تأخر مصطفى عن الدوام بسبب ازدحام شوارع الاعظمية, مع انه خرج مبكرا, وصل بعد ربع ساعة من موعد البصمة, فصادف تواجد المدير العام فسلم عليه وهو يرتجف خوفا, فلم يرد المدير العام, حيث التكبر قد تشبع به, لكن صاح المدير بالمسكين مصطفى:
– أيها الفاشل لماذا متأخر ربع ساعة, انك موظف كسول, يا سمير (مرافق المدير) سجل عليه خصم يوم كامل.
شتائم جديدة ومن دون سبب حقيقي, وخصم أخر, غرق مصطفى في التفكير, هل يسكت؟ أم يقول شيئا لهذا الطاغوت المكنى بالمدير, استجمع قواه وتقدم نحو المدير وقال له:
– الله ينتقم منك, اعلم يا هذا أننا كلنا عراقيون وكلنا موظفون, والله موجود وسينتقم من كل ظالم.
زال عن مصطفى الخوف وعاد فرحا لأنه وقف ضد طاغوت الدائرة, أما الطاغوت فبقي يشتم ويلعن وقد بانت عورته لكل من كان في المكان.
مؤسسات الدولة تعاني من الكثير, نتيجة الفوضى التي خلقها حلف الأحزاب عبر نظام المحاصصة, وصعود المفسدين لمراكز القرار, فالبلد عائم على بحر من الفساد, فتكون الحقوق مغتصبة والبقاء فقط للأقوى, أما البسطاء فيتم سحقهم خلف أبواب المؤسسات الحكومية, اعتقد أننا نعيش أزمة قيم إنسانية وأخلاقية وحتى دينية, فالتمثل بسلوك ومنهج الطواغيت, أصبح حالة عامة لمن يتسلم منصب.
كل هذا يحدث لغياب القانون وسحق تام للعدل, فالبلد الذي يمجد فيه الظالمون ماذا تنتظر منه أن ينتج؟!
● استغلال خوف الموظف
كما يقول المثل المصري (امسكه من الذراع التي تؤلمه), فيكون التهديد الدائم بفرض عقوبات على الموظف, تكون نتيجتها استقطاعات من الراتب, أو التهديد بالنقل لاماكن بعيدة, عندها لا يجد الموظف الا الرضوخ لجبروت المدير العام, ويصبح مجرد قطعة شطرنج يحركها المدير كيف يشاء, حتى لو كان المدير فاسدا أو جاهلا, فلا يمكن الاعتراض عليه, ومهما كان سلوكه جافا متكبرا كثير الشتائم, أو ساعي للفساد مع حفنة المتملقين, فلا يجوز الاعتراض وألا أصبح الموظف المسكين في خطر.
غياب الرقابة الحكومية على أصحاب الكراسي, مع أعطائهم مساحة واسعة من الصلاحيات هو من افسد مؤسسات الدولة, الخلل في رأس السمكة “حلف الأحزاب”.
● المدراء والمنهج الميكافيلي
الأفكار الميكافيلي هي المؤثرة في عقلية المدراء وأصحاب المسؤولية, حيث يستشعرون القوة من خلالها, عبر إذلال واستحقار الأدنى, مع تسخيره لخدمة أهدافه, فأي ظلم اكبر من هذا, وهذا هو ما يحصل في فضاء الوظيفة الحكومية, حيث يعمد المدراء عبر نشر الكراهية بين الموظفين عبر استقطاب وإبعاد, ونشر الخوف عبر دعم النفاق ونشر العيون, مما يجعل البيئة الوظيفية نتنة لأبعد الحدود, وهذا الأمر منتشر بكثرة, بل النادر جدا من نجده لا ينتهج هذا الأسلوب القذر.
أنها العبودية الجديدة التي يفرضها مدراء السوء على الموظفين الصغار, في هذا الواقع النتن.
وهنا نؤشر تقصير حكومي مخيف وعجيب عندما سمحت للمدراء والوكلاء والمعاونين في تدمير البيئة الوظيفية وخدمة أهداف أعداء العراق.
● المدراء والتحرش
عندما يستشعر المدراء أن كل شيء في المؤسسة الحكومية طوع يدهم, ولا يجدون من يقف بوجوههم عندها يفعل كل المنكرات, ويتمادون لان لا رقيب ومن هنا تنطلق ظاهرة التحرش بالموظفات, وهذه الظاهرة متفشية في دوائر الدولة, وتحصل نتيجة تجبر المسئولين وخوف الموظفات على وظيفتها وراتبها, فتسكت عن ما يحصل لها, بالاضافة للخوف من الفضيحة حيث المجتمع الشرقي يجرم المرأة دائما ولا يضع لها عذر.
أنها العبودية الجديدة, حيث يكون المسئول هو السيد والمالك, أما الموظفات فجواري وعبيد لهم كل الحق في فعل أي شيء ولا يحق لأحد الاعتراض, هكذا هو الواقع ألان.
● الحل
يكمن الحل في عدة أفكار سهلة التطبيق, فقط تحتاج لإرادة قوية وعزيمة وإصرار على أقامة العدل:
أولا: تشكيل لجان من قبل الوزير مهمتها التفتيش والمراقبة وإصدار تقارير ملزمة.
ثانيا: تحديد أربع سنوات غير قابلة للتجديد لكل مدير.
ثالثا: تقليل من صلاحيات المدير.
رابعا: تأسيس مكتب يستقبل شكاوي الموظفين والموظفات مرتبط بالمفتش العام والوزير.
خامسا: أجبار المدراء ومعاونيهم على وضع كاميرات مراقبة في غرفهم والتسجيل يكون عند مكتب الوزير عند لجنة تراقب عبر الكاميرات سلوك المدراء.
سادسا: أن يكون شرط اختيار المدير أن يكون ذو أخلاق حميدة.
سابعا: أن يحاسب المدير أن فسدة أخلاقه أو أن تعامل بتجبر مع الموظفين.