تواجه الدول الأوروبية، ونواجه معها، حالة من الضعف التي لا نعرف إلى أين ستفضي. العام المقبل يشهد انتخابات رئاسية في أكبر وأهم بلدين أوروبيين، والقضية الأولى فيهما واحدة، ولكن تحت اسمين مختلفين: في ألمانيا اسمها اللاجئون، وفي فرنسا اسمها المتطرفون.
في ألمانيا تخوض معركة اللاجئين سيدة تدعى أنجيلا ميركل، وفي فرنسا تخوض معركة «المتطرفين» زعيمة «الجبهة الوطنية» ماريان لوبن. وفي فرنسا أيضًا أكبر جالية إسلامية في أوروبا وأكبر حزب مناهض للإسلام في القارة. من المستبعد أن تصل لوبن إلى الرئاسة في مايو (أيار) المقبل. لكن المرشحين مجموعة ضعفاء مما يزيد المخاوف. الرئيس الحالي فرنسوا هولاند في أدنى أوضاعه الشعبية، والرئيس السابق نيكولا ساركوزي يصعب أن يقنع الفرنسيين بإعادته بكل ما رافقه من إخفاق وفضائح. ويبدو أن أمل فرنسا الأقوى هو في المرشح الديغولي آلان جوبيه، وهو شخصية ديغولية فيها كثير من معالم فرنسا المعتبرة.
لكن الكثير يتوقف على من ستؤيد لوبن في الدورة الثانية. أما في ألمانيا، حيث تنوي ميركل خوض معركة الولاية الرابعة منذ 2005، فيبدو أنها المرشحة الأقوى، ولكن تواجهها صعوبات كثيرة، خصوصًا من اليمين المتطرف. لن تغير لوبن في شعارات حملتها، يقلدها وينافسها في ذلك، ساركوزي، ولن تغير المستشارة الألمانية في جوهر مواقفها التاريخية. أما الزعيمة الأوروبية الأخرى، رئيسة وزراء بريطانيا، فتخوض هذه المسائل الآن خارج أوروبا. وتلتقي في النظرة إلى الانفصال عن القارة مع لوبن، التي ترى أن أوروبا حولت فرنسا إلى إقليم ريفي معزول. الصحافيون من جيلي، الذين غطوا شؤون وأحداث فرنسا وألمانيا منذ 1961، لا يمكنهم إلا أن يتذكروا قامات ديغول وجورج بومبيدو وفرنسوا ميتيران وجاك شيراك. حتى رجال «الجمهورية الرابعة» التي أهال عليها ديغول التراب، كانت لهم حالات سياسية كبرى. وبالمقارنة، فإن معظم مستشاري ألمانيا، من أديناور إلى ميركل، كانوا ذوي إنجازات وقامات وطنية: فيلي برانت، هلموت شميت، وهلموت كول. وفي ظل هؤلاء لم تتوقف ألمانيا عن النمو والتقدم واحتلال المكانة الاقتصادية الأولى في أوروبا، بينما تراجعت فرنسا مع ساركوزي، ثم هولاند، إلى الضعف التي هي عليه اليوم.
وفي هذه الحالة من الوهن، تنمو على نحو مخيف، أخطر ظاهرة في فرنسا وأوروبا منذ الحرب: المدام لوبن واتجاهاتها الفاشية.