تناقلت وكالات الأنباء خلال الأسابيع الماضية خبرين مهمين الأول احتفالات مصر بالذكرى الـ34 لتحرير سيناء الذي تم في 25/4/1982 حين أعلن الرئيس محمد حسني مبارك رفع العلم المصري على رفح وشرم الشيخ وقام بتعيين القيادي الوفدي المعارض د.وحيد رأفت رئيسا لوفد التفاوض مع اسرائيل حول طابا والذي انتهى بتحريرها في مارس 1989، الخبر الثاني هو عقد مجلس الوزراء الاسرائيلي جلسته الأولى في مرتفعات الجولان التي قامت اسرائيل بإعلان ضمها في ديسمبر 1981 اي قبل 4 أشهر من انسحابها من سيناء.
***
تشكل سيناء بجبالها ومساحتها البالغة 60 ألف كم2 اهمية دفاعية وجيواستراتيجية اكثر بكثير من مرتفعات الجولان (أقل من ألفي كم2)، إضافة الى بترولها وغازها وسواحلها ومطاراتها وموانئها ومعابدها التاريخية وقيمتها للديانة اليهودية وكونها مانعا طبيعيا يفصلها عن أكبر وأقوى دولة عربية، فلماذا انسحبت اسرائيل من سيناء وبقيت بعد نصف قرن في الجولان ولا توجد اي دلالة على احتمال تحريرها، خاصة بعد ان تفرغ الجيش السوري الرسمي لإبادة شعبه في حلب وغيرها بدلا من تحرير أرضه؟!
***
مع بدء قيام الرئيس محمد أنور السادات بتحركه السياسي بعد تحركه العسكري (حرب 73) لتحرير أرضه، استقال خلال اقل من عام 1977 ـ 1978 ثلاثة من وزراء خارجيته (فهمي، رياض، كامل) اضافة الى مدير الدائرة القانونية د.نبيل العربي احتجاجا على زيارة السادات لإسرائيل وبدء مفاوضات كامب ديفيد بحجة انه فرط في مصالح مصر والعرب (كذا) كما قام الاستاذ هيكل بكتابة المقالات وإصدار الكتب كجزء من حملته على تلك الاتفاقية وكان قبل ذلك مؤيدا ومبررا لحربي (56 و67) اللتين خسرت من خلالهما مصر أراضيها لصالح اسرائيل وهذا موقف عجيب آخر لمن يسمى الاستاذ، كما انضم للحملة على الاتفاقية التي أعادت أراضي مصر لمصر، قيادات ثورية ليست فوق مستوى الشبهات مثل صدام والقذافي والأسد وصالح، فهل كان هؤلاء تاريخيا محقين في مواقفهم ام كان السادات هو المحق؟!
***
يأتي كتاب أمين عام الجامعة العربية الجديد السفير احمد ابوالغيط (شاهد على الحرب والسلام) ومثله كتابا مذكرات من شارك من الجانب الاسرائيلي في كامب ديفيد أمثال وزيري الدفاع موشي ديان وعزرا وايزمان، لتظهر حقيقة الموقف الاسرائيلي من تلك المباحثات وهو تماما عكس ما كان يروجه معارضو تلك الاتفاقية، فلم تكن اسرائيل مستعدة او راغبة في الانسحاب من سيناء وكانت ترى ان البقاء في سيناء ومصادرتها لاحقا وملأها بالمطارات والمستوطنات خير ألف مرة من اتفاقية السلام، ويذكر وايزمان ان زيارة السادات لاسرائيل هي التي أرغمتهم في النهاية على القبول بالانسحاب من سيناء خاصة انهم يملكون التفوق العسكري النوعي والخيار الذري عند الحاجة وان أفضل موقف مصري وعربي تستفيد منه اسرائيل آنذاك لتبقى في سيناء لأجل غير مسمى هو موقف معارضي الاتفاقية من الثوريين العرب العملاء والأغبياء منهم على حد سواء.
***
آخر محطة: (1) أعتقد ان المعارضين لمعاهدة كامب ديفيد من وزراء الخارجية المصرية (فهمي، رياض، كامل) ومثلهم القيادات الوطنية المصرية لم يكونوا قطعا من العملاء بل اجتهدوا وأخطأوا تماما في اجتهاداتهم ولم يدروا ان ذلك الاجتهاد الانفعالي وقصير النظر يصب في مصلحة عدوهم، اما القيادات الثورية العربية التي أرادت وعملت على عزل مصر ومعها الكتابات الهيكلية المضللة، فقد كانوا على الأرجح يعلمون بما يفعلون ويريدون ان يكون مصير سيناء كمصير الجولان اي احتلال الى الأبد.
(2) لولا ذكاء ومكر السادات لحرمت مصر من خيرات سيناء الطبيعية ومن سائحيها طوال 34 عاما ولازدحمت أرض الفيروز كحال الضفة والجولان بالمستوطنات الاسرائيلية وحتى لربما الفلسطينية، فقد كانت اسرائيل ولازالت تشجع رحيل سكان قطاع غزة المزدحم بالسكان الى سيناء.
(3) وددت ومصر الوفية تحتفل قبل ايام بعيد تحرير سيناء ان تذكر وسائل الإعلام في عهد من تحررت وان تتوقف عملية إدخال السياسة في التاريخ، كما قام بذلك الرئيس محمد نجيب عام 52 عندما ألغى اسم الزعيم سعد زغلول من المناهج المدرسية فقام الرئيس عبدالناصر لاحقا بإلغاء اسم نجيب من المناهج نفسها!
* نقلا عن “الأنباء”