الشرق الاوسط
في الوقت الذي لم يتمكن فيه الكونغرس من تمرير الميزانية ولم يستطع الرئيس الموافقة على أي تشريع مهم، يشعر الجمهور بالسخط إزاء خطر استخدام الحكومة الفيدرالية التي تتمتع بسلطات واسعة إدارة الضرائب على الدخل ووزارة العدل للتحرش بأعدائها.
لم يبدأ الرئيس أوباما في إصلاح مشكلة الخلل الوظيفي الكبير الذي تعاني منه واشنطن، لكنه تحرك يوم الأربعاء للاستجابة لغضب العامة وإنقاذ حكومته التي توشك على الغرق، فأقال القائم بأعمال مفوض إدارة الضرائب على الدخل وأفرج عن مجموعة كبيرة من رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهجمات بنغازي ودعم قانون الدرع لحماية الصحافيين. كانت تلك خطوة بالغة الأثر على صعيد العلاقات العامة، لكنها لم تكن استجابة لعلاج أوجه القصور في الحكومة الفيدرالية المتداعية بالفعل.
فما يعوق واشنطن هذه الأيام ليس مؤامرة منظمة ضد المحافظين أو الصحافيين أو أي شخص آخر، بل مؤسستها الفيدرالية المعطلة إلى حد كبير نتيجة الإدارة السيئة والتردد السياسي.
ما ينبغي أن يثير مخاوف العامة، ليس قوة الحكومة الهائلة، بل ضعفها.
إقالة المسؤولين تدلل على تحقيق المساءلة. وقد أظهرت الأحداث الأخيرة، أننا بحاجة ماسة إلى إشراف واع للحكومة. وهذا يتطلب مسؤولين بارزين ذوي دراية واعية بحساسية القضايا السياسية. لكن مثل هؤلاء المسؤولين باتوا يخشون أن يبدوا وكأنهم يتدخلون لارتكاب هذه الأخطاء.. فأين كان المدير الذي كان عليه منع موظفي إدارة الضرائب على الدخل من استهداف منظمات محافظة؟ ربما فهم هذا الشخص خطأ رسائل الكونغرس التي تستحث تحقيقات إدارة الضرائب حول المنظمات السياسية المعفاة من الضرائب.
أين كان المسؤول البارز بوزارة العدل الذي كان عليه وقف مدع عام جامح من إصدار مذكرة موسعة بحق وكالة «أسوشييتد برس»؟ لقد نأى المدعي العام بنفسه عن ذلك لأنه خاف من الصراع المحتوم للمصالح.
وكان المسؤولون الأدنى مرتبة أكثر خوفا بسبب مطالب الكونغرس بإجراء تحقيقات في التسريبات، والتلميح إلى أن الإدارة ذاتها متورطة بشكل ما.
إن ما يشغل الحكومة الفيدرالية هذه الأيام هو التحقيق مع ذاتها. فلا توجد لجنة مشكلة من الحزبين ومستقلة بما يكفي لتنجو من الاتهام بأنها تخفي شيئا ما.
هذا الاتهام وجه ضد لجنة مراجعة هجوم بنغازي التي يرأسها توم بيكرنغ، مساعد وزير الخارجية السابق، والأدميرال مايك مولن الرئيس الأسبق لهيئة الأركان المشتركة، ولو كان هذان الرجلان أحد خيوط المؤامرة لكان على الدنيا السلام، ولم يكن عليّ سوى الرحيل إلى روسيا.
إذا استعرضت الفضائح العديدة التي تحوم حول واشنطن هذا الأسبوع، فالسمة الغالبة فيها القرارات السيئة للمسؤولين الحكوميين، يزيد من حدتها الانتقادات واللوم من الكونغرس. وهذا هو جانب من سلسلة الأخطاء هذه.
جاءت تحقيقات إدارة الضرائب على الدخل مع منظمات محافظة على علاقة بحزب الشاي التي بدأت في مارس (آذار) 2010 عقب شهرين من فتح المحكمة العليا في قضية «مواطنون متحدون» الطريق أمام تبرع الشركات للجماعات السياسية. وحددت غارانسي فرانك روتا، في مدونتها «ذا أتلانتك» ضغط الكونغرس على إدارة الضرائب للتحقيق في إعفاء المجموعات المحافظة من الضرائب. ارتكبت الوحدة، التي كان المفترض أن تتخذ مثل هذه القرارات (مقرها سينسيناتي لإبعادها بشكل ما عن التعرض للضغوط)، خطأ لا يغتفر عندما نقبت عن المجموعات المحافظة التي تستخدم مصطلحات سياسية.
لكن الحملة لم تظل سرا، فظهرت تقارير إخبارية في عام 2012 حول شكاوى حزب الشاي من التعرض لمضايقات، في وقت كان فيه الديمقراطيون في الكونغرس يطالبون إدارة الضرائب بتطبيق معايير أكثر صرامة. ويمكن لهيئة المحلفين الكبرى المساعدة في التأكد مما إذا كانت قرارات إدارة الضرائب المثيرة للغضب ترقى إلى السلوك الإجرامي.
من ناحية أخرى، بدأت وزارة العدل تحقيقين مستقلين في يونيو (حزيران) حول تسريب معلومات سرية بعد انتقادات مكثفة من قبل الجمهوريين للحكومة بتسريب معلومات سرية. وركز التحقيق على مصادر الأخبار التي تحدثت عن فيروس «ستاكس نت» بشأن إيران والجاسوس داخل «القاعدة» في اليمن.حتى الصحافي يمكنه فهم سبب انزعاج المسؤولين من كشف هذه الأسرار. مع ذلك فالدافع الأكبر للجمهوريين كان شكهم (الذي لم يكن في محله) في ترتيب مسؤولين كبار في إدارة أوباما لهذه التسريبات. ودفع هوس الإدارة بالتسريب، الذي تغذيه المخاوف من انتقادات الكونغرس، مسؤولين في وزارة العدل إلى طلب تسجيلات شهرين لأكثر من 20 مكالمة هاتفية في «أسوشييتد برس».
لماذا وافقت وزارة العدل على هذا في الوقت الذي تحث فيه إرشاداتها على الاستخدام المحدود لتسجيلات الصحافيين؟ ربما كان هذا تسريبا فاضحا بشكل خاص يعرض عميلا غربيا للخطر ويثير حنق أقرب حلفاء الولايات المتحدة وغيظهم. نحن لا نعلم لأن الإدارة لم تشرح جيدا حملتها ضد التسريبات خوفا من الانتقام السياسي.
وأخيرا بنغازي، الفضيحة التي لا تزال أصداؤها مستمرة. وبدأت هذه في خضم الحرب بضبابيتها، لذا من الأفضل توخي الحذر فيما يتعلق بتحديد المسؤولية. ومع ذلك حاولت الإدارة منذ البداية تقديم القصة بحيث تحافظ على موضوع حملتها، وهو أن أوباما انتصر في الحرب على الإرهاب وأن الحزب الجمهوري يتلاعب في الأمر منذ ذلك الحين إلى حد أن تسببت لعبة إلقاء المسؤولية على الطرف الآخر في تهدئة وتيرة العمليات في شمال أفريقيا. وربما كان جيل آخر ليقول: «فلنواصل حياتنا»، في حين ندعو نحن إلى فتح تحقيق جديد.
* خدمة «واشنطن بوست»