بعد ألف وخمسمائة سنة من تجذر الإسلام في نفوس أبناء هذه الجزيرة نشط في الثلاثين سنة الماضية عدد من الرجال والنساء للدعوة إلى الإسلام مرة أخرى لنبدأ من الصفر. يمكننا القول باطمئنان إن عدد الدعاة الذين يدعون المسلمين في جزيرة العرب إلى الإسلام في الثلاثين سنة الماضية، فاق عد الدعاة الذين جابوا الأرض لنشر الإسلام على مدى ألف وخمس مئة سنة. على اثر هذا الكم الهائل من الدعاة ظهرت لنا مصطلحات كثيرة بينها مصطلح (دعوي)(مناشط دعوية ومحاضرات دعوية ومخيمات دعوية ومراكز صيفية دعوية كاسيتات دعوية مواقع دعوية.. الخ) إلى درجة صار هناك دعاة يدعون المسلمين في مكة والمدينة المنورة أثناء أداء فريضة الحج.
أثناء بحثي في جوجل لفت نظري دراسة بعنوان(رعب اليهود من انتشار الإسلام في أوروبا وأمريكا)عنوان مخيف وضخم ويحمل كثيرا من المعاني. قبل أن أقرأ المقال قلبت الأمر في دماغي. بصفتي أعيش الآن في بلاد الغرب وسبق أن عشت في مراحل متعددة من عمري في بلاد الغرب وخبرت كثيراً بصورة أو أخرى حال المسلمين في الغرب، سألت خبرتي ومعرفتي وما هو ماثل أمامي في هذه اللحظة: ما هي الأسباب التي ستدعو اليهود للرعب من كثرة المسلمين في بلاد الغرب.
لا أبالغ إذا قلت إن تأثير اليهود في كندا يعادل ألف مرة تأثير المسلمين فيها. ولا أبالغ وإذا قلت إن أملاك اليهود في كندا تعادل أكثر (من عشرة آلاف مرة) أملاك المسلمين فيها. ولا أبالغ إذا قلت إن المسلمين هم أكثر التجمعات الدينية صراعاً مع بعضهم البعض. ولا أبالغ في زيادة الألم إذا قلت إن المناطق التي يسكنها المسلمون أو يتجمعون فيها هي الأكثر فقراً والأقل أمناً والأرخص سعراً. في المقابل الأحياء التي يسكنها اليهود هي الأرقى والأجمل والأثمن والأكثر أمناً. وإذا انتقلنا إلى المستوى السياسي والانتخابات فتأثير المسلمين على الحركات السياسية في الغرب هي أقرب إلى (الصفر المطلق). ومن يريد أن يأخذ مثالاً يمكنه أن يقرأ موقف الأحزاب الكندية من الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة. أين مصدر الرعب. الزيادة العددية في البشر؟ هنا نقر أن عدد المسلمين في كندا يزيد على مليون نسمة بينما عدد اليهود لا يزيد على ثلاث مئة ألف. وإذا كان للكثرة أي دلالة على القوة فعلينا أن نتذكر أن عدد المسلمين في العالم أكثر من مليار ونصف المليار بينما عدد اليهود لا يزيد على ثلاثين مليوناً.
بعد هذا الاستعراض البديهي والمعروف عن حال المسلمين في الدول الغربية مع الأسف عدت وقرأت المقال الذي يشير إلى رعب اليهود من انتشار الإسلام في الغرب. عندئذ تجلى في ذهني مصطلح الدراسات الدعوية. أول شروط هذا النوع من الدراسة أنها موجهة للاتباع وليست للعلم والحقيقية. ثانياً هي إعادة كتابة أحلام اليقظة التي زرعها كثير من الدعاة في أذهان أتباعهم. ثالثاً تستند هذه الدراسات على نقطة مهمة وهي الشعور بالدونية تجاه التقدم العلمي والعدلي والحريات في العالم الغربي فتعتمد على استشهادات من مصادر غربية وإسرائيلية سواء كانت حقيقية أو ملفقة. بنية هذه الدراسات تقوم على شتيمة الغرب والحط منه أخلاقيا دون أي ورع أخلاقي يفترض أن يستمده المسلم مؤلف هذه الدراسات من طبيعة خلق المسلم إذا كان يسير على هدي الرسول عليه الصلاة والسلام.
هذه الدراسات هي في الحقيقة مكملة ومعززة لحائط الكراهية والعزلة الذي بناه كثير من الدعاة لعزل المسلمين عن مجتمعاتهم الغربية التي يعيشون فيها. ليبقوا أسرى للقضايا التي أشعلها هؤلاء الدعاة في بلاد المسلمين وحطمت مجتمعاتهم ودفعتهم للهجرة وشحذ اللجوء.
* نقلا عن “الرياض” السعودية
مواضيع ذات صلة: صور عارية لمجندات اسرائيليات