورة قيادة حزب البعث للجبهة.
ومن جملة ما ركزنا عليه هو ضرورة ان لا يكون التحالف مقتصراً علينا نحن الشيوعيين والبعثيين بل يجب دخول البارتي للجبهة لكونه سيعزز من مكانة الجبهة دون ان يستأثر البعث بالجبهة وهو يقوي من مركزنا كم يقوي من مركزهم هم كنا نعد الحركة الكردية الدعامة الرئيسية لقوتنا في الوقت ذاته للمشتركات العديدة التي تجمع بيننا،ولكن تعثر العلاقات بين الطرفين حال دون تحقيق ذلك وبالرغم من وصول العديد من الرسائل من القيادة الكردية بعدم التوقيع على ميثاق الجبهة مع البعث،ورأينا ان هذا الأمر هو قرار يخص البعث كما كان توقيع اتفاق اذار يخص الكرد انفسهم دون ان يصروا على اشراكنا في الحوار بشكل رسمي.
فقال احد قياديي الحزب الديمقراطي الكردستاني عن بداية تقاربهم مع البعث وهو يخاطبهم “نحن امتداد لكم في الشمال وانتم امتداد لنا في الجنوب”،وهذا الموضوع أثرته مع الأخوة في حزب البارتي وقلت له ونحن اين موقعنا كحزب ولنا تفاهمات وتحالفات معكم.
أن احد الأسباب لتقارب الحزب الشيوعي العراقي مع البعث هو مسألة بقائنا لوحدنا بعد التفاهم الحكومي –الكردي وهو ما اضعف موقفنا ولهذا في البداية لم نتحالف مع البعث من موقف الضعف،ولهذا طالبنا البارتي حتى لحظة التوقيع على ميثاق الجبهة ان تدخلوا الجبهة ومن خلالها يمكن ابداء جهات نظركم ولكنهم رفضوا الفكرة وأصروا على انتظار تنفيذ بيان 11 اذار على ان لا يخطو أي خطوة نحو الجبهة فرأينا ان هذا الأمر لا يصب في مصلحتنا كحزب.
أن سبب إصرارنا على دخول البارتي للجبهة هو من اجل تحصينها ضد سياسة الارتداد البعثي المفاجئة فالبعث اصر على عقد الجبهة بأي ثمن من اجل تحصين جبهته الداخلية بعد انفراط تحالفهم مع الكرد،نحن دخلناها بعين الشك وبعين اليقين بحسن النية.
انتقل الأمر من التفاهم الحكومي الى التفاهم داخل الحزب الشيوعي العراقي وضرورة قبول المكتب السياسي و اللجنة المركزية على الدخول في الجبهة وعندما بدأ التصويت بصدد ذلك كانت اللجنة المركزية منقسمة على نفسها حول عقد التحالف بين رأي مؤيد وآخر معارض عندما عرضت قضية الانضمام الى الجبهة مع البعث اعترض الكثيرون على الفكرة من حيث المبدأ وطالبوا بترك هكذا نقاش وعندما طالبت بالتصويت على الموضوع صوت بجانبه سبعة من اعضاء اللجنة المركزية وعارضه ثمانية،وعندما رفض المقترح طالبت اعضاء اللجنة المركزية بان القرار اصبح ضرورة ملحة لحزبنا وإظهار حسن نيتنا امام البعث بأننا نؤيد سياستهم التقدمية ولا يجب ان يبقى في السر والذي لم تجني منه قواعدنا أي نتائج مثمرة وعندما كررنا التصويت انتقل صوت احمد باني خيلاني من صفوف المعارضة الى الموافقة على انعقاد الجبهة بالرغم من حدث بلبلة داخل اجتماع اللجنة المركزية وعلى رأسهم بهاء الدين نوري عد الجبهة بمثابة انتحار للحزب الشيوعي العراقي.
الحلقة السادسة عشرة
العمليات الحكومية في شمالي العراق
بعد التوقيع على بيان 11 اذار 1970 دخلت العلاقات بين الطرفين بطريق مسدود لإصرار كل طرف على ان يملي رغباته دون ان تكون هناك نية حقيقة بين الطرفين للمضي في تحقيق ما توصلوا اليه خصوصا محاولات الحكومة المستمرة باغتيال الملا مصطفى البارزاني المتكررة ومن بينها محاولة اغتيال لقيادات كردية واستمالة ابناء البارزاني ضمهم في الحكومة وهذه كلها من معوقات التفاهم بين الطرفين.
من جانب أخر بدأت الحكومة بعد فورة اسعار النفط والإمكانات الاقتصادية الهائلة تجيرها لصالح المنظومة العسكرية،وبدأت القيادة الكردية من جانبها تبحث عن وسائل الاتصال الخارجي للحصول على الدعم العسكري وما اصبح فرصة للإيرانيين الامريكان للتدخل في الملف الكردي للضغط على الحكومة فأصبحت المواجهات قائمة لا محال.
وفي ظل تأزم الوضع الحالة العامة والتي بدأت بقتل 11 عشر طالباً من الشيوعيين العائدين من الدراسة الحزبية من موسكو من قبل عيسى سوار بعد موافقة البارتي على السماح لدخولهم ولكننا تفاجئنا بقتلهم ،رافقها مضايقات على مقرات الحزب الشيوعي العراقي وعلى الشيوعيين انفسهم في كردستان فبدأوا بعمليات اطلاق النار على المقرات واغتيالات في صفوف الشيوعيين غايتها اخلاء مقرات الشيوعيين كوننا اصبحنا في تحالف مع خصمهم الحكومة وأبدينا في البداية عن استنكارنا لهذه الحوادث وأجرينا اتصالات مع القيادات الكردية،طالبنا مسعود البارزاني بعد المضايقات التي تعرضت لها مقراتنا فكان رده هو ماذا نفعل لكم كاحتجاجات الصين ضد الجود الأمريكي،وتعاظمت تلك الأزمة والتي رافقها عمليات عسكرية حكومية على مناطق كردستان بعد اقرار الحكومة قانون الحكم الذاتي في 11 اذار 1974 والذي عده الكرد ان هذا القانون قد جاء من جانب واحد دون ان يكون للبارتي أي رأي في ذلك ومعترضين على القانون كونه يكرس سيطرة الحكومة بعد سياسة التعريب في المناطق الكردية وهو ما اثار الحركة الكردية.
بعد المواجهات العسكرية اصبح موقفنا في غاية الصعوبة بين مؤيد للعمليات العسكرية وبين معارض لها وبالرغم من وساطة اجريناها مع القوى الكردية ولكنها لم تفت في عضدهم لكون الوضع اصبح في غاية الحرج بعد الشحن الخارجي لرفع راية الحرب،بموجب اتفاقنا مع البعث الجبهوي ايدنا الحرب الحكومية على القيادة الكردية والسبب في ذلك هو التدخل الأجنبي لتحريك ملف الحركة الكردية،ومن جانب أخر حمل الشيوعيين السلاح مع القوات الحكومية ولكن ليس بالصورة التي نقلت فكانت امكانياتنا في التسليح محدودة،وكان موقف البعث من جانب اخر هو ضرورة وقوفنا معهم بموجب التحالف بيننا.
باستمرار العمليات العسكرية فانه لم يكن هناك رابح من تلك المواجهات مما اضطر نظام البعث بعد وساطة الجزائر لعقد اتفاقية الجزائر في عام 1975 والتي بموجبها تنازل العراق عن حقوقه الإقليمية في شط العرب مقابل كف الشاه عن دعم الحركة الكردية وهو ما تحقق وسرعان ما انهارت الحركة الكردية بصورة مفاجأة دون تبليغ من جانب ايران للقوى الكردية وعادين ذلك شأن داخلي بالنسبة لإيران،وهم بهذا خسروا التفاهم الداخلي فالكرد خسروا الحرب والحكومة خسرت مناطق نفوذها في شط العرب.
تجميد منظمات الحزب الشيوعي العراقي
بعد اتفاقية الجزائر تمكنت الحكومة من انهاء الحركة الكردية التي اثقلت كاهلهم وأصبح الطريق ممهداً للبعث لبسط نفوذهم على ارض الواقع بعد خلو الساحة من أي معارضة يتوقعنها فالكرد انسحبوا من اراضيهم باتجاه الأراضي الإيرانية وتمكن الجيش العراقي من الدخول للمناطق الكردية.
بهذا لم يكن هناك أي قوة للمعارضة با استثنائنا نحن الحليف الجبهوي فبدؤوا اولاً بسحب الأسلحة من المقاتلين الشيوعيين الذي قاتلوا مع القوات الحكومية في مناطق كردستان بحجه انتهاء العمليات العسكرية،كنا نتوقع سياسة الارتداد البعثي بين اونة وأخرى لاسيما بانتهاء الحركة الكردية فعملنا على اخفاء بعض الأسلحة لاستخدامها في اوقات لاحقة سنكون مضطرين لحملها.
اول سياسة الارتداد طالبنا البعث بضرورة دمج المنظمات والنقابات الشيوعية في منظمات ونقابات حزب البعث،وبعد مناقشات داخل الحزب الشيوعي العراقي رأينا من المصلحة ان نجمد منظماتنا الجماهيرية وان ندخل بقوة بصفوف المنظمات الحكومية على اساس التحالف القائم بيننا،وفي الحقيقة ان الهدف من التجميد هو من اجل الحفاظ على الكوادر الحزبية بدلاً من المجابهة.
الحلقة السابعة عشرة
سياسة الارتداد البعثي
يبدو ان البعث كان مصراً على نهاية التحالف مع الشيوعيين وهذا يعود للحشد الجماهيري والقوة التي مثلها تنظيمات الشيوعيين كوادرهم وصحافتهم التي وصلت اضعاف جريدتهم “الثورة” وهو ما ثار من سخط البعث حيث بدأوا يوجهون النقد لحزبنا بأننا نعارض نهجهم ونعمل على تعطيل عجلة التقدم الاقتصادي بانتقادنا لسياستهم العامة من خلال صحافتنا.
وفي ظل سياسة التراجع بدأ حزب البعث من جانبه يعمل على تبعثيث المجتمع العراقي وهو ما ثار من حفيظتنا ،وفي ظل سياسة التراجع التقيت بصدام حسين وشرحت له تدهور العلاقات بين الجانبين فأشار ان الشيوعيين يريدون من الجبهة ان لا تكون وسيلة للتحالف وإنما وسيلة للوصول للسلطة وسألته كيف فبدأ يثير قضايا لا اساس لها من الصحة وعندما اوضحت له لا زال العراق دون تشريع الحياة الديمقراطية وسن دستور دائم غيرها،فأبدى امتعاضه من ذلك وتحدث عن سياستهم في المرحلة الراهنة والتي تحتاج لمزيد من التقدم وكان يتكلم وكأنه الشخص الأول في الحكومة فخلال نقاشي مع ابدى بعض الكلمات اشار فيها “انا املك صلاحيات رئيس الجمهورية ورئيس الجمهورية لا يملك صلاحياتي”،وبهذا ايقنا ان التحالف وصل لطريق مسدود بين الجانبين.
اعدام العسكريين الشيوعيين ونهاية الجبهة
بعد سياسة التراجع كان حزب البعث يريد من انعقاد الجبهة ان تكون واجهة لنظامهم وان نؤيد جميع قراراتهم ولا نعارض في اجتماع مشترك للجبهة وبحضور صدام حسين ابديت امتعاضي من ذلك الأمر وقلت ان النقاش داخل الجبهة يجب ان يأخذ مبدأ الإجماع لا مبدأ التفرد وقلت له نحن لا نستطيع ان نكون واجهة “زنا” لنظامكم.
وكانت قرارات الجبهة عندما يصدر القرار نرتئي ان لا نوقعه باسم حزبنا بل من وكالة الأنباء العراقية لنكون بمنأى عن أي قرار لا يتفق مع سياستنا وعندما حدثت احداث خان النص في عام 1977 سرعان ما غير نهجه تجاهنا وبدأ يستنجد بنا كحزب حليف لا حزب يعمل من اجل تقليصه وتحجيمه.
وكان القرار المهم هو اجتماع اللجنة المركزية في اذار 1978 للمطالبة وبإصرار من البعث على ضرورة وقف حملات الاعتقالات الشروع بإشاعة النظام الديمقراطي كان الاجتماع في حقيقته في غاية القسوة على البعث لأنه وجه لهم نقداً لاذعاً،وهو ما تبين من خلال الرد علينا في صحيفة الراصد التي بدأت تتهجم على حزبنا وطالبنا البعث بضرورة انتقاد اجتماع اذار 1978 والتخلي عن افكاره وما عارضناه بشده.
فأرد حزب ان ينهي التحالف بأي طريقة فأختلق له مسالة اقامة الشيوعيين على تنظيمات داخل القوات المسلحة وقام بإعدام 31 من العسكريين الشيوعيين بحجة انهم يقومون بالإعداد لمحاولة انقلابية ولو رجعنا لجذورهم العسكرية نجد بينهم الجندي المكلف و الرياضي دون ان يكون هناك أي تنظيم لنا داخل الجيش وهي حقيقة لا اريد ان اغاير بها الحقائق نحن لم نملك أي تنظيم داخل القوات المسلحة وهم يعرفون ذلك،والغريب انهم قاموا بتسيير الشهداء من امام مبنى مقر الحزب الشيوعي العراقي كدليل على التحدي والاستهانة.
لم نكن نملك أي موقف سوى المناشدات بضرورة وقف التدهور مع البعث كانت هناك مناشدات من دول صديقة وأحزاب شيوعية والتي عدها حزب البعث انها تدخل في الشأن الداخلي العراقي وعجل بالإعدامات.
وبالرغم من محاولتنا الى ان نعقد اجتماع للجبهة ومناقشة موضوع الاعدامات ولكنهم رفضوا ذلك وعن طريق عامر عبدالله الذي حاول الاتصال بالبكر لثنيهم عن قرارات الاعدامات ولكنه كان لا يملك أي قرار بوقف الاعدامات بعد ان حجم دوره بسيطرة صدام على مقاليد الحكم.
خطيئتنا الكبرى ليس في تنازلنا للبعث وإيماننا بتجربته ولكن أننا متحالفين مع نظام فاشي كان همه الحفاظ على السلطة باي طريقة فكان قادته يؤكدون في لقاءاتهم على ضرورة تطوير الجبهة بيننا،والتي كانت لدينا اوهام بخصوص تطوير الجبهة ونحن كنا في شك من سياستهم وهو ما قالته صحيفة الراصد عن نهجهم المعادي لنا.
اسقاط الدكتاتورية
كانت هناك محاولات لإعادة الجبهة الوطنية الى حيز الوجود بالرغم من ان محاولاتنا كانت تدعو للمحافظة على الجبهة الوطنية وكان صلة الوصل هذه المرة مكرم الطالباني وحمل لنا رسائل عديدة من البعث توضح وجهة نظرهم حيث انني كنت في وقتها خارج العراق في زيارة لليونان بمناسبة انعقاد المؤتمر الشيوعي اليوناني ووصلني ايعاز بضرورة عدم العودة للعراق لكون الطريق اصبح مسدود بين الجانبين.
فكان يدير الحزب في بغداد كل من مكرم الطالباني وباقر ابراهيم وكان هدفنا هو البقاء على الجبهة وإصدار صحيفتنا طريق الشعب بالقدر الممكن من اجل الحفاظ على الكوادر الحزبية خوفاً من الاعتقالات التي بدأت تطالهم في ضوء نهج الحزب وسياسة التراجع المنظم ومغادرة اكثر كوادره للخارج وقدم كل من مكرم الطالباني وعامر عبدالله استقالتيهما للبكر دون ان يكون هناك رد في محاولة لعودة الجبهة ولكن وفق ما يريدوه هم.
كان من اهم المخاوف التي اثارت البعثيين هو الانقلاب الشيوعي في افغانستان ودور الاتحاد السوفيتي في دعم الانقلاب الشيوعي كانوا خائفين من تكرار الموقف في العراق اضافة للثورة الايرانية في ايران في عام 1979 والتي كنا مؤيدين لها فعجلت بنهاية التحالف بين الطرفين.
فبعد اجتماع الكوادر الحزبية في الخارج عقد اجتماع في تموز 1979 في مدينة براغ يدعو الى “اسقاط الدكتاتورية” لاسيما بعد وصول صدام حسين الى السلطة بتنازل البكر له عن الحكم.
الحلقة الثامنة عشرة
الحرب العراقية-الإيرانية
نحن بهذه القضية كما ايقن لم نرتكب خطيئة،فبعض الأوساط الاخرى لا أرى من الضروري ذكرهم كانت تشير عكس ذلك،نحن ضد الاعتداء على بلدنا بصرف النظر على من يحكم حتى رفاقنا كانوا يقولون انهاء الحرب بإسقاط النظام نحن في اجتماعاتنا وقفنا ضد الحرب قلنا نحن ضد النظام قبل الحرب وسوف نكون ضده اثناء الحرب ونقف ضده بعض الحرب.
اما نحن نراهن على استمرار الحرب على حساب الشعب العراقي على امل ان النظام يضعف وان العائلة العراقية فقدت اثنين او اربعة نتيجة الحرب وتتعمق الازمة بشكل اكثر فأكثر ونحن ضدها.
قال أحد الرفاق ان لينين كان يشير بان السلم الحقيقي هو بضرورة تغيير النظام قلت له انا لست مع ذلك الرأي،في احد الأيام قال انه مادام هذا النظام موجود فليس لدينا وطن وقلت لم نكن حاديين للجيش الايراني(الحادي الذي يقود البعير)لنكون ادلاء امامه فلم نكن وهذا دار في اجتمعنا في الشام مع احد عشر رفيقاً من اعضاء اللجنة المركزية.
عندما كانت قواتنا من الانصار متمركزة في(نوكان)ولما تقربت القوات الايرانية من ربايانا هجرنا مواضعنا الى(بشتاشان)لكن نذكر دائماً عندما يكون هناك عدوان على قواتنا كنا نحارب النظام حتى بالكلام ولكن مواقفنا هو ضد احتلال أي بقعة من بقاع العراق،أذكر في المؤتمر الرابع ان الرفيق زكي خيري قال انه يجب ان نكون مع الجيش العراقي ضد ايران قلت له كيف يكون ذلك وعاتبته عن موقفه هذا وقال هكذا يجب ان يكون قلت له هذا ليس في زمن ثورة اكتوبر حتى نوصل صوتنا الى الجندي المعادي او الجهة المعادية هذه مدافع وطائرات تتكلم كيف يمكن ان تكون لنا لغة مشتركة مع الجيش العراقي،كانت هناك داخل الجبهة الوطنية والقومية التقدمية(جوقت)كانت هناك اطراف تطالب بإنهاء الحرب بإسقاط النظام قلنا هذا بالنسبة لنا لن يمر بإطالة امد الحرب من اجل تحقيق هذه الرغبة.
بعد مدة قصيرة عندما كرع الخميني كاس السم كما يقال بوقف الحرب اثنين من الرفاق الذين يؤيدون إنهاء الحرب بإسقاط النظام قال احدهم ان شعار من شعاراتكم تحقق قلت له الباقي عليكم كمزحه.
تجميد لنشاط الحزب ضد النظام اثناء الحرب
وبالرغم من ذلك فأننا لم نجمد من نشاطاتنا ضد النظام اثناء الحرب،لم اكن أتصور ذلك الموقف مطروح لأن الجهات الحكومية هي التي كانت تحاربنا فكانت تهاجم مواقعنا بالرغم من ان مواقعنا كانت بعيدة عن القوات الحكومية وعن جبهات القتال كي لا نصطدم بهم إلا في حالة الهجوم علينا.
أتذكر ان الموقف كان مشابه للحرب العربية-الاسرائيلية وهو موقف مشابه للبارزاني وانأ سمعت منه شخصياً بأنه طلب منه ان يضرب الجيش العراقي لكي يعرقل تقدمهم الى جبهات القتال وكان موقفه الرفض لمثل هكذا طلب وهكذا كان موقفنا كذلك الرفض.
والشيء الذي يجب ذكره ان قواتنا كانت منتشرة في مناطق كردستان ولم تكن بالقوات المؤثرة بشكل كبير والتي يمكنها ان تدخل في حرب بين القوتين المتحاربتين العراق وايران.
الحلقة التاسعة عشر
أحداث بشتاشان 1983
انا اعتقد انه ما كان قدر للشهداء بل مفتعل،انا لم اكن مع الأسف الشديد موجود في كردستان كنت وقتها في الشام فقال احدهم لو كنت موجود لما حدثت تلك الأحداث المأساوية ولكني لا أريد أن اتعكز على ذلك الرأي وممكن أن يكون الرأي صحيح.
انا باعتقادي انه ممكن تجنب احداث بشتاشان ولكن الخطيئة الكبرى تقع على الاتحاد الوطني الكردستاني فالرفاق يلاحقون حتى بعد تركهم بشتاشان وتراكم الثلوج وفي مناطق صعبة التنقل وكان على راسهم كريم احمد الداود وعمر علي الشيخ،وكان لنا ان نتجاوزها بطريقة أو أخرى ولكن أكرر أن الخطيئة تقع على الاتحاد الوطني الكردستاني.
السبب المباشر لبشتاشان
ان سبب احداث بشتاشان هو ان الاتحاد الوطني الكردستاني رفض تحالفنا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني(البارتي)ودخولنا مع في جبهة عرفت بـ(جود)بالرغم من البارتي لم يكن بقتال مع الاتحاد الوطني وفسر الاتحاد الوطني من جانبه اننا منحازين للبارتي وهو عدوهم لكونهم كانوا اعداء فيما بينهم؟.
فهم من جهة أخرى رفضوا دخول البارتي لـ(جوقد)مما اضطرنا لإقامة تحالف ثنائي مشابهة لبنود(جوقد)،ان علاقاتنا الطيبة مع كل الاطراف السياسية وليس بحجم ما نملكه من قوة بشرية وعسكرية قوتنا كانت تصوراتنا السياسية ومواقفنا علاقاتنا المتوافقة مع كل الاطراف السياسة الأخرى.
مثلاً موقف الاتحاد الوطني الكردستاني من البارتي نحن لم نكن نشاركهم الرأي حتى عندما عقدنا(جوقت)في الشام تمنيت ان يكون البارتي موجود من ضمن الجبهة وهم كانوا معارضين لوجودهم ولكننا سجلنا موقفنا.
نحن بعقدنا(جود)لم نعقدها مناكفة من الأخرين ولكنها من منطلق الحاجة الصرفة كنا نعتقد ان البارتي لازال قوة وطنية وزخم للحركة الوطنية ضد النظام الاستبدادي في العراق،كيف نشطب هذه القوة بقرار من طرف اخر فنحن لم نماثل الاخرين عندما وقعنا على (جود)لم اكن في كردستان آنذاك ولكني أيدت عقد (جود) لأننا بعلاقاتنا مع البارتي لم نختلف مع اهداف (جوقت)خلافنا كان بدخولنا التحالف مع البارتيون الامر الذي مرفوض من الاتحاد الوطني الكردستاني فلوا اطلعوا على بنود(جود) فأنهم ما كان ان يعادونا وممكن يعاتبونا لو كان الأمر مخالف لبنود التحالف معهم. وهذا الأمر اذكره عندما كنا في (نوكان)أصدرنا أحد البيانات مع البارتي وعبرنا من خلاله عن الفكرة القائلة أنه ما ان ينضم البارتي لـ(جوقت)فلم تكن هناك حاجة لـ(جود)،هذا دليل على تشابه بنود الجبهتين،ولكن اسباب خلافهم انعكس على مواقفنا.
وفي سوريا التقيت بمام جلال الطالباني بعد احداث بشتاشان وما سببته تلك الأحداث من صدمة كبيرة علينا،فمام جلال كان متألماً من ذلك التحالف الذي عقد مع البارتي قلت له أنت يجب ان تأتمن في علاقتك معي لكن لا تصادر رأيي وقلت له اللي يريد ان يستهدفك يمر على جنازتي فعلاقاتنا يجب ان تكون هكذا وقلت له لا تصادر رأيي فبعد ذلك أنا لا أخدمك بشيء وقلت له وأنت كذلك يجب أن يكون موقفك تجاهنا هكذا.
ففي احد اجتماعاتنا كتب مام جلال رسالة لنا قال يجب ان يكون تحالفكم بعلم الاتحاد الوطني الكردستاني ونحن لم نرد عليهم بذلك لكونهم ارادوا ان يكونوا مطلعين على نشاطاتنا وعلاقاتنا.
المؤتمر الرابع وتكريد الحزب الشيوعي
بعد خروجنا من العراق وانهيار الجبهة الوطنية والقومية التقديم اصبح من الضروري عقد مؤتمر للحزب واتفقنا على تقليص أعضاء اللجنة المركزية الى(15)عضواً وهذه في الحقيقة رأي جماعي ومع هذا الرأي تطعيم اللجنة المركزية بعناصر جديدة وان تكون بمثابة قيادة الظل وعددهم يكون(10)أعضاء وكلفت باختيار العشرة انا بدوري وضعت قائمة في اجتماع اللجنة المركزية قبل تقليصها وطلبت منهم أن نضعهم في قيادة الظل وهم طلبوا مني ان اختارهم ولكني عرضت الامر عليهم للإطلاع على الاختيار.
في ذلك الوقت كنا نريد ان تكون الهيئة القيادية سرية ،بالرغم من انه كانت هناك نزعة انتشرت هو ان محاولة التقليص هدفها(تكريد الحزب)ما كان يجري ان الحزب الأممي عندما يختار لقيادة الحزب لم يكن على حساب ديانته وقوميته لم نفكر بهذا الموضوع مطلقاُ.
ولكن مآسي العراق لاسيما بعد انقلاب 8 من شباط 1963 أستهدف العناصر العربية،لكونهم كانوا تحت حكم المركز فخلال الانقلاب لم يستهدف من الكرد بقدر ما استهدف من العرب ومن القيادة الحزبية استهدف من الكرد سوى جمال الحيدري ونافع يونس وانا كنت في كركوك وسرعان ما انتقلت الى كردستان وطالبت كل القياديين بالانسحاب نحو المنطقة الكردية من اجل تقليل الخسائر وهو بالفعل ما حدث من تمكن من الانسحاب وعدم الوقوع في قبضة الأمن.
ولكن هؤلاء الذين أبيدوا هم من العنصر العربي على الرغم من الوشاية التي جاءت من عناصر كانت محسوبة على الشيوعيين ولكنها لم تطال المنطقة الكردية بسبب خصوصيتها السياسية والجغرافية. وباختلال التوازن لغير صالح العنصر العربي نحن لم نكن نفكر بهذا الموضوع بهذا الصورة فلذلك العشرة التي فكرنا بها لقيادة الظل في ظل العمل السري وكل واحد ان يقع الاختيار عليه ان يكون بموافقة اللجنة المركزية وكان اختيارهم كالأتي:
1-العمر الحزبي 2-قوميتهم لكي يعاد التعادل القومي في الحزب 3-مستواهم العمري 4-مستواهم الثقافي.
من هؤلاء نختار (10)وقسم منهم صار عضواً في المكتب السياسي واللجنة المركزية ومن بينهم حسان عاكف ولبيد عباوي وغيرهم. وفي ضوء ذلك أنا أخذت برأي قيادة الرفاق الشيوعيين فسألته كيف يمكن ان نتعامل مع هذه الظاهرة وبالأسماء السرية قال احدهم ان حتى رفاقنا أسمائهم غير معروفة سرية في الظروف يقول الدين الحاجة والاضطرار يحلل الحرام،اخترنا هؤلاء على ان يقترن بموافقة اللجنة المركزية. في حينها ترك كحمل ثقيل على عاتقي ولكني لم أخن هذا الحمل الثقيل وكان بعضهم قياديين وقلنا يجب ان يكونوا بهذه المواصفات وإنا كنت قد عملت هذا الجرد واخترت الذي فيه المواصفات اعلاه.
الحلقة العشرون
اقصاء الجيل القديم
هذه لم تكن تصفية كما يسموه وكما يحلو لهم وقال ـحدهم أنت قمت مثلاً بطرد بهاءالدين نوري من الحزب انا لم اذكر بحياتي بمحاسبة لرفيق لطرده من الحزب وقال بعضهم عني بهذا الخصوص،لكوني اعني ماذا يعني طرد انسان من حزبه وهو يقضي حياته من اجل حزبه.
انا لم اكن مع الاستثناءات لبقاء او طرد أي حزبي اما بالنسبة للهيئة القيادية كانت حوالي(31)عضواً طرحنا على المؤتمر ان يختار نصف هذا العدد. لم نسم أي واحد من اعضاء اللجنة المركزية، كنا نحتاج الى (15)عضواً للهيئة القيادة وهذا ما اتفقنا عليه في اجتماع اللجنة المركزية قبل المؤتمر وطرحنا(31) على المؤتمر لكي يختار(15)عضواً والهدف هو من اجل العمل السري انا تألمت لعدم اختيار زكي خيري وعامر عبدالله فأنا معجب بهما ولكنهما لم يحصلا على أصوات تؤهل للفوز وكان عدد حضور المؤتمر حوالي(117)عضواً وكان الاجتماع قد تم في خيمة في كردستان.
فمن اصل( 117 )اختاروا(13 )عضو وهو اقل مما اقترحنا وهو(15)عضوا فاخترنا بعد ذلك ثلاثة ليصبح العدد(16)عضواً الى جانب العشرة الاخرين.
قصتي مع عامر-ماجد-زكي
فعند تقليص الاعضاء عامر عبدالله مثلاً لم يكن مع ترحيب المؤتمرين ولم نكن نطالب بإقصائه فقال لي عامر عبدالله لماذا لم تعلنوا اسماء الفائزين والغير فائزين وقلت له رفيق عامر هذا يتعارض مع السرية التي يجب ان يكون نشاطنا الشيء الآخر أذا اعلنا اسماء الغير فائزين فإنهم لا يكونوا مفيدين للحزب فقلت له فإذا اعلنا هذه الاسماء سنضع حجر عثرة امام محاولة الاستفادة منهم امام اعضاء اللجنة المركزية نحن نريد نحتفظ بالكفاءات قلت له يا رفيق عامر انا لا زلت اتتلمذ على يدك وقلت له انا اعني ما اقول قلت له بالنسبة له انت عامر عبدالله سواء انت في اللجنة المركزية او في المكتب السياسي او حتى عضو اعتيادي فأنت عامر عبدالله بالحقيقة هو لم يقتنع بكلامي هذا كنت اريد ان اقول له انت اكبر من ان تكون عضواً في اللجنة المركزية فقلت له مثلاً جراح على نطاق العراق ولسبب ما لم يتم اختياره عضواً في نقابة الاطباء وهذا لا ينفي ان يكون جراح على نطاق القطر فقلت له انت هكذا فقال لي عامر عبدالله دعني امتص كلمتك واستوعبها وقلت له ذلك الجراح ليس في المكتب السياسي واللجنة المركزية انت الكاتب والسياسي بالرغم من مأخذي على عامر عبدالله احياناً ولكني لا اخفي على نفسي كفاءته.
ومثال اخر عن تخوف بعض الجيل القديم من عدم انتخابهم في المؤتمر الرابع وهو ماجد عبدالرضا فقبل انعقاد المؤتمر سمع بعض الملاحظات عن عدم اختياره عضواً في اللجنة المركزية فقال لي رفيق اريد اسالك حيث كانت تثار حوله بعض المسائل ومنها التعاون مع البعث قلت له يا رفيق صحيح ان الحزب مختلف معك ببعض المسائل وقلت له أني بكل الاخص أريدك أن تبقى في الحزب واحد المأخذ على ماجد في الايام الاخيرة من الجبهة تعرض للاعتقال فطلب من احد الرفاق وهو من داخل السجن ان ينشر له مقال وبهذا ينفي تهمة الاعتقال عنه وهذا الامر صحيح كان رغماً عنه،ولكن للأسف لم يحصل على الاصوات التي تؤهله للوصول للجنة المركزية للحزب.
أما زكي خيري فكنت انظر له كأخ كبير فهو مثقف بارع فهو شديد الاعتداد بنفسه وأحيانا كنت لم أرضى عن بعض الآراء التي يطرحها،ولكني كنت اريده ان يبقى بالحزب لأنه يعني هرم القيادة لكفاءته ومقدرته بالرغم من البعض كان يعارضون جود اصوات معارضة لسياسة الحزب وكان هدفي ان لا نوصلهم للافتراق.
توجد مسألة مهمة يجب الإشارة اليها هو انه لم يكن لدينا نيه في ابعاد عامر-زكي وبعض اعضاء القيادة السابقة ولكن الوعي الانتخابي ضعيف لدينا ولازال عدم الايمان بالاختيار عدد من هؤلاء لم يأتوا بالأصوات الضرورية لكي يكونوا في اللجنة المركزية والمكتب السياسي وهذا الأمر يقع على اختيار المؤتمرين وليس على عاتق سكرتير الحزب.
لم نقصي احد نختلف معه
أقول شيء للتأريخ أبداً من هذا لم يحدث فأنا لست بإمام محاكمة لكي اخفي الحقيقة فانا اقول الحقيقة وقلت في اجتماع اللجنة المركزية نحن فشلنا في شطب نصفنا على النصف الاخر وقلت لهم نحن فشلنا وانا اترك الأمر لكم المهمة رغم ثقلها عليكم ان تقرروا انتم عددنا(31) فلدينا قرار بتقليص أنفسنا ولكن اكرر نصفنا لم يستطيع شطب نصفه الثاني وحتى اللجنة المركزية اختارا كما ذكرت(13) من مجموع(31).
ومن ضمن الذين كانت لهم مواقف مشابهه هو الرفيق باقر ابراهيم فكانت لديه مخاوف من عدم اختياره وقلت له ان هذا غير مطروح ولا اعرف سبب تلك المخاوف،فلم يحضر المؤتمر الرابع.
الفقر يصيب الجيل القديم
ذكر الكثير في مذكراتهم ان الحزب اهمل الجيل القديم للحزب وبقوا يعانون الحاجة والمرض ومن بينهم ثابت حبيب العاني وحسين سلطان صبي وناصر عبود والبعض منهم آثر الرجوع للعراق لكي ينهي معاناته.
بالحقيقة لم يكن لدي هذا الشعور أعطي مثالاً صارخ جداً البيشمركة أي شخص لم يكن حزبي ا شيوعي حامل السلاح معنا يتقاضى راتباً واحد كل الذين كانوا يستلمون نفس المرتبات الحزبية كنا نقبض شهرياً حسبما اذكر بين(5-10)دنانير لربما كنت انا اغناهم ليس لاني اقبض اكثر منهم بل لكوني لم اكن ادخن فمثلاً بعض الاصدقاء يهدي لي قميصاً او ما شاكل ذلك وكنت مقنن بالصرف جداً،وكنا نوزع الراتب المقرر من اصغر بيشمركة الى عزيز محمد مناصفة ولكننا في مسألة المعيشة لم نتدخل ولكن الحزب بذاته كان يعاني من الضنك في تلك الظروف لن امكانياتنا كانت محدودة ويعيش الحزب على المساعدات والاشتراكات.
واننا لم نقف بالضد من أي شيوعي فمثلاً حسين سلطان صبي ه احد اصدقائي المقربين وكان من المؤيد والناشط الحقيقي في تنظيم راية الشغيلة في عام 1953 في مدينة النجف آنذاك وهي أقوى تنظيمات الحزب وإثناء خروجي من العراق كان هو في براغ كونه من الهيئة القيادية للحزب وكان للمزحة كان معروف عنه بأنه كثير الكتابة والإطلاع فعندما يسألوه ماذا تكتب فكان جوابه لهم اكتب بحثاً.
البعض عندما تغير موقعه الحزبي عده انتقاص من مكانته الحزبية وهذا الامر يخالف تعاليم الحزب ان الشيوعي يبقى يعمل من داخل القيادة ومن خارجها ايضاً ولكن البعض اثر الرجوع للداخل.
قراءتي الحزبية ومهام الحزب
ذكرت فيما سبق ان الحزب الشيوعي العراقي قضى على أميتي وساهم في تثقيفي وكانت لفترة السجن الطويلة دور في تعلمي على الكثير من الادبيات الحزبية وقراءة الكثير من الكتب بعد خروجنا من الجبهة وتنقلنا بين سوريا وكردستان من اجل تنظيم العمل الحزبي فوجدت انه من الضروري ان اقرأ المزيد لكون الكثير من الشيوعيين قراءاتهم ودراستاهم أكثر مني وقلت لهم ان المسكين الذي انتخبتموه سكرتيراً للحزب وطلبت من بعض القيادات ومنهم كريم احمد الداود وسافرت الى موسكو للدراسة الحزبية،ولكن الكثير من المهام في الداخل اجبرتني على قطع الدراسة الحزبية والعودة على كردستان كان في وقتها يعقد احد المؤتمرات الحزبية في موسكو مما اجبرت على عدم الحضور لتخوفي من الطلب السريع في عودتي،وقد نقلني بهاءالدين نوري عند عودتي فقلت له ماذا يحدث فقال لا شيء لكنك تأخرت في الخارج.