شخصيات عالمية أذهلتني (1) نيكوس كازنتزاكيس
بتصرّف: رياض الحبيّب
خاص: كلام الأول
تنويه: شكرًا للقسم العربي في ويكيپـيديا على تقديم المعلومات المفيدة بالعربية ولا سيّما المترجم منها عن لغات عالمية قد لا يجيدها القارئ والقارئة. ومن بين المعلومات التعريف بشخصيات عالمية راقية أسهمت في مدّ شجرة الإنسانية بماء وغذاء لازمَين لاستمرارها حيّة. ومن جهتي؛ قد سمحت لقلمي المتواضع بتصحيح الأخطاء الإملائية والنحوية والبلاغية التي سَها عنها المترجم والمترجمة، دون التصرف بأيّة معلومة، أيًّا كان محتواها، لكني قد أضيف معلومة أخرى واثقًا من صحّتها. أمّا المعلومة المغلوطة أو التي أشكّ في صحّتها فسأفرد لها تعليقًا في هامش المقالة. فالغاية في النهاية هي إحاطة القرّاء الكرام عِلمًا بالحقيقة. لذا أدعو الأحباء من المترجمين والمترجمات إلى التزام جانب الأمانة العِلميّة في أدب الترجمة؛ لأنها من متطلّبات شرف المهنة ولأنّ الدنيا قد أصبحت قرية بفعل تقنية المعلومات السريعة فلا مجال للتحريف والتعتيم
نيكوس كازنتزاكيس 1883-1957 م
Νίκος Καζαντζάκης نيكوس كازنتزاكيس باليونانية
يُعتبَر الكاتب اليوناني نيكوس كازنتزاكيس من أبرز الكتَّاب والشعراء والفلاسفة في القرن العشرين. فقد ألَّف العديد من الأعمال الهامة في مكتبة الأدب العالمي، تضمَّنت المقالات والروايات والأشعار وكتب الأسفار (1) والتراجيديات، بالإضافة إلى بعض الترجمات. وقد تُرجِمَتْ كتبُه إلى أزيد من 40 لغة
لمحة من سيرته
ولد نيكوس كازنتزاكيس في 18 شباط من العام 1883 في جزيرة كريت. وأمضى طفولته في هذه الجزيرة التي خاضت حرباً ضد الأتراك لنيل استقلالها. وكان والده (الكابتن ميخائيل) ضمن الذين حاربوا الأتراك. على رغم أن والده لم يكن متعلمًا فقد أراد لابنه أن يكمل تعليمه لأنه كان يؤمن: “بأن النضال لا يقتصر على القتال، بل يكون أيضاً بالعلم” لذا أرسل ابنه لدراسة الحقوق في مدرسة القانون في أثينا. حصل كازنتزاكيس على شهادة الدكتوراه في الحقوق عام 1906 ثم سافر لدراسة الفلسفة في باريس حتى عام 1909 فأمضى كازنتزاكيس معظم فترة شبابه في رحلات تأملية، حيث اعتكف في جبل آثوس. وزار العديد من أديرة اليونان وكنائسها. كما زار القدس وسيناء مصر. وسافر إلى دول عدَّة، منها أوروبية: بريطانيا، أسبانيا، فرنسا، إيطاليا، فيينا، ألمانيا، قبرص. ومنها آسيوية كالصين واليابان. ومنها تشيكوسلوفاكيا (قبل الانفصال) والإتحاد السوفياتي- قبل تفككه
زواجه
تزوج في عمر متأخر (2) من صحافية وكاتبة يونانية تدعى إيليني. ولأنه كان يفضل العزلة، لم تكن زوجته تلتقي به إلّـا عشرة أيام في السنة. وذلك في عقد عائلي سُمِّيَ بعقد الأيام العشرة
كازنتزاكيس ونيتشه
إبّان فترة دراسة كازنتزاكيس في باريس؛ تأثَّر بالفيلسوف الألماني والشاعر نيتشه الذي غيَّر نظرته إلى الدين والحياة والله- كما يقول- ودعاه إلى التمرد على أفكاره ومعتقداته القديمة كلِّها. حتى نظرته إلى الفنِّ تغيرت. وأدرك أن دور الفن يجب ألّـا يقتصر على إضفاء صورة جميلة وخيالية على الواقع والحياة، إنما مهمته الأساسية هي كشف الحقيقة، حتى لو كانت قاسية ومدمِّرة. يقول كازنتزاكيس في نيتشه: (ما الذي قام به هذا النبي؟ وما الذي طلب منَّا أن نفعله بالدرجة الأولى؟ طلب منَّا أن نرفض العزاءات كلَّها: الآلهة والأوطان والأخلاق والحقائق. وأن نظلَّ منعزلين دون أصحاب ورفاق. وألّـا نستعمل إلا قوّتنا. وأن نبدأ في صياغة عالم لا يُخجِل قلوبنا) فلم يكن كازنتزاكيس ينتقد رجال الدين كأفراد، على رغم انتقاده الدائم للأديان، إنما انتقد استخدام الدين كغطاء للتهرب من المسؤولية والعمل الفعَّال
كازنتزاكيس وبوذا
بعد مغادرة كازنتزاكيس باريس، سافر إلى فيينا. وهناك بدأ مرحلة جديدة من حياته من خلال التعرف إلى بوذا، حيث عكف على دراسة المناسك والتعاليم البوذية. وحسب وجهة نظره (إن دين المسيح كان ينظر إلى الحياة نظرةً مبسَّطة ومتفائلة جدًّا، على عكس بوذا الذي ينظر إلى الكون بعين ثاقبة وعميقة) لقد أحبّ بوذا بوصفه معلمًا ومرشدًا روحيًّا ومخلِّصًا. يقول كازنتزاكيس في بوذا: (من بين الناس الذين ولدتْهُم الأرضُ جميعًا يقف بوذا متألقًا في الذروة، روحًا نقية خالصة، دون خوف أو ألم، مليئًا بالرحمة والحكمة. كان يمدُّ يده ويفتح الطريق إلى الخلاص وهو يبتسم بوقار، والكائنات كلُّها تتبعه دون تفكير، وتخضع بحرية) ولقد كان بوذا في نظر كازنتزاكيس المرشد الذي نظَّم فوضى أسئلته وأعطاه السَّكِينة والسّلام الداخليَّين
المناصب التي تولّـاها
تطوَّع في العام 1912 في الجيش اليوناني في حرب البلقان، ثم عُيِّنَ في العام 1919 مديرًا عامًّا في وزارة الشؤون الاجتماعية في اليونان. كان مسؤولاً عن تأمين الغذاء لحوالي 15 ألف يوناني ومسؤولـاً عن إعادتهم إلى اليونان من القوقاز. لكنه استقال بُعَيْدَ ذلك من منصبه. عمل في السياسة فترة قصيرة، إذ عُيِّن وزيرًا في الحكومة اليونانية في العام 1945 ومديرًا في اليونسكو في العام 1946 وكانت وظيفته العمل على ترجمة كلاسيكيات العالم لتعزيز جسور التواصل بين الحضارات وخصوصًا التي بين الشرق والغرب. ثمّ استقال بعد ذلك ليتفرغ للكتابة
مؤلَّفاته
كتب الأوديسة في ملحمة مؤلَّفة من 33.333 بيتًا، بدأها من حيث انتهت أوديسة هوميروس. وقد اعتُبِرَ هذا العملُ ثورة في مجال المفردات اللغوية والأسلوب، كما أظهر مدى عمق معرفة كازنتزاكيس بعلم الآثار والأنثروبولوجيا. وكتب العديد من الأعمال الأدبية الهامة وترجم العديد. نذكر منها؛ رياضات روحية: مخلَّصو الله، الثعبان والزنبقة، الحرية أو الموت، فقير أسّيزي، الإخوة الأعداء، زوربا اليوناني، الإغواء الأخير للمسيح، الأوديسة: التكملة الحديثة 1929-1938
الكوميديا الإلهية لدانتي، هكذا تكلم زاردشت لنيتشه، الإسكندر الأكبر- كتاب للأطفال، الآلام باليونانية أو المسيح يُصْلَبُ من جديد، تقرير إلى غريكو- وقد نشرتْ زوجتُه هذا الكتاب عام 1961 أي بعد وفاته، من خلال قيامها بجمع رسائل كازنتزاكيس ومذكراته
عُرِّضتْ بعضُ أعمال كازنتزاكيس للرقابة. فمُنِعَ نشرُها في بعض دول العالم. إلّـا أنّ كتاب “الإغواء الأخير للمسيح” الذي نُشِرَ عام 1951 قد اعتُبِرَ أكثر إثارة للجدل (3) إلى درجة قيام الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بمنع الكتاب؛ كما عمد البابا آنذاك إلى إدراج كتابه ضمن لائحة الكتب الممنوعة في الفاتيكان سنة 1954 والذي أثار الجدل ذاته بعد أن قام المخرج الأمريكي مارتن سكورسيزي بإخراج هذا العمل في ثمانينيات القرن الماضي
من الجوائز التي حصل عليها
مُنِحَ كازنتزاكيس في 28 حزيران من العام 1957 جائزة لينين للسلام في مدينة ڤيينا. ورُشِّح عام 1956 لنيل جائزة نوبل، لكنه خسرها للمفكر الفرنسي ألبير كامو بفارق صوت واحد
وفاته
كان في أواخر أيامه يطلب إلى ربِّه أن يمدَّ في عمره عشر سنوات أُخَر ليكمل أعماله و”يفرغ لنفسه” كما كان يقول. وقد تمنى لو أنّ في إمكانه أن يتسول من كلِّ عابر سبيل ربع ساعة ما يكفي لإنهاء عمله. توفِّي في 26 تشرين الأول سنة 1957 في ألمانيا عن عمر 74 عامًا. ونُقِلَ جثمانُه إلى أثينا. لكنَّ الكنيسة الأرثوذوكسَّية منعت تشييعه هناك فنُقِلَ إلى كريت. وكُتِبَتْ على شاهدة ضريحه، بناءً على طلبه، العبارة التالية من قصص التراث الهندي: لا آمُل في شيء، لا أخشى شيئًا، أنا حُرٌّ
ذكراه
خُصِّصَ له متحفٌ صغير في جزيرته- كريت- فارفاري ميرتيا. واحتوى المتحف على أشيائه الشخصية ومجموعة قيِّمة من المخطوطات والرسائل، بالإضافة إلى النسخ الأولية لكتبه. وصور ومقالات كُتِبَتْ عن حياته وأعماله. تمَّ إخراج أربعة أفلام أُخِذتْ عن رواياته وهي: الهوى اليوناني، زوربا، الإغواء الأخير للمسيح. ومؤخرًا فيلم مأخوذ عن كتاب الإسكندر الأكبر. قالت زوجته عنه: كان نقيًّا وبريئًا وعذبًا بلا حدود مع الآخرين. أما مع نفسه فقد كان شديد القسوة؛ ربَّما أوّلًـا: لإحساسه بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقه وحجم العمل المطلوب منه. وتاليًا: لأن ساعاته في الحياة محدودة
* * * * *
1. قصد المترجم بالأسفار (جمع سَفَر- بفتح السين والفاء) الرِّحلات
2. أشار القسم الإنگـليزي في ويكيپـيديا إلى أنه تزوّج أوّلًـا من غالاتيا أليكسيو عام 1911 لكنّهما انفصلا عام 1926 ثمّ تزوّج من هيليني ساميو (أو إيليني) عام 1945
3. أشار القسم الإنگـليزي المذكور إلى قيام الكنيسة الأرثوذوكسية بحرمان كازنتزاكيس (وهو أرثوذوكسي) من الكنيسة بسبب كتابه المتعلّق بالسيد المسيح له المجد. أمّا الڤاتيكان فقد أدرج ذلك الكتاب في قائمة الكتب الممنوعة. ولم يرد أيّ ذِكر لقداسة البابا شخصيًّا. علمًا أنّ كازنتزاكيس لم يقصد الإساءة إلى السيد المسيح وإلّـا لما اعترض على قرار كنيسته ولما همَّهُ قرار الڤاتيكان
– – – – –
المزيد من سيرة كازنتزاكيس عبر الرابط
http://en.wikipedia.org/wiki/Nikos_Kazantzakis
وهنا شريط مصوّر بين العامين 1983-2010 لمتحف نيكوس كازنتزاكيس
http://www.kazantzakis-museum.gr/index.php
مع خالص المحبّة وفائق الاحترام