ابتداء من اليوم، ينضم الكاتب والباحث (سعد فنصة) ابن الصحفي السوري الراحل (بشير فنصة) إلى كتاب أورينت نت، ليفتح خزائن ذاكرته عن قصص من التاريخ السوري الذي كان عمه الصحفي (نذير فنصة) لاعباً أساسياً فيه منذ عهد حسني الزعيم، ناهيك عن الأدوار الهامة التي شهدها والده وكان من كبار الصحفيين في العهد الذهبي للصحافة السورية قبل كارثتي انقلاب حزب البعث، ثم انقلاب حافظ الأسد الأسود!
قبل أن تمتد في أكبر شوارع طهران مظاهرة حاشدة بلغ طولها أكثر من ثلاثة كيلو مترات، تطالب بإسقاط نظام الحكم الإيراني عام 1978… كان الشاه النشوان بروائح البخور ..و الوعود الامريكية … يوفد مستشاره للشؤون العربية الصحافي السوري نذير فنصة الى الصومال .. والمهمة بالغة السرية و الدقة ومختصرها إتمام صفقة باسم الشاه محمد رضا بهلوي مع مقديشو لتوريد كميات محددة لطهران من اليورانيوم النقي الخام ولم يعد سرا اليوم أن الصومال هي أغنى بلدان العالم بخام اليورانيوم المشع في تصنيع و إنتاج السلاح النووي ..
البداية أواسط الخمسينيات!
وهنا لابد من التوقف لبرهة حول مشروع إيران النووي و الذي بدأته منذ أواسط الخمسينات من القرن الماض عندما استقدمت أولى المعدات و البرامج المتصلة بالتجارب النووية في مجال علوم الذرة الى جامعة طهران و خلال عام تم تأسيس المركز الذري التابع للجامعة المذكورة عام 1957 و بعد عشر سنوات تم وضع حجر الأساس لتشغيل أول مفاعل ذري للتجارب البحثية عام 1967 بقوة 5 ميغا واط مغذى بيورانيوم عال التخصيب و في عام 1974 تأسست منظمة الطاقة الذرية و الحقت بها كل النشاطات و المراكز البحثية النووية و أسندت اليها رسميا مهمة تطوير التقنية النووية فيما يتعلق بإنتاج الكهرباء و في تحقيق صحفي إيراني نشر بالفارسية في أواسط الستينات تفخر فيه بأن ربع علماء الطاقة النووية في إيران هم من النساء الإيرانيات الحاصلات على درجة الدكتوراه و كان لإيران حينها علاقات وثيقة بالغرب و الشركات الأمريكية و الفرنسية و الألمانية التي سارعت لإجراء صفقات التشييد لتكون محطة بوشهر .. أولى محطات الطاقة النووية الداخلة الى الخدمة عام 1975 وبالخبرات الفرنسية التي كلفت الشاه قرابة المليار دولار دفعها عند توقيع الاتفاقية مع الوزير الفرنسي الأول آنذاك جاك شيراك نال فيها تحاصصاً إيرانيا قُدّر حينها بنسبة 10 % من حصة الإنتاج لليورانيوم المخصب في مصنع يوروديف.
محادثات كنيدي وإطراء كيسنجر!
و لكن الشاه لم يتوقف عن هاجس امتلاك القنبلة النووية الإيرانية و الذي ساهم هو بشخصه خلال العقدين الذين سبقا خلعه بثورة الأمام الخميني على الإشراف المباشر و تمهيد الطريق اليه إسوة بإسرائيل و كانت محادثاته مع جون كينيدي في ذات العام الذي قضى فيه الرئيس الأمريكي ( اغتيل عام 1963 ) يصب في هذا الاتجاه الذي عرضه عليه الأول بينما كان كيندي يُسمعُه محاضرة طويلة في كيفية حكم بلدان العالم الثالث .. رافعا قدميه في وجهه بعد اعتذاره لطريقة جلوسه أمامه بسبب آلام الظهر التي كان يعاني منها الرئيس الأمريكي ..
أما هنري كيسنجر الذي أنحنى أمامه واصفا إياه (بالإمبراطور المثالي) و (الشاه العظيم) لم يدخر جهدا في إقناع البنتاغون بوضع الترسانة العسكرية الامريكية في خدمة الحليف الكبير لأمريكا والغرب … وإسرائيل.
ولكن أن يعمد الشاه الى إستقلال قراره النووي وأن يوغل أكثر في المشروع لصنع قنبلة نووية إيرانية سرا فهذا شأن أخر… لن تسمح به لا الولايات المتحدة و لا إسرائيل .. و لا المجتمع الدولي .. ولم تكن الـ
CIA
او الموساد على ما يبدو ببعيدين عن تتبع السلوك الذي انتهجه الشاه في سياساته السرية و لحسابه الخاص في التفكير في إنتاج القنبلة النووية خصوصا أن في طهران وحدها أكثر من 50 الف خبير و مستشار عسكري أمريكي .. يعيشون بين ظهرانيها، و مما يزيد المواقف الأمريكية نفاقا على الشاه في أخر سنين حياته أن مجلة
Fortune
الأمريكية .. راحت حينها تصور الخميني كرجل ديمقراطي يحلم بالعيش بسلام حسب معتقداته الدينية الرحيمة ويحرص على حسن التعامل مع الجميع في الوقت ذاته كان السفير الأمريكي في الأمم المتحدة أندرو يونغ يصرح بالإساءة الى الشاه ونظام حكمه القمعي لدرجة أن يونغ وصف الخميني. بأنه رجل من أولياء الله الصالحين. كل ذلك يفسر تردد الموقف الأمريكي و تخاذله الذي بان جليا فيما بعد لحظة سقوط الشاه و تأكد حين رفض الغرب .. كل الغرب و الشرق على رأسه الولايات المتحدة الأمريكية مجرد منحه جواز سفر أو الإقامة للعلاج من مرض السرطان الذي لم يمهله حتى ربيع العام 1981 حيث قضى نحبه وهو بضيافة أنور السادات.
مسرحية الخميني!
وفي كواليس المسرحية أن الأمام روح الله الموسوي الخميني بعد أن نجحت الثورة في تهيئته مرشدا ومهديا أمر بحل كل أبحاث الأنشطة النووية السرية ذات التوجه الحربي وأعلن أنها تخالف الفقه والأخلاق الإسلامية السامية، إلا أن الحرب العراقية واتساع المعارك وتضرر المفاعلات النووية الإيرانية بالقصف الجوي العراقي كلها دفعت الخميني ومستشاريه بمراجعة تصريحاته واستئناف الأبحاث العسكرية النووية… في الوقت الذي قام فيه الطيران الحربي الإسرائيلي بتدمير المفاعل النووي العراقي في ذات العام. ..لخلق حالة التوازن التي كان نظام الملالي بأمس الحاجة اليها ، و في موقف لافت لشقيقة واحدة من كبار الملالي المقربين من الخميني تعلن انشقاقها من بغداد عن نظام آيات الله عام 1985 و تصرح بأن تعاونا سريا كان يجري بين إسرائيل و الخميني ، و جدها الرئيس العراقي صدام حسين ، هبة نزلت عليه من السماء لترويج القصة التي كان يرددها دائما عن التعاون الإسرائيلي الأمريكي الإيراني ضد أحلامه القومية في حماية العرب و خليجهم و نفطهم قبل غزوه الكويت.
صفقة لم تتم!
و بالعودة الى جوهر القضية و هي الشحنة التي حرص الشاه على عقد صفقتها بعيدا عن الأعين استقبل سياد بري رئيس جمهورية الصومال آنذاك نذير فنصة موفد الشاه و اتفقا على توريد الشحنة الى إيران قدر حجمها بالمهول و تكفي لصنع طاقة تدميرية يمكن تحميلها على صواريخ أو رميها عبر قاذفات جوية .. و لكن الصفقة لم تتم إذ أن سياد بري كان قد أعلم ال
CAI
و إدارة الأمن القومي الأمريكي عبر جواسيسه الإسرائيليين و لم تمض اشهر و إلا الشاه خارج لعبة الكبار .. بثورة شعبية جارفة أتت بملالي العمائم و آيات الله المنفيين .. ليعودوا إنتاج التاريخ القريب مرة أخرى ، هذا التاريخ الذي كانت تكلفته تفوق المئة و خمسون مليار دولار و الذي تم تسليم أجزاء معلومة منه الى أصحاب اتفاقية 5+1 و التي تابع فصولها الرئيس الأمريكي باراك أوباما ذاته .. باعتبارها نصرا دوليا باتجاه السلام و لكن حسب مثلنا الشعبي المتداول ما خفي منها كان .. أعظم ..!!
إقرأ أيضاً: ألغاز العلاقة الناصرية المرتبكة بالمخابرات الأميركية