في تقرير مهم عن سلوك المستهلك في مدينة دمشق
(Consumer behavior)،
صادر عن المفوضية الفرنسية عام 1940، يقول دبلوماسي فرنسي مقيم آنذاك في بلادنا:
“تغير الدمشقيون كثيراً في السنوات الأخيرة. باتوا أكثر تواصلاً مع العالم الخارجي. نجد اليوم مستلزمات حديثة في بيوتهم لم يعرفوها من قبل، مثل جرس الباب، والمراوح الكهربائية، والبرادات الأميركية، وكل هذا بسبب توفر الكهرباء للعموم بشكل تدريجي وكبير منذ عام 1907.”
بالنسبة للكهرباء، بلغ عدد المشتركين بدمشق 80 ألف مشترك عام 1920، يوم كان عدد سكان المدينة آنذاك 950 ألف نسمة فقط.
يتابع الدبلوماسي الفرنسي إن أكثر الأصناف مبيعاً في أسواق دمشق، حسب التسلسل والرواج، هي: دواء الأسبرين، الراديو، الهواتف، اللحومات المعلبة (الكورن بيف، والسردين، والطون)، والبسكويت المعلب، واسطوانة الغرامافون.
حبوب الأسبرين طبعاً كانت ثورة في عالم الطب منذ اختراعها عام 1899، واستهلكها الدمشقيون بشكل مخيف، فكم كانت من نقلة نوعية عن “ربط الرأس” بالمفتاح، كما فعل أجدادهم…
أما المذياع، فقد بلغ عدد مبيعاته بدمشق وحدها 11 ألف جهاز ما بين 1933-1938. “معظمهم في المنازل والمقاهي وفي محلات الحلاقين.”
يليه أجهزة الهاتف اليدوية “المانيويل،” وأفادت الإحصائيات على أن الدمشقيين اجروا 13 مليون اتصال داخلي في سوريا عام 1939، من 7660 رقم مسجل عند الحكومة، كما كان قد سُجل 3.1 مليون اتصال بين سوريا ولبنان في نفس العام.
يضيف التقرير أن التغير الاستهلاكي كان أوضع جداً عند العائلات الثرية، حيث باتوا يستخدمون الأدوات المستوردة، “مثل البياظات التشيكية والبلجيكية في حماماتهم، والأواني الألمانية في مطابخهم، والفضيات الفرنسية لموائد طعامهم.”
يقول التقرير أن فرشاة الأسنان مثلاً، دخلت إلى مدينة دمشق بدلاً عن المسواك عام 1914، قبل الحرب بأشهر، “وأن 60% من الدمشقيين باتوا يمتلكون فراشاتهم الخاصة عام 1930.” وان الدمشقيات عرفوا “الكعب العالي” مع صيف عام 1924، حيث ادخل تجار المدينة هذا المنتج إلى أسواق الحميدية وغيرها، نقلاً عن باريس.
كما أن عدد المطاعم بدمشق ازداد من 21 إلى 32 ما بين 1923-1929، وان معظم الاحتفالات الرسمية والخاصة تقام اليوم في الفنادق والنوادي وهي تتسم “بإنارة مفرطة”.
اعتبرت الحكومة الفرنسية أن هناك 544 موقع في سوريا صُنف تحت اسم “موقع عام” سنة 1925. منها: الأفران، الحمامات، المقاهي، النوادي، والملاهي الليلية، والمسارح و دور السينما. من أصل المواقع الـ544، وجدنا 231 مقهى في سوريا و 45 مسرح بين دمشق وحلب.
يضيف التقرير أن 10 من اصل 22 سينما بدمشق كانت مزودة بمكبرات صوت عام 1932، وأن عدد الصالات بلغ 40 في كافة المدن السورية مع العام 1939، “فيها 22 ألف مقعد، يبيعون 2.3 مليون تذكرة سنوياً، بمعدل 44 ألف تذكرة في الأسبوع، مما جعلهم من أكثر الشعوب إقبالاً على السينما في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وأسيا.”
ومن أكثر الأفلام رواجاً كانت “الكاو بوي” الأميركية وأفلام فتى الأدغال “طرزان”، يليهم مباشرة كوميديا شارلي شابلين الصامتة. وأفاد التقرير بان سبب اقبال السوريين على اعمال العنف والمغامرة والافلام الصامتة كافلام الكاو بوي وطرزان والافلام الصامتة ،كونهم لا يجيدون اللغة الاجنبية .
واختتم التقرير بأن عدد الصحف اليومية بدمشق ارتفع من 7 عام 1933 إلى 14 عام 1945، وان الفضل في هذا يعود إلى انتشار التعليم، حيث ارتفع عدد من يستطيع القراءة والكتابة إلى 58 ألف عند الدمشقيين و55 ألف عند الدمشقيات.