يبدو الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، رغم بعض تصريحاته المشوبة بالعنصرية، حاد الذكاء، مُطلِق الألفاظ النابية أحياناً، سريع الإنفعال، كثير التصميم.
من تصريحاته اليوم حول سورية، رغبته في التعاون مع روسيا والأولوية التي يوليها وتبدو جدية لمحاربة داعش والتكفيريين.
أما مواقفه المتشنجة غير المسبوقة تجاه الشعب الفلسطيني المظلوم وتأييده المطلق لإسرائيل، فربما ستتطور وقد تزيد من شعبية القضية الفلسطينية ومن المشاعر المعادية للسياسة الإسرائيلية في أمريكا وأوروبا.
نصيحتنا لفريقي الصراع في سورية من غير التكفيريين، وبغض النظر عن وضعهما الميداني، الإستعداد للتفاوض على مستقبل الوطن برعاية روسيا وأميركا (إن حدث توافق جدي بينهما) والعودة للمجتمع السوري لكي يقود مسيرة المستقبل نحو دولة القانون والمواطنة والكرامة الإنسانية.
وصلني من السيد أحمد منصور المقال التالي:
Ah Mansour-
سوريا على ضفتي الانتقال الأمريكي.
ما هو شكل الفعِل القادم لإدارة البيت الأبيض الجديدة، بعد كل هذا التدمير الحاصل في سوريا، وتلكؤ إدارتهم السابقة عن العمل على وضع حد للمأساة، والإتجاه قُدمُاً نحو حل يتوافق مع تطلعات ملايين السوريين. وخصوصاً أن ساحة الاحتراب في سوريا أصبحت تضم عدة قوى دولية وإقليمية متناقضة المصالح عموماً. إضافة إلى تنظيمات وفصائل دينية عابرة للحدود، ذات طابع إيديولوجي يتمحور ضمن عقيدة الجهاد الشيعي والسني، و مجموعات المرتزقة متعددة الجنسيات. وجميعها تخوض حرب منفردة المصالح وذات أبعاد جيوسياسية، لا ترتبط أساساً بالمصير السوري و حتميته او حتى عدميته. وقد أصبح من الواضح أن الأرض السورية التي تضم أولئك جميعهم تحولت أيضاً إلى معرض ومنصة لاستعراض العضلات والإمكانيات النافذة لها، مهما كلف ذلك من دمار و قتل وتشريد، من خلال الطواف العالمي لبعض القوى المؤثرة والمهتمة بشكل خاص بتطوير تكنولوجيا صناعة السلاح. حيثُ لم يسبق أن شهد العالم أن تجارب استخدام الأسلحة وعقد صفقات بيعِها تحدث في معارك، وقودها الأطفال والنساء وكبار السن. والحديث هنا بالمطلق عن الروس الذين يتواجدون في سوريا بشكل علني.
إضافة إلى تلك المشاريع التي تتلاقى فيها إرادة جميع اللاعبين الدوليين والإقليميين، والتي يتوجب الوقوف عندها، وعند الذين تم استثمارهم فيها من قوى ومجموعات محلية، والذين كانوا بمثابة أداة تسوغ بأن الحرب الحاصلة هي حرب دينية، ويجدون لها المسوغات المُناسبة. لتجد قصص ومماحكات، صراع الأديان و الطوائف و المذاهب، طريقها إلى عقول الكثير من صغار العمر واليافعين ومن طالت قسوة الحرب وظلمها، وعنف الطاغية والميليشيات، أهلهم وذويهم. لذا نجد أن التقارب الحاصل، سواء بين منظري أو مجموعات المنظومات الجهادية، لا يمُر فقط عبر الجهد المحلي، بل هناك أشياء تدعوا إلى الشك والريبة وليس إلى اليقين بأن بوابة التنسيق بين المجموعات الجهادية، على حد سواء، أكانوا من التطرف السني أو الشيعي، فهو يمر عبر بوابات إقليمية، وحتى تكاد أن تكون دولية أيضاً. وهنا تتطلب الإشارة إلى أدوار إقليمية أجنبية وعربية تعمدت تلغيم فترة الحرب لإطالتها على اختلاف مراحلها. ومثال على ذلك إستمرار عملية التحشيد الشيعي التي تتم عبر منافذ إيران وأفغانستان، والسني وتدفقه عبر منافذ تركيا والأردن وحتى العراق. ضمن هذا التصور لا أعتقد أن كل هذا يكاد يمر بدون علم القوى الكبرى المؤثرة وتحديداً أمريكا وروسيا وضلوعهم فيه.
ووفق هذا أيضاُ تجد القضية السورية نفسها معرضة للقسمة بين حسابات الأقطاب الدولية، أمريكا وروسيا، وإلى جانبهما أضلاع المحاور، تركيا وإيران، ومن وراء الجميع إسرائيل، إذ يستمرون جميعهم بذر الرماد في العيون، وإلقاء الحطب لتشتعل النيران أكثر في ساحة الصراع السوري. من خلال تشجيعهم، الغير معلن مجتمعين، مطالب الجماعات الانفصالية سواء عند النظام _تلميحات الدولة المفيدة_ والمعارضة _الانفصاليين الكُرد_والبدء في التلويح ايضاً عن مشاريع فدرلة سوريا، أو وضعها تحت إدارات ذاتية، وجميع تلك المشاريع حالياً تجد تعبيرها عند المستفيدين منها والممولين لها، كما تساهم في وضع سوريا على خارطة التقسيم المباشر، وذلك لغياب دور الدولة المركزي وضعف الهوية الوطنية وتعللها وغياب عوامل تكريس تلك الهوية إضافة إلى عدم وجود عقد اجتماعي جديد ( مبادئ ما فوق الدستورية التي تضمن وتحمي الحقوق الإنسانية ).
من خلال هذا الاستعراض أجد أن إدارة واشنطن الجديدة ستكون مرتبكة وستواجه خيارات متعددة بكيفية التعاطي مع الملف السوري. دون أن تغض النظر عن تضاعف حجم المكتسبات التي حققتها من خلال الاستثمار في الحرب السورية وإطالة فترتها الزمنية، على صعيد الجيوبوليتيك الاقتصادي والسياسي، كما أنها مضطرة على خلق توازنات جديدة مع ازدياد تعقيد التداخلات الحاصلة عبر الملف السوري، من اللاعبين الدوليين والإقليميين، الغارقين بمستنقع ساحات التحارب، عدا أمريكا التي تقتصر مشاركتها في إدارة دفة الصراع وتحريكه عن بُعد. كما ستجد نفسها في النهاية مُضطرة لإنجاز موقف حاسم نحو قرار نهائي ومُلزم من القضية السورية أمام حليفها في الإتحاد الأوروبي الذي يتحرك بفاعلية نحو إيجاد وسائل وسُبُل وضع حد لهذا التدهور في القضية السورية و التي لم تستنفذ وظيفتها ودورها.
بقلم أحمد منصور
تاريخ : 10 / 11 / 2016