امتلأت البلاد بالشعراء ، فكل من عرف الابجدية واجاد حبك خيوط بعض الجمل ، راح ” يخربش ” فوق صفحات القرطاس همسات صبيانية واخرى عبثية وثالثة رمزية غائصة في الرمزية لدرجة لو انت سألت جابل هذه القصيدة ومؤلفها لما استطاع ان يفيدك بشيء ، فهذه القصائد على حدّ زعم البعض ذات موسيقى داخلية وايحاءات كامنة ، ورموز تاريخية وميثولوجييه !!! فان غامرت يا صاحبي وابحرت اصطدمت بالكلمات المتناثرة والحروف السابحة في محيط من البياض ، وبأكثر من مصطلح يوناني او فينيقي او حتى اندلسي ، مرت في خاطر الشاعر او صادفها في مسيرة حياته التعليمية فلون بها القصيدة العصماء واضفى عليها شيئا من غموض وِمسحة من عبثيّة !!!
فكلّ من عرف الحبّ اضحى شاعرًا ، فارتمى على بساط العشق يزركشه بالكلمات والنجاوى ” المقطّعة ” ” والموصّلة ” وفي نظره انها قصيدة القصائد يستأهل عليها وبها ان تعلق مع المعلقات السبع لا العشر .
لقد اضحت كلمة شاعر ” مبتذلة ” هذه الايام تماما كما كلمة ” فنّان ” او ” فنّانة ” ، فكل طاؤوس او متطاوس او متطاوسة حباها الله ببعض جمال قدّ دون صوت ، راحت تتلوى ” وتتفرّع ” وتزفّ الينا مشاهد بينها وبين الذوق والفن والجمال وعبد الوهاب وفيروز مساحات شاسعة فوقها الطائرات النفاثة ، وكذا الامر في شعراء اليوم او قل في معظمهم ، فالواحد لم يسمع بالأخطل لا الصغير ولا الكبير ، ولم يعانق قصيدة واحدة لشوقي او لسعيد عقل ، يروح يدبج لك في لحظات قليلة قصيدة ، يرمي بها من فرنه الساخن الى المواقع الالكترونية او الصحف فتنشرها مزدانة بصورته البهية وطلعته الاخاذة ..
سقى الله الايام الخوالي ، ايام كان زهير ابن ابي سلمى يملّس ويمّسد قصيدته ويدلّلها سنة كاملة حتى يتجرّأ فينشرها … ينشرها والترقب يأكل منه الاعصاب والاحساس ، امّا اليوم ، عصر الحداثة والشيطنة الادبية السريعة والشعر الدفّاق فأنت يا صاحبي امام ظاهرة غريبة عجيبة ، يولد فيها الشعر هكذا بدون شيطان او يحزنون ، وبدون ان تحمّل نفسك عناء المطالعة والدراسة والتمحيص .
ضحك صديقي – القارئ المجتهد والمطالع الدائم – ضحك مرة من قصيدة نشرت في احدى المواقع الالكترونية فقرأها مثنى وثلاث خماس ولم يفهم منها شيئا ، وغاص في كلمتي ” افروديت ” و ” بطليموس ” اللتين زينتا القصيدة وظل في مكانه ، فجاءني طالبًا العون والمدد فدفعته برفق قائلا : ” لقد سبقتك واعلنت عجزي وضعفي امام هذا الادب والذي لا جبرانية فيه ، تماما كما عجزت امام الرسومات التجريدية والمرسومة على حد الفكاهيون بذيل حصان ” .
فإن أنت اخي القارئ لم تفهم القصيدة ولم افهمها انا ولم يفهمها كاتبها ، فلمن يكتب اذا هذا الشاعر العظيم .
حري بنا ان نقف لحظة بل لحظات ونعيد حساباتنا ، حسابات بيدرنا الادبي ، فالزؤان ملأ البيدر ، والحنطة المباركة اضحت ندرة لا نعثر عليها الا بعد الف جهد وبمصباح ديوجينيس .
اين النقّاد الاحرار ؟! واين الناقد الناقد الذي لا يجامل ولا يسمح ” بمسح الجوخ ” وانما يجري مبضعه في عصب الادب فيبرز مواطن الجمال ومواطن الضعف ، ويسدي النصيحة النصوحة ولا يبغي الا خدمة الادب والادباء الحقيقيين .
رحمك الله يا استاذ الكلّ وشيخ النقّاد مارون عبود ، رحمك الله وطيّب ثراك فما كنت تجامل احدًا وما كنت ترائي احدًا ، وانما ترنّحت طربًا عند كل فكرة هائمة وابداع يستحق الحياة ، وتأففت عند كل ادب حبا وزحف وأبى الانطلاق والقفز فوق السحاب .
ملّت نفوسنا المجاملة وملّت استعراض الصديق لكتاب صديقه ، فمثل هذه المداهنة ومثل هذا الاستعراض العجول والمعسول احيانًا بالسّمّ لا يفيد احدًا ، وانما يخدّر صاحب ” العطاء ” الادبي فيشرئب ويسمو سموًا اجوف لا معنى ولا طعم في كثير من ادبه .
حان الوقت ان نضع الفأس على اصل الشجرة التي لا تعطي ثمرًا ، وحان الوقت ان نقول للشِّعر الفاقد الملح … طعامك يا سيدي ” مائع ” ويفسد المعدة الفكرية والعقل والاحساس ، فارحمنا يا سيدي وعد الى رشدك ودع الادب لأصحابه وكفانا ما ذقنا من تصّنع واجترار واسفاف .
أترانا نسمع ؟!!
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهرانبقلم مفكر حر
- #خامنئي يتخبط في مستنقع الهزيمة الفاضحة في #سوريابقلم مفكر حر
- العد التنازلي والمصير المتوقع لنظام الكهنة في #إيران؛ رأس الأفعى في إيران؟بقلم مفكر حر
- #ملالي_طهران وحُلم إمبراطورية #ولاية_الفقيه في المنطقة؟بقلم مفكر حر
- بصيص ضوء على كتاب موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديثبقلم آدم دانيال هومه
- آشور بانيبال يوقد جذوة الشمسبقلم آدم دانيال هومه
- المرأة العراقية لا يختزل دورها بثلة من الفاشينيستاتبقلم مفكر حر
- أفكار شاردة من هنا هناك/60بقلم مفكر حر
- اصل الحياةبقلم صباح ابراهيم
- سوء الظّن و كارثة الحكم على المظاهر…بقلم مفكر حر
- مشاعل الطهارة والخلاصبقلم آدم دانيال هومه
- كلمة #السفير_البابوي خلال اللقاء الذي جمع #رؤوساء_الطوائف_المسيحية مع #المبعوث_الأممي.بقلم مفكر حر
- #تركيا تُسقِط #الأسد؛ وتقطع أذرع #الملالي في #سوريا و #لبنان…!!! وماذا بعدك يا سوريا؟بقلم مفكر حر
- نشاط #الموساد_الإسرائيلي في #إيرانبقلم صباح ابراهيم
- #الثورة_السورية وضرورات المرحلةبقلم مفكر حر
- هل تعديل قانون الأحوال الشخصية يعالج المشاكل الاجتماعية أم يعقدها.. وأين القيم الأخلاق من هذه التعديلات ………..؟بقلم مفكر حر
- تلغراف: تأثير #الدومينو علی #ملالي_إيران وتحولات السياسة الغربيةبقلم حسن محمودي
- الميلاد آتٍبقلم مفكر حر
- قوانين البشر تلغي الشريعة الإسلاميةبقلم صباح ابراهيم
- ستبقى سراًبقلم عصمت شاهين دو سكي
- #سورية الثورة وتحديات المرحلة.. وخطر #ملالي_طهران
أحدث التعليقات
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- عبد يهوه on اسم الله الأعظم في القرآن بالسريانية יהוה\ܝܗܘܗ سنابات لؤي الشريف
- منصور سناطي on من نحن
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر