ما زلتُ على يقين بأن أساس المؤامرة على العراق يتمثل في إستخدام مجموعة من الأشخاص ذوي أصول عراقية وممن إكتسبوا جنسيات أجنبية بعد أن أقسموا بالولاء لبلدانهم الجديدة، للعمل ضمن مخطط دولي كبير لتدمير العراق وسرقة ثرواته وإنتهاك حقوق شعبه، بما ينعكس على كل دول منطقة الشرق الأوسط.
وإنطلاقاً من هذا اليقين، فقد نشَرتُ عدّة مقالات بهذا الصدد، كشفتُ فيها عن العديد من هؤلاء، أمثال الكويتي الذي أصبح وزيراً في العراق، والإيراني الذي أصبح مسؤولا عن شهداء العراق.
واليوم، أتحدث عن لاجئ سويدي رشحَه الاتحاد الوطني الكردستاني ضمن المحاصصة الحزبية المقيتة، بضغط شديد من هيرو إبراهيم زوجة الرئيس السابق جلال الطالباني.
فما قصة هذا اللاجئ؟ وما خفايا ترشيحه؟ وما هو مستقبل العراق إذا أصبح رئيساً له؟
سيرة لاجئ
تحدثنا سيرة حياة محمد صابر إسماعيل المنشورة على موقع وزارة الخارجية والتي حذفت فيما بعد، بأنه من مواليد 1947 في السليمانية، ولا يعلم تاريخه ميلاده الحقيقي باليوم والشهر، لذا فقد دُوّن بأنه من مواليد 1/7 كما هو الحال لألاف العراقيين الذين قرر قانون الجنسية العراقي إدراجه للذين لا يعرف تاريخ ميلادهم بدقة. وهذا يعني بأنه يبلغ من العمر 71 سنة.
وتشير السيرة ذاتها أنه خريج بكلوريوس في الفيزياء من جامعة بغداد، وإنه حصل على ماجستير في الفيزياء النووية من جامعة ستوكهولم عام 1983، ثم دكتوراه بذات الاختصاص من نفس الجامعة عام 1988. وكانت الأمم المتحدة ومكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان تشكك كثيرا بشهادته، وهذا ما أبلغوني به شخصيا عندما كنت نائبا للسفير في ممثلية العراق الدائمة لدى الأمم المتحدة في جنيف.
تفرغ للعمل الحزبي منذ عام 1978 فأصبح مسؤولا للاتحاد الوطني الكردستاني للدول الأوربية، ثم ممثلا لحكومة أقليم كردستان والإتحاد الوطني الكردستاني في فرنسا منذ عام 1993، ثم إنتقل إلى واشنطن ممثلا لنفس الحكومة والحزب منذ عام 2001.
عاد إلى العراق بعد سقوط النظام السابق في عام 2004، ليمنح بعد 3 أشهر درجة سفير في 20/7/2004، وليعين سفيرا للعراق في الصين بعد أقل من شهرين في 9/9/2004، في إستغلال واضح للوظيفة العامة قام الرئيس طالباني بتعيينه سفيراً نظرا لحالة القرابة بينهما وبتزكية وترشيح من وزير الخارجية هوشيار زيباري، حيث كان قانون الخدمة الخارجية رقم (122) لسنة 1976 ينص على ما يلي: –
مادة 11
أولا – يعين السفير بمرسوم جمهوري، بناء على اقتراح وزير الخارجية.
وبعد تعيين عدد من المقربين في مناصب كبيرة، أصدر القانون الجديد للخدمة الخارجية رقم 45 لسنة 2008، الذي وضع شروطاً معقدة لتعيين السفير للمرشحين الجدد، حيث تقضي المادة 9 منه على ما يلي: –
اولاً- يعين السفير بمرسوم جمهوري بناء على ترشيح الوزير وتوصية مجلس
الوزراء وموافقة مجلس النواب.
ثانياً- يشترط فيمن يعين سفيراً أن يكون:
أ- عراقي الجنسية.
ب – حاصلاً على الشهادة الجامعية الأولية أو ما يعادلها في الأقل.
ج- من ذوي الخبرة والاختصاص ومن المشهود لهم بالنزاهة والكفاءة.
د – لا يقل عمره عن (35) خمسة وثلاثين عاماً.
هـ – أن لا تقل درجته الوظيفية عن درجة مستشار.
كما أجازوا لأنفسهم ترشيح من يرغبونه لمنصب السفير خارج هذه الضوابط، على أن لاتزيد نسبتهم على (25%) من مجموع السفراء، كما نصت الفقرة ثالثاً من هذه المادة أعلاه.
إنتقل محمد صابر إسماعيل إلى الصين سفيرا للعراق ليستمر هناك لفترة أطول من أي سفير أخر، وهي 6 سنوات بدلا من 4 سنوات، كما تنص المادة 19/أولا من نظام الخدمة الخارجية رقم 1 الصادر في 3/1/ 2010، حيث نصت على ما يلي:
أولاـ تحدد مدة عمل موظف الخدمة الخارجية في الخارج بـ(4) أربع سنوات، وللوزير بتوصية من مجلس الوزارة عند مقتضيات المصلحة العامة، تمديدها (1) سنة واحدة.
وربما من يعترض محتجا بأن النظام المذكور قد صدر بعد تعيين المشار اليه سفيرا، وهنا ينبغي التنويه من الناحية القانونية إن القانون السابق لا يلغى إلا بصدور قانون لاحق، وفي الغالب ينص القانون الجديد في أحكامه الختامية على إلغاء القانون السابق.
وبهذا الصدد، فقد كانت التعليمات المعمول بها سابقا وفقا لنظام الخدمة الخارجية رقم (32) لسنة 1976، والتي نصّت صراحة في المادة 32 منه على تقسيم مناطق الخدمة الخارجية، كما يلي: –
مادة 32
تقسم مناطق الخدمة الخارجية لأغراض هذا النظام إلى:
المنطقة الأولى – وتشمل دول واربا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية واليابان.
المنطقة الثانية – وتشمل دول آسيا وأفريقيا بما فيها الدول العربية عدا دول المنطقة الثالثة.
المنطقة الثالثة – وتشمل الدول التالية:
السودان والصومال ونيجيريا وموريتانيا والجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وجمهورية كوريا الديمقراطية وجمهورية الصين الشعبية وبنغلاديش وجمهورية فيتنام الديمقراطية وكمبوديا وجمهورية أفريقيا الوسطى وكوبا وتانزانيا وأوغندا والسنغال واي دولة أخرى يقرر الوزير ببيان اعتبارها من ضمن هذه المنطقة.
ثم حددّت المادة 33، مدة الخدمة لكل منطقة بقولها:
مادة 33
مدة الخدمة في كل من المنطقتين الأولى والثانية ثلاث سنوات في المنطقة الثالثة سنتان.
ولما كانت جمهورية الصين الشعبية ضمن تصنيف المنطقة الثالثة، فكان على وزارة الخارجية تحديد مدة خدمة السفير المذكور لسنتين وليس لست سنوات، وحتى في حالة التمديد لمدة سنة فإن مدة بقائه هناك تكون لثلاث أو أربع سنوات وليس أكثر، وبالتأكيد فقد لعب الرئيس السابق جلال الطالباني دورا في ذلك، وهذا ما سنوضح أسبابه ودوافعه لاحقا.
عاد إلى وزارة الخارجية بعد إنتهاء خدمته الطويلة في الصين ليعين رئيسا لدائرة آسيا وأستراليا لمدة ثلاث سنوات تقريبا.
عيِّن سفيرا للعراق وممثلا له في بعثة الإمم المتحدة في جنيف بتاريخ 2013/2/26، حتى كانون الثاني 2015 ليحال على التقاعد وهو بعمر 68 سنة تجاوزا على القانون الذي يحدد السن القانوني للتقاعد ب (64 سنة) وفقا قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014، حيث نصّت المادة 10 منه على ما يلي: –
تتحتم إحالة الموظف إلى التقاعد في إحدى الحالتين الآتيتين:
اولاًـ عند إكماله (63) الثالثة والستين من العمر وهي السن القانونية للإحالة إلى التقاعد بغـض النظر عن مدة خدمته ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.
ثانياًـ إذا قررت اللجنة الطبية الرسمية المختصة عدم صلاحيته للخدمة.
وهكذا يبدو لأي مطّلع حجم المخالفات والإنتهاكات القانونية التي مارسها هذا اللاجئ السويدي والذي رُشِّح لمنصب رئاسة الجمهورية اليوم.
خدمته في جنيف
لما كنت قائما بأعمال العراق المؤقت في جنيف عام 2013، إستدعتني وزارة الخارجية في بغداد لإمتحان الترقية ولإيجاز السفير الجديد إلى جنيف وهو محمد صابر اسماعيل، وقد التقيته في مكتبه بالوزارة وشرحت له طبيعة عملنا في الأمم المتحدة، وكانت لغته العربية ركيكة، ويعتمد نفس أسلوب جلال الطالباني في إلقاء النكت والضحك، وهي وسيلة لخداع المقابل وخاصة العرب، وتهوين الأمور. وطلب مني مفاتحة الجانب السويسري لإستحصال تأشيرة دخول له ولعائلته، وتعهد بإرسال الوثائق اللازمة لذلك.
وصلتني الوثائق الرسمية الخاصة بذلك، وهما كتابين صادرين من وزارة الخارجية العراقية، الأول بتوقيع هوشيار زيباري وزير الخارجية آنذاك، يشير إلى الأمر الوزاري ذي العدد م خ/1/25/475 الصادر في 20/2/2013، يكلف محمد صابر إسماعيل ممثلا دائما لجمهورية العراق في الأمم المتحدة /جنيف. أما الكتاب الثاني فموقع من فارس علي ال شكر رئيس دائرة المراسم وكالة في وزارة الخارجية، ويحمل العدد 11/س/1/621 والصادر في 11/3/2103 والموجه إلى السفارة العراقية في عمان – الأردن لماتحة السفارة السويسري هناك لإستحصال سمة الدخول إلى الأراضي السويسرية له ولعائلته المكونة من: –
السيدة هه تاو إبراهيم أحمد / الزوجة.
نازكالي محمد صابر إسماعيل / الأبنة.
ئاكري محمد صابر إسماعيل / الإبن.
وقد تفاجأنا جميعا بأنه متزوج من أخت زوجة جلال الطالباني هيرو إبراهيم أحمد، وكان هو وغيره من الطبقة السياسية التي دخلت العراق تخفي صلة القرابة فيما بينهم لسنوات طويلة وتتقن فن خداع العراقيين تجنباً لإنتقادهم بحصر الوظائف العامة بأقربائهم وحرمان بقية أفراد الشعب منها، والأمثلة على ذلك كثيرة جدا.
كان مسؤول البروتوكول في ممثلية العراق في جنيف موظف فاسد ومتملق ومخادع وكذاب يدعى (أزهر) قد جرى تعيينه من قبل الوزير زيباري شخصيا، وفائدته أنه يمارس أساليب ملتوية في جمع الأموال منها شاء السجائر من السوق الحرة وبيعها في السوق السوداء، وكذلك حجز فنادق للمسؤولين بشكل وهمي وإسترجاع الأموال من الفندق، وكذلك إسترجاع مبلغ الضرائب للمشتريات بإعتبار أن الدبلوماسيين معفيين من الضرائب، وهكذا يرسل للوزير شهريا من 20-50 الف دولار، وهكذا هو الحال في 83 سفارة وبعثة للعراق، ولم يتمكن السفير السابق محمد علي الحكيم (أمريكي من أصل عراقي) أن يزيح هذا الموظف الفاسد مراعاة لمصالحه الشخصية، وعندما تولَيت مهام القائم بالأعمال المؤقت كلفت موظف آخر بإدارة شؤون البروتوكول بدلاً عن أزهر، وما هي ساعات حتى إتصل بي من بغداد السفير الجديد محمد صابر إسماعيل ليطلب مني إبقاء الموظفين في مراكزهم دون تغيير، ويبدو أن هذه المكالمة كانت بدفع من الوزير شخصياً.
وقبل أن يصل السفير إلى جنيف ويباشر مهام عمله طلب مني تعيين عدد من المستخدمين الجدد، والغريب أن كل الذين طلب تعيينهم هم أجانب وتحديدا من أقربائه وأصدقائه السويديين من الأكراد المقيمين هناك، ويحرم في ذات الوقت العراقيين من التعيين في سفارات بلدهم، وهكذا أصبحت بعثة العراق ملحق ببعثة السويد من حيث العاملين فيها.
وربما سيستغرب أحدهم من ذلك، وهل يعقل هذا؟
نعم، هذا ما حدث فعلا، فقد أرسل لي رسالة إلكترونية يطلب فيها تعيين كل من:
هاوار علي عمر (Hawar Ali Omar) يحمل جواز سفر سويدي برقم (86162494P ).
سوزان حمه سليمان (Sozan Hama Suleiman) تحمل جواز سفر سويدي برقم (P 82864145).
وإذا كانت هذه تصرفاته وهو سفير، فكيف ستكون تصرفاته وهو رئيس للعراق؟
ومنذ اليوم الأول كان عليلا ولا يقوى على حضور إجتماعات الأمم المتحدة أو إلقاء كلمة العراق، وكان دبلوماسيي البعثة وموظفيها سعيدين بالفوضى التي خلقها، وحالهم أشبه بحال طلاب المدارس التي يغيب المعلم أو المدرس فيها، في حين كنت أنا من المعترضين عليها، لأنها تضر بمصالح العراق.
كلفت البعثة أحد المستخدمين المحليين وإسمه (باسم) وهو يتبع للمجلس الأعلى الإسلامي في العراق بأخذه إلى طبيب سويسري ليبلغني في اليوم التالي بأن الطبيب قال بأن جسم السفير لا يستجيب لأي علاج فلا حاجة لمراجعة الأطباء، وبإمكان عصير الفواكه أن يساعده قليلا.
وهكذا قامت البعثة بشراء معصرة كبيرة وكيس كبير من الجزر يوميا لعصره لهذا العليل الذي يكلف العراق أكثر مما يفيده مثل عديله جلال الطالباني الذي أقام في مستشفى ألماني لأكثر من سنة ونصف وكلف العراق أكثر من 150 مليون دولار، إضافته لإمتيازاته كرئيس للجهورية في الوقت الذي بقي كرسي الرئاسة شاغرا طيلة هذه الفترة.
ويبدو أن للوزير وحاشيته الفاسدة غرض من جلب هذا العليل الذي لا يتوافق إختصاصه مع إختصاصات الخارجية، ولم تمضي أيام حتى إتضح إن الغرض من نقله لهذه الفترة القصيرة قبل تقاعده هو لتمرير عقد شراء قطعة أرض لبناء ممثلية للعراق في جنيف حيث وقع السفير المذكور العقد بتاريخ 12/2/2014 بسعر (23.5) مليون فرنك سويسري، في حين عن سعرها الحقيقي (9) مليون فرنك سويسري، وقد نشرت تفاصيل ذلك العقد في مقالي السابق (باي … باي هوشيار) المنشور بتاريخ 30/4/2016.
وكان أخر حديثي معه بتاريخ 27/7/2013 في مكتبه عندما صارحته بأن ما يقوم به هو ظلم حقيقي، فأجاب لا أن هذا ليس بظلم، ورددت عليه في أخر عبارة: فاذا الأيام بيننا وهي ستكشف ذلك للجميع.
هذه حقيقة أدونها للتاريخ، وشهادة حية، أنبه بها العراقيين من مغبة إنتخاب هذا الشخص لمنصب رئاسة الجمهورية لأربع سنوات قادمة، وأشهد الله على كل كلمة فيها.
د. رياض السندي
كاليفورنيا في 12/9/2018