أحمد شوقي
ريم على القاع بين البان والعلم … أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
رمى القضاء بعيني جؤذر أسدا … يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم
لما رنا حدثتني النفس قائلة … يا ويح جنبك بالسهم المصيب رمي
جحدتها وكتمت السهم في كبدي … جرح الأحبة عندي غير ذي ألم
رزقت أسمح ما في الناس من خلق … إذا رزقت التماس العذر في الشيم
يا لائمي في هواه والهوى قدر … لو شفك الوجد لم تعذل ولم تلم
لقد أنلتك أذنا غير واعية … ورب منتصت والقلب في صمم
يا ناعس الطرف لا ذقت الهوى أبدا … أسهرت مضناك في حفظ الهوى فنم
أفديك إلفا ولا آلو الخيال فدى … أغراك بالبخل من أغراه بالكرم
سرى فصادف جرحا داميا فأسا … ورب فضل على العشاق للحلم
من الموائس بانا بالربى وقنا … اللاعبات بروحي السافحات دمي
السافرات كأمثال البدور ضحى … يغرن شمس الضحى بالحلي والعصم
القاتلات بأجفان بها سقم … وللمنية أسباب من السقم
العاثرات بألباب الرجال وما … أقلن من عثرات الدل في الرسم
المضرمات خدودا أسفرت وجلت … عن فتنة تسلم الأكباد للضرم
الحاملات لواء الحسن مختلفا … أشكاله وهو فرد غير منقسم
من كل بيضاء أو سمراء زينتا … للعين والحسن في الآرام كالعصم
يرعن للبصر السامي ومن عجب … إذا أشرن أسرن الليث بالعنم
وضعت خدي وقسمت الفؤاد ربى … يرتعن في كنس منه وفي أكم
يا بنت ذي اللبد المحمي جانبه … ألقاك في الغاب أم ألقاك في الأطم
ما كنت أعلم حتى عن مسكنه … أن المنى والمنايا مضرب الخيم
من أنبت الغصن من صمصامة ذكر … وأخرج الريم من ضرغامة قرم
بيني وبينك من سمر القنا حجب … ومثلها عفة عذرية العصم
لم أغش مغناك إلا في غضون كرى … مغناك أبعد للمشتاق من إرم
يا نفس دنياك تخفى كل مبكية … وإن بدا لك منها حسن مبتسم
فضي بتقواك فاها كلما ضحكت … كما يفض أذى الرقشاء بالثرم
مخطوبة منذ كان الناس خاطبة … من أول الدهر لم ترمل ولم تئم
يفنى الزمان ويبقى من إساءتها … جرح بآدم يبكي منه في الأدم
لا تحفلي بجناها أو جنايتها … الموت بالزهر مثل الموت بالفحم
كم نائم لا يراها وهي ساهرة … لولا الأماني والأحلام لم ينم
طورا تمدك في نعمى وعافية … وتارة في قرار البؤس والوصم
كم ضللتك ومن تحجب بصيرته … إن يلق صابا يرد أو علقما يسم
يا ويلتاه لنفسي راعها ودها … مسودة الصحف في مبيضة اللمم
ركضتها في مريع المعصيات وما … أخذت من حمية الطاعات للتخم
هامت على أثر اللذات تطلبها … والنفس إن يدعها داعي الصبا تهم
صلاح أمرك للأخلاق مرجعه … فقوم النفس بالأخلاق تستقم
والنفس من خيرها في خير عافية … والنفس من شرها في مرتع وخم
تطغى إذا مكنت من لذة وهوى … طغي الجياد إذا عضت على الشكم
إن جل ذنبي عن الغفران لي أمل … في الله يجعلني في خير معتصم
ألقى رجائي إذا عز المجير على … مفرج الكرب في الدارين والغمم
إذا خفضت جناح الذل أسأله … عز الشفاعة لم أسأل سوى أمم
وإن تقدم ذو تقوى بصالحة … قدمت بين يديه عبرة الندم
لزمت باب أمير الأنبياء ومن … يمسك بمفتاح باب الله يغتنم
فكل فضل وإحسان وعارفة … ما بين مستلم منه وملتزم
علقت من مدحه حبلا أعز به … في يوم لا عز بالأنساب واللحم
يزري قريضي زهيرا حين أمدحه … ولا يقاس إلى جودي لدى هرم
محمد صفوة الباري ورحمته … وبغية الله من خلق ومن نسم
وصاحب الحوض يوم الرسل سائلة … متى الورود وجبريل الأمين ظمي
سناؤه وسناه الشمس طالعة … فالجرم في فلك والضوء في علم
قد أخطأ النجم ما نالت أبوته … من سؤدد باذخ في مظهر سنم
نموا إليه فزادوا في الورى شرفا … ورب أصل لفرع في الفخار نمي
حواه في سبحات الطهر قبلهم … نوران قاما مقام الصلب والرحم
لما رآه بحيرا قال نعرفه … بما حفظنا من الأسماء والسيم
سائل حراء وروح القدس هل علما … مصون سر عن الإدراك منكتم
كم جيئة وذهاب شرفت بهما … بطحاء مكة في الإصباح والغسم
ووحشة لابن عبد الله بينهما … أشهى من الأنس بالأحساب والحشم
يسامر الوحي فيها قبل مهبطه … ومن يبشر بسيمى الخير يتسم
لما دعا الصحب يستسقون من ظمإ … فاضت يداه من التسنيم بالسنم
وظللته فصارت تستظل به … غمامة جذبتها خيرة الديم
محبة لرسول الله أشربها … قعائد الدير والرهبان في القمم
إن الشمائل إن رقت يكاد بها … يغرى الجماد ويغرى كل ذي نسم
ونودي اقرأ تعالى الله قائلها … لم تتصل قبل من قيلت له بفم
هناك أذن للرحمن فامتلأت … أسماع مكة من قدسية النغم
فلا تسل عن قريش كيف حيرتها … وكيف نفرتها في السهل والعلم
تساءلوا عن عظيم قد ألم بهم … رمى المشايخ والولدان باللمم
يا جاهلين على الهادي ودعوته … هل تجهلون مكان الصادق العلم
لقبتموه أمين القوم في صغر … وما الأمين على قول بمتهم
فاق البدور وفاق الأنبياء فكم … بالخلق والخلق من حسن ومن عظم
جاء النبيون بالآيات فانصرمت … وجئتنا بحكيم غير منصرم
آياته كلما طال المدى جدد … يزينهن جلال العتق والقدم
يكاد في لفظة منه مشرفة … يوصيك بالحق والتقوى وبالرحم
يا أفصح الناطقين الضاد قاطبة … حديثك الشهد عند الذائق الفهم
حليت من عطل جيد البيان به … في كل منتثر في حسن منتظم
بكل قول كريم أنت قائله … تحي القلوب وتحي ميت الهمم
سرت بشائر بالهادي ومولده … في الشرق والغرب مسرى النور في الظلم
تخطفت مهج الطاغين من عرب … وطيرت أنفس الباغين من عجم
ريعت لها شرف الإيوان فانصدعت … من صدمة الحق لا من صدمة القدم
أتيت والناس فوضى لا تمر بهم … إلا على صنم قد هام في صنم
والأرض مملوءة جورا مسخرة … لكل طاغية في الخلق محتكم
مسيطر الفرس يبغي في رعيته … وقيصر الروم من كبر أصم عم
يعذبان عباد الله في شبه … ويذبحان كما ضحيت بالغنم
والخلق يفتك أقواهم بأضعفهم … كالليث بالبهم أو كالحوت بالبلم
أسرى بك الله ليلا إذ ملائكه … والرسل في المسجد الأقصى على قدم
لما خطرت به التفوا بسيدهم … كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم
صلى وراءك منهم كل ذي خطر … ومن يفز بحبيب الله يأتمم
جبت السماوات أو ما فوقهن بهم … على منورة درية اللجم
ركوبة لك من عز ومن شرف … لا في الجياد ولا في الأينق الرسم
مشيئة الخالق الباري وصنعته … وقدرة الله فوق الشك والتهم
حتى بلغت سماء لا يطار لها … على جناح ولا يسعى على قدم
وقيل كل نبي عند رتبته … ويا محمد هذا العرش فاستلم
خططت للدين والدنيا علومهما … يا قارئ اللوح بل يا لامس القلم
أحطت بينهما بالسر وانكشفت … لك الخزائن من علم ومن حكم
وضاعف القرب ما قلدت من منن … بلا عداد وما طوقت من نعم
سل عصبة الشرك حول الغار سائمة … لولا مطاردة المختار لم تسم
هل أبصروا الأثر الوضاء أم سمعوا … همس التسابيح والقرآن من أمم
وهل تمثل نسج العنكبوت لهم … كالغاب والحائمات الزغب كالرخم
فأدبروا ووجوه الأرض تلعنهم … كباطل من جلال الحق منهزم
لولا يد الله بالجارين ما سلما … وعينه حول ركن الدين لم يقم
تواريا بجناح الله واستترا … ومن يضم جناح الله لا يضم
يا أحمد الخير لي جاه بتسميتي … وكيف لا يتسامى بالرسول سمي
المادحون وأرباب الهوى تبع … لصاحب البردة الفيحاء ذي القدم
مديحه فيك حب خالص وهوى … وصادق الحب يملي صادق الكلم
الله يشهد أني لا أعارضه … من ذا يعارض صوب العارض العرم
وإنما أنا بعض الغابطين ومن … يغبط وليك لا يذمم ولا يلم
هذا مقام من الرحمن مقتبس … ترمي مهابته سحبان بالبكم
البدر دونك في حسن وفي شرف … والبحر دونك في خير وفي كرم
شم الجبال إذا طاولتها انخفضت … والأنجم الزهر ما واسمتها تسم
والليث دونك بأسا عند وثبته … إذا مشيت إلى شاكي السلاح كمي
تهفو إليك وإن أدميت حبتها … في الحرب أفئدة الأبطال والبهم
محبة الله ألقاها وهيبته … على ابن آمنة في كل مصطدم
كأن وجهك تحت النقع بدر دجى … يضيء ملتثما أو غير ملتثم
بدر تطلع في بدر فغرته … كغرة النصر تجلو داجي الظلم
ذكرت باليتم في القرآن تكرمة … وقيمة اللؤلؤ المكنون في اليتم
الله قسم بين الناس رزقهم … وأنت خيرت في الأرزاق والقسم
إن قلت في الأمر «لا» أو قلت فيه «نعم» … فخيرة الله في «لا» منك أو «نعم»
أخوك عيسى دعا ميتا فقام له … وأنت أحييت أجيالا من الزمم
والجهل موت فإن أوتيت معجزة … فابعث من الجهل أو فابعث من الرجم
قالوا غزوت ورسل الله ما بعثوا … لقتل نفس ولا جاؤوا لسفك دم
جهل وتضليل أحلام وسفسطة … فتحت بالسيف بعد الفتح بالقلم
لما أتى لك عفوا كل ذي حسب … تكفل السيف بالجهال والعمم
والشر إن تلقه بالخير ضقت به … ذرعا وإن تلقه بالشر ينحسم
سل المسيحية الغراء كم شربت … بالصاب من شهوات الظالم الغلم
طريدة الشرك يؤذيها ويوسعها … في كل حين قتالا ساطع الحدم
لولا حماة لها هبوا لنصرتها … بالسيف ما انتفعت بالرفق والرحم
لولا مكان لعيسى عند مرسله … وحرمة وجبت للروح في القدم
لسمر البدن الطهر الشريف على … لوحين لم يخش مؤذيه ولم يجم
جل المسيح وذاق الصلب شانئه … إن العقاب بقدر الذنب والجرم
أخو النبي وروح الله في نزل … فوق السماء ودون العرش محترم
علمتهم كل شيء يجهلون به … حتى القتال وما فيه من الذمم
دعوتهم لجهاد فيه سؤددهم … والحرب أس نظام الكون والأمم
لولاه لم نر للدولات في زمن … ما طال من عمد أو قر من دهم
تلك الشواهد تترى كل آونة … في الأعصر الغر لا في الأعصر الدهم
بالأمس مالت عروش واعتلت سرر … لولا القذائف لم تثلم ولم تصم
أشياع عيسى أعدوا كل قاصمة … ولم نعد سوى حالات منقصم
مهما دعيت إلى الهيجاء قمت لها … ترمي بأسد ويرمي الله بالرجم
على لوائك منهم كل منتقم … لله مستقتل في الله معتزم
مسبح للقاء الله مضطرم … شوقا على سابخ كالبرق مضطرم
لو صادف الدهر يبغي نقلة فرمى … بعزمه في رحال الدهر لم يرم
بيض مفاليل من فعل الحروب بهم … من أسيف الله لا الهندية الخذم
كم في التراب إذا فتشت عن رجل … من مات بالعهد أو من مات بالقسم
لولا مواهب في بعض الأنام لما … تفاوت الناس في الأقدار والقيم
شريعة لك فجرت العقول بها … عن زاخر بصنوف العلم ملتطم
يلوح حول سنا التوحيد جوهرها … كالحلي للسيف أو كالوشي للعلم
غراء حامت عليها أنفس ونهى … ومن يجد سلسلا من حكمة يحم
نور السبيل يساس العالمون بها … تكفلت بشباب الدهر والهرم
يجري الزمان وأحكام الزمان على … حكم لها نافذ في الخلق مرتسم
لما اعتلت دولة الإسلام واتسعت … مشت ممالكه في نورها التمم
وعلمت أمة بالقفر نازلة … رعي القياصر بعد الشاء والنعم
كم شيد المصلحون العاملون بها … في الشرق والغرب ملكا باذخ العظم
للعلم والعدل والتمدين ما عزموا … من الأمور وما شدوا من الحزم
سرعان ما فتحوا الدنيا لملتهم … وأنهلوا الناس من سلسالها الشبم
ساروا عليها هداة الناس فهي بهم … إلى الفلاح طريق واضح العظم
لا يهدم الدهر ركنا شاد عدلهم … وحائط البغي إن تلمسه ينهدم
نالوا السعادة في الدارين واجتمعوا … على عميم من الرضوان مقتسم
دع عنك روما وآثينا وما حوتا … كل اليواقيت في بغداد والتوم
وخل كسرى وإيوانا يدل به … هوى على أثر النيران والأيم
واترك رعمسيس إن الملك مظهره … في نهضة العدل لا في نهضة الهرم
دار الشرائع روما كلما ذكرت … دار السلام لها ألقت يد السلم
ما ضارعتها بيانا عند ملتأم … ولا حكتها قضاء عند مختصم
ولا احتوت في طراز من قياصرها … على رشيد ومأمون ومعتصم
من الذين إذا سارت كتائبهم … تصرفوا بحدود الأرض والتخم
ويجلسون إلى علم ومعرفة … فلا يدانون في عقل ولا فهم
يطأطئ العلماء الهام إن نبسوا … من هيبة العلم لا من هيبة الحكم
ويمطرون فما بالأرض من محل … ولا بمن بات فوق الأرض من عدم
خلائف الله جلوا عن موازنة … فلا تقيسن أملاك الورى بهم
من في البرية كالفاروق معدلة … وكابن عبد العزيز الخاشع الحشم
وكالإمام إذا ما فض مزدحما … بمدمع في مآقي القوم مزدحم
الزاخر العذب في علم وفي أدب … والناصر الندب في حرب وفي سلم
أو كابن عفان والقرآن في يده … يحنو عليه كما تحنو على الفطم
ويجمع الآي ترتيبا وينظمها … عقدا بجيد الليالي غير منفصم
جرحان في كبد الإسلام ما التأما … جرح الشهيد وجرح بالكتاب دمي
وما بلاء أبي بكر بمتهم … بعد الجلائل في الأفعال والخدم
بالحزم والعزم حاط الدين في محن … أضلت الحلم من كهل ومحتلم
وحدن بالراشد الفاروق عن رشد … في الموت وهو يقين غير منبهم
يجادل القوم مستلا مهنده … في أعظم الرسل قدرا كيف لم يدم
لا تعذلوه إذا طاف الذهول به … مات الحبيب فضل الصب عن رغم
يا رب صل وسلم ما أردت على … نزيل عرشك خير الرسل كلهم
محي الليالي صلاة لا يقطعها … إلا بدمع من الإشفاق منسجم
مسبحا لك جنح الليل محتملا … ضرا من السهد أو ضرا من الورم
رضية نفسه لا تشتكي سأما … وما مع الحب إن أخلصت من سأم
وصل ربي على آل له نخب … جعلت فيهم لواء البيت والحرم
بيض الوجوه ووجه الدهر ذو حلك … شم الأنوف وأنف الحادثات حمى
وأهد خير صلاة منك أربعة … في الصحب صحبتهم مرعية الحرم
الراكبين إذا نادى النبي بهم … ما هال من جلل واشتد من عمم
الصابرين ونفس الأرض واجفة … الضاحكين إلى الأخطار والقحم
يا رب هبت شعوب من منيتها … واستيقظت أمم من رقدة العدم
سعد ونحس وملك أنت مالكه … تديل من نعم فيه ومن نقم
رأى قضاؤك فينا رأي حكمته … أكرم بوجهك من قاض ومنتقم
فالطف لأجل رسول العالمين بنا … ولا تزد قومه خسفا ولا تسم
يا رب أحسنت بدء المسلمين به … فتمم الفضل وامنح حسن مختتم