كثرت في ايامنا هذه موضاتُ الزواج الخارج عن اطار بناء الاسرة وإنجاب الذريّة وتأسيس لبنَة مجتمع قائم على العائلة اذ تعددت اشكال وأصناف زواج قائم على تلبية حاجات جنسية بحتة ولاشيء غيرها وبانت مقاصده وأهدافه المعروفة التي انحصرت في اشباع النوازع الجنسية حصرا وتهدئة جماح الليبيدو طالما ان الحرية الجنسية في مجتمعاتنا غير متاحة وتشوبها السريّة والوجل والاستحياء خارج إطار الاقتران العائلي والزواج المتعارف عليه وتتعرض الى رهاب يصعب مواجهته بذريعة تدمير جدار القيم والتقاليد التي رسخت في اذهان كبارنا من رجال الدين وشيوخ القبائل وصفوة المجتمع من آبائنا واجدادنا وتراثنا الثقيل الذي لايتزحزح في نفوسنا وعقولنا ، فليس هناك من حلول سوى ابتكار غطاء شرعي ليكون سترةً لإقامة علاقات جنسية خاصة جدا
وصرنا نسمع بين حين واخر تسميات لزيجات ماانزل الله بها من شرعة ولا أقرّها صفوة أنبيائهِ انما برزت قوانين احوال شخصية يصطنعها رجال دين لتمرير الروابط بين الذكر والانثى مادام الناس غير قادرين على مواجهة الخطوط الحمر والمحرّمات المصطنعة وتابوهات الحرام والممنوعات حتى وصل الامر الى شرعنة الزنى وجعله مباحا حلالا بوريقات شرعية خادعة وكأنّ هذه العلاقة الحميمة والرباط المقدس وعهد الزواج الصادق الصريح المعلن امام الملأ قد اخذ يتلاشى تدريجيا مادام هناك اطر زواج اختلقها ذوو الحاجة بالتعاون والتنسيق بين رجال دين وفقهاء سخّروا انفسهم لخدمة ذوي الحاجات الجنسية في طرق ملتوية للالتفاف على الدين والخروج عن المألوف في الاقتران وإيجاد مخارج وفجوات فقهية يمررون فيها نزواتهم ونزعاتهم لاشباعها وليذهب الحرام والحلال الى دروب ومزالق ويتوه في اهواء هؤلاء طالبي المتعة الجنسية
وبعيدا عن الزواج العرفي وزواج المسيار وزواج المتعة التي اكتسحت العالم العربي والاسلامي ؛ صرنا نسمع بزيجات غريبة الطباع تثير السخرية والاستهجان والألم معا وصار الاقتران الاسري كوميديا هزيلة مفككة العرى فابتكر المهتمون زواج المسفار وهو نسخة شبيهة بالمتعة وزواج المصياف للسواح الباحثين عن بضاعة جنسية في غير بلدانهم المتزمتة ، ثم شاع زواج ” الوناسة ” وزواج ” الكاسيت ” الذي يتمّ توثيقه على شريط كاسيت او قرص مدمج بلا اية ورقة عقد نكاح لا من المحاكم الشرعية ولا حتى من عاقد الزواج من ممثلي رجال الدين ، وزواج الصداقة ، وهناك زيجات اكثر غرابة ومحيّرة حقا مثل زواج ” التواشم ” ويعني ان يوشم العريس والعروسة وشما مشابها في جسديهما دلالةً على اقترانهما معاً دون الحاجة الى توثيق هذا القران في ورقة رسمية لا من قبل رجل الدين ولا من المحاكم المختصة ويكفي ان يكون الوشمان بيانا دامغا على شراكتهما كزوجين يتساكنان سويةً ، ومثل هذا النوع المبتكر من الزواج قريب جدا من زواج الطوابع حيث يلصق الأثنان طابعين بريديين على جسديهما دلالةً على اقترانهما ومثلهما ايضا زواج الدم بين المرأة والرجل حيث يجرح الاثنان جسديهما في مكان معين ويخلطان دمهما دلالةً على اقترانهما
وهناك انواع اخرى من الزيجات كزواج الهاتف اذ يحدث الاقتران لمجرد مكالمات واتفاقات معاشرة تتمّ عبر الهاتف تتبعها لقاءات وخلوة وسرير واحد يضمهما معا
ولممتهني الطيران والعاملين على الخطوط الجويّة زواج خاص بهم يدعى ” زواج المطيار ” اذ يلتقي الاثنان معا في غرفة تجمعهما اثناء هبوطهما من رحلاتهما الجوية ومثله ايضا ” زواج السياقة ” بين قائد السيارة الاجير وبين المرأة التي تستأجره لأباحة الخلوة بينهما وجعلها حلالا مسكوتا عنها
انها حقا غرائب الاقتران المصطنع بين الذكر والانثى بسبب العنت وجدران المنع وهول الحرام والخوف من مارد العادات والتقاليد والنشأة القائمة على المحافظة على صون الشرف الرفيع من خلال الجنس وعلاقات المرأة والرجل وحدهما وكأن الرذائل الاخرى والفواحش ومهانة النفس والسرقات والخيانة والإجرام والمباذل الجمّة التي يمارسها الانسان ضدّ اخيه الانسان تهون كثيرا وتغتفر امام التجاوز على الدين وموقفه من الجنس والمعاشرة بين الاثنين
لكن كل هذا قد يهون امام ما يجري من انتهاك جنسي فاضح الان في مخيمات اللاجئين السوريين المقيمين في مخيم الزعتري في المملكة الاردنية من استغلال انوثة المرأة وصل الى مراحل مخزية في البشاعة حيث افواج الرجال الباحثين عن نسوة للزواج وملء جيوبهم صرَر دولاراتهم لشراء النساء تحت يافطة الزواج بمعاونة خاطبات يمهّدن السبيل لتسهيل عملية الاقتران غير المتكافئ بين شيخٍ هرِم وفحلٍ يريد ان يشبع نهمه الجنسي بأموالهِ مع عذراوات دون العشرين وبعضهنّ مطلقات حديثا سبق ان تزوجْن وطلقهنَّ ازواجهن بعد ان اطفأوا شهوتهم وأسعدوا ذيولهم الامامية ردحا من الوقت وغالبا ما يكون قصيرا بعد اشباع الحاجة الجنسية
هناك ايضا نساء دون سنّ الخامسة عشر تزوجْن للمرة الاولى بمهرٍ غالٍ وأوهمت المرأة نفسها انها قد نجت رزايا المخيمات وخففت العبء عن كاهل أسرتها ولكن بعد أمدٍ قصير يتم تطليقها ولم تبقَ مع بعلها سوى اسابيع بعد ان نال وطره منها وملّ معاشرتها فعادت الى اهلها مطلّقة تنتظر رجلا آخر ينتشلها من الاوضاع المزرية في تلك المخيمات ومن المؤكد انها ستظفر بواحدٍ يأخذها الى سريره بمهرٍ أقلّ كثيرا من قبل بعد ان اصبحت ثيّباً وربما تعود الى عائلتها مثقلةً بطلاقٍ بائن يلفظه امامها زوجها..وهكذا دواليك
هذا الوضع المشين يجري في كل مخيمات اللاجئين، في الزعتري وفي عرسال وفي حدود الانبار المتاخمة لسوريا وفي كردستان العراق (ولكن باعداد أقلّ مما في بقية المخيمات ) وحتى في مخيمات اللاجئين في الاراضي التركية المتاخمة للحدود السورية
وتردنا الاخبار ان عديدا من الفتيات السوريات يتم بيعهنّ للرجال بطريقة الزواج القسري المؤقت حتى وصل الامر الى شرعنة الدعارة العلنية وكأنّ تلك الفتيات سلعٌ تباع في اسواق النخاسة او جارياتٌ يتم انتقاؤهنّ وفق سمات الجمال المرتسمة على اجسادهن ووجوههنّ واعمارهنّ التي غالبا ماتكون دون الثامنة عشر ومنهنّ من لم تكمل الخمس عشرة سنة على اكثر تقدير ، بل ووصل الامر الى مساومة الرجال على استعارة المرأة لبضع ليالٍ او حتى عدة ساعات في ظاهرة لانتشار البغاء بأبشع اشكاله واعتباره شرعيا مادام يوثّق في ورقة عابرة مختومة بختم الشيخ
وظاهرة الزواج هذه ليست جديدة في عالمنا العربي والاسلامي ايام السّلْم لكنها تفاقمت كثيرا ابان سنوات حرب الربيع العربي المريرة التي طال امدها وتجاوزت الثلاث سنوات في سوريا ودخلت سنتها الرابعة. وقبلا كان السائح العربي يقترن بما سمي “الزواج السياحي” أو ما سُمِّي فقهياً “زواج المصياف” كما ابتكرها المشتغلون والمتلاعبون بتخريجات الفقه على مهر يتفق عليه مع اسرة البنت وقبل ان يغادر سائحنا ويعود ادراجه الى وطنهِ؛ يتم تطليقها بعد ان يدفع لها مهرها المؤجل ارضاءً لها ولوالديها.
وليس الامر مقتصرا على بلادنا العربية الاسلامية وحدها ، ففي جمهورية ايران الاسلامية ايضا تنتشر ايضا ظاهرة زواج المتعة في المجتمعات الدينية وبالأخص المجاورة للأضرحة والاماكن المقدسة للأئمة وأتباعهم برعاية حشد من رجال الدين الذين يقومون بترتيب عمليات زواج المتعة لأمَد محدود وفق عقد نكاح معدّ لهذا الغرض لفترة معلومة وبمهر معجّل وآخر مؤجل يدفع عند التطليق مع شاهدين مستأجرين لهذا الغرض ومثل هذه العقود تديرها مكاتب ودكاكين فقهية في الاحياء المجاورة للأضرحة لكنها ليست ظاهرة للعيان وانما تتمّ هذه الزيجات بسريّة تامة بين المقرّبين والمعارف ومريديهم الشيوخ حصرا
واحيانا حينما تقلّ الطلبات ويقلّ العرض الجنسي تضطر النساء بائعات اجسادهنّ الى الاندساس بين جموع زوّار الاضرحة عارضةً عليهم خدماتها الجنسية اذ تفاجؤك بقولها بالفارسية:
–سيغة ميكونم ؟؟ وتعني: هل ترغب بزواج المتعة ؟
وتلاحظ بحدسها تقاسيم وجهك ازاء سؤالها وتعرف تماما ردود فعلك وتستشفّ رغباتك من خلال ملامحك اذا ماكنت مستبشرا قابلا عرضها او غاضبا من سؤالها حيث تختفي عن الانظار بين الجموع بغمضة عين اذا ما أحسّت ردود فعلك الغاضبة وشتمتها أو زجرْتها.
وكلما ابتعدنا عن تلك الاماكن التي يترعرع فيها زواج المتعة نراها تختفي في الحواضر البعيدة والمدن الرئيسية مثل العاصمة طهران والمدن الرئيسية مثل اصفهان وشيراز وتبريز وغيرها حتى تكاد تنعدم نهائيا وينظر اليها باعتبارها خزيا وعارا ومجلبةً للفسق والزنى حيث تتبلور بديلها العلاقات الحميمية للحبّ وينشأ التفاهم والانسجام في العلاقات بين الرجل والمرأة وفق الطرق المعاصرة المعروفة بين الشباب ولاننكر ان بعضا من رجال الدين المتنورين في ايران نفسها يعدونها دعارة مؤطرة دينيا ويأنفون التعامل بالمتعة غير ان هناك ممن تزيّى بالعمامة والجبّة كذبا ومينا من رجال الدين الفاسدين الذين يرتزقون بهذا النوع من الجنس مقابل المال ، وتفضّل بعض عاهرات ايران ان يقفْن على ارصفة شارع الشهيد مطهّري وسط طهران بانتظار مستهلكٍ ما لتقديم وجبات جنس سريعة يقضمها الزبون على عجل بدَلا من ان تمارس المتعة على يد المشايخ المعممين.
وفي جزء من الاماكن المقدسة بالعراق يجري الترويج بين المعارف والمقربين بسرية تامة لهذا الزواج وهناك مكاتب خفية لايعرفها الاّ مريدو هذا الصنف من الجنس تقوم بتوثيق عقود النكاح لقاء مبالغ محددة وفق نوع المرأة فيما اذا كانت ثيّبا او عذراء ، كبيرةً آيسة او صغيرة يافعة ، فلكل واحدة سعرها الحاضر والغائب والأمد التي ستقضيه مع بعلها الجديد، وهنا لابدّ من التساؤل ؛ لماذا يجري كل هذا الترتيب بسرية تامة وبين مجموعات تعرف بعضها البعض مادام قسمٌ من رعاة الفقه الاسلامي عدّها حلالا ولاشائبة في تحريمها كما يقولون؟؟ !
ولو تحدثنا عن الزواج العرفي الشائع في معظم وطننا العربي فقد خرج من طوق السريّة التي عُرف به اول شيوعهِ حتى صار على مرّ الزمن زواجا علنيا منتشرا بشكل مهول اذ تردنا الاخبار والاحصائيات السريّة ان في مصر وحدها تنظم اكثر بضعة آلاف عقد نكاح عرفي في اليوم الواحد وقد طغى بين الشباب وخريجي الجامعات الذين يعانون كثيرا من توفير متطلبات الزواج المتعارف عليها مثل الشقة السكنية والمهر الغالي والوظيفة المناسبة والآثاث التي يصعب جدا توفيرها امام البطالة الهائلة وقلة المدخولات وتخلي الدولة عن رعاية شبابها امام الازمات الاقتصادية الجمّة والاضطرابات السياسية وتدني الدخل القومي التي تعاني منها البلاد.
كما ينتشر مثل هذا الزواج بين الرجال المتزوجين اصحاب العوائل بعد ان هطلت عليه ثروة ما من مستحدثي النعمة لإشباع حاجاته الجنسية من امرأة فتية تتقن ملاعبة ذكورته لأن امرأته الاولى منشغلة بعيالها وبيتها وقلما تعبأ به وبمتطلباته الجنسية بعد ان كبرت ولم تعد تلك الفينوس الجاذبة الساحرة اذ نسمع كثيرا ان الزواج العرفي قد طغى وانتشر بشكل يفوق الزواج المتعارف عليه وصارت المحاكم تعمل على توثيقه والمصادقة عليه حتى عُدّ حلالا لاشائبة في تحريمه من قبل المرجعيات الدينية المعروفة بالاضافة الى الاستئناس به من قبل مجتمعنا لكونه لايتعارض مع القيم السائدة والاعراف المتفق عليها (هكذا يرونه ويبررون انتشاره الكاسح )
اما زواج المسيار الذي ابتدعه فقهاؤنا فقد شاع في مجتمعاتنا غطاءً لعلاقات جنسية تتسم بالخصوصية ولم يعد يواجه معارضة وخصوصا في دول الخليج العربي وبدأ الرجل يشعر بالزهو والغبطة طالما ان هذا الزواج يعتقه من مسؤوليات البيت والتزامات العائلة الجمّة مثل السكن المشترك والمبيت معا وكاهل الانفاق وماعليه سوى تفريغ شحنات فحولته في امرأته التي لاتريد منه سوى رجولته خلال زياراته المتكررة لها فهو ليس مقيما ثابتا معها، انما يطلّ عليها بين آن وآخر لأداء واجباته الجنسية عندما تطلبه قرينته
بهذه التقليعات الماكرة والمبررات الفقهية السمجة عهروا الدين وغلّفوا الزنى والنكاح شرعةً غريبة الاطوار ، ونسوا طهر الزواج الذي تكون من ابرز سماتهِ الاشهار لا الاسرار فصار الرجل الموسّر يكثر من حليلاتهِ مثنى وثلاث ورباع ولايكتفي بهنّ بل يريد المزيد ممن ملكت أيمانه بمباركة حليفه رجل الدين الليّن العريكة الذي يطوّع الشريعة ويشكّلها حسب ماتشتهي الاهواء وماتريده النفوس التواقة الى مزيد من المتعة مع النساء اذ زُيّن للناس حبّ الشهوات من النساء وغير النساء حتى صار المسلم ” الورع جدا ” يكثر من حليلاته مثلما يكثر غير المسلم من خليلاتهِ فهُما في طلب الشهوة سواء ، فهذه الانماط من الزيجات قد صارت سوقاً للمتعة وأخذ الرجال ينتقلون من فراش امرأة الى اخرى مثلما النساء ينتقلن من حضن رجل الى آخر دون استحياء طالما ان الشرع يبيح لهما ذلك وما العجب في ذلك طالما ان الجنس حاجة اساسية جدا كالحاجة الى الطعام والشراب والنوم ومهما زادت القيود والتحريمات وعُدّت مجلبةً للعار والفضيحة واقترنت بمسحة الشرف الرفيع.
jawadghalom@yahoo.com
المصدر ايلاف