ما قاله الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطابه يوم الثلاثاء الفائت ليس مجرد صفحة جديدة من صفحات التصعيد مع المملكة العربية السعودية.
فهو اعتبر أن «أشرف وأفضل وأعظم» شيء عمله في حياته «هو الخطاب الذي ألقيته ثاني يوم من الحرب السعودية على اليمن والذي نفعله الآن، وأشعر أن هذا هو الجهاد الحقيقي، هذا هو الجهاد، هذا أعظم من حرب»، واصفًا الشعب اليمني بأنه «تجاوز بمظلوميته الشعب الفلسطيني»!!
كلام كهذا يتجاوز إعلان الحرب على السعودية، إلى التجرؤ العقائدي على اعتبارها العدو وموضوع الجهاد، بل وجهة أفضل الجهاد وأشرفه وأعظمه. بوضوح لا التباس فيه أعلن نصر الله أن السعودية هي العدو الجديد وليس إسرائيل، التي لم يقاتلها حزب الله جديًا طوال ست عشرة سنة إلا في حرب عام 2006، والتي انتهت بالقرار الدولي 1701 الذي أقفل جبهة جنوب لبنان، وأشك أن تفتح مجددًا إلا في سياق حرب إقليمية كبرى.
ولمن فاته هذا الإعلان الأول من نوعه عن التحول الاستراتيجي الكبير في وجهة قتال حزب الله ودوره العسكري والأمني والسياسي ضمن المنظومة الإيرانية، أو لمن قد يخطئ في توصيف الكلام باعتباره مادة تعبئة ليس إلا، تبرع نصر الله بالقول إن مظلومية الشعب اليمني تجاوزت مظلومية الشعب الفلسطيني، للتأكيد على أن ظلم السعوديين أشد من ظلم إسرائيل، ما جعلهم يستحقون اندراجهم في خانة العدو قبلها!
ليس بغير دلالة أن يطال التحول المذكور «عدة الشغل» كلها، ومن ذلك أن تصدح حناجر جمهور نصر الله بعبارات نابية تسيء للعائلة الملكية. وليس بعيدًا أن تصدح الحناجر نفسها بشعار «زحفًا زحفًا نحو الرياض.. حربًا حربًا حتى النصر»!
كما أن التدقيق في الوقائع الميدانية يفيد بأن إعلان نصر الله ليس تبجحًا. آخر الأدلة، الشريط الذي بثته قناة «العربية» لمدرب من حزب الله في اليمن يستفيض في الشرح لمجموعة من الحوثيين حول أشكال العمليات وأنواعها، كاشفًا أن من بين ما يتم تحضيره «عمليات استشهادية» في الرياض واغتيالات!! سبق هذا الشريط، الأوضح في إدانته لحزب الله ومشروعه الأمني في الخليج، الكشف عن عدد كبير من الخلايا في البحرين والكويت ومؤخرًا الفلبين تعمل كلها لضرب مصالح خليجية أو سعودية.
يتضح إذ ذاك أن حزب الله بات يجاهر بما كانت تضمره ممارسته الأمنية والسياسية والعسكرية منذ القرار الكبير باغتيال رفيق الحريري في الرابع عشر من فبراير (شباط) 2005، على ما يمكن الاستنتاج من اتهام المحكمة الخاصة بلبنان لقادة في الحزب بالمسؤولية عن قتل الحريري! غير أنه وهو يجاهر بحلول «العدو» السعودي مكان الإسرائيلي، في خطابه وممارسته، يحاول التأسيس لتاريخ وذاكرة لا تمت للواقع بصلة، كقوله إن السعودية «من عام 2005 فاتحة حرب على حزب الله.. منذ عام 2005 وهي فاتحة مشكل معنا ونحن صامتون»! في حين أن الحرب في الحقيقة مفتوحة على السعودية ولبنان وعلى تقاطع مصالح الاثنين بشخص رفيق الحريري، الذي قتله حزب الله ونظام بشار الأسد، ولا أحسب أنه تجوز بعد اليوم المداراة الزائفة في هذا الملف أو محاولات تدوير الزوايا أو قول الأمور بغير أسمائها! لأننا كي نصدق نصر الله علينا أن نقتنع أن رفيق الحريري كان هو من يقود السيارة المفخخة التي انفجرت بموكبه وينقلها نيابة عن السعودية لتفجيرها في مناطق حزب الله ضمن الحرب المفتوحة على الحزب الصامت والمتلقي للهجوم عليه!!
خطورة كلام نصر الله على مصالح لبنان واللبنانيين، لا يقلل منها تواضعه المفاجئ حول حجمه الحكومي ودوره في صناعة القرار في لبنان، أو التنطح بشجاعة ريفية لأخذ المسؤولية عن الاشتباك مع السعودية بصدره وتحرير اللبنانيين من تبعاتها، كما يتحمل المسؤولية رجل في مشكل في ساحة قرية!
ليس هكذا تورد الإبل يا حضرة الأمين العام. الشجاعة الفعلية بتحمل مسؤولية «مقاومة السعودية» في اليمن وسوريا والعراق والبحرين والكويت ونيجيريا وغيرها، تتطلب منك إعلان خروج حزب الله من الدولة ومؤسساتها، وربما أن تصدق القول بالفعل، وتنتقل أنت وكل قادة حزب الله إلى المكان الذي تراه «الأشرف والأفضل والأعظم» للصراع مع «العدو السعودي الغاشم»!
أما التفرد في تحديد أعداء لبنان وتعيين سبل مواجهتهم، واستتباع السياسة الرسمية للبنان كما حصل في موقف وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، أو في الضغوط التي مارسها الحزب لإصدار بيان حكومي تضامني مع الرياض جاء بلا طعم أو لون، فهو تعريض للبنان واللبنانيين جميعًا، لا تقع مسؤوليته على السعودية! وهو استدراج للبنان، كل لبنان، إلى تبعات المواجهة مع الرياض!
*نقلاً عن “الشرق الأوسط”