تم تقسيم فلسطين في 29 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1947.. عبرتها 3 حروب مع الدول العربية، والآن نشهد تفكك الجيشين السوري والعراقي، وتحييد الجيشين الأردني والمصري. في هذه الأثناء خاض لبنان حربين ضروسين مع إسرائيل. ومنذ عشر سنوات صارت إسرائيل تعتبر أن إيران تشكل لها التهديد الجوهري، خصوصًا إذا نجحت في تصنيع القنبلة الذرية، لذلك صدر تقرير إسرائيلي أخيرًا يشير إلى أن الحرب الإسرائيلية المقبلة ستخاض ضد منظمات «هجينة» غير حكومية طورت قوة عسكرية تجمع ما بين تكتيكات العصابات والقوات المسلحة النظامية، وحدَّد «حزب الله» وحركة «حماس».
«حزب الله» المشغول هذه الفترة بالحرب السورية غير مهتم بالمواجهة مع إسرائيل، لذلك يريد تجنب وصول مجموعات من «النصرة» أو «داعش» إلى الجولان كي لا يقع حادث مع إسرائيل يضطره إلى مواجهة تُفرض عليه في غير وقتها.
حسب التقرير، يمتلك الحزب 150 ألف صاروخ وقذيفة، منها العالية الدقة أو المزودة برؤوس حربية كبيرة تستطيع أن تصيب عمليًا كل نقطة داخل إسرائيل. قد يطلق الحزب 150 صاروخًا يوميًا يمكن أن تشل البنى التحتية مثل مطار بن غوريون. في ظل هذا التهديد تُراجع إسرائيل ضربة استباقية، إذ بنظرها سوف تتطور المواجهة إلى عملية واسعة النطاق تمتد من وادي البقاع وبيروت في لبنان على طول الطريق حتى النقب. وكرد على إطلاق صواريخ ضخمة ضد أهداف عسكرية ومدنية داخل إسرائيل، فإن الجيش الإسرائيلي سيشن هجومًا واسع النطاق على لبنان أرضًا وجوًا وبحرًا. يقول التقرير إن المعارك ستجري في مناطق لبنانية مفتوحة وفي بعض الحالات في المناطق المكتظة، خصوصًا في المدن، حيث ينشر «حزب الله» صواريخه. يضيف منذ البداية: ليس لإسرائيل النية للبقاء في لبنان، كي لا تغرق في الأوحال اللبنانية. قد يمتد البقاء لبضعة أسابيع، لأن الهدف الاستراتيجي إلحاق أكبر قدر من الضرر والخسائر وإضعاف ردع الحزب، و«تأجيل الجولة المقبلة بقدر الإمكان».
على المستوى العملي سوف تسعى إسرائيل إلى تدمير ما أمكن من الصواريخ، خصوصًا الأكثر فعالية وفتكًا قبل إطلاقها، ولذلك سوف يركز الجيش الإسرائيلي على نحو 200 قرية وبلدة في جنوب لبنان حيث تنتشر الصواريخ، وسيعتمد على كثافة نيران عالية الدقة، خصوصًا من سلاح الطيران جنبًا إلى جنب مع عمليات أرضية، «ولا يمكن استبعاد هجوم بري يصل إلى عمق الأراضي اللبنانية لتوجيه ضربة عملاتية إلى (حزب الله) تهدد مباشرة مراكزه الحساسة، بهدف دفع قادته إلى قبول وقف لإطلاق النار حسبما أمكن من الشروط الإسرائيلية».
وللحد من الخسائر الإسرائيلية التي سوف تسببها نيران «حزب الله»، ستلجأ إسرائيل إلى التدابير الدفاعية الفعالة كتحريك نظام «القبة الحديدية» إلى جانب الدفاع السلبي، مع اعتمادها على التنسيق الفعال بين السلطات المحلية والحكومة، لأنه في حال وقوع الحرب سوف تجلي إسرائيل 14 مستوطنة تقع على مقربة من الحدود مع لبنان، بسبب «هجوم محتمل من قبل (حزب الله) على الأراضي الإسرائيلية».
على الجانب الآخر من الخريطة، هناك حركة حماس في غزة بين إسرائيل ومصر، حيث البلدان معاديان لها. يقول التقرير: استثمرت «حماس» في بضعة آلاف من الصواريخ، غير الفتاكة، كما تلك التي عند «حزب الله»، ونجحت في حفر الأنفاق تحت الأرض، وتشعر إسرائيل بأنه على الرغم من طموحات «حماس» لتحريك الضفة الغربية، فإنها ليست مهتمة بالمواجهة في قطاع غزة. لكن هذا الاتجاه قد يتغير.
حسب التقرير، تفضل إسرائيل أن تستعيد السلطة الفلسطينية السيطرة على غزة، لكن السلطة غير مستعدة وحتى غير قادرة، فهي تمر بفترة صعبة جدًا تبدو كأنها غير موجودة، «على الرغم من المساعدات الضخمة لها من إسرائيل، ومنع (حماس) من السيطرة على الضفة».
تقول إسرائيل إن باستطاعتها احتلال غزة ومن ثم الانسحاب، إنما بعد مثل هذه المواجهة قد تثبت «حماس» أنها أضعف من أن تعاود فرض سلطتها. لذلك، قد تتحول بعض أجزاء غزة أو القطاع كله، إلى «أرض مشاع أو حرام»، وأسوأ ما تتخوف منه إسرائيل، أن تصبح هذه الأرض منطقة تجمع وانطلاق لمنظمات إسلامية أكثر تطرفًا من «حماس»، مثل «القاعدة» و«داعش».
بالنسبة إلى إسرائيل، فإن «حماس» هو «الشيطان الذي تعرفه»، حركة معادية، إنما يمكن التوصل معها إلى تفاهمات ولو بشكل غير رسمي، كما فعلت في الماضي، ويمكن أن تفعل في المستقبل، و«على جبهات أخرى أيضًا».
لكن «حماس» وأنفاقها دفعت بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الإعلان عن الحاجة لنشر «القبة الحديدية تحت الأرض»، إذ إن أنفاق «حماس» عام 2014 كبَّدت إسرائيل مفاجأة وخسائر. لم يتم تدميرها كلها. يصل بعضها إلى 50 مترًا داخل أراضي إسرائيل، مدعومة بـ500 طن من الإسمنت، ومجهزة بخطوط اتصالات وأنظمة ترشيح وكابلات هيدروليكية لنقل الأسلحة. ارتفاعها متران وعرضها 1.5 متر، حيث يمكن الجري فيها وخطف الجنود والمدنيين الإسرائيليين. ولجدية هذا الخطر تعمل الولايات المتحدة مع إسرائيل منذ عام 2008 على تقنيات مكافحة الأنفاق.
وقال الكولونيل بيتر لرنر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي: «الأنفاق ليست سوى أحد التحديات التي نواجهها في غزة». إذا وقعت الحرب تتوقع إسرائيل ردة فعل قوية من تركيا لتثبت أنها تقف إلى جانب «حماس»، وقد يؤثر هذا على المصالحة الحديثة بين البلدين، و«قد تقوم تركيا بدور الوساطة لأن الطرفين يثقان بها».
بالنسبة إلى إيران فقد تحاول دعم «حماس» ضد إسرائيل. لكن بسبب عزلة الحركة في غزة، وإغلاق مصر للأنفاق التي تمتد من غزة، حتى سيناء، فإنه من الصعب على إيران إيصال الإمدادات، ثم إن «حماس» لم تدعم بشار الأسد الرئيس السوري، كما طلبت منها إيران.
والمعروف أن الجيش الإسرائيلي يعتمد على الاحتياط، لكن (كما يشير التقرير)، وفي حال كانت الحرب على جبهة واحدة، سيعتمد على الوحدات العادية، لأنها متوافرة على مدار السنة وأسهل للتدريب، وإذا صارت الحرب شرسة، فإن عناصر الاحتياط لا يترددون في توجيه النقد إلى القيادة، عكس حال الجيش النظامي، إنما هذا لا يمنع من تصدعات داخل صفوف الجنود العاديين، كما يشير التقرير، خصوصًا إذا استعملت إسرائيل القوة المفرطة ولم تنهزم بالكامل «حماس» أو «حزب الله»، «حتى بعد تدمير لبنان».
حسب التقرير، سيتمتع سلاح الطيران بالتفوق الجوي، فالحركة والحزب لا طائرات عسكرية لديهما أو صواريخ اعتراضية، فقط أنظمة صواريخ مضادة للطائرات لدى الحزب. لا يستبعد التقرير احتمال إسقاط طائرة عسكرية، لكن سيبقى سلاح الطيران الإسرائيلي فعالاً مدعومًا بقوات برية داخل لبنان وسفن تقصف من البحر.
يبدو أن النظام السوري بما اعتمد من وسائل في حربه ضد شعبه، وبمؤازرة روسيا وإيران و«حزب الله»، أعطى إسرائيل الذريعة للاستعداد لحرب تتجاوز خلالها كل الخطوط الحمراء التي تفرضها القوانين الدولية.
تعترف إسرائيل بأن معارك داخل الأنفاق تمثل تحديًا معقدًا للغاية، وينصح التقرير الجيش بتجنب مثل هذه التعقيدات لأقصى حد والتركيز على حماية الجنود على الأرض «لأنه داخل الأنفاق عدد مقاتلي الأعداء كبير، وستكون لديهم قوة نيران متفوقة».
فيما يتعلق بحدودها مع لبنان وحتى سوريا التي تسيطر عليها مجموعات إسلامية متطرفة، تقلق إسرائيل من احتمال مد أنفاق، لكنها تركز على احتمال هجوم شامل يقوم به «حزب الله»، قال الكولونيل لرنر: «ننظر إلى التهديد في الشمال بشكل مختلف؛ التضاريس هناك مختلفة تمامًا، أنشأنا منحدرات اصطناعية شكلت تضاريس صعبة للغاية، لا يسهل اقتحامها بسهولة للوصول إلى تجمعات مدنية أو قاعدة عسكرية».
يختتم التقرير، بأن الحرب ضد «حزب الله» ستكون تحديًا كبيرًا، قد لا تتمم مهمة تدميره بالكامل، إنما «ستنجح في تدمير كل لبنان»!
نقلاً عن “الشرق الأوسط”