مع انتهاء الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة 1988- 1989، تشكلت ملامح الهيمنة الأمريكية، وبرزت على التلّة كقطبية واحدة، وخاصة بعد تفكك المنظومة السوفياتيّة، إلى جانب استفادتها من تراجعات قوى دولية – أوروبية وآسيوية-، حيث تمكنت منذ تلك الفترة من فرض نفسها على العالم، وسواء كان عن طريق التدخل في شؤونه الداخلية والخارجية، أو بطريق إقامة الحرب تحت عناوين دفاعية وانتقامية، بحجة أنها ضحية العنف والإرهاب، أو بطرقٍ أخرى متعلقة بعناوين تحقيق الهدوء والاستقرار، وذلك من خلال قيامها بفرض عقوبات اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية ضد الكيانات التي لا تخضع لمعايير رؤيتها واشتراطاتها الجديدة.
برغم ذلك وكما بدا للكل، بأن الأيام التالية لم تصفو كفاية أمامها، فإلى جانب الأثمان الباهظة التي دفعتها مقابل تورّطاتها المختلفة حول العالم، حرباً كان أو على حساب السلم الدولي، فقد بقيت روسيا باعتبارها القوة المتبقية من الاتحاد السوفياتي، تتحرك من داخل مرقدها، بما يؤئر سلباً على خطوات واشنطن، التي كانت تحلم بتحقيقها، خاصة وأنها لم يكن سهلاً عليها ابتلاع ضربتين كبيرتين في آنٍ واحد.
تقريباً، فإن جُلّ الخطوات التي أقدمت عليها واشنطن وحلفائها وسواء المتواجدين في الغرب أو الشرق، والتي تهدف إلى احتواء روسيا وإضعافها، باءت بالفشل، وتوضح ذلك في العديد من المناسبات، وسواء على الأصعدة السياسية أو الميدانية حول العالم، على الرغم من وجود تعاونات مهمّة بين الدولتين في قضايا آخري.
على مدار الفترة الماضية، تم رصد العديد من الأزمات الشديدة والتضادات العنيفة التي طافت بينهما، خاصةً حول الأمور التي تعتبرها كلا منهما تهديداً مباشراً لمصالحها ولكيانها بشكلٍ أعمق، إلى الدرجة التي جعلتهما تُكنّان رغبة جامحة في شن الحرب ضد الأخرى، فمن نوايا الولايات باتجاه نشرها لمنظومات صواريخ وتعزيز البنى التحتية العسكرية على مقربة من الحدود الروسية، إلى عزم الناتو تجهيز مفاجأة نووية ضدها، إلى الإعلان عن نجاح القوات الجوية الأمريكية في اختبار القنبلة النووية الموجهة (B-61)، إلى إقدام الروس على تقويض السياسات الأمريكية على مستوى العالم، وتعمّدهم على مناكفة حلف الناتو في العديد من القضايا الأمنيّة والعسكرية.
الأزمة السورية بشكلٍ خاص، كانت الأشد وضوحاً في توتير الأجواء بعمومها، خاصة وأن روسيا بدت القوّة الأعظم، من خلال تكثيف وجودها العسكري على الأراضي السورية وداخل المنطقة بشكلٍ عام، وإظهار شراسة أكبر في تعاملها مع ظروف الميدان، وبما يتلاءم مع رؤيتها المصلحية، وبالمقابل، عدم إظهارها أيّ ليونة في مفاوضاتها الصعبة أمام واشنطن، حرصاً منها على تقويض أهدافها، وبالتالي ترسيخ أقدامها داخل المنطقة بشكلٍ عام، سعياً إلى تجميع امبراطوريتها الضائعة.
في البداية ذكر جنرالات أمريكيون، بأن احتمالات الحرب مع روسيا هي مضمونة الحدوث، ولا مفر منها، وذلك استناداً إلى وجود تهديدات روسية حقيقية باعتبارها دولة قوميّة حديثة تتصرف- حسب رأي بعضهم- بعدوانية في ظروف عسكرة التنافس، وكان اللواء “وليام هيكس” المسؤول في هيئة أركان القوّات البريّة الأمريكيّة، قد صرّح بهذا الصدد، بأن الجيش الأمريكي يستعد لعمليات عسكرية على نطاقٍ لم يواجهه منذ الحرب الكوريّة في أوائل الخمسينات الماضية.
وكانت روسيا قد شددت على أن العلاقات مع الولايات المتحدة، تشهد أسوأ حالاتها منذ حرب أكتوبر 1973، واعترفت بخطورة الأوضاع، بحيث لا تنعدم الثقة والاحترام بينهما فقط، بل ينعدم الأمن تحديداً، لدرجة أنها ترى بأن أقدامها تقف على شفا الحرب، وكانت تواردت أنباء فور قيام الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” بإلغاء زيارته المقررة إلى فرنسا، تُفيد بأنه دعا كبار مسؤوليه للعودة للبلاد، خشية اندلاع حرب، ترتيباً على الخلافات المترامية حول دور موسكو في الصراع السوري، وكان الرئيس السوفياتي السابق “ميخائيل غورباتشوف” قد حذّر من أن العالم في (نقطة خطِرة) بسبب تصاعد التوتر بين البلدين.
لاشك، فإن العلاقات بين القوتين تبدو متراجعة وتزداد تقهقراً بعد كل فقرة سياسية، وتداعياتها بأي حال لن تكون محدودة أو مؤقتة، بل أتها ستظل ممتدة ومتنامية، وهي في الحقيقة قد تصل بهما إلى إشعال حرب، ولكن ثمن الخسارة لديهما، هو الذي يمنع حدوثها إلى الآن على الأقل.
خانيونس/فلسطين
16/10/2016
-
بحث موقع مفكر حر
-
أحدث المقالات
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **بقلم سرسبيندار السندي
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **بقلم سرسبيندار السندي
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **بقلم سرسبيندار السندي
- ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **بقلم سرسبيندار السندي
- ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.بقلم مفكر حر
- ** تساءل خطير وحق تقرير المصير … هل السيّد المَسِيح نبي أم إله وما الدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ابن عم مقتدى الصدر هل يصبح رئيساً لإيران؟ طهران مشغولة بسيناريو “انقلابي”بقلم مفكر حر
- ** ما سر تبرئة أل (سي .آي .أي) لبوتين من إغتيال نافالني ألأن **بقلم سرسبيندار السندي
- المجزرة الأخيرةبقلم آدم دانيال هومه
- ** بالدليل والبرهان … المعارف سر نجاح ونجاة وتقدم الشعوب وليس الاديان **بقلم سرسبيندار السندي
- رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسيةبقلم طلال عبدالله الخوري
- كيف تفكك مجتمعا ما وتدمر حاضره ومستقبله؟بقلم علي الكاش
- مباحث في اللغة والادب/ 78 وسامة الرجل في التراثبقلم مفكر حر
- دراسة موجزة عن ديوان (فصائد في قصيدة واحدة) للشاعر والأديب ميخائيل ممو.بقلم آدم دانيال هومه
- ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **بقلم سرسبيندار السندي
- ** لماذا الإطاحة بالنظام الايراني … غدت ضرورية غربية ودولية **بقلم سرسبيندار السندي
- الحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولودبقلم مفكر حر
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
أحدث التعليقات
- مفكر حر on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- معتز العتيبي on الإنحراف الجنسي عند روح الله الخميني
- James Derani on ** صدقوا أو لا تصدقو … من يرعبهم فوز ترامب وراء محاولة إغتياله وإليكم ألأدلة **
- جابر on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- صباح ابراهيم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on ** هل تخلت الدولةٍ العميقة عن باْيدن … ولماذا ألأن وما الدليل **
- الفيروذي اسبيق on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- س . السندي on مقارنة بين سيدنا محمد في القرآن وسيدنا محمد في السنة.
- عبد الحفيظ كنعان on يا عيد عذراً فأهل الحيِّ قد راحوا.. عبد الحفيظ كنعان
- محمد القرشي الهاشمي on ** لماذا الصعاليك الجدد يثيرون الشفقة … قبل الاشمزاز والسخرية وبالدليل **
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- عزيز الخزرجي فيلسوف كونيّ on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on رواية #هكذا_صرخ_المجنون #إيهاب_عدلان كتبت بأقبية #المخابرات_الروسية
- صباح ابراهيم on ** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **
-
- ** من وراء محاولة إغتيال ترامب …إيران أم أذرع الدولة العميقة **
- ** هل إغتيال هنية في طهران … فخ لهلاك الملالي وذيولهم أم مسرحية **
- ** هَل فعلاً تمكّن إبليس مِن العاصمة بَاريس … في عهد ألمسخ ماكرون **
- ** كَيْف رصاصات الغدر للدولة العميقة … أحيت ترامب وأنهت بايدن **
- ** العراق والمُلا أردوغان … ومسمار حجا **