د. ميرا جميل
* من المستهجن ان أحزابا عتيقة، كانت يوما ما صاحبة تقاليد ثورية لا تخجل ان تصير أحزاب جواري ومخاصي* ان الحرب الاهلية المدمرة في سوريا اليوم هي نتاج حكم الأسد الاستبدادي الفاسد* احذروا: اذا لم تصيروا مسوخا للنظام السوري ستتهموا بالعمالة للاستعمار والصهيونية والدواعش!! *
******
قال عالم الاجتماع والفيلسوف الفرنسي المعاصر إدغار موران والذي يعد أحد رموز الفكر الغربي المعاصر: “الفنون أنتجت مبدعين والسياسة أنتجت مسوخاً”. وحين أنظر الى السياسة اليوم، أكاد أنكرها. هذه ليست جامعتنا. اراها خلواً من أي عنصر أخلاقي أيضاً. فهل ستظل السياسة تنتج مسوخاً؟!
من المستهجن ان أحزابا عتيقة، كانت يوما ما صاحبة تقاليد ثورية، وفكر طلائعي ، وقادة طلائعيون في فكرهم وثقافتهم وتثقيفهم للجمهور، لا تخجل ان تصير أحزاب جواري ومخاصي، ومروجين لشعارات ملها الشارع، تحت صيغة “الاستعمار والصهيونية” ظنا ان زج هاتين الكلمتين قادر على قلب الحقائق، او خلق ردود فعل تسونامية لدعم نظام سفاح ضد شعبه مثل بشار الأسد ، قتل واضطهد آلاف المواطنين قبل ان تبدأ سكاكين الدواعش بحصد الرقاب.
ثوريوا آخر زمن، ولا أعني فئة محددة بمساحة جغرافية، لا يسمعون ولا يرون. وقديما قالوا “أسد في الشام فأرا في الجولان”. ووزير الخارجية السوري وليد المعلم أضحكني في تصريح قديم له سجلته في اوراقي بتهديد العالم كله بمعداته العسكرية: “التي من الأفضل ان لا يخرجها جيش سوريا الباسل للاستعمال” قبل احداث سوريا المؤلمة ذكرت الاحصاءات عن تصفيات رهيبة قام بها النظام السوري، منها 4000 قتيل من المعارضين السوريين و100 الف سجين لا يعرف شيء عن مصيرهم. وهناك سلاح سوريا ليوم الدين: سلاح الشبيحة الرهيب “.. واجهزة مخابرات متعددة الأشكال والألوان لدرجة انه يبدو ان لكل 50 مواطنا جاسوسا خاصا.
رؤيتي ان الحرب الاهلية المدمرة في سوريا اليوم هي نتاج حكم الأسد الاستبدادي الفاسد، سوريا حرة ديموقراطية كانت ستقضي على الدواعش قبل ان يجرؤوا على دخول اراضي سوريا. لم يغب عن بالي ردود فعل المسوخ المصفقين لبشار. والمسوخ أنتجت من هم دونهم في المسوخية.. اشخاص غير قابلين للحوار. غير قادرين على سماع موقف مغاير. عقولهم في إجازة لا تبدو نهايتها. انتقلنا من ثقافة مبنية على العقل والفلسفة والمنطق الى ضحالة المسوخية. ان تأييدنا اليوم للدولة السورية (حتى برئاسة بشار) ليس تأييدا لبشار بل لإنقاذ الدولة السورية والشعب السوري من التفكك والضياع.. بغياب افاق اخرى جرى تصفيتها باطار صفقات سيكون أثرها كارثيا على مستقبل الدولة والشعب السوري.
واجهت تجربة سياسية وثقافية مثيرة وغنية في حياتي. وتثقفت بأن لا أتردد في تغيير ما كان يبدو ثوابت وقناعات لا بديل لها، اذا أرشدني تفكيري الفلسفي الى رؤية جديدة .
لست ممن يؤمنون بثوابت غير قابلة للتغيير. كل شيء في عالمنا متحرك. كل شيء في حياتنا متغير. ما هو صحيح اليوم قد يكون خطأ غداً. والإنسان بدون تجربة يبقى مثل المادة الخام.. جاهزاً لاستعمال الآخرين له.
لا أتردد في طرح رأيي ولو أثار غضب ألمسوخ السياسيين والشبيحة الإعلاميين والمدعين للمعرفة. على الأقل عقلي ليس في إجازة. إذا أخطأت أستطيع ان اعرف خطأي وأصوب تفكيري.
يرى موران أيضا أننا مازلنا نعيش في العصر البربري للأفكار، إذ عادة ما تكون أخطاؤنا نتاجاً لصيغة مشوهة لتنظيم المعرفة. لذلك الفكر المتزن وحده سيمكّننا من جعل معرفتنا حضارية. والفكر الارتجالي، حسب رؤيته… يتأرجح بين التطلّع إلى معرفة غير مختزلة والاعتراف بنقصان وعدم اكتمال كلّ معرفة”. ليت الجالسين في مراكز القرار السياسي، يفكرون بهذا المنطق.
الويل لمن يظن أن المعرفة هي قسمته والآخرين مجرد كومبارس. المعرفة نسبية، فلماذا يدّعي رجال السياسة انهم يعرفون كل شيء، ويعرفون اتجاهات التطور؟ ولماذا نرى ان المثقفين غير الناضجين، يقعون بنفس الهيكلية التافهة للمعرفة الكاملة؟
كان الطلائعيون من القادة السياسيين، مثقفون متنورون، واسعي الإلمام والمعرفة، مجتهدون متابعون لكل التطورات التاريخية والثقافية والاجتماعية في عالمنا، وهم ابرز ممثلي الفكر والرؤية التنويرية في مجتمعاتهم.
انتهى دورهم دون ان يعدوا جيلا جديدا. هنا كانت زلتهم الكبيرة.
وحدث الفصل بين السياسي والثقافي مع وصول من ملأوا الفراغ. وهذا الفصل بين الثقافي والسياسي أنتج مسوخا ، تصلح للتصفيق.
والمسوخ لم ينتجوا الا سياسة مشوهة..
وكل مدع لاكتمال المعرفة، يتيه في أول أسطر يخطها.
وكل الأحداث التي نعيشها تؤكد مرة بعد أخرى ان السياسة لا تحتاج الى سياسيين محترفين، يمارسون الدجل، انما الى أدباء وشعراء وأصحاب فكر وفلاسفة ورجال علم.
رجاءً لا تصدقوا الدجالين.. لا فرق بين زعيم فلقة حزبية، او تيار طائفي، أو رئيس دولة.
احذروا: اذا لم تصيروا مسوخا للنظام السوري ستتهموا بالعمالة للاستعمار والصهيونية والدواعش!!