فريديك هوف – أتلانتك كونسيل (ترجمة كلنا شركاء)
اوضحت الكاتبة سامنثا باورالحائزة على جائزة عن كتابها المعنون “مشكلة من الجحيم،” أميركا وعصر الإبادة الجماعية، مسؤولية الدول الكبرى عن الابادة الجماعية في العالم. شرحت سامانثا باور بذكاء مواقف رؤساء الولايات المتحدة وإداراتهم والآثار المترتبة على مواقفهم في القرن العشرين وعلاقة ذلك بانتشار أعمال القتل الجماعي في العالم. ذكرت سامانثا بدقة وحكمة اقوال وافعال ومواقف رؤساء الولايات المتحدة من اعمال القتل الجماعي في بقاع العالم. قالت ان الرؤساء واداراتهم لم يقوموا في معظم الحالات بأي فعل لوقف هذه الافعال المريعة حتى ان البعض منهم تصرف ولكن بعد تردد طويل الأمد فلم يؤدي فعلهم الغرض المطلوب، ولم يوقف الابادة الجماعية. وبينت بأن التراخي أو عدم التدخل لوقف زهق الأرواح كان في كثير من الأحيان خدمة للمصالح الذاتية للولايات المتحدة. وعلى الرغم من أن السلطات الامريكية لم تطلب التدخل العسكري للجيش الأمريكي في أي مكان لوقف المذابح، إلا أنه في بعض الاحيان تم إنقاذ بعض الأرواح في مناسبات نادرة عندما كانت القوات المسلحة الأميركية تتدخل في نهاية المطاف بطلب من القادة المدنيين وليس العسكريين.
انها السلطة التي يجب ان توقف الإبادة الجماعية. فما صلة هذا في ما يحدث في سوريا؟
قدمت لجنة التحقيق الدولية المستقلة في سوريا تقريرا إلى الأمم المتحدة، مفاده أن نظام الأسد متورط بالفعل في جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. بعض هذه الجرائم ينطوي على ممارسة القتل الجماعي والاغتصاب، والنهب من قبل العصابات الإجرامية التي تعمل بناء على طلب من النظام في المناطق المأهولة بالسكان المدنيين ، ولتي يعتقد النظام أنها تدعم المتمردين السوريين. معظم هذه المناطق تعرضت للقصف بالمدفعية أو بالطيران، فالصواريخ أحرقت ودمرت المناطق السكنية بعد اخلائها من قوات النظام البرية فقتلت السكان. هذه الحملة من الإرهاب الشامل، ليست ذات أي فائدة أو غرض عسكري، انما الهدف الوحيد منها القتل والتشويه ونفي وتشريد عشرات الآلاف من السوريين. هذا ويجب أن لا ننسى عشرات الآلاف الذين يقبعون في أقبية التعذيب. لا احد من نظام الأسد، بدء برئيس الجمهورية إلى ادنى الدرجات الوظيفية مرورا بجميع الوزراء المكتوفي الايدي، يمكن أن ينكر أو يبرر هذه الجرائم التي يرتكبها النظام في كل ثانية بحق الشعب السوري.
هل ما يجري في سوريا هو إبادة جماعية؟ هناك محاولة مستمرة وادعاء من جانب نظام الأسد ان اعماله هدفها تدمير جماعة معينة كلياً أوجزئياً. ليس هناك شك في أن بشار الأسد ومنفذي عملياته سوف يمضون بقية حياتهم هاربين من العدالة، أو سجناء لما اقترفت ايديهم. لكن السؤال الآن هل يفيد أن نوجه لهم تهم ما قاموا به من إبادة جماعية ؟ ستكون قد وقعت الجرائم ومات من مات.
هناك غموض في الوضع السوري الآن فمن الصعب تحليل الوضع القائم الآن. نعم من الواضح أنه منذ بداية حكم عائلة الأسد في عام ١٩٧٠ عمل نظامهم عل زرع بذور السم الطائفي في المجتمع السوري.. حافظ الأسد عمل جاهدا ونجح بالقضاء بلا رحمة على جميع البدائل السياسية لنظام حكمه الذي يتمثل بعائلته من الطائفة العلوية وقاعدة من الموالين العلويين وغيرهم. لقد انشأ شبكة من وحدات الاستخبارات مخصصة لحفظ النظام العسكري الذي انشأه حافظ الأسد واسس لاستمراره لعقود. على الرغم من أن الأسد الأب ادعى انه رجل علماني، ونجح بخداع وجذب الأقليات الأخرى في سورية فإنه ارتكز ايضا على السنة الداعمين لحكم الاسد وعلى استخدام الدين للمحافطة على حكمه، وقال انه يعول على العلويين الموالين المسلحيين لقمع المعارضة وللدفاع عن حكمه في حالة حدوث اي تمرد. هذا هو النظام الذي ورثه حافظ الاسد لابنه بشار الاسد.
لذلك فعندما اختار بشار الأسد الرد على الاحتجاجات السلمية في آذار ٢٠١١ بالعنف المطلق كان قد قرر عن سبق اصرار وترصد اشعال الفتنة الطائفية ذات الجذور الاقتصادية. لقد اعتمد على موقف الاثرياء اصحاب الصلات الوثيقة مع النظام السوري ففي المدن السورية الكبيرة ذات المميزات الاقتصادية تم تجاهل الحركات الثائرة التي بدأت في درعا جنوب سورية وبدأ الشرخ الاقتصادي والاجتماعي يظهر للعيان نتيجة تلك المواقف.
تنبه النظام بسرعة الى أنه لن ينجو من الاحتجاج السلمية التي بدأت تنتشر كبقع الزيت في البلاد. وادعى أن إسرائيل والولايات المتحدة وراء تلك الاحتجاجات. واطلق سراح المجرمين من السجون وبعضهم من المتطرفين وذلك لجذب الجهاديين من العراق وغيرها والتي تربطهم علاقات وطيدة مع الاسد. اراد النظام ونجح بتحويل الاحتجاج السلمية، والتي لا يمكن له أن يفوزعليها، إلى مواجهة مسلحة. فما يستطيع التغلب عليه هو ثائرين مسلحيين، ولا سيما مع مساعدة من ايران وروسيا. اراد النظام من العالم الخارجي أن يراه يقاتل الارهابيين الاجانب من الجهاديين وربط لهذه الغاية تنظيم القاعدة بالجهاديين في سورية. وبدون شك نجح النظام إلى حد كبيرفي نشر هذه الرواية السامة؟
بفضل تكتيكات نظام الأسد، بدأ الصراع يتخذ لبوسا طائفيا لا مفر منه. وقد شاركت قوات الأمن الرسمية وغير الرسمية (إلى حد كبير المسلحين العلويين وغيرهم ) في تكوين قوى طائفية حركت النعرات الطائفية في سورية في محاولة لقمع المعارضين للنظام سواء المسلحين منهم وغير المسلحين. قامت قوات النظام الرسمية وغير الرسمية بارتكاب ابشع المجازر بحق سكان القرى السنية. والسؤال هل ارتكب النظام أعمال الإبادة الجماعية؟ نعم فقتل مجموعة معينة و ايذاؤها جسديا وعقليا والعمل على القضاء على تلك المجموعة هو تعريف صريح للإبادة الجماعية لطائفة بعينها.
قد يكون السؤال الأهم: هل هذا التوصيف مهم؟ هل حقا السبب الوحيد وراء هذه الجرائم ضد السنة هو سبب طائفي؟ هل هو حقا تطهير طائفي وكراهية في حد ذاته ؟ في المستويات العليا يرغب القائمون على التخطيط للحملات الإرهابية الشاملة القضاء على جماعة معينة؟ وتجدر الإشارة إلى أن العرب السنة قد ينجرفوا امام تسمية هذه الجرائم بجرائم التطهير الطائفي ويبدأوا هم أوحتى الجماعات الجهادية التي دخلت سورية مؤخرا بارتكاب جرائم مقابلة للرد على هذه الابادة الجماعية للعرب السنة. فما وصفته اللجنة المستقلة الدولية للتحقيق ،بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، تسمية تثير النعرات الطائفية بحد ذاتها. وللأسف اصبحت هذه الجرائم سبب لامتداد رقعة الجرائم في سورية و زيادة عدد الضحايا. فدوافع الإبادة الجماعية الآن بعد أن شجع عليها النظام هي جزء من خوف الأقلية وردات فعل الاكثرية، فمن الصعب في هذه المرحلة وضع استراتيجية لبقاء النظام إلا من خلال طعم الإبادة الجماعية.
أن استراتيجية البقاء على قيد الحياة، تحمل نكهة الحرب الطائفية فهي المحرك القذر الذي يضمن استمرار جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ناهيك عن الهوية الطائفية لضحايا هذا الاقتتال، فنحن نشهد حملة من القتل الجماعي والإرهاب والتشرد الداخلي والخارجي للسوريين. اضافة لنجاح تكتيكات النظام السوري بايقاع اصدقاء وحلفاء الولايات المتحدة الامريكية بأزمة كبيرة فهم يستضيفون اللاجئين السوريين باعداد تفوق طاقتهم. وحدودهم تتعرض للعنف. ووفقا للأمم المتحدة، ما يقرب من نصف سكان سوريا يحتاجون إلى مساعدات إنسانية بحلول نهاية العام. ووفقا لمنظمات غير حكومية التي تحاول ارسال امدادات الاغاثة للمحتاجين السوريين داخل سوريا فان مدفعية النظام وقصفه الجوي المستمر يمنع مساعدة المدنين داخل سورية.
وحتى لو افترضنا أن نظام الأسد لا يقتل بدافع الابادة الجماعية للطائفة السنية. فهذا لن يشكل فرقا لدى الشعب السوري السني الذي تعرض للابادة. فالأب الذي تم قتل ابنه بصاروخ سكود هل سيشكل له دافع القتل أي فرق؟ فإذا قلت له أن الاسد قتل ابنك ليس بسبب هويته الطائفية، بل لأنه يقيم في حي متعاطف مع المتمردين هل ستغير موقفه؟ هل يمكن ان نعزي ضحية الاغتصاب بأن نقول لها لقد تم اغتصابك ليس بسب معتقداتك الدينية وإنما بسب التوجه السياسي للقريتك؟ وباختصار،فما الفائدة من شرح استراتيجية بقاء نظام الأسرة الحاكمة باستخدام الادوات الطائفية؟ فمنذ أكثر من أربعين عاما يعمل النظام بشكل منهجي ويهدد جيران سورية بكفاءة عالية توازي حملات الإبادة الجماعية التي يقودها الآن.
دعونا نعود، لما قالته سامانثا باور عن تعامل مريكا مع القتل الجماعي في انحاء العالم. دون وضع توصيفات لهذه الجرائم على انها ابادة ام لا. المهم الآن أن نحلل ردة الفعل الامريكية على هذه الازمة الانسانية ضمن أربع نتائج رئيسية وفق ما قدمته سامانثا باور:
“يعتقد صناع السياسة الأميركية ان اي قوة في العلم لن تمارس العنف بدون مبرر. وهم يثقون في المفاوضات الحسنة النية والدبلوماسية التقليدية”. بمجرد بدء عمليات القتل، فإنهم يفترض أن المدنيين الذين بأخذون موقف الحياد سوف يسلمون من ذلك العنف! يبدأ صناع السياسة الامريكية ببحث وقف إطلاق النار وارسال المساعدات الانسانية !”هل أي من هذا يبدو مألوفا في السياق السوري؟؟ يجب التأكيد انه حتى الآن فإن المساعدات الإنسانية الأميركية متواضعة جدا للشعب السوري. حتى الآن وبعد طول فترة الصمت والترقب امتنعت الولايات المتحدة عن المساعدة الفعالة للمعارضة المسلحة بحجة التخوف من المزيد من العسكرة!!!! وحتى الآن لم تنجح تلك المفاوضات “الحسنة النية.”!
“يفسر القادة السياسيون الأمريكيون صمت المجتمع الدولي عن الوضع في سورية بالحذر الدولي من مغبة التدخل.” ويبررون عدم تدخل الولايات المتحدة الامريكية بانقاذ الولايات المتحدة من تكبد خسائر المشاركة في اي تدخل في سورية. وهذا له تفسير وحيد :فالحملة الإرهابية لنظام الأسد، مع تأثيرها المروع على السوريين وجيرانهم على حد سواء، هو الشيطان الذي نعرف والذي نفضله عن شيطان آخر لا نعرفه. اننا نسير وفقا لخوفنا من المجهول الافتراضي ونضع دائما معيارا أدنى لقبول الوضع الحالي. والدليل الصارخ على هذا شهادة مسؤول كبير في اجهزة الاستخبارات الاميركية امام الكونغرس مؤخرا ومفادها أنه ينبغي علينا أن نخشى من عواقب ارسال الاسلحة للمعارضة فقد ينتج عن ذلك انهيار سريع للحكومة السورية ومؤسساتها. وحيازة الأسلحة الكيميائية من قبل النظام الذي نعرفه التي يستخدمها فقد ضد شعبه هي حجة ضد تعجيل سقوط هذا النظام، والدعوة للمفاوضات اولانتقال السياسي للسلطة التي ليس لديها ادنى اهتمام بهذه المفاوضات فهي المسيطرة بوجود الاسلحة معها وخاصة الكيماوي. بعض كبار المسؤولين الأميركيين يرسمون صورة مخيفة للمجهول الذي سيأتي ما بعد الأسد فكيف لهذا المجهول أن يكون أكثر قتامة من نظام الأسد المصنف عبر زمن طويل من قبل الولايات المتحدة كدولة راعية للإرهاب؟
“إن حكومة الولايات المتحدة لم تمتنع فقط عن إرسال قواتها الى سورية، لكنها لا تتخذ سوى خطوات متواضعة لحل هذه الأزمة”. ليس المهم ذكر اسم السياسي الذي دعى اوباما و ادارته لاتخاذ اجراءات للبدء بالتدخل لانقاذ السوريين ولكن المهم أن نعلم أن اوباما رفض ذلك قطعيا، منذ أكثر من عام. وقد انعكس قرار اوباما على ارض الواقع فنتيجة التخاذل الامريكي بدأت الجماعات الجهادية المدعومة بالمال والسلاح من مصادر خليجية بالتدفق على سورية، مما جعلهم المنفذ الوحيد للسوريين الشباب للدفاع عن أنفسهم وهزيمة النظام.كما ان تواجد الجهاديون في سوريا هي افضل هدية لنظام الأسد.
” مسؤولون أمريكيون برروا عدم مساعدتهم للسوريين (وكذلك الرأي العام الأميركي) بأن طبيعة العنف في سورية لا تشجع على التدخل الامريكي. انهم لا يعترفون بوجود ابادة جماعية انما يرون طرفين متصارعين ويجدون ان سفك الدماء من الطرفين امر لا مفر منه. وهم يصرون على أن أي رد فعل من الولايات المتحدة لن يكون مجديا. وفي الواقع فان بعضهم ادعى ان تدخل امريكا سوف يضر أكثر مما ينفع. ” نعم لقد كان خطاب امريكا للنظام واضحا عندما دعا اوباما الرئيس الأسد إلى التنحي. وحذر بعد ذلك النظام من عبور الخط الأحمر واستخدام الأسلحة الكيميائية. وحذر من ان ذلك سيكون سبب “لتغيير قواعد اللعبة”. ” حتى الآن كل هذا الكلام صب في في جدول واحد مع تكتيكات النظام، اضافة لعامل مهم وهو دعم الخليج للجهاديين. اللامبالاة المريكية دعمت جدول النظام مما أمن مدخلا سهلا للجهاديين . فأصبح تواجد الجهاديين الساتر ذو الوجهين الذي يحقق من ورائه النظام خططه بالقتل والتهجير ويشكل في ذات الوقت ساتر لمن لا يرغب بتسليح المعارضة بحجة سيطرة الجهاديين في سورية والتخوف منهم. فتحول الصراع بين النظام والشعب المطالب بالحرية الى نزاع “متكافئ الاطراف” كما خطط النظام و دعمته الدول الكبرى. نعم اصبح النزاع بين “تنظيم القاعدة والنظام.”
سواء كنا اليوم نشهد ابادة جماعية في سورية ام لا فإننا لا نستطيع انكار ان ما يحدث في سورية هو معضلة من الجحيم. الموت والتشرد في كل مكان الناس يعانون من آلام السجن والتعذيب لأنهم، بالمعنى الدقيق للكلمة، ينتمون إلى جماعة معينة مستهدفة وهذا مؤكد، ولكن في النهاية فإن استراتيجية النظام للبقاء على قيد الحياة وتكتيكاته الفاسدة التي يتبعها، والوحشية وتدمير البلاد، انشاء اساسات حديدية لتنظيم القاعدة والقتلة الآخرين في سورية. اضافة لتعريض أمن واستقرار حلفاء الولايات المتحدة وأصدقاء للخطر، لا يمكن تدارك كل ذلك بعلاجات اسعافية الآن. إن هذا الشر السياسي وعواقبه في سوريا بالتوازي مع ردود الفعل الدولية الباردة يشبه الى حد بعيد الكوارث الانسانية التي كانت اسبابها ونتائجها متشابهة مع الوضع السوري وفق تحليلات سامانثا باور.
لا شك في أننا جميعا نريد حلا لهذه المشكلة، ولا شك أن هناك ما يدفعنا للرغبة بتجنب الآثار المترتبة على تدخل الولايات المتحدة في سورية. ولكن سواء أحببنا أم لا، فنحن الأمة التي لا غنى عنها. وعندما تخرج مشكلة من الجحيم الى سطح الارض فلدينا التزام خاص كأميركيين للمساعدة في حل هذه المشكلة وتجنب ان نصبح جزء من هذا المشكلة الجهنمية كما حدث في الماضي. فقد فشلنا عدة مرات و نحن للاسف نفشل مرة أخرى.