حسونة المصباحي
أوقفت الشرطة القضائية الفرنسية اليوم الإربعاء 31 يناير-جانفي الداعية الإسلامي المصري المتجنس بالمجنسية السويسرية طارق مضان بسبب اتهامه باغتصاب نساء من أصول عربية. وخلال الأشهر الأخيرة من العام المنصرم، نشرت صحف ومجلات ومواقع الكترونية شهادات نساء عربيات تعرضن للإغتصاب، مؤكدات أنه كان يلجأ إلى العنف حين يرفضن إرضاء رغباته السادية. وتقول إحدى ضحاياه وهي من أصل تونسي بإنها التقت به راجية منه مدها بعلومات وبنصائح دينية إلاّ أنه بادر بأخذها إلى غرفة في فنقدق،وهناك قام باغتصابها بعنف. وقد ردّ طارق رمضان على شهادات ضحاياه قائلا بإنها “أكاذيب”،و”وشايات مغرضة”تهدف إلى تشويه سمعته والحط من قيمته الفكرية، والدينية. ولكن يبدو أن هذه الردود لن تفيده كثيرا، ولن تمكنه من تجنب السقوط المدوي الذي بات مؤكدا.
وكان نجم طارق رمضان، حفيد حسن البنا، مؤسس حركة الإخوان المسلمين المصرية، قد بدأ في الصعود في أواسط عقد التسعينات من القرن الماضي ،أي عندما تعرضت فرنسا إلى عمليات إرهابية مدبرة من قبل الجماعات الإسلامية في الجزائر. ومنذ ظهوره الأول لفت إنتباه الفرنسيين بخطابه الإسلامي المعتدل، وبلغته الفرنسية الدقيقة والرفيعة، وبمظهره الذي يعكس ذوقا راقيا في اللباس، وفي المعاملات، وفي مخاطبة الجمهور سواء كان مسلما أم غير ذلك. ومع تزايد حدة التوتر بين العالم الإسلامي والعالم الغربي ،وتحوّل الإرهاب الأصولي إلى خطر يهدد العالم بأسره، أصبح طارق رمضان ينعم بشهرة واسعة لا فرنسا وحدها، بل في جميع أنحاء اوروبا، وحتى في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا. ولم تعد الجامعات الكبرى تتردد في استقباله بالأحضان ليجد نفسه أمام جمهور غفير من الطلبة المتعطشين لفهم الإسلام والمسلمين. كما ان وسائل الإعلام بمختلف أنواعها باتت تتزاحم من أجل الحصول على لقاءات،وإدارة حوارات ساخنة معه. بالإضافة إلى ذلك، استطاع طارق رمضان أن يكتب ود وتقدير مثقفين ، ومفكرين كبار ، وأن يحظى بتقدير واحترام شخصيات سياسية وإعلامية تتمتع بنفوذ واسع،وتعارض ظاهرة الاسلاموفوبيا.من ذلك مثلا أن الفيلسوف المرموق ادغار موران، قبل أن يصدر معه كتابين حول قضايا تتصل بالحوار بين الأديان والشعوب. وفي أكثر من مرة، رفع مثقفون يساريون أصواتهم للدفاع عنه باعتباره رمزا للإعتدال والتمدن في زمن الأصوليات العنيفة.
لكن صورة طارق رمضان بدأت تفقد إشراقاتها ليس بسيب الفضائح الجنسية فقط ،وإنما أيضا بسبب حقائق أخرى بدأت تبرز على السطح . فقد عادت الفرنسية كارولين فورست للتذكير بأنها كانت أول من فضح “الخطاب المزدوج” لطارق رمضان ،مقدمة معطيات تدل على أنه يتعمد دائما وأبدا إخفاء أفكاره ونواياه الحقيقية لخداع وسائل الإعلام والمعجبين به من المسلمين ومن غير المسلمين. وكشف الدكتور السويسري شارل جينوكاند أنه قدم استقالته من اللجنة التي أشرفت على أطروحة الدكتوراة التي تقدم بها طارق رمضان في التسعينات من القرن الماضي بسبب ما احتوته من تمجيد لأفكار حسن البنا ، باعتبارها تمثل الإسلام المتنور. بل أنه سعى أكثر من مرة، وفي العديد من الندوات أن يحطّ من قيمة مفكرين عرب بارزين مثل محمد أركون، محاولا اقناع الفرنسيين أنه الأفضل في مجال الإسلاميات. وأشارت الأسبوعية “لوبس” واسعة الإنتشار في عددها الصدار في أول الإسبوع الثاني من شهر نوفمبر من العاام الحالي، أن كرسي الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد الذي يشرف عليه طارق رمضان ممول بالكامل من قبل إمارة قطر التي لا ينقطع عن التردد عليها للتدريس في جامعتها، أو لحضور جلسات ومؤتمرات الإتحاد العالمي للعلماء المسلمين الذي يترأسه الشيخ القرضاوي . وأمام هذه الحقائق، وبسبب فضائحه الجنسية، سيكون من الصعب على طارق رمضان أن يستعيد المكانة الرفيعة التي كان يحظى بها، وأن يقنع الرأي العالم في فرنسا، وفي العالم بأنه رمز لأسلام معتدل ومتسامح ومنفتح على الثقافات والديانات الأخرى،ومثال للأخلاق الفاضلة التي طالما تشدق بها أمام جمهور غفير من المعجبين والمعجبات.
المصدر ايلاف