شعوبية إيران تجاه العرب والتشيع

د. عماد الدين الجبوري

رغم أن إيران أستمرت على مدى ألفِ سنةٍ تقريباً وهي تدين رسمياً بالمذهب السّني، إلا أن النهج الشعوبي الفارسي فيها لم ينقطع قط. حيث يشتد أو يخفت بحسب الوضع السياسي للدولة العربية الإسلامية سواء في العصر الأموي (41-132 ه/661-750 م)، أو العصر العباسي (132-656 ه/750-1258 م). ولقد تجلت هذه الشعوبية واضحة عند بعض السياسيين والأدباء أمثال: عبد الله بن المقفع، أبو مسلم الخراساني، أبو القاسم الفردوسي، محمود الغزنوي وآخرين غيرهم.

إن الشعوبيين الفارسيين جميعهم من بقايا المجوس والزدك والوثنيين من الذين أعتنقوا الإسلام ظاهرياً وفي صدورهم الحقد والضغينة على العرب ودينهم. وهكذا كانوا يشكلون الحركات الخفية الدينية أو السياسية بغية بث الشقاق والنزاعات. ولقد أشار صراحة الإمام أبو حامد محمد الغزالي (450-505 ه/1058-1111 م) في كتابه: “فضائح الباطنية” عن الدور السري الذي يلعبه أولئك الحاقدون بوضع الخطط “في مجابهة الإسلام” داخلياً بعد أن عجزوا عن مجابهته عسكرياً. ناهيك عن ذكر بعض الفُرس من الذين أدعوا الإمامة أو الوكالة أو الإمام المهدي نفسه. أمثال: عُبيد الله الحاكم الفاطمي الأول (909-934) في القيروان، عبد الرحمن أبن رُستم (-786) مؤسس الدولة الرُستمية (770-909) في إقليم أطلس بشمال الجزائر، علي محمد الشيرازي (1819-1850) مؤسس الحركة البابية في إيران.

في الواقع، إذا كان الغزالي قد درس “الحركة الباطنية التعليمية” وكتب فيها شارحاً ومفنداً على ما تحتوية من أخطار وأغاليط ضد الإسلام، فإن أبو علي الحسين بن سينا (370-428 ه/980-1037 م) الذي كتب جميع مؤلفاته الفلسفية والأخلاقية والطبية والصوفية باللغة العربية، باستثناء كتاباً واحداً وضعه بالفارسية لكي يرد به مباشرة على المانوية الوثنية، أتباع مُدعي النبوة ماني (216- 276) الذي قُتل كونه زنديقاً. فإن الوضع السياسي في إيران خلال عصور الدولة العربية الإسلامية قد تغير في العصر الحديث. حيث أستطاع الشعوبيون في الحركة الصفوية بالسيطرة على مقاليد الحُكم، وبدأوا بأخطر مراحل التطبيق العملي للنهج العنصري الطائفي الذي تتبعه الشعوبية الفارسية تجاه العرب خصوصاً، وبقية أهل السّنة عموماً. فقد تسترت بالتشيع وفرضته عنوة، وهو تشيع صفوي فيه تلويث وتشويه للمذهب العربي الشيعي المتمثل بالجعفرية. حيث أدغمت فيه من التحريف والتزييف والتدليس بدرجة تطغو فيه السلبية التضادية تجاه العروبة وعموم المسلمين. وكذلك بالنسبة إلى دولة الخميني التي هيمنت على سياسة البلاد، وتدخلاتها السافرة في البلدان العربية على أًسس طائفية صفوية. حيث تعتبر الخمينية إمتداداً إلى ذلك النهج الصفوي الشعوبي الطائفي البغيص والمقيت. ومن المفيد هنا أن نسرد شيئاً موجزاً عن حقيقة شعوبية هاتين الدولتين.

الدولة الصفوية (1501-1736)

كان الشيخ أسحق صفي الدين الأردبيلي (650-735 ه/1252-1334 م)، وهو من أذربيجان وإليه تعود التسمية، معتنقاً لطريقة صوفية شافعية المذهب، وسرعان ما تزوج من أبنة شيخ الطريقة وأصبح رئيساً لها عام 1301. وراح بالتدريج يطور نهجها الصوفي إلى حركة دينية ثورية. فبعد أن كانت طريقة صوفية إجتماعية تحولت إلى حركة سياسية تهدف السلطة والتسلط. وهكذا تمكن أتباعه بمدينة أردبيل قرب بحر قزوين أن يؤسسوا إمارة ذات قوة عسكرية جل أفرادها من قبائل التركمان في أذربيجان وشرق الأناضول، والذين يُعرفون بأسم “قزيل باشا”، أي ذوي الطرابيش أو الرؤوس الحمراء. ثم تنامت قوة الصفويون العسكرية بشكل أكبر وأوسع حتى إستطاعوا أن يشكلوا تحدياً بارزاً إلى السلطة الحاكمة لدولة الخروف الأسود “آق قويونلو” وقتذاك. وفي شهرور عام 1501 دحر أنصار إسماعيل الأول (892-930 ه/1487-1524 م) سلطة الخروف الأسود، ونصّبوه شاهاً، حيث كان صغيراً لا يتجاوز عمره الأربعة عشر، وهو الحفيد الخامس للشيخ صفي الدين. ومن خلاله تم فرض المذهب الشيعي الإثنا عشري بالإكراه العنيف في العام 1507. ولذلك كانت طرابيش التركمان تتكون من إثنتي عشر خصلة كعلامة على مذهبهم الجديد.

ومن خلال عملية فرض التشيّع الصفوي قتل إسماعيل الأول أكثر من مليون مسلم سّني داخل وخارج إيران. وعندما أستولى على بغداد في عام 914 ه/1508 م، نصّبَ خادمه “خادم بيك” والياً عليها؛ وأطلق عليه لقب “خليفة الخلفاء”. إمعاناً منه في إذلال قيمة العرب والحط من أمجاد تاريخهم الإسلامي. ورغم أن هذا التنصيب ينم عن تهكم وإحتقار واضح، وإنحراف عن خط الإمامية نحو تشيّع صفوي فاضح. إلا أنه يكشف أيضاً عن حقيقة التستر بوحدة المذهب لأهداف سياسية ولغايات فكرية تعكس العقيدة الصفوية المتصلة بالنزعة الشعوبية الفارسية. وإلا ما معنى العبارة التي أدخلها إسماعيل في الآذان: “أشهد أن علياً ولي الله”، ثم يجعل من خادمه أعلى منزلة من خلافة الإمام علي كرم الله وجهه.

كتب المؤرخ والفقيه بدر الدين الحسن أبن شدقم (1526-1587) في: “تحفة الأزهار وزلال الأنهار” قائلاً: “فتح الشاه إسماعيل بغداد وفعل بأهلها النواصب ذوي العناد ما لم يسمع بمثله قط في سائر الدهور بأشد أنواع العذاب حتى نبش موتاهم من القبور”.

ويقول علي شريعتي (1933-1977) أن السباب والشتم واللعن هما من منطق التشيع الصفوي. وهو “تشيع الجهل والفرقة والبدعة، وتشيع المدح والثناء للسلطات، وتشيع الجمود والركود بتأدية طقوس عبادية ومذهبية دخيلة على التشيع الأصيل”. أن هذا التشيع يُعطل مسؤوليات المسلم. ويضيف أن التشيع في إيران ورموزه هي “رموز مسيحية ومظاهر مسيحية، أدخلها الصفويين على طلائع الغزو الغربي لكي يفصلوا إيران تماماً عن الإسلام السّني الذي كان مذهب الدولة العثمانية”.

كيفما كان الأمر، فإن القوة العسكرية المتمثلة في قزيل باشا قد إستمرت في غطرستها، مما أدت إلى مناوشات ثم حرب أهلية في عهد طهماسب الأول (1514-1576) أبن إسماعيل الأول. ولم ينتهي الحال إلا في عهد عباس الأول (1557-1629) وهو الشاه الخامس (1588-1629) في السلالة الصفوية. حيث يعود له الدور الرئيس في موازنة القوة الداخلية وبسط نفوذ إيران وتوسيعها. فقد أستطاع أن يستولي على أذربيجان وأجزاء أخرى من أرمينيا التي كانت خاضعة للسيطرة العثمانية. وكذلك استعاد إقليم خراسان من الأوزبك، ثم نقل العاصمة من تبريز إلى أصفهان. وأقام العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع غرب أوروبا من أجل دعمه ضد الدولة العثمانية.

أما في طريقته بفرض التشيع الصفوي، فقد كان أكثر دموية وعنفاً من إسماعيل الأول وبقية أسلافه. حيث فاق عليهم بالقتل والتنكيل والتشريد لأهل السّنة، وخصوصاً في العراق. فعندما توجه صوب بغداد، أعطى الأمن والأمان للبغداديين شريطة أن يسلموا أسلحتهم. وما أن فعلوا حتى غدر بهم، فأخذ يسفك الدماء ويهتك الحرمات بلا هوادة. وخرب الجوامع ونهب المراقد، ومنها مرقدي أبو حنيفة وعبد القادر الكيلاني. وكذلك حول المدارس الدينية إلى إصطبلات. وبما أن معظم أهل بغداد فضلوا الموت على أن لا يغيروا عقيدتهم بالتشيع الصفوي، لذا كان الهلاك نصيبهم. وأخذ أطفالهم ونسائهم وباعهم كعبيد إلى إيران، ولم يُعرف لهم خبر. وكان ينوي إبادة “أهل السّنة” في بغداد، فطلب من سادن كربلاء أن يعد قوائم حول هذا الشأن. وأستمر على هذا المنوال بعد سيطرته على الموصل وكركوك ومعظم مناطق البلاد. إلا أنه لم يحقق غير القتل وتدمير الحجارة، وتدنيس تربة الرافدين التي غادرها في عام 1626.

لقد كان المجوس والمسيحيون واليهود أفضل حالاً وأمناً ورعايةً من أهل السّنة عند الحُكام الصفويين، لا سيما في عهد الشاهَين إسماعيل وعباس.

وفي عهد الشاه حسين (1694-1722) وصل التعصب الشعوبي الصفوي المتغلف برداء التشيع، أن دفع بأهل السّنة للمواجهة التصادمية، فساندهم الغلزاي حاكم الأفغان، وزحف نحو عاصمتهم أصفهان ودخلها سنة 1722. ثم قاموا بخلع الشاه حسين وأعدموه سنة 1726. وعندما أنشأ الغلزاي حكومة ظل صفوية في 1736، كان الشاه الصفوي فيها مجرد أسم رمزي لا يمتلك من السلطات شيئاً. وأستمر هذا الوضع السياسي حتى 1785، حيث تلاشت الصفوية من المسرح السياسي نهائياً.

لقد انتهت الدولة الصفوية ولم يبقى منها غير سيئاتها التي لن يغفر لها التاريخ الإسلامي ولا الإنساني ما فعلته بحق الإسلام كدين وعقيدة، وبالعرب كمسلمين سّنة. وإذا الظروف الداخلية جعلت إيران هادئة تجاه جيرانها العرب. فأن الخميني عبر النظام الجمهوري الإسلامي قد أحيا صفويتها مجدداً.

جمهورية إيران الإسلامية (1979-)

كان الخميني (1900-1989) أحد أبرز المعارضين المنفيين ضد شاه إيران محمد رضا بهلوي (1919-1980). ورغم أنه لم يخطط سراً للإطاحة بالحكم الشاهنشاهي، إلا أن الثورة الجماهيرية توجته على رأسها. ولكن سرعان ما بدأ حُكم المُلالي في طهران، بدأت علامات التصادم بين نظام ديني لا يرى من التاريخ الإسلامي غير المنهج الاثنا عشري– الصفوي الرافض للآخرين من المسلمين، والباغضين للعرب وللعروبة. وفي كتابه “الحكومة الإسلامية” صفحة 52، كتب الخميني قائلاً: “وأن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مُرسل وقد ورد عنهم (ع): أن لنا مع الله حالات لا يسعها مَلك مُقرب ولا نبي مُرسل”. وحقيقة هذا الغلو إنما يراد منه إعماء العقول عن التفكير، لكي ينفرد “الولي الفقيه” بسلطة زمنية لا يقلقه فيها أحد ما.

إن الشعوبيين الجُدد لا يختلفون عن أسلافهم. فكما كان عباس الأول يحارب الدولة العثمانية، ويقيم علاقات خاصة مع دول أوروبا الغربية. فأن الخميني كان أيضاً في حربه ضد العراق (1980-1988) قد حافظ على علاقاته مع العالم الغربي. لذلك لا غرو أن يفعل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد (2005-) ما لم يفعله أحداً قبله في العالمين العربي والإسلامي. حيث زار بغداد في 2-3-2008، ليرسخ الكتلة المصنوعة والمدعومة إيرانياً في تسلطها على مقاليد الحُكم. خصوصاً وإن زيارته جاءت تتويجاً لِما مهدت إليه فِرق الموت الصفوية بتأجيج الفتنة الطائفية التي راح ضحيتها مئات الآلاف من العراقيين ما بين 2006-2007. والتي أستعر تأجيجها ثانية مع إقتراب الإنتخابات العامة في 30-4-2014. حيث بدأت منذ فترة وجيزة الميليشيات الطائفية المتمثلة في “عصائب أهل الحق” التي يرأسها قيس الخزاعي، وكذلك “جيش المختار” الذي يقوده واثق البطاط، بالإنتقام والتطهير الطائفي في بغداد وما حولها. فمن قتل المصلين جهاراً نهاراً إلى عمليات الخطف والإغتيالات المتواصلة.

ومن بين الأخبار التي تناقلتها وسائل الإعلام العراقية، ما نقلته “منظمة الرصد والمعلومات الوطنية” عن الميليشيات الطائفية المجرمة في 22-5-2013. حيث ذكر “شهود عيان إن هذه المجاميع المجرمة تتحرك في مناطق بغداد بحرية تامة، وتقتل بالقرب من السيطرات الحكومية ومراكز الشرطة في المناطق المختلطة وغير المختلطة. لأنها تتحرك وتنفذ بسيارات الحكومة، ومزودة بباجات لغرض المرور بحرية من نقاط التفتيش، وتتكتم أجهزة الإعلام الحكومية ووسائل الإعلام الأخرى المرتبطة بها على عمليات التهجير والتطهير الطائفي في مناطق بغداد. ويتحدث المواطنون إن عمليات التهجير والقتل الطائفي بدأت رسمياً”.

على أي حال، فإن شعار “الشيطان الأكبر” بحق أميركا قد أثبتت الأيام خواءه وزيفه. بل إن ما فعله ويفعله النظام الصفوي الإيراني في العراق ومنذ الغزو الأمريكي عام 2003، ولحد يومنا هذا، لهو الدليل الساطع على ورثة الحقد الشعوبي العنصري. إذ مثلما نشر الصفويون القتل والخراب والدمار بحق العراق وأهله. فهاهم الصفويون الجُدد يشاطرون أسلافهم في إحصائية مفزعة: نحو مليوني قتيل، أربعة ملايين مشرد، خمسة ملايين أرملة، سبعة ملايين يتيم، ربع الشعب تحت خط الفقر، وثلثه متفشية فيه الأمية، ويتصاعد التأخر في كافة المجالات والميادين العلمية والخدمية والصحية والإجتماعية الخ.

إن التركيز الصفوي المستمر تاريخياً بالإنتقام من بغداد خصوصاً، والعراق عموماً؛ لا علاقة له بمكون معين من المسلمين. فلو كان الشيعة هم الأغلبية الكبرى في الأمة الإسلامية، لأختار الصفويين المذهب السّني ملجأً يتخندقون فيه، وينطلقون منه في محاربة الشيعة. فالحقيقة إنما تكمن في العقلية والنفسية السلبية التي تطغي على سلوكية الشعوبيين الطائفيين عبر التاريخ الإسلامي. إنهم بالإجمال الإمتداد الطبيعي إلى الحركة الشعوبية منذ القرن الهجري الأول. وما تمجيد الملالي في جمهورية إيران الإسلامية إلى قبر أبو لؤلؤة فيروز الديلمي، قاتل الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إلا بينة قاطعة علي إستمرارية الحقد الشعوبي الفارسي على العرب والعروبة.

رد علماء العرب الشيعة

عندما جاء الخميني بنظرية “ولاية الفقيه” التي يجمع فيها بين السلطتين الروحية والزمنية لنفسه وإلى خلفائه من بعده، حتى ظهور الإمام المهدي الذي اختفى منذ 1174 سنة؛ وسوف يظهر في أواخر الحياة الدنيوية. فأن الحوزة العلمية في النجف الأشرف رفضت هذه النظرية. لأنها تخرج عن التعاليم الشرعية للمنهج الشيعي التقليدي. كما وأنها أشارة واضحة على أن علماء العرب الشيعة ليسوا مع منهج الصفويين الشيعة. بل أن الإمام موسى الصدر عندما رفض الانصياع التام لتيار الخميني وحافظ على عروبته. أعني رفضه إلى تغيب الاتجاه الشيعي العربي، وهذا مخالف لتوصيات قيادة الثورة الإيرانية. نجده قد غُيب ومنذ العام 1978. صحيح أن الإمام موسى الصدر ولد في قم عام 1928 ودرس في طهران. إلا أن نسبه العربي يجعله أن يعطي قدراً خاصاً لعروبته، وهذا ما لا يروق لمُلالي إيران الصفويين.

لقد أشار علانية رئيس المركز العربي الإسلامي العلامة السيد محمد علي الحسيني على وجود مخطط إيراني للتخلص من زعماء وعلماء الشيعة العرب. وهو نفسه قد نجا من محاولة اغتيال تعرض لها على طريق صور جنوب لبنان في تاريخ 17-10-2007، تاهماً الحرس الثوري الإيراني. كونه يفضح مخططاتهم لاسيما في مسألة “ولاية الفقيه”. حيث قرر الحرس الثوري الإيراني تصفية كل شيعي عربي مخالف لتوصية الولي الفقيه. يقول الحسيني: “أن تشيعنا العربي هو تشيع من دون تعصب”. وأضاف بأن الشيعة العرب يرفضون “شتم الإيرانيين للصحابة”. ولقد بعث برسالة إلى علي خامنئي قال فيها: “إذا كنت تطالب بالوحدة عليك أن تهدم قبر أبي لؤلؤ. لأن هذا القبر أذية لقلوب ملايين المسلمين وعليك إحراق كُتب الفتنة التي تدعو للعن الصحابة التي وزعت مجاناً في إيران”.

أما رئيس التيار الوطني العراقي آية الله حسين المؤيد الذي درس في قم بدلاَ من النجف نتيجة لظرفه السياسي داخل العراق وقتذاك. فأنه رفض أيضاً النهج الصفوي الذي تتبعه القيادة الإيرانية، وخشية من تصفيته جسدياً هرب من العراق إلى الأردن. وكذلك هرب من العراق إلى سوريا الأمين العام للمؤتمر التأسيسي الوطني العراقي الإمام محمد جواد الخالصي. أما من بقي بالداخل من العلماء الشيعة فهم عرضة لهجمات المليشيات الصفوية المجرمة. مثلاً على ذلك، في ليلة 18-11-2007 قام “لواء ذو الفقار” التابع إلى “منظمة بدر” بقيادة المدعو أبو رضا، بمداهمة مكتب المرجع الديني آية الله السيد أحمد البغدادي الحسني الواقع في منطقة الحقوق في مدينة النجف الأشرف، وبعثرة محتوياته ومزقت صوره، لأنه مناهض للتغلغل الإيراني في العراق.

هذا ويقول أمين عام الهيئة العراقية للشيعة الجعفرية السيد رضا الرضا بأن إيران تستغل الاحتلال الأمريكي في تشيّع المنطقة من البوابة العراقية. وأكد بأن هنالك مساعي جدية تعمل عليها إيران بالتعاون مع أعوانها من أجل تحويل العراق إلى دويلات قائمة على أساس طائفي وعرقي.

أن علماء وزعماء الشيعة العرب الرافضين للتشيع الصفوي، يعون جيداً إلى عمق الخطورة في التمدد الإيراني داخل البلدان العربية. حيث ينتهج المُلالي الصفويون تسويق فكرة وحدة المذهب لمآربهم ومصالحهم الشعوبية. وما دعم “حزب الله” في لبنان، والحوثيين في اليمن، والميليشيات الطائفية في العراق، والإنقلابيين في البحرين، وبث خلايا التشيع في مصر والمغرب العربي، إلا روافد تصب في المجرى الإيراني الصفوي الجديد. وما قتال العناصر المليشية من اليمن والعراق ولبنان وإيران لصالح النظام السوري الدموي، إلا دعماً وتثبيتاً للمشروع الإيراني الصفوي في البلدان العربية.

ويكفي أن نلمح إلى ما جرى في 7-5-2008، عندما أحتل “حزب الله” بيروت لساعات، مستفزاً خلالها خصومه السياسيين عبر قدراته وأمكانياته. ويكفي أيضاً أن نعيد ما قاله الأمين العام للحزب حسن نصر الله في “جريدة الأنباء” عدد 8630 بتاريخ 27-5-2000، إذ أشار بكل وضوح إلى أن “حزب الله لن يشارك في أي عمل عسكري ضد إسرائيل لهدف تحرير القدس”! علاوة على ما صرح به إبراهيم الأمين، أحد قيادي الحزب، في “جريدة النهار” بتاريخ 5-3-1987، حيث يقول: “نحن لا نقول إننا جزء من إيران، نحن إيران في لبنان، ولبنان في إيران”!

على الرغم من أن علماء العرب الشيعة لهم دورهم الفعّال في قضايا بلدانهم. إلا أن تأثيرهم يكاد يكون مشلولاً عندما يتعلق الأمر بإيران. ربما لأن الأخيرة عملت لفترة طويلة في بناء هيكلية مرجعية دينية مركزها قُم. حيث تُخرج العلماء والفقهاء والقضاة من الإمامية ذات النهج الصفوي. مما يصعب على المواطن العادي أن يتفهم الدوافع الخفية من هذا الالتزام المذهبي. صحيح أن إيران حاولت مراراً أن تجعل من الحوزة العلمية في مدينة قُم بديلاً عن مرجعية النجف الأشرف وفشلت، لكنها استطاعت أن تخترقها. ولذلك تجد قلة من المراجع التي تقوي المسار العربي. وما فعله المرجع الأعلى علي السيستاني (وهو إيراني الأصل) من تفضيل للجهاد السلمي على الجهاد المسلح ضد المحتل الأمريكي، إلا دالة من بين الأدلة الوافرة على السيطرة الخفية للنفوذ الإيراني الصفوي على الشيعة العرب في العراق خاصة، والعالم عامة.

مركز المزماة للدراسات والبحوث 4/12/2013

About هيثم هاشم

ولد في العراق عام 1954 خريج علوم سياسية عمل كمدير لعدة شركات و مشاريع في العالم العربي مهتم بالفكر الانساني والشأن العربي و ازالة الوهم و الفهم الخاطئ و المقصود ضد الثقافة العربية و الاسلامية. يعتمد اسلوب المزج بين المعطيات التراثية و التطرق المرح للتأمل في السياق و اضهار المعاني الكامنة . يرى ان التراث و الفكر الانساني هو نهر متواصل و ان شعوب منطقتنا لها اثار و ا ضحة ولكنها مغيبة و مشوهة و يسعى لمعالجة هذا التمييز بتناول الصور من نواحي متعددة لرسم الصورة النهائية التي هي حالة مستمرة. يهدف الى تنوير الفكر و العقول من خلال دعوتهم الى ساحة النقاش ولاكن في نفس الوقت يحقنهم بجرعات من الارث الجميل الذي نسوه . تحياتي لك وشكرا تحياتي الى كل من يحب العراق العظيم والسلام عليكم
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.