من غير المنطقي ان تسقط طائرة في السماء المصرية و هي ليس بها اي خلل تقني و الطائرة الروسية لم يكن بها خلل تقني و لذا لا يمكن عدم الاشارة الى علاقة هذا الحادث بما يجري في المنطقة ..
ليس بوسع مصر الان الحيادية ومسك الحبل من كل الاطراف و هذا لاسباب تاريخية و جغرافية تعد مرتبطة بمصر و هذا كذلك لان مصر ليست سوريا… فسوريا لاسباب تاريخية وجغرافية و سكانية و مصيرية فيما يخصها ملزمة بالحيادية التامة اقليميا و اما الصراعات الاكبر اي الدولية فليس لها ان تتدخل سوريا بها لان توازنها الداخلي لا يسمح لها بهذا، فان انتصرت قوى ما على الاخرى في الصراع على سوريا سيكون هذا قرار ليس سوري بل مصدره تصارع تلك القوى العظمى فيما بينها. طبعا لا نتحدث عن سوريا الان، لانها حاليا خرجت عن مسارها الآمن بل نتحدث عن سوريا التي كانت قبل استلام الاسد الابن السلطة .. سوريا التي لم تنحاز لقوة اقليمية على حساب الاخرى و ان تم هذا فيكون حينذاك ليس بقرارها اي هناك فكرة “لا مسؤلية تامة” تامة لسوريا مبرئة لها و معلومة للاطراف المتنازعة في هذا الشرق المتضطرب ..
سوريا فقط بين كل دول المنطقة تملك امكانيات و مقومات هذا التوازن الصعب ، هذا التوازن الذكي هو اختصاص سوريا التاريخي و لكنه ليس دور مصر التي لها دور اخر.. ليس دورها مصر احداث السلام و ان كان رئيسها السيسي… على سبيل المثال من غير الممكن ان تمول السعودية مصر و تتركها طليقة حرة التصرف و حرة الرؤية فيما يخص حل الازمة السورية و اختيارات البديل .. كما لا يمكن ان تتخلى السعودية عن مصر و كذلك حاليا لا تملك مصر ترف التدخل بازمات الأخرين.. تماما كما لا يمكن لحسن نصر الله او لحماس قبول المال الايراني و التزام خط محايد و حر برؤية الحل السوري .. من هنا محور القاهرة السوري ولد ميت لان القاهرة ليست مؤهلة لا تاريخيا و لا جغرافيا لهذا.
و اما عن العروبة فنحن نعيش مرحلة حديثة اخذت فيها العروبة ابعاد جديدة و اختلفت تماما عما كانت عليه في الخمسينات و الستينات، لا يمكن العودة للوراء و السيسي ليس بعبد الناصر و مرحلتنا لا يمكن ان تعالجها تصريحات جهورية رنانة و اغاني وطنية تروي عاطفية الانتماء لدى الشعوب الجديدة التكون، كما كان الحال.
ان مصر غير قادرة على اعطاء سوريا استقرار لان لا أحد باستطاعته أن يعطي ما لا يملك . القرار المصري مرهون فكيف يعالج امراض سوريا ؟ الاخوان بقيادة مرسي ذهبوا لمجاري المياه القطرية التركية و ذابوا فيها للنخاع و تلاهم السيسي و غير فقط المجرى القطري بمياه السعودية معاديا المحور الاخواني ، انه حاليا لا يملك امكانيات اقناع السعودية بالا تتخذ اي قرار مصري بدلا عنه، فهو لا يختلف عن مرسي هنا بشيء، حيث انه يرى بان مصر بدون التمويل لا تستحمل ازماتها و قد تنفجر، من هنا كانت ضرورة الحضن السعودي و دعم السعودية الاقتصادي باي ثمن. هل كان امام السيسي خيار اخر ؟ حتما روسيا لم تراهن يوما على مصر كحليف رئيسي بل كحليف جزئي فقط .
بالتالي الاختيار الصعب ما بين موسكو و الرياض انفرض على السيسي و اختار السيسي الحضن العربي و المال العربي ، في الواقع هو لم يختار بل فرض عليه اختياره لان روسيا لا تملك امكانيات خوض حرب نفوذ على مصر و تاريخيا لم تبحث عن هذا الدور هناك و لا حتى في مرحلة عبد الناصر و تمثيلية دول عدم الانحياز.
لم تتمكن روسيا من الحضور في اي دولة اقليمية اخرى كما كانت و ما تزال قي سوريا ، بالتالي سوريا اكثر اساسية من مصر بالنسبة لروسيا و روسيا لن تتستثمر في صراع ليس اولوي و حيوي بالنسبة لها الان، و هذا لا علاقة له بمشيئة السيسي بل بمشيئة استراتيجية روسية.
السعودية تحاول التوسع بمصر في حربها مع ايران و لكن بمصر الضعيفة لن تتوسع، بمصر المجردة من دورها الاساسي اي طور الحاضن للدول العربي لن تتمكن ، حيث ان على الحاضن و الكبير ان يكون فوق الخلافات و مصر ليست فوق الخلافات العربية ، كيف و عي تحت هيمنة السعودية ..
السعودية اخذت هذا الدور القيادي للعروبة منذ مدة و هي مؤهلة له حيث من يملك الاقتصاد يملك القرار و لاحظناه في فرضها لاتفاقيات الطائف في لبنان و كذلك تقاسمات العراق و غيره. بهذه الطريقة المباشرة الواضحة تقرر السعودية التدخل بحرية بكل شؤن العالم العربي و حتما هذا التدخل يبرره الصراع السعودي الايراني، اذ ان المسألة فيما يخص المملكة مسالة حيوية كما هو الحال بالنسبة لروسيا .. “احارب ادافع ام انتهي و انهزم”،دون المواجهة و التصدي لايران ستكون بخطر.
لكن السعودية لحد الأن لم لم تقويها شراء القرارات المصرية بل مصر كاليمن معيقين جديا لرفع مستوى نفوذها، لقد كبدت مصر النفوذ السعودي و لم تعززه كما كانت تتوقع السعودية ، و هذا تماما كما كبدت اتفاقيات الطائف في لبنان النفوذ السعودي في لبنان و لم تعززه ، لربما لان اسلوب تحرك السعودية بالملفات الاقليمية اسلوب مباشر جدا و لا ياخذ بعين الاعتبار كل الجوانب و الخصوصيات و بالتالي هو احادي الرؤية..
مصر اليوم في ورطة و ستحتاج لمعجزة للخروج من ازمتها فلا سياسة بدون اقتصادئ، ستحتاج اكثر للمال السعودي و لكن كل ينابيع النفط و المال لن تحل النفق الذي دخلت به… فيا ترى كيف للسعودية الخروج من هذا المأزق دون تغيير عميق في اسلوبها لادارة البقاء و النفوذ؟
عندما كان يقول البعض ان سوريا كانت من اقل الدول قروض لا بد ان نفهم لماذا و ماذا يعني هذا؟
هنا طبعا الكلام عن السيادة الوطنية هو مجرد نفاق اعلامي كبير اذ ان الدول الصغيرة المتواجدة في هذا الشرق اللامتوازن و المتصارع لا تملك سيادة، بل مصيرها الانصياع و ادارة التوازنات الداخلية و الخارجية بدقة. احد اخطاء الاسد الابن قبل الدخول بالصراع المسلح مع الشارع هو سوء ادارة التوازن الداخلي و الخارجي و كان والده بشكل مختلف جدا يدير جيدا التوازن الخارجي على حساب التوازن الداخلي و ثائب كذلك ان مرحلة والده فيما يخص دول العالم الثالث كانت تتقبل ما لا تتقبله المرحلة اليوم من عنف و ظلم و استبداد..
ان الذي فهمه حافظ اسد هو ان مسالة بقاء سوريا كدولة قوية متعلق بربط الخيوط دون الانصياع التام لاي من الدول القوية الاقليمية، بالتالي هو تعاقد مع ايران و لكن لم يسلمها رقبته كما فعل ابنه و تعاقد في ذات الوقت مع السعودية بود شديد دون انصياع لها مما كان ايجابيا لهدوء الشرق و توازنه اذ كان دور سوريا هنا حمامة السلام بين المحورين و تخفيف حدة الصراع فيما بينهم. من جهة اخرى لم يغضب حافظ الأسد سرائيل و خدم تركيا و قدم “الهدايا اللامجانية” للجميع مقابل شراء دور محوري اقليمي لسوريا، من هنا كان لا بد له ان يكون قليل المطالبة ماديا بمساعدات و قروض و لا مجال للمقارنة هنا بدرجة قروض لبنان و مصر و الاردن ، سوريا كانت من اقل الدول قروضا لان دور سوريا الجيوسياسي يقتضي هذا.
طبعا علينا الان ان نعي ان خلل التوازن الداخلي الذي احدثته سوء الادارة للبلاد على مدى عشرين عام من قبل بشار الاسد و ادارته تزامن مع خلل بادارة السياسة الخارجية لسوريا كذلك ، مما ادى الى ان يقف المواطن السوري عاري فقير مخدر و منهك في موقف يجرده من وطنيته اينما وقف ففي كل المواقف و في كل الاصطفافات الاقليمية حاليا للمعارضة و للنظام انحياز للاسوريا و تجرد منها. و لكن لا عتب على مواطن مجرد من كل شي حتى من اوراقه الثبوتية و لا عتب عليه ان اصبحت سوريته ثانوية امام بقائه حيا.
لمى الأتاسي