مضى عام على قيام أميركا بإعادة اعتناق الدبلوماسية بعد انقضاء عقد من الزمان على حرب مخيبة للآمال، مما أظهر وجود اتجاه براغماتي قاس لا يعرف الرحمة بما يعيد إلى الأذهان تلك الأيام التي كانت تشهد إبرام صفقات من قبل وزراء الخارجية أمثال هنري كيسنجر وجيمس أديسون بيكر الثالث.
لقد تسببت المؤامرات الدبلوماسية السرية في إثارة الحيرة والبلبلة وأحيانا الإرباك. ومن جانبهما، فتح الرئيس أوباما ووزير الخارجية جون كيري الأبواب وخلقا الفرص لتسوية النزاعات الصعبة. بيد أن تحولات الإدارة، ولا سيما تجاه منطقة الشرق الأوسط، كانت مفاجئة للغاية وغير وجدانية لدرجة أن مكيافيللي نفسه قد يشعر بالخجل منها.
كان الاتفاق النووي الإيراني من أوضح الأمثلة على الرغبة في الانخراط مع خصوم سابقين. وفي حديثه في عطلة نهاية الأسبوع الماضي بمنتدى سابان في واشنطن، أشار أوباما إلى الأسباب التي تجعل تلك الخطوة جديرة بالتجربة لمعرفة ما إذا كان من الممكن تغيير دافع إيران تجاه مسألة الأسلحة النووية من خلال الدبلوماسية أم لا. وأشار أوباما إلى أن نسبة نجاح مناورته هذه تصل إلى 50 في المائة، مع الوضع في الاعتبار أن شن الحرب يعد خيارا متاحا ورهانا معقولا.
وعلى الجانب الآخر، كان الإسرائيليون الذين تحدثت معهم بعد ذلك متأثرين للغاية (إن لم يكونوا دائما مقتنعين) بالتوضيح الصريح والدقيق لحجة أوباما بشأن اختبار الإيرانيين. وسنكتشف في العام المقبل ما إذا كان أوباما يعني ذلك عندما قال: إن إبرام اتفاق سيئ (وهو ما يعني عدم التأكد من بقاء البرنامج الإيراني سلميا لسنوات مقبلة) سيكون أسوأ من التوصل إلى لا شيء على الإطلاق.
لكن المدهش حقا فيما يتعلق بالقضية الإيرانية هو أنه جرى الإعداد لها في الخفاء. لكن الذين استشعروا حدوث ذلك يعودون بالذاكرة إلى عام 2012 عندما كانت هيلاري كلينتون تتولى وزارة الخارجية وكان محمود أحمدي نجاد، ذو الطبيعة الحادة، ما زال رئيسا لإيران. وكان سلطنة عمان قد وفرت قناة اتصال. وقد ساهمت تلك الاتصالات غير المعلنة في تسريع المفاوضات وخصوصا عندما جرى انتخاب حسن روحاني رئيسا جديدا لإيران في يونيو (حزيران) الماضي، لكن تلك المفاوضات كان يجب أن تنال مباركة ورضا المرشد الأعلى علي خامنئي.
حتى وزير الخارجية جون كيري في مساعيه الدبلوماسية لحل المشكلة الإسرائيلية – الفلسطينية عرض الطرح التالي على الطرفين الذي كان شديد العملية وهو: عليكم أن تشرعوا في الانتقال إلى مناقشة حل الدولة الفلسطينية المستقلة الآن، وإلا سوف تندمون فيما بعد.
لكن مشاهدة حالة عدم اليقين التي تعاني منها الإدارة الأميركية فيما يخص القضية السورية ليس مشجعا بالمرة. فقد بقي أوباما على موقفه الخجول من تبني برنامج جاد لتدريب وتسليح المعارضة المعتدلة في سوريا. ولو أنه اتخذ القرار الصحيح في منتصف عام 2012، لكنا الآن أمام 10.000 مقاتل جرى تدريبهم من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، والذين كانوا من الممكن أن يمنعوا تنظيم القاعدة من العودة للاستيلاء على منطقة وادي الفرات. والآن ومع تشرذم المقاتلين المعتدلين غير المدربين وازدياد أعداد مقاتلي تنظيم القاعدة في البلاد، فقد قالت تقارير إن أوباما قرر التعاون مع المملكة العربية السعودية ومجموعات لا تعتنق أفكارا جهادية كتلك الأفكار المخيفة التي كان يعتنقها لوردات الحرب الذين دعمتهم الولايات المتحدة في أفغانستان خلال فترة الثمانينات.
* خدمة «واشنطن بوست»
منقول عن الشرق الاوسط