سبيلبرج .. وسينما الخليج
محمد البدري
في ظرف عدة ساعات سيعقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض اجتماعاً تحضيريا يسبق قمة الخليج التشاورية بحثا في التصور الذي وصلت إليه الهيئة المكلفة لدراسة مشروع الاتحاد الخليجي و ستكون حساسية الموضوع علي جميع اطرافها اعلي من اي قمة خليجية او عربية علي الاطلاق. فمنذ قامت ثورات الشباب وامتدت لتطال البحرين اصغر دولة خليجية واكثرها انحرافا عن عادات العرب القبلية وتمكن الديموقراطية من ان تتغلغل في عقول مواطني الدولة بسبب التعددية المذهبية والدينية والطائفية والعرقية ايضا إضافة الي تملكها قوي عمل انتاجية ذات طبيعة يتنكر لها باقي دول الخليج فان ما يخاف منه النظام السعودي الذي لا يؤمن ولا يعتقد بجدوي الديموقراطية ولا يذكر لفظها في ايا من ادبيات كتابها حكوميين كانوا أم وهابيين أو موالين للعائلة المالكة، فان هذا النظام خرج بمبادرة سيسعي لتنفيذها في المؤتمر القادم بجدية واهتمام وربما بتهديد ووعيد بعكس الخداع والتمويه عندما خرجت منه مبادرة في منتصف العقد الفائت تحت اسم مبادرة الملك عبد الله باقامة علاقات طبيعية مع اسرائيل والتي كانت في درج الملك حسب ما يقوله توماس فريدمان بانها كانت من عندياته هو.
ماتت المبادرة القديمة لا لسبب الا لان النظام السعودي ليس في حاجة ملحة لها لجلب رضا اسرائيل أو اقامة علاقات معها عنه، فالاخيرة راضية رضي الام الرؤوم علي ابنائها الصغار حتي ولو كانوا ديناصورات خليجية ولن تكسب السعودية شيئا لو جرت اتفاقات بينهما لان كل شئ يجري بكفاءة ونعومة وسلاسة ونجاح وضمانات باكثر مما يجري بين اي دولتين في تناغم دبلوماسي وسياسي وتوافق مصلحي وحقوقي. لكن المبادرة الجديدة الخاصة بوضع الخليج هي الاهم لانها ستحدد مصائر باتت مهددة ومستقبليات ليست مضمونة في ظل عواصف ايران وثورات الشباب.
كان اسم مجلس التعاون الخليجي متجانسا مع الوضع القبلي لكل دولة، فالقبيلة لا تقبل الاختفاء بل تدافع عن وجودها لانه مرتبط بالشرف. وبقراءة رشيدة لتاريخ القبائل العربية وكيف تتشكل علاقاتها حربا وسلما نجد شعر العرب القديم يعبر عن الوجود وكانه شرف في حد ذاته. وهذا هو السبب الرئيسي الذي لولا السيف والعنف لما تفككت قبائل العرب وانخرطت في الاسلام كقبيلة اكبر التهمت ما عداها الي حد ان قيل “لا يجتمع في جزيرة العرب دينان”. فالدين وقتها اصبح كقبيلة تلتهم ما عداها علي طريقة العرب من غزو وسلب ونهب.
ومنذ ان اصبحت منطقة الخليج تعوم علي ثروة هائلة من الاموال فان الثورة لم تعد بعيدة عن آمال المهمشين طبقيا. بل ولان الدين كان عاملا مهيمنا خاصة في شكله السني الاصولي فان التهميش طال ايضا باقي الطوائف والمذاهب كالشيعة والاباضية واقليات اخري من ضمنها ديانات يرفض الاسلام السني الاصولي الاعتراف بها علي ارضه. لكن اخطر ما في كل هؤلاء هو النمر الايراني القابع علي طول الخليج شرقا وتحتل دول العرب السنية غربه. وكانت زيارة أحمدي نجاد للجزر الاماراتية الثلاث واعلان مشروعه لجعلها محافظة تضاف للمحافظات الايرانية وعاصمتها جزيرة ابو موسي سببا كافيا لان تقترح السعودية – الديناصور الاكبر ضمن دول الخليج – بتحول التعاون الخليجي الي وحده خليجية. وهنا يصبح السؤال الاتي شرعيا ومبررا، هل مخاوف السعودية من ثورات الشباب أم مخاوفها من التمدد الشيعي سببا لاقتراح الاتحاد الذي هو ابتلاع في حقيقته درءا للثورة وللتشيع واستثمارا للارث القبلي في حالة الخطر علي الاخ الاكبر الذي دائما ما يقتل الاصغر حفاظا علي الامن العام وتماسكها القبلي وحتي لا يكون التعدد الذي هو اساس الديموقراطية سببا في انهيار مؤسسات الدكتاتوريات الاسرية والدينية والقبلية.
فعجز البحرين في مقاومة الثورة وترقيعها المستمر، دون جدوي، لدستورها ادي الي التدخل السعودي بقوات ملكية تحت إمرة الاسرة السعودية في حقيقتها تحت مسمي قوات درع الجزيرة وهدم ميدان باكمله والغاء اسمه حتي لا يكون رمزا كحال ميادين الثورة في تونس ومصر، هذا العجز والتدخل لن يعطي البحرين سيادة علي نفسها بقدر ما كانت الديموقراطية والحقوق المدنية والاجتماعية والدينية التي طالب بها الثوار كفيلة بان تحمي البحرين وتجعلها تنضم الي عالم الحداثة الانساني، فلا تكفي حداثة المعمار والتكنولوجيا في بناء دولة عصرية يمكنها حماية نفسها بقدر ما يمكن ان تفعله الديموقراطية السياسية والاجتماعية من معجزات. لكن ما العمل وعالم العرب المنتمي الي ما قبل التاريخ لن يقبل الا باداوات ما قبل التاريخ؟
فيما بين التدخل السعودي في العام الماضي وقمع الثوار وقتل بعضهم وبين الاقتراح بالتحول من التعاون الي الوحده تبدو فكرة الابتلاع السياسي للمنطقة جغرافيا ممكنة ولن نستغرب إذا ما تم تعيين احد الامراء السعوديين كولي عهد في البحرين بديلا عن حاكم ضعيف ادي لان تطال الثورة منطقة الخليج برمتها.
الابتلاع والهضم سهل عند دول هي قبائل في اساسها خاصة وان المُبتلِع والمُبتلَع هما اكبر دول الخليج واصغرها وان العالم الاوسع والاكبر ربما لن يقف معارضا إنما مماطلا كما في الحالة السورية طالما وفرت عملية الابتلاع بيئة سخية تسمح بالبيع والشراء للسلاح وخبراء الامن وحتي لو كانت الدولة الفريسة والدولة المفترسة عضوين في الامم المتحدة ومجلس الامن.
فشل اهل السنة الخليجين في ابتلاع العراق عبر كل انواع الارهاب فيما اسموه المقاومة بعد ان كانوا هم اول معبر للامريكيين لدخول الكويت بعد اجتياح صدام العروبي لها ومرة اخري اثناء غزو العراق عام 2003. فبقدر فشلهم بقدر ما علت موجات الكراهية ضدهم بسبب عمليات الارهاب والتفجيرات والقتل دون أي اعتبار خاصة للشيعة باعتبارهم الاعداء الحقيقين لاهل السنة. وكانت الرسالة التي وصلت من الجيران الشماليين لجزيرة العرب بعقد اتفاق اشبه بنوع من الوحدة بين ايران والعراق تامينا لهما كاراضي قديمة لها ثقافة اعمق من العرب واسلامهم امويا كان أو عباسيا. فكما هناك تخوف علي البحرين هناك تخوف علي العراق المنهك جراء سنوات طويلة من الحروب المتتالية والغزو المتبادل له من القوي الدولية. هكذا تبدو منطقة الخليج كبانوراما يمكن للمخرج العبقري “سبيلبيرج” ان يخرج فيلما جديدا تلعب بطولته ديناصورات اسلامية بمذهبيهما الرئيسيين شيعة وسنة في الخليج الذي اصبح حديقة للديناصورات العقائدية.
لكن هل صحيح ان الاتحاد ممكنا بين دول الخليج ذات الطابع القبلي؟ انه سؤال له اجابة في شكل دولة الامارات العربية المتحدة والتي لن تكون في منأي عن اطماع السعودية لاحقا. فدولة الامارات احتفظت بالنمط القبلي لكل امارة علي حده الي حدودها القصوي بعكس ما جري مثلا في المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة الامريكية لسبب واضح وجلي وهو ان الديموقراطية هي سر تماسك كلا من الدولتين إما بنوع من الفيدرالية او الاندماج التام وكذلك سويسرا ذات المقاطعات بلغاتها الاربع …!! فغياب الديموقراطية التي هي روح العصر الحديث واساس التماسك السياسي والاجتماعي لن يحل مشكلة الجينات الديناصورية من عدوان وابتلاع وضم وغزو حفاظا علي اشكال اصبحت خارج التاريخ وتلفظها جغرافية العالم الحديث.