حليمة مظفر
معروف أني ضد عبارة “عدوة المرأة امرأة مثلها” حين تختزل العدوانية في مجرد “الغيرة”، فهذه الرؤية نابعة من ثقافة ذكورية، ومع الأسف تُصدقها وترددها النساء دون وعي، فـ”الغيرة” عاطفة مشتركة في الرجل والمرأة، وتصدق على الرجل أيضا وتجد عدو الرجل رجل مثله، وقد تصل غيرة الرجل إلى مرحلة التدمير والقهر، والبيئة العملية الرجالية خير دليل على ذلك.
لكن ليس هذا موضوعي إنما تبرير مواقف عدائية لنساء ضد قضايا تخصهن وتمنحهن حقوقا مستلبة بهذه العبارة “المرأة عدوة المرأة” أمر غير مستساغ فالمسألة أكبر من ذلك، إذ ليست ثقافة الحرام التي تزيد من سعة المحرمات على المرأة أكثر من الرجل، أو اتساع باب ثقافة العيب في مجتمعنا الذكوري، أو ثقافة وصاية “المحرم” المفروضة على المرأة السعودية لتكون به نصف مواطنة، هي أكبر المشكلات التي تواجه تقدم المرأة السعودية لحصولها على حقوقها المدنية التي شرّعها لها الدين ورفعها بها، وحرمتها إياها العادات والتقاليد الذكورية المتوارثة، إنما أكبر مشكلة من كل ما سبق هو جهل المرأة نفسها بحقوقها ومواطن إنسانيتها، ومن هذا الباب ترى النساء ضد أنفسهن ويعملن “حارسات” لما ورثنه من عادات جاهلية وأكثر المسوقات لها، ويعملن بكل جد واجتهاد على تعزيزها باسم “الحلال والحرام” ثم الوصاية على الأخريات، والمأساة أنهن يُرضعن هذا “الجهل المركب” كما أسميه مع حليب صدورهن لبناتهن قبل أبنائهن الذكور، لإنتاج حارسات أخريات نتيجة كسلهن في القراءة والبحث والاطلاع، وتأجير عقولهن مرتعا لثقافة ذكورية كونهن يعتمدن ثقافة التلقي والسماع. هكذا تجد “حريم” سعوديات يصرخن رافضات صدور قانون ضد التحرش، وضد إضافة حصص اللياقة البدنية والصحية في المدارس، وضد قيادة المرأة للسيارة وضد ابتعاثها من دون محرم، بل ضد أن تكون مواطنة كاملة الأهلية ويطالبن بضرورة وجود المحرم، والمحزن أن هكذا فئة تزيد في مساحة التضييق فتصل إلى الطفولة، فلا نستغرب أن عضو شورى ذات مستوى عال في التعليم تقدم توصية ضد الأسر الصديقة التي تكفل مشاعر إنسانية للأيتام المحتاجين لتعاون المجتمع.
بصدق، فمن المألوف إيجاد عذر لنساء يحرسن الجهل حين يكنّ منتصفات التعليم أو أميّات، فهن لا يمتلكن أدوات البحث والمعرفة، لكن المخجل أن ممارسة نقل الضحالة تجده ممارسا من فئات تظن من الوهلة الأولى أن التعليم أدى إلى رفع مستوى الوعي لديهن، ولكن مع الأسف هناك متعلمات تعليما جامعيا وبعضهن حاصلات على درجات عليا وأكاديميات لكنهن أكثر ضحالة وذكورية من أمهاتنا الأميّات، فقط لأنهن يعتمدن ثقافة “الحلال والحرام”، التي تمّ تضييقها في رؤوسهن! فيسعين بها للتضييق على بنات جنسهن، ويرددن ما يُصب في آذانهن ضد المرأة في بيئتهن المغلقة على آباء أو أزواج أو إخوان متشددين، ونتيجة كسل قدراتهن العقلية المتواضعة تعززت عواطفهن بالتشدد، ثم تراهن ممارسات للإقصاء بشدة، ولعلي أتذكر إحدى المتشددات جلست بجواري في “الحوار الوطني” ورفضت حتى إلقاء السلام عليّ رغم مبادرتي به عليها، وهؤلاء حين يفشلن في مواجهة الحجة بالحجة لا يجدن سوى الشخصنة سبا وشتما فيمن يعارضهن، غير مدركات أن ما يقمن به هو مدعى للسخرية ودليل على نقص عقولهن المتواضعة الكسولة.