سوريا السجن الكبير

jawadaswadبعد نقاش طويل و مرير وبعد أن تسقط الحجج الواهية الواحدة تلو الاخرى يقول لك : والله كنا عايشين ما ناقصنا شي أمن وأمان لحد ما جيتوا انتو خربتوا علينا حياتنا و خليتوا النظام يستأسد علينا
منطق تسمعه من الكثيرين و خصوصا في دمشق و حلب و بالاخص من حلفاء النظام واتباعه و شيعته ولكن لو اقتصر هذا المنطق على تلك الحفنة لهان الامر ولكن احيانا يتناوله ابناء الطبقة المسحوقه والمتضهدة فتراهم يدافعون عن ايام النظام وكأنهم كانوا ينعمون بالعيش الرغيد
و الحقيقة هذا المنطق عند هذه الطبقة العريضة من المجتمع يحتاج الى تأويل يوضح هذا التناقض فبدل من ان تكون تلك الطبقة المسحوقه هي اول من تنتفض تراها تميل الى الاستكانة والى معارضة التغيير
والسؤال كيف استطاع النظام ان يروض تلك النفوس و يدجن تلك العقول ؟؟
لنلقي نظرة على سجن كبير ونراقب سلوك المساجين وعلاقتهم مع السجان ومع فريق التعذيب الجلادين ومع كلاب الحراسة و سانقل الان ملاحظاتي الشخصية ومن خلال مشاهداتي على مدى عشر سنوات لسجن حلب المركزي
السجين في الاشهر الاولى يكون متمردا ناقما يتحين الفرص للهروب من خلال فرص انتقاله بين السجن و القصر العدلي او المستشفى الوطني ولكن مع الوقت تتلاشى تلك الفكرة و يباشر مرحلة التأقلم مع السجن وتتحول علاقة العداوة بينه وبين الحرس الى علاقة حميمية ويبرر هذا التحول بانهم عبد المأمور ولا حول ولا قوة لهم
داخل السجن يستطيع السجان ان يوظف بعض السجناء ليكونوا عينا له و يصبح هذا المخبر محل احترام المساجين و يخافونه اكثر من السجان و غالبا يقاتل السجين للحصول على تلك المكانة من دون ان يقبض شيء مقابل تلك الخدمات بل ربما يدفع في سبيل الحصول عليها لانه يعلم انه سيكسب اضعاف ما يدفعه من رفاقه المساجين فتبدأ عملية الابتزاز من المساجين فيما بينهم
المساجين هم من يقومون باصلاح الاسوار و الاسلاك الشائكة التي تحيط بالسجن
المساجين هم من يراعون الكلاب المدربه على مقاومة الشغب داخل السجن فترى السجين يطعم سرية الكلاب و يقوم بالحفاظ عليها ويدللها و يحممها و كانها من بقية اهله
اغلب الجلادين بالسجون يستخدمون بعض المحكومين ليقوموا بتعذيب و ضرب المسجون الذي قام بمخالفه داخل السجن كي لايقع السجان تحت طائلة المسؤولية فترى ظلم السجين للسجين و وحشيته في تعذيبه و ضربه اشد من تعذيب الجلاد نفسه للسجين
في السجن هنالك تجارة مشروعه و تجارة غير مشروعه واغلب المتداولين هنا هم السجناء بعد ان يمرر لهم الساجن سلعه ما فترى الاستغلال و الجشع و الابتزاز و الربا و القمار على اشده
الدرجات و المقامات داخل السجن لها دور كبير بين المساجين في خدمة بعضهم لبعض و تذلل بعضهم لبعض و استغلال البعض منهم للبعض
العلاقة مع الوقت تصبح ودية مع السجان اكتر من العلاقة بين السجين والسجين الاخر من دون ان يربح السجين اي شيء من تلك العلاقة الودية بينما الرابح هنا السجان عندما يطوع السجناء و يحولهم الى خراف تأكل بصمت وتنام بهدوء دون ان تأتي بحراك
في النهاية وبعد فترة طويلة لو فتح السجان ابواب السجن للمساجين وقال لهم من اراد الخروج فليخرج سترى ان هنالك 25% من المساجين لن يغادروا السجن و يطالبوا السجان باغلاق الابواب عليهم خوفا من الحرية فلقد نسوا طعم الحرية و استمرقوا حجز الحرية و الاستعباد و خوفا من المجهول الذي يقع خلف اسوار السجن و الذي هو ايضا اصبح غريبا عنهم و عليهم
سوريا هي ذاك السجن و النظام هو ذاك السجان و من يرفض الثورة هم اولئك الذين يرفضون مغادرة السجن وتأقلموا مع حياة العبودية و اصبح امن بلا حرية اهم من الحرية مع المجهول
الان اصبح من السهل تفسير كيف يشتري العبد السوط لسيده و كيف ان اغلب العبيد الزنوج بامريكا هم من وقفوا بوجه قانون الغاء الرق
الديكتاتور الذكي هو الذي يصور الحرية لشعبه على انها شيطان سيحرم الشعب من نعمة الامن في سبيل ان يمنحهم الحرية

About جميل عمار -جواد أسود

كاتب سوري من حلب
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.