الشرق الاوسط
يمكن النظر إلى سوزان رايس باعتبارها شقيقة صغرى للرئيس تتمتع بالثقة في النفس. عندما يكون هو هادئا وغير مبالٍ، تكون هي عنيفة ومشاكسة إلى حد الخشونة أحيانا. وعندما يتفادى هو المواجهات مع الجمهور، كثيرا ما تستمتع هي بها. أسلوب كل منهما مختلف، لكن المؤكد هو أن ما تجهر به رايس كثيرا ما يكون هو ما يفكر فيه أوباما دون الجهر به. ومن خلال تعيين رايس مستشارة للأمن القومي محل توم دونيلون، يتخلص أوباما من شخص رزين مخضرم لصالح شخص أكثر تألقا، لكنه متقلب المزاج. إنه يبادل بصانع اتفاقات سياسي شخصي، إنسانة صاخبة مثيرة للمشاكل. ويتخلى عن رجل لا يحب المخاطرة ويجيد تفاديها ليستعيض عنه بشخص مغامر بين مجموعة من محبي المخاطرة في حكومته. وفيما يتعلق بقضية بنغازي، يبادل أوباما برجل عادة ما يتجنب برامج يوم الأحد الحوارية شخصية انتحرت سياسيا تقريبا بتطرقها الشهير لبعض النقاط المتعلقة بهجوم بنغازي، من دون أن يتم تعنيفها أو توجيه اللوم لها. لقد تحدثنا بما فيه الكفاية عن قضية بنغازي.
بالنسبة إلى إدارة أوباما التي تحاول جاهدة أن تثبت وجودها في الفترة الرئاسية الثانية، من شأن ترقية رايس أن تمثل عاملا مساعدا، فهي ستمنح البيت الأبيض نقطة قوية محورية جديدة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية. وربما لا يتفق الناس دائما معها، لكنهم سيعلمون في ما تفكر. وربما ستتمكن من استثارة أفكار سياسية أكثر ذكاء من أوباما نفسه خاصة بشأن سوريا. مع ذلك يتضمن ترشيح رايس لهذا المنصب بعض المخاطر الواضحة؛ فهي ليست طرفا مشاركا فاعلا في التقليد الذي أرساه برينت سكوكروفت، الذي كان النموذج الذي يحتذيه دونيلون كمستشار للأمن القومي. وتميل رايس إلى النموذج الذي يقدمه مفكرون سياسيون منفتحون من أمثال زبيغنيو بريجنسكي وهنري كسينجر، اللذين كانا يستخدمان وسائل الإعلام وقنوات أخرى في تشكيل الأحداث. كم سيكون مثيرا أن نرى رايس تتشارك منبر السياسة الخارجية مع وزير الخارجية جون كيري. يقول مسؤولون في البيت الأبيض إنه ستكون لكيري مساحة دبلوماسية، ولا ينبغي أن يحدث تعارض في المهام بين الاثنين. مع ذلك الجمع بين صانعي سياسة طموحين يعيد إلى الذهن ذكريات النزاع بين كسينجر ووزير الخارجية ويليام روجرز، أو بين بريجنسكي ووزير الخارجية سيروس فانس. ونظرا للعلاقة الشخصية التي تجمع بين رايس وأوباما، ستتمكن رايس من التمتع بصلاحيات عند التعامل مع قادة أجانب. ويمكن أن يقوّض ذلك نفوذ كيري، الذي يتطلع إلى بداية قوية. ولا يرى البيت الأبيض رايس كمبعوثة سرية على شاكلة كسينجر، لكن ربما يحاول القادة الأجانب استغلالها كقناة اتصال خلفية.
ومن المتوقع أن تواجه رايس صعوبة في تحقيق نجاح يرقى إلى مستوى دونيلون الذي كان يتولى كثيرا من المهام. ويرى منتقدون أن دونيلون كان منظما بشكل مبالغ فيه ويحكم سيطرته على سير الأمور، لكنه كان ينجح في التنسيق بين أعمال الهيئات المختلفة بشكل سلس، حيث تصل الأوراق في ميعادها إلى المكتب البيضاوي ويتم اتخاذ الإجراءات وتنفيذها (أو منعها لأن الرئيس يريد هذا). لقد كان دونيلون صارما أحيانا إلى حد السيطرة ويُعرف بإدارته لجميع المهام، لكنه كان ينجز عمله على الوجه الأمثل حتى إن مسؤولي الوزارة لم يشعروا بالغبن بوجه عام. ولن تكون هذه بالمهمة السهلة على رايس. وتقول ميشيل فلورنوي، وكيلة سابقة في وزارة الدفاع كانت تعارض دونيلون أحيانا: «لم يحصل توم على ما يستحقه من اعتراف بالفضل في إدارته للعمل. لقد كان يجيد عمله ويبرع فيه». ويظل التحدي الأكبر الذي تواجهه رايس هو مساعدة أوباما في رسم رؤية أكثر استراتيجية للسياسة الخارجية. وتصدى دونيلون لقضية استعادة التوازن بين القوة العسكرية والدبلوماسية الأميركية في التعامل مع آسيا التي سيتم نقاشها خلال لقاء القمة بين أوباما والرئيس الصيني تشي جين بينغ نهاية الأسبوع الحالي. وبعيدا عن محور آسيا، بدت صناعة السياسات خلال سنوات عمل دونيلون أقرب إلى رد الفعل منها إلى الفعل وكذا أقرب إلى إدارة الأزمات منها إلى تبني استراتيجية منظمة منهجية.
وصرّح أوباما يوم الأربعاء بأن دونيلون جمع بين الاستراتيجي والمرحلي، لكن كان نصيب العالم من الخطوات المرحلية أكثر. ولدى أوباما بعض الأفكار التي تأتي في إطار رؤية بشأن دور أميركا في عالم متغير. وظهرت تلك الأفكار في خطاباته التي كتبها نائب مستشار الأمن القومي، بن رودز، لكن هناك غيابا للمتابعة. ولعل هذا هو أول شيء يسمعه الصحافيون كثيرا من القادة الأجانب، حيث يسألونهم: أين رئيسكم من القضايا الكبرى؟ لماذا لا نسمع المزيد منه؟ وربما تستطيع رايس تقديم مساعدة في هذا الصدد وتساعد البيت الأبيض في توصيل الرسائل السياسية بشكل أكثر وضوحا إلى عالم ينحرف عن المسار في ظل غياب قيادة أميركية فاعلة ومنخرطة في شؤونه.
وتتمتع رايس بقوة النجوم، فهي ذكية ومرحة وغير مبالية بالتقاليد ويملأ نفسها الشغف. وفي الوقت ذاته، يمكنها أن تصبح ألد أعداء نفسها، فهي تستخدم كلمات حادة أو إشارات قاسية في مواقف تكفي فيها اللمسة. وبهذا الشكل تتوافق شخصيتها مع أوباما كثيرا، حيث يمكن للمسؤول التنفيذي الهادئ الحذر الاستفادة من مستشار أمن قومي عصبي المزاج وسريع الغضب وبالعكس.
* خدمة «واشنطن بوست»