رغم التسامح اللامحدود الذي تتعامل به جدتي مع سب الدين إلا أنها لم تكن تتهاون قط مع أحد أحفادها في حالة ألقت القبض عليه متلبسا وهو يتبول قائما في الحمام ، قد تبدو فكرة القبض متلبسا في هكذا وضعية مستحيلا ، لكن يبدو الأمر ممكن جدا مع حملات جدتي التفتيشية للحمام في حالة دخول أحد أحفادها الحمام مستعجلا ومهملا لغلق الباب الذي كان رتاجه منذ الأزل معطلا ويستخدم من بداخل الحمام في حال إقتحم عليه أحدهم بالخطأ خلوته جهاز الإنذار العالمي المتمثل ب مقولة :إحم إحم .
الدين الشعبي كانت له دائما إهتمامات مختلفة عن أهتمامات الدين الرسمي ، الأفكار الإسلامية التي وجدت مرعا خصيبا في ذهنية البسطاء كانت تلك المتعلقة بالجن والكرامات والمعجزات ، والتي تجد صدى لها في المعتقدات المحلية السائدة قبل الإسلام وبعده رغم محاولات الفقهاء الرسميين مناهضة الكثير من تلك الإعتقادات والتي لولاها ، أي لولا وجود تلك القناعات الشعبية والتي يتضمنها الإسلام في بعض جوانبه ، لربما لم يجد الإسلام طريقه لقلوب الكثيريين .
سر هوس جدتي بمنعنا من التبول قياما كان ظنها باننا نكون بذلك عرضة لنهب الشياطين لقضباننا الذكرية أو إتلافها ، لم يكن يعنيها كثيرا خروجنا من الملة في حال سبنا للدين .
الجانب التشريعي الإسلامي المتمثل في العقوبات مثلا أو الجانب الثقافي المتمثل في أحكام مثل زي المرأة ، منع الإختلاط لم تكن تجد إهتماما بذات المقدار الراهن قبل عهد التسعينيات ونهاية الثمانينيات .
في المحصلة النهائية ورغم الهشاشة النظرية لمعتقدات الإسلام الشعبي وبدائيتها إلا أنها تضمنت أشكالا واسعة نسبياً من التسامح والتقبل للاخر ، ومن سخرية القدر أن تأتي تيارات ( الحداثة ) الإسلامية مثل الحركات الاصولية المعاصرة بنسخة رغم أنها تبدو مقعدة ومتسقة نظريا مع الإسلام النصي لكن أكثر إنغلاقا على نفسها وأقل تسامحا مع غيرها وفي أحيان كثيرة طرقت وإهتمت بمواضيع لا تقل تفاهة عن قضية التبول واقفا ، مثل قضية زي المرأة والإختلاط ومحاربة المشروبات الكحولية والتدخل برغونة في الكثير من خصوصيات الناس ، فلو كان لجيل جدتي وما قبله من الأجيال ما يبرر إهتمامهم بالسحر والجن والكرامات فليس هناك ما يبرر لتيارات جاءت بها الحداثة مثل التيار الأصولي الإخواني – معظم موؤسسينه من طلبة الجامعات التي أسسها الغربيين – أن تهتم بقضايا لا تقل تفاهة وتزيد خطورة على المجتمع من إهتمامات أجيال جدتي الكيوت .