كأن العلاقة التركية- الأميركية المتأزمة أصلاً بين محاكمات في نيويورك تطاول مقربين في مجال الأعمال من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والتهديدات القنصلية، وسياسة المحاور بين إيران وروسيا والأكراد، كان ينقصها التوغل التركي في شمال سورية لتزداد سوءاً.
التصريحات العلنية «المتفهمة لقلق تركيا الأمني» التي شدد عليها وزيرا الدفاع والخارجية الأميركية جايمس ماتيس وريكس تيلرسون لم تعد كافية لإخفاء امتعاض واشنطن مما تقوم به أنقرة في سورية ولأسباب عدة أبرزها اثنان:
أولاً، اختيار تركيا توقيت العملية بعد أيام من إعلان تيلرسون استراتيجية أميركية جديدة في سورية أعمدتها وجود عسكري أميركي طويل الأمد، إنهاء «داعش»، وإضعاف إيران مع التأكيد أن تحالف القوات الكردية والعربية الذي تدعمه واشنطن سيحتفظ بالأراضي التي حررها من «داعش». وفي حين يمكن تفهم انزعاج تركيا من هدفين في هذه الاستراتيجية على الأقل، فإن قيامها بالعملية ومن دون تنسيق مسبق مع واشنطن، أزّم الوضع مع إدارة دونالد ترامب.
مصادر غربية قالت لـ «الحياة» إن واشنطن علمت للمرة الأولى بالعملية من طرف ثالث وليس من تركيا وتفاجأ المسؤولون الأميركيون بالخبر. هذا الطرف كانت أبلغته أنقرة كما يتم التعاطي مع الحلفاء، ولَم تبلغ الإدارة الأميركية إلا قبل وقت قليل من إعلان العمل العسكري. وجاءت محاولة ماتيس بالتأكيد أن أنقرة أبلغت واشنطن، لاحتواء الخلاف وفتح قنوات الاتصال بدل مفاقمة الأزمة. ونقل هذه الرسالة وفد أميركي زار تركيا في ٢٣ كانون الثاني (يناير) الجاري وشمل نائبي مساعدي الخارجية والدفاع لشؤون أوروبا وحلف شمال الأطلسي جوناثان كوهن وتوماس غافوس. والتقى الوفد بمسؤولين في الخارجية التركية وقيادات عسكرية للبحث في ما يجري في عفرين على رغم أن الزيارة كانت معدة قبلاً.
وجاء اتصال ترامب بأردوغان ليُخرِج إلى العلن نقاط الخلاف الأميركي- التركي ومع تأكيد البيت الأبيض ضرورة خفض التصعيد في عفرين والدعوة إلى تنسيق أفضل مع الجانب الأميركي.
السبب الثاني في استياء واشنطن من التحرك التركي هو في عدم تحديد مداه ومخاوف من أن يهدر نجاحات الاستراتيجية الأميركية ضد «داعش». ففي حال تقدم تركيا إلى وسط عفرين والدخول في معركة في قلب المدينة، فهذا سيعني عدد ضحايا أكبر، وثانياً إمكانية انتقال القوات الكردية التي تحارب «داعش» من تلك المناطق في شرق سورية إلى الشمال للتصدي لتركيا، بالتالي إمكانية عودة «داعش» وخلاياه المنسحبة للسيطرة على هذه المناطق.
هذا السيناريو هو خط أحمر لواشنطن، وهناك ضغوط أميركية جارية على تركيا لعدم التوغل عميقاً في الشمال السوري أو حتى التفكير في دخول منبج، حيث هناك قوات أميركية قد تدخل المعركة إلى جانب الأكراد في حال الشعور بتهديد عسكري. وهنا يسعى الجانب الأميركي إلى حل وسط يتعاطى مع مخاوف تركيا الأمنية وحيال حزب العمال الكردستاني الذي وصفه ترامب «بالإرهابي» وفِي الوقت ذاته يراعي أولويات واشنطن في سورية على رأسها هزيمة «داعش». ومن المقترحات منطقة آمنة مصغرة أو شريط حدودي لتركيا في الشمال، يضمن أمنها ويتفادى توغلاً عميقاً في عفرين أو غيرها. شكل هذه المنطقة وجغرافيتها ما زال قيد الدرس إنما تحقيقها بات ضرورة أمنية لتركيا واستراتيجية لواشنطن لحماية مصالحها.
أسبوع على العملية التركية ولا حل عسكرياً في الأفق، مع وقوع أكثر من ٢٤ ضحية مدنية. الوقت ليس لمصلحة أي من أنقرة أو واشنطن، وكون حرب استنزاف تركية- كردية في سورية ستفيد خصوم الأميركيين والأتراك أولاً. بالنسبة لسورية نفسها، فالحرب دخلت مرحلة المحاصصة الإقليمية والدولية وتوزيع نفوذ بغض النظر عن شكل العملية السياسية أو اسم رئيس البلاد أو حكومته في دمشق