لمناسبة إحياء العالم في 19 آب/أغسطس من كل سنة اليوم العالمي للعمل الإنساني، لا يسعني إلا تذكر، أولئك الذين غالباً ما يتم نسيانهم – مَن يغامرون بأرواحهم كل يوم غير آبهين بالأخطار التي تواجههم في سعيهم إلى إحلال السلام، ومن لقوا حتفهم أثناء تأدية واجبهم، من أجل إنقاذ أرواح كثيرة قد لا تمت إليهم بصلة، إلا الإنسانية.
يستحق عمال الإغاثة التكريم منا اليوم وكل يوم. وتنضم المملكة المتحدة إلى المجتمع الدولي في تقدير جهودهم والثناء على تضحياتهم لخدمة المتضررين، بغضّ النظر عن هوياتهم وأماكن وجودهم، وفي ظل ظروف خطيرة للغاية في أغلب الأحيان. وربما يجب أن نذكّر العالم بأن علينا حمايتهم، وأن نضغط على المسؤولين في دول النزاعات والحروب، بضرورة حمايتهم ومساعدتهم. كما يجب أن نذكّر العالم أيضاً بأنهم أفراد محايدون يساعدون المحتاجين مهما كان لونهم أو جنسهم أو انتماؤهم الديني أو السياسي، ويستحقون دعمنا.
إن علم الأمم المتحدة الذي لطالما كان يشكل درعاً واقية خلال حروب ونزاعات العقود الماضية، لم يعد مقاوماً للرصاص. ولم يعد عمال الإغاثة الإنسانية التابعون للأمم المتحدة يحظون بالحماية كأعضاء لمنظمات غير حكومية، بل صاروا مستهدفين ويتعرضون للقتل والاختطاف والإصابات الخطيرة خلال أعمال العنف، ناهيك بعدد الجماعات المسلحة ونشوء التطرف والتشدد وغياب الضمانات الأمنية، كلها عوامل ساهمت بدورها في تقويض جهود توصيل المساعدات إلى المناطق المحاصرة في النزاعات.
القانون الإنساني الدولي ينصّ على وجوب منح أطراف النزاع كافة حرية الحركة للمساعدات الإنسانية المدنية، وحمايتها من الاعتداء والتضييق والترهيب والاعتقال التعسفي للعاملين فيها. وعلى أطراف النزاع إتاحة وتسهيل مرور الإغاثة الإنسانية السريع بلا قيود إلى المدنيين المحتاجين.
وفيما نحتفل باليوم العالمي للعمل الإنساني، لابد أن نسلّط الضوء على الكارثة الإنسانية في سوريا، لاسيما في درعا وحمص وحلب، جراء مواصلة النظام السوري شنّ هجماته على مواطنيه وفرض قيود على توصيل المعونات الإنسانية إلى أكثر من 2.5 مليون شخص في أمسّ الحاجة إليها. لا يتاح لوكالات الإغاثة الوصول إلى المحتاجين داخل سوريا إلا من خلال إمكانيات محدودة، وذلك على رغم مطالبة مجلس الأمن الدولي بالسماح لموظفي الإغاثة دخول المدن السورية المحاصرة.
الهاجس الأمني لا يعني فقط عاملي الإغاثة بل أيضاً النازحين أنفسهم، لأنه عندما يتجمع الناس من أجل تلقي المساعدات الإنسانية، فهذا يعرضهم للخطر أيضاً. لذلك لابد من الاستمرار في رفع الوعي بالمبادئ التي يقوم عليها العمل الإنساني، وهي الإنسانية والحياد وعدم المحاباة والاستقلالية، واحترام تلك المبادئ.
حملة هذه السنة لليوم العالمي للعمل الإنساني تدعو الناس إلى الإجابة عن السؤال: “ما الذي تعتقد أن العالم بحاجة إليه أكثر؟”.
هنا أضم صوتي إلى صوت الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، لأقول إن أكثر ما يحتاجه العالم اليوم هو التراصف والعمل الجماعي، وضرورة تطوير روح الجماعة لنتمكن معاً من إيجاد حلّ سياسي شامل للمعضلة السورية الراهنة التي باتت تمتد ذيولها إلى دول الجوار. ومع وجود نحو مليونين و800 ألف شخص في مناطق لا تصل إليها أي مساعدة، هنالك حتماً أزمة غير مسبوقة تتطلب من المجتمع الدولي استجابة غير مسبوقة، خصوصاً بعدما عملت الأمم المتحدة أخيراً على دقّ ناقوس الخطر، لاعتبارها أزمة اللاجئين في سوريا التي تشهد خروج نحو 6 آلاف سوري من بلادهم يومياً “الأسوأ منذ حرب الإبادة في رواندا” قبل نحو 20 عاماً.
المملكة المتحدة كانت من الدول السباقة على الحلبة الدولية، في تلبية النداء الإنساني، حيث قدمت حتى الآن أكثر من نصف مليار دولار مساعدات إنسانية للشعب السوري، وهو أكبر مبلغ على الإطلاق تخصصه بريطانيا استجابة لكارثة إنسانية واحدة، لتخفيف المعاناة في الأزمة السورية. يمثل هذا التمويل الجديد جزءاً من مبلغ إجمالي مقداره قرابة 1.5 مليار دولار من المساهمات الإضافية التي اتفق قادة مجموعة الثمانية على تقديمها لتلبية الاحتياجات الإنسانية في سوريا والدول المجاورة. ومن شأن هذا المبلغ تأمين المساعدات الإنسانية الفورية لمئات آلاف السوريين الذين بحاجة لمساعدة ماسة نتيجة القتال المستمر.
إضافة إلى ذلك، ستخصص المملكة المتحدة تمويلاً على مدى السنتين المقبلتين يتخطى فترة حملة الإغاثة الراهنة من الأمم المتحدة، لكي تتمكن وكالات المساعدات والتنمية من التخطيط لرد أكثر استراتيجية لهذه الأزمة المطولة، بحيث يتوافر تمويل متوقع يتيح لهذه الوكالات التخطيط مسبقاً لإيصال المواد الغذائية وإبقاء العيادات الطبية مفتوحة، لاسيما بعدما حذّر تقرير للأمم المتحدة صدر أخيراً أن 10 ملايين سوري – أي ما يوازي نصف عدد سكان سوريا – سوف يحتاجون لمساعدات انسانية بحلول نهاية السنة.
هذا الإعلان يرسل رسالة واضحة إلى الشعب السوري والدول المجاورة لسوريا بأن باستطاعتهم الاتكال على مواصلة الدعم البريطاني. هذه هي أكبر أزمة إنسانية في جيلنا، وعلى المجتمع الدولي التعاون لمواجهتها، خصوصاً أن مستوى انتهاكات حقوق الإنسان في الحرب في سوريا أصبح مروّعاً.
بانتظار التوصل إلى حل دبلوماسي وسياسي، تبقى المساعدة الإنسانية الخطوة الوحيدة المتاحة لنا في سوريا. في المقابل، لا يمكن بأي حال إلقاء اللوم على الشلل الدبلوماسي الذي يحول دون تحقيق تسوية سياسية لهذا النزاع، من أجل تبرير عجز المساعدات الإنسانية ويجب ألا يؤدي غياب اتفاق مماثل إلى منع المنظمات غير الحكومية الدولية من مزاولة نشاطها في أي مكان تستطيع الوصول إليه، وذلك بصرف النظر عن السلطة التي تسيطر على تلك المناطق. لذلك، يجب على الدول والأمم المتحدة أن تدعم العمليات الإنسانية العابرة للحدود. كما ينبغي ألا يكون توزيع المساعدات الإنسانية المحايدة في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة والمناطق المهملة خاضعاً لعقوبات من قبل الحكومة السورية.
في موازاة ذلك، هناك حاجة إلى وضع نهج طويل الأجل مع التركيز على المساعدة الإنمائية لاسيما بالنسبة إلى البلدان والمجتمعات التي تتأثر بشكل خطير نتيجة لأزمة اللاجئين، مثل لبنان والأردن اللذين يتحملان العبء الأكبر إضافةً إلى تركيا والعراق ومصر.
نحن ندين بشدة جميع انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، بغض النظر عمّن ارتكبها، وندعو جميع الأطراف إلى احترام القانون الإنساني الدولي وقوانين حقوق الإنسان، مع الإشارة خصوصاً إلى مسؤولية السلطات السورية عن ذلك.
في الختام، لابد أن أعود وأذكّر بالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها العمل الإنساني وهي الإنسانية والحياد والاستقلالية وعدم المحاباة، ولعل هذا اليوم (١٩ أغسطس) يشكل دعوة إلى التكاتف والتضامن وشحذ الهمم وحشد الموارد اللازمة لخدمة العمل الإنساني من جانب مكوّنات المجتمع الدولي، حكومات وهيئات ومنظمات حكومية وغير حكومية ومؤسسات المجتمع المدني.
* المتحدثة الرسمية باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا