إيمان عطية: صحيفة القبس
«سوريا الآن.. أرض الفرص الاقتصادية لعديمي الضمير والبلطجية والمهربين والمجرمين»، هذا هو الاستنتاج الذي خرج به تحقيق لـ«فايننشال تايمز» عن اقتصاد الحرب في سوريا. ويقول أيضاً: معارضون كما موالون للنظام لا يرغبون بانتهاء الصراع، لأنهم يستفيدون جيداً من التهريب والسمسرة والمضاربة.
ويؤكد تاجر دمشقي مفارقة ان هناك، قطيعة مع السعودية، فيما هناك تاجر قريب من النظام يستورد من المملكة مقابل عمولة. فالعقوبات على النظام فتحت أبواب ربح وفير أمام المهربين، كما ان المضاربين بالعملة يجنون أرباحاً وفيرة، فيما تحولت سلع أساسية مثل القمح والسكر والأرز الى مواد ثمينة.
إلى ذلك، وبموازاة تراجع عدد التجار، فإن هوامش الربح باتت اعلى من السابق بكثير، اما الفقراء فيزدادون فقراً حتى تراجع مستوى معيشة 8 ملايين نسمة الى ما دون خط الفقر المدقع، وفقد الاقتصاد السوري أكثر من 100 مليار دولار منذ بداية الحرب الأهلية.
وسط الأنقاض المتفحمة لحي دمشقي استعادت القوات الحكومية السيطرة عليه مؤخرا، تحاول فتاة صغيرة الوقوف متوازنة فوق كومة من الأنقاض وتقطع بدأب كيبلا كهربائيا مكشوفا بمطواة. فهناك عند الزاوية سوق يشتري الأسلاك النحاسية الموجودة داخل الكيبل بـ 500 ليرة سورية (4.40 دولارات) للكيلو.
الزبالون ممن هم في سن المدرسة كتلك الفتاة هم الأقل دخلا في اقتصاد الحرب المترسخ في سوريا وقوامه عدة مليارات من الدولارات. ألقت الاضطرابات والعنف الدائر في سوريا منذ قرابة ثلاث سنوات بأكثر من نصف سكان البلاد الى مستنقع الفقر، لكن بالنسبة للنخبة الاقتصادية في زمن الحرب، خلق ذلك الصراع فرصا لهم. اذ منحت احدى الشركات الصناعية الكبيرة، على سبيل المثال، ترخيصا مربحا لجمع الخردة المعدنية من الأحياء والبلدات المدمرة.
خلف الخطوط الحكومية، يقال ان حفنة من رجال الأعمال البارزين الذين اختاروا أن يبقوا في البلاد يستخدمون أرباحهم لتمويل النظام. وقد أصبح الناس الذين يستفيدون من الوضع الحالي من كلا الجانبين المتصارعين في سوريا، يشكلون واحدا من أكبر العوائق أمام وضع حد للصراع.
فكما يقول أحد رجال الأعمال الموالين للحكومة «اذا قسمنا الناس بين من يريدون انهاء الصراع ومن لا يريدون انهاءه بسبب كونهم مستفيدين من الوضع القائم، أعتقد أن الغالبية لا تريد لهذا الصراع أن ينتهي».
أحد أكبر مصادر الدخل لنخبة رجال الأعمال يتمثل في تسهيل الواردات بسبب معاناة الحكومة في اجراءات الدفع نتيجة للعقوبات المفروضة عليها. وفي حين تراجع حجم الواردات الاجمالية في سوريا منذ بداية الأزمة، الا أن الأضرار التي طالت الزراعة والصناعة تعني أن النظام بحاجة الى استيراد السلع الأساسية التي يدعمها، كالقمح والسكر والدواء. ويقدر أحد المصرفيين في دمشق أن ما قيمته 4 مليارات دولار – 5 مليارات دولار من المواد الغذائية والدواء تم استيرادها خلال الأشهر القليلة الماضية من دول تشمل أوكرانيا، وحوالي ثلث تلك الواردات تمت عبر القطاع الخاص.
من لبنان والسعودية
ورغم أن المواد الغذائية والدواء لا يخضعان للعقوبات، فان معظم النظام المصرفي الحكومي في سوريا خاضع لتلك العقوبات، وغالبا ما يكون أسهل لرجال الأعمال في القطاع الخاص استيراد السلع من خلال الدول المجاورة كلبنان. وتتكدس حاليا السلع المستوردة، كعلب التونا ولحم البقر على أرفف المتاجر الرخيصة الثمن التي تديرها الحكومة في دمشق. ويقول خبير في التجارة الزراعية ان امدادات السكر التي تتم عبر القطاع الخاص بدأت تعود الى طبيعتها.
في غرفة جلوس فاخرة في حي المزة الفاخر في العاصمة، يقول مستورد وهو يشرب فنجان القهوة انه حصل على فرصة استيراد المواد الصناعية من السعودية بعد أن ألغت الرياض عقدها مع الحكومة السورية. ويبيع المواد التي يستوردها الى الحكومة بعمولة نسبتها %10 تقريبا.
«الهامش أصبح أكبر الآن مع وجود عدد أقل من التجار» وفق ما يقول، رغم أنه ليس واضحا ما اذا كان استفاد من الأزمة بشكل عام كونه كان يملك في السابق مصنعا اضطر الى اغلاقه.
مكاسبه صغيرة مقارنة بملايين الدولارات التي يكسبها يوميا، وفق ما يقال، كبار مستوردي السلع كالسكر والقمح والأرز وهي سلع يتم استيرادها على نطاق واسع. ويقدر الخبير الاقتصادي ربيح ناصر أن تكلفة استيراد المنتجات الأساسية ارتفعت بنسبة %50، و من غير الواضح كم النسبة التي يستحوذ عليها السماسرة.
التداول غير القانوني للعملات شكل مصدرا آخر للثروات. فقبل الأزمة، كانت أسعار صرف العملات الرسمية وفي السوق السوداء تقريبا واحدة. لكن بعد اندلاع الاضطرابات تزايدت القيود على العملات الأجنبية مع ارتفاع الطلب على الدولار، الأمر الذي خلق فرصا لأولئك الذين يملكون رؤوس الأموال والعلاقات الجيدة للتلاعب في السوق الخفية.
يقول أحد تجار البلدة القديمة في دمشق « يبيع كبار رجال الأعمال الكثير من العملات في السوق فيصاب صغار رجال الأعمال بالذعر وفي غضون 15 دقيقة ينزل السعر 50 ليرة سورية».
وكغيره من رجال الأعمال الذين تم اجراء مقابلات معهم، يرى أن المضاربين كانوا جزءا من السبب الذي أدى الى أن تشهد الليرة السورية تقلبات شديدة منذ بداية الأزمة، وفي بعض الأحيان خلال الشهر نفسه.
وقد قامت الحكومة السورية بتضييق الخناق على تداول العملات غير القانوني خلال الأشهر الماضية وشهدت الليرة السورية فترة من الاستقرار النسبي. ويقول التجار في البلدة القديمة صحيح أن كبار المتداولين تواروا عن الأنظار، الا أنها مجرد مسألة وقت حتى تعود المضاربات من جديد.
لعبة النظام
ويقول رجل أعمال آخر ان أولئك المسموح لهم بتحقيق أرباح كبيرة من الحرب ينتظر منهم أن يضخوا كمية معينة من المال في النظام. ويوضح قائلا «انهم جزء من الحلقة فالنظام لن يسمح لأحد أن يجني الأرباح».
وبأي حال من الأحوال، فان التربح من الحرب لا يقتصر فقط على النظام. فخطة الحكومة بفرض الحصار على المناطق المحيطة بدمشق التى تسيطر عليها المعارضة ولدت تجارة رائجة للمهربين. اذ يقول أحد الذين كانوا يقيمون في حي دوما ان البنزين يباع الآن بسعر أعلى 10 مرات من سعره في المناطق الأخرى. بينما ارتفع سعر الغاز المستخدم في الطبخ بمعدل 20 مرة أعلى من السعر الطبيعي.
وتدور اشاعات حول أن زعماء القبائل والعشائر في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة في شمال شرق سوريا الذين يديرون النفط في المنطقة، يحققون الكثير من الأموال لدرجة أنهم يحسبونها بالوزن وليس بالكمية.
أحد رجال الأعمال في دمشق يقول «سوريا هي أرض الفرص الآن لعديمي الضمير والبلطجية والمجرمين».
وتأتي ثروات من هم قادرون على تحقيق الأرباح من رحم الحرب الأهلية في سوريا على حساب افقار معظم من يعيشون في البلاد.
اذ ينطوي تقرير حديث صادر عن الأمم المتحدة بشأن الاقتصاد السوري على حقائق قاتمة. ويقدر التقرير أن الاقتصاد السوري فقد أكثر من 100 مليار دولار بسبب الأزمة. وقفز معدل البطالة الى قرابة %50 وتراجع المستوى المعيشي لقرابة 8 ملايين نسمة الى ما دون خط الفقر، ويعيش نصفهم في «فقر مدقع». وينتشر المتسولون في أنحاء دمشق الذين يظهرون أثناء الاختناقات المرورية بسبب نقاط التفتيش التى تخنق دمشق.
يقول أحد التجار في البلدة القديمة « الأغنياء يزدادون ثراء لأنهم يملكون النفوذ للقيام بذلك، لكن ملاك المصانع الصغيرة أو أصحاب المتاجر يجاهدون للابقاء على أعمالهم مستمرة».
ويرى التقرير أن هروب رؤوس الأموال والنهب والدمار واغلاق المصانع تسبب باعادة هيكلة جوهرية للاقتصاد السوري. ويضيف «مع انهيار الاقتصاد الرسمي حدث نمو في النشاط غير الرسمي والمؤسسات الاجرامية واقتصادات العنف».
■ فايننشال تايمز ■