عام 1831 أنشأ الفرنسيون جناحا عسكريا سموه «الفرقة الأجنبية». تألَّفت هذه من المرتزقة وبقايا الحروب. وبعد الحرب العالمية الثانية انضم إليها الألمان الذين كانوا يحتلون باريس وصاروا يقاتلون إلى جانب الفرنسيين تحت ولايتين ولواءين: المال والقتل.
حتى عام 2007 كان ممنوعا على الفرنسي أن ينضم إلى هذه الفرقة باعتبار أن أخلاقه الوطنية وشرفه العسكري لا يسمحان له بذلك.
بنيت روايتي «بائع الفستق» على حكاية لبناني انضم إلى الفرقة الأجنبية وانتهى ببيع الفستق في مدغشقر. وقد غيرت في الأسماء والأمكنة مخافة أن يعرف البعض هويته. وفي أيامه الأخيرة لاحقه الشلل وهدته الكوابيس. لكن الفرقة الأجنبية التي اشتهرت بالقسوة والفظاظة والكفر بالرحمة والمشاعر لم تقاتل إلاَّ الجنود والعسكر. لم تتعرض للمدنيين ولم تدَّعِ الإيمان ولم تزعم التديُّن. تملأ العالم العربي اليوم فرق أجنبية قاتلة لا مقاتلة. فرق تزرع الرعب وتوزع الموت وتئد جميع أشكال الرحمة وتستبدل الاستبداد بالعبودية، والسجون بساحات الإعدام.
ويأتي أعضاء هذه الفرق وجلاّدوها وقاطعو الرؤوس فيها من كل مكان، تجمع بينهم ثقافة الفرقة الأجنبية: المال والقتل. ويبسل هؤلاء قبل ارتكاب أبشع الجرائم في تاريخ الإنسانية. وقد وأدوا الربيع في أيامه الأولى عندما جعلوا العرب يترحمون على أيام صدام حسين ومعمر القذافي. وقد حولوا مدنا مثل بغداد وبنغازي والرقة إلى ساحات مفتوحة للرعب والإرهاب والظلم والتنكيل والإكراه والخوف والعصور الجاهلية. وأعطوا عن العرب والإسلام الصورة المناقضة بتعاليم الإسلام وما كانت عليه أخلاق العرب. ومنحوا روسيا مبرر دعم النظام السوري، وأعطوا زعيم «دولة القانون» في العراق مبرر التنصل من مسؤوليته عن تفكك وخراب إحدى أهم قواعد العرب وآمال الأمة.
لا نعرف من يقف، في حقيقة الأمر، خلف الفرقة الأجنبية الجديدة، على الرغم مما نعرف من بعض الأسماء الظاهرة وبعض فلاسفة العدم. والويل لأمة كثر فيها مفكرو العدم ومبشرو الفناء ومبددو الأرواح والطمأنينة والأرزاق ومستقبل شبابنا في كل مكان.
رفض فتيان في هولندا ركوب طائرة لأنهم شاهدوا مسافرا يقرأ العربية في الكومبيوتر. أو ما ظنوه العربية. فقد تبيَّن أنه يقرأ الفارسية. لكن هذه هي صورة العربي اليوم. إنه الشبح العدمي الذي يقتل ويقتل لأنه على موعد مع حورية الجنة. ما علاقة العدمي بالروح والقاتل بالسماح والمجرم بالغفران. إنها الفرقة الأجنبية الجديدة لكن من دون قواعد الأولى.
نقلا عن الشرق الاوسط