كاتب ومفكر عراقي
وزارة الدفاع من أهم الوزرات في العالم لأنها المعنية بالأمن الخارجي للبلد والضامن الرئيس لسيادته وإستقراره وصيانة أمن حدوده. وهذه الوزارة السيادية رغم إنها مخصصة لأهل السنة ـ وفق مبدأ المحاصصة الطائفية المقزز الذي أبتكره المندوب السامي بول بريمر ـ في الظاهر لكنها في حقيقة الأمر مقتصرة على جحوش أهل السنة، وهم زمرة لا تقل عداءا لأهل السنة عن الميليشيات الشيعية، لأن إختيار وزير الدفاع لا يتم إلا بموافقة الولي الفقية في إيران. وما لم يتعهد المرشح للوزارة بتنفيذ الأجندة الإيرانية فأن السماء أقرب له من هذا المنصب الرفيع.
من الصفات الواجب توفرها في وزير الدفاع العراقي وفق الوصاية الايرانية على البلد والإئتلاف الشيعي الحاكم، أن يكون ضعيف الشخصية ولا رأي ثابت له، أي يكون إلعوبة ومسخرة في مواقفه وقراراته، كذلك أن يكون الوزيرخاضعا تماما لوكيل الوزارة الشيعي وهذا بدوره أما إيراني الجنسية أو من التبعية الإيرانية. وفي كل الأحوال فأن المرجع الرئيس لوزير الدفاع والقائد العام للقطعان المسلحة هو الجنرال سليماني الحاكم الفعلي للعراق وليس وزارة الدفاع فحسب، وهذا ما إعترف به وزير الدفاع العراقي نفسه، من عدم قدرته على الوقوف بوجه الجنرال سليماني الذي يدير المعارك ضد تنظيم الدولة الإسلامية في الوقت الذي ينشعل فيه الوزير بمتابعة الأخبار عبر الأنترتيت.
وسوف نستعرض بعض إنجازات هذا الوزير المثيرة فعلا!
1. كشف رئيس وزراء العراق حيدر العبادي عن وجود (50000) جندي وهمي في اربع فرق عسكرية، في اطار مكافحة الفساد في المؤسسة العسكرية منذ توليه المنصب وبعد سقوط حوالي ثلث مساحة العراق بيد تنظيم الدولة الإسلامية. ووعد بمتابعة هذا الملف بسبب خطورة تداعياته التي لمسها الجميع في سقوط المحافظات العراقية كقطع الدومينو الواحدة بعد الأخرى. ولا شك إن وزير الدفاع هو المسؤول الأول والأخير عن هذا الملف الخطير، لكنه لم يصدر أية تعليمات بخصوص الفضائيين أو متابعة الملف وإظهار إحصائية جديدة عن الفضائيين في بقية الفرق العسكرية! فقد فاجئنا الوزير بإحصائية أخرى تبين قوة عقله الثاقب وصلاحيته للمنصب الخطير الذي يتبوأه. حيث ورد في الأخبار” أعلن وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي ان عدد الزوار الذين قدموا الى مدينة كربلاء المقدسة لأحياء ذكرى اربعين الامام الحسين التي تصادف السبت، تجاوز 17 مليون شخص، وبلغ عدد الزوار العرب والاجانب اربعة ملايين ونصف مليون من ستين جنسية، واغلبهم من الايرانيين، فيما وصل عدد الزوار العراقيين حتى اليوم الى 13 مليونا”. مع أن مصدر رسمي في مجلس كربلاء أشار بأن عدد الزوار بلغ (20) مليون، في حين اعلنت ذلك العتبة الحسينية ان اكثر من مليوني زائر عربي واجنبي شاركوا بالمناسبة. ولا عليك بالإرقام وأن كان شارعين فقط في العتبة المقدسة يتحملان هذه الملايين! أو أن مجاري المياه الثقيلة للمحافظة مهيئة لمخلفات هذه الملايين!
لكن هل لوزير الدفاع علاقة بهذه الإحصائيات الخيالية؟ أليس من الأجدى به أن يطلق تصريح أوتعقيب حول ما جاء على لسان مصدر رسمي في مجلس كربلاء بأن ” مدينة كربلاء تتعرض لقصف عنيف بقذائف المورتر من خارج المدينة، والتي تشهد توافد ملايين الزائرين لأداء الشعائر الحسينية. وأن أكثر من 20 قذيفة مورتر هاون قد سقطت على المدينة منذ أكثر من نصف ساعة وما زال القصف مستمراً”. أليس هذا خرقا في الخطة الأمنية؟ وأين المائة الف جندي وشرطي وعناصر الحشد الطائفي من هذا الخرق الأمني مع كل هذه الإحتياطات؟
2. جرت ممارسات قتل وحرق ونهب لممتلاكات المدنيين من بيوت ومتاجر ومواشي علاوة على حرق (23) مسجدا لأهل السنة في السعدية منها (جامع محمود باشا، جامعي النقشبندي الجديد والكبير، جامع أم سلمى، المهيمن، الأنوار المحمدية، السلام، الخطاب، المغفرة، قدوري، سعد بن معاذ، المدينة المنورة، القدوس، نور الهدى، الحبيب، البشير، عثمان بن عفان، معاذ بن جبل، المصطفى،الصحابة، أويس القرني) وجرائم أخرى في منطقة جرف الصخر ومحافظتي ديالى وصلاح الدين من قبل فيلق بدر وعصائب أهل الحق والحشد الطائفي، وقد إعترفت بهذه الإنتهاكات الحوزة العلمية في النجف، وطلبت من أتباعها الوقف عن هذه الممارسات الشاذة، وإعترف رئيس الوزراء بها أيضا، وناشد بالمحافظة على حياة ومتتلكات المدنيين، وإعترف المحافظين وقادة الجيش بها، علاوة على الوقف السني الذي ناشد مرجعية النجف بأن يكف صبيانها الإرهابيين عن تدمير بيوت الله، وكذلك تحدثت عنها المنظمات الدولية.
ولكن لنقرأ ما يقوله وزير الدفاع بهذا الصدد” نفى وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي الذي زار محافظة ديالى ضلوع الميليشيات في حوادث تدمير المساجد”. وقال خلال لقائه بالقيادات العسكرية بديالى” إن أسباب ظاهرة تفجير المساجد في ديالى، هي قضايا ثأرية قديمة بين أشخاص معينين، لم يحددهم”. عجبا! قضايا ثأرية بين من ومن؟ إنها بيوت الله فمن يثأر منها؟ وما علاقة الثأر من بيوت الله بثارات الحسين؟ الأعجب منه يضيف الوزير السني للعظم” بعض العصابات الإرهابية تحاول الإساءة إلى الحشد الشعبي والقوات الحكومية المقاتلة بقيادة هادي العامري”. لم يبق إلا أن يدعِ بأن أهل السنة هم من يفجر بيوت الله!
ثم إلا يخجل الوزير بأن يقول بزعامة هادي العامري؟ ومن هو العامري! هل هو نائب في البرلمان أن زعيم ميليشيا إرهابية! وهل يجوز لرئيس كتلة في البرلمان أن يترك عمله في مجلس النواب ويقود ميليشيا؟ أي برلمان هذا؟ وأي نائب هذا؟ وكيف يرضى وزير الدفاع أن يكون جنديا عند سليماني؟
3. هناك محاولات لإسدال الستار عن ملف الطائرة التي هبطت في مطار بغداد بعد أن رفضت قيادة أقليم كردستان هبوطها في السليمانية محملة بسكاير كما أشاروا أولا! وتبين بعدها إنها تحمل أربعين طنا الأسلحة والذخيرة. ولا يعرف أحد عائدية هذه الحمولة في العراق الجديد! رغم إن الشحنة مصادق عليها من قبل السفارة العراقية! وقتها أنكر وزير الدفاع عائدية الحمولة لوزارته! وصرح بطلاسم لا تفهم منها شيئا ولا تبرر حجم الكارثة، ولا تحدد الطرف المعني! إنما محاولات تهرب لا غير، بقوله ” أن وزارتي الدفاع والنقل لا تتحملان اي مسؤولية بخصوص بشان شحنة الاسلحة المجهولة في الطائرة الروسية التي حطت في مطار بغداد الدولي، وهناك جهات خارجية تدير شبكة داخلية تصول وتجول في بعض المدن العراقية بمسؤوليتها عن شحنة السلاح، وأن قوات الامن والجيش ستكون بالمرصاد لتحركات هذه الشبكة”. أي هراء هذا؟ جهات خارجية ترسل شحنة من الأسلحة والذخيرة لمطار العراق الرئيسي! هل هذه دولة أو مقاطعة لعصابات المافيا؟ وأي شبكة إرهابية تلك التي تستورد (40) طن من الأسلحة؟ من جهة أخرى، أن يتحدث الوزير بأسم وزارته (الدفاع) أمر معقول، لكن ان يتحدث بإسم وزارة اخرى(النقل) فهذه مسخرة لا تحصل إلا في العراق المحتل!
المهم المحصلة النهائية تبين أن الشحنة عائدة لوزارة الدفاع! وأدعت الحكومة بمصادرتها! لكن الطريف ما نقلته وكالة أخبار كردية، عن قيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني التابع لرئيس الجمهورية السابق جلال طالباني” إن الطائرة كانت محملة بشحنة من الأسلحة التي اشتراها الحزب من أمواله الخاصة وبعلم من الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنها ضلت طريقها وهبطت اضطراريا في مطار بغداد الأميركيون والعراقيون كانوا على معرفة بحمولة هذه الطائرة “! حسنا! الأمريكان والعراقيون يعرفون بأمر الشحنة، لكن وزير الدفاع العراقي لا يعرف بها! يا للهول من جمود أبو الهول!
في تصريح لاحق للنائب عن التحالف الكردستاني شاخوان عبد الله في حديث لللسومرية نيوز ذكر” في حال ثبوت المتاجرة مع داعش الارهابي سيتم التحقيق معه من قبل حكومة اقليم كردستان والحكومة المركزية بشأن الشحنة”! إنحرف إتجاه البوصلة أي إنه نفى عائدية الشحنة للإقليم! وفي تصريح لاحق لرئيس اللجنة البرلمانية للأمن والدفاع حاكم الزاملي قال” المعلومات الأولية غير المؤكدة تفيد بتورط تاجر يتعامل بمقايضة السلاح بالنفط مع داعش”.! دخلت داعش على الخط! ولكن أي تاجر هذا الذي يستورد (40) طن من الأسلحة! حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له.
أما باقر صولاغي وزير النقل، فقد قال في لقاء غلى القناة البغدادية يوم 28/11/ 2014 ” ان الطائرة تشيكية وليست روسية ،واثناء تفتيشها ظهر انها محملة بالأسلحة وليس بالسكائر”. ما المقصود من هذا التضليل واللغو؟ هل الطائرة روسية كما ذكر وزير الدفاع أم جيكية؟ أ محملة سيكاير، أم بالأسلحة؟ هل الأسلحة تعود لأقليم كردستان أم لا تعود؟ هل الهبوط إضطراري، أم غير إضطراري؟ هل الأسلحة لداعش، أم للحكومة العراقية، أم لتاجر مجهول الهوية؟ كيف تصادق السفارة العراقية على أسلحة سواء لإقليم كردستان او داعش دون معرفة الجهة المستوردة وإعلام الحكومة المركزية بشأنها؟ أين صاحب العلاقة وزير الدفاع من كل هذا التخبط المخزي؟ سيما ان معلومات من السفارة العراقية تشير بأن الأسلحة موردة أصلا لوزارة الدفاع العراقي! ولذلك صادقت عليها الملحقية التجارية.
السؤال الأول الذي يتبادى إلى الذهن: هل لنظام الملالي في طهران ونظام بشار الأسد علاقة بهذه الأسلحة الروسية، سيما ان علاقة النظامين بروسيا عال العال؟
السؤال الثاني: لماذا لم تعلق لا روسيا ولا التشيك على الصفقة لحد الآن وتبين الحقيقة؟ أليس في الأمر غرابة!
السؤال الثالث: هل صارت داعش شماعة تعلق عليها الفضيحة للتلبيس وإخفاء الحقيقة؟ وهل يعقل بأنها تستورد أسلحة وذخيرة وتهبط الحمولة في مطار بغداد؟
السؤال الرابع. أي من الأطراف تصدر لها روسيا الأسلحة كما جرت العادة؟ نظام الأسد، أم نظام العبادي أم داعش؟
السؤال الخامس: لماذا صمتت الولايات المتحدة أمام هذه التصريحات المتناقضة، ولم تعلق شيئا؟
4. صرح وزير الدفاع بأن ” الحشد الشعبي منضبط ويعمل بامرة القيادات الأمنية”. (السومرية نيوز بتأريخ 1/12/2014.). في حين أصدرت أمانة مجلس الوزراء بيانا قررت فيه اعتماد هيئة الحشد الشعبي كجهة وحيدة مخولة بإدارة الحشد. (وكالة العراق 21/12/14). أي لا علاقة لوزارة الدفاع أو الداخلية ولا بقية الأجهزة الأمنية التي أشار اليها الوزير بالحشد الشعبي، والحقيقة انه لا توجد هيئة مشرفة عليهم، لا وزيرا الداخلية والدفاع ولا القائد العام للقوات المسلحة نفسه، وهذا ما نوه عنه محمد باقر قاليباف أحد قواد الحرس الثوري بقوله” لم أكن أتصور أنه يأتي يوماً من الأيام واللواء قاسم سليماني يقود المجاهدين العراقيين ـ الحشد الشعبي ـ في الحرب ضد داعش”. (القدس العربي6/12/20014).
5. من الطرائف الجديدة، ما ذكره الأخ يزيد بن الحسين عن زيارة وزير الدفاع لمدينة الأعظمية ومناقشته أهالي المدينة عن معاناتهم اليومية، ومنها الحواجز الكونكريتية التي تكتم على أنفاسهم، وتنام بثقلها في وسط شوارعهم بكل عنجهية، علاوة على الألفاظ الطائفية المنبوذة ضد رموز أهل السنة من قبل قوات وزير الدفاع. حاول الوزير أن يستعرض عضلاته أمام الأهالي، فطلب من عميد في الجيش مسؤول عن القاطع رفع أحد الحواجز، فإذا بالعميد يرفض تنفيذ الأمر بكل صلافة وغطرسة، تاركا الوزير المذهول علكا في أفواه الحاضرين! كان موقف الوزير صعبا للغاية فهو أشبه بطفل عملها على نفسه أمام والديه!
علي الكاش